السبت، 17 يوليو 2010

أرض الأمل 2010

أرض الأمل 2010

 
أول مخيم دولي للكشافة الإسلامية الفرنسية مكرّس للتنمية المستدامة.

   في مواجهة التحديات البيئية الغير مسبوقة للإنسانية، من الضروري القيام بإجراءات عملية و وقائية و تربوية. في هذا الإطار تنظم الكشافة الإسلامية الفرنسية ألتي تحتفل ب 20 سنة من وجودها، تنظم القرية الدولية المخصصة كلية للتنمية المستدامة.
   من 20 إلى 29 يوليو 2010، في قلب غابة ( فال كونسولسيون ) بفرنسا، سيقوم مائتي شاب من 14 إلى 25 سنة بتجريب و بطريقة فعلية و يوميا عدة تقنيات تكنولوجية بيئية محافظة على الكوكب.
   بعد النجاح الذي حققته قافلة الأمل المتوسطية التي جابت المغرب العربي صيف 2009، أعطى شباب الكشفية القادمين من الجزائر و ألمانيا و بلجيكا و إسبانيا و فرنسا و ليبيا و المغرب و سويسرا و تونس و تركيا و خاصة سوريا، موعدا بـ ( فوباخ ) يوم الثلاثاء 20 يوليو بمناسبة حفل الإفتتاح و الذي  سيكون تحت شعارالأخوة و الأمل.
   ستقدم تكنولوجيات بئية مناسبة لسير الإقامة مدركَة و محققَة و مقدرة من طرف فرق الكشافة المقسمة حسب الأعمار.
من بين التقنيات:
-  تسيير النفايات ( إعادة التدوير، الترميد، تصفية المياه، ... ).
-  علم النباتات.
-  توجيه و تسيير الوقت، الليل و النهار.
-  البناء البيئي.
-  المحافظة على الطعام.
-  الفرن الشمسي، المنضخ الشمسي.
-  الطاقات المتجددة و النظيفة.


الأربعاء، 7 يوليو 2010

قصيدة الأستاذ جمال أبوالهنود هدية للشيخ خالد بن تونس

 قصيدة الأستاذ جمال أبو الهنود، مدير إذاعة القرآن الكريم بالقدس الشريف، قدمها هدية بمناسبة المئوية العلاوية، قدمها هدية لشيخه خالد عدلان بن تونس قال فيها:

سكنتم سويد القلب في برزخ الصدر     فتاه بكم عقلي و حار بكم لبي
و حـــاولتم إتلاف قلبــي بحبـــكـــم       فطاوعكم كلي و راح و لم يدري
أموت بكم إن غاب عني جمـالكـــم       و أحيا بذكراكم إن جال في سري
و أصحو إذا الحادي تغنى بحبكـــم       و أسكر في معنى سناكم بلا خمر
و أيامي الأعيــاد في باب عزكـــم        و كل الليالي عندكم ليلة القــدر
فداووا مسيــكيــن الغــرام بنظـــرة       يطيــر بها إلى عـــالــم الأمـــر
رضيت بكم و الظن أن ترضونني      على كل حال سادتي منكم جبري




السلام


السلام


 هو الزهرة ذات العطر المسكر المقتطفة من بستان الإطمئنان
هو حركة الحب ألتي تغمــر وتوحد القلوب بالمغفرة و الحـلم
هــــــــو مطيـــــــة الفتـــــــى ألتــــي يقـــــــاوم الجهــــــالـة
هــو غايـــة تفكيـــر الحكيم المستغـــرق في الحضرة الأبدية
هــــو قلـــم العـــالــم الـــذي ينبـــــه و يـنشــــر المعرفــــة
هـــو مــداد الحـــروف السمـــاوية و ســـر الــذات الإلهيـة
هـــــو أســـــــاس الإستقــــــرار و الـــــعدل و الكرامـــــة
هـــــــو القــــــوة المنـــــــقذة للنـــــــاس من الوحــشيــــة
 هـــــــو دواء القلــــب من قــــلق النفــــوس المضطربــــة
هـــــو تسبيــــح الملائكــــة الحامليــــن عـــرش الرحمـن
هـــــو الإســــم الإلهـــي المبــارك الذي تذكره كل الخليقة
هـــو أخيرا الســـلام الذي أدعـــو إليه و أهـب له عبادتي

الشيخ خالد بن تونس
 الكتاب الدولي للسلام.

La Paix.



Elle est la fleur au parfum enivrant du jardin de la quiétude.

Elle est le mouvement d'amour qui submerge et unit les cœurs de pardon et de mansuétude.

Elle est la monture du héros qui combat l'intolérance.

Elle est la méditation suprême du sage noyé dans l'éternelle présence.

Elle est la plume du savant qui éveille et transmet la connaissance.

Elle est l'encre de l'alphabet céleste, mystère de l'essence.

Elle est la fondation de la demeure de la justice et la dignité.

Elle est la force salvatrice des hommes contre la monstruosité.

Elle est le remède du cœur face à l'angoisse des âmes agitées.

Elle est l'hymne des chérubins qui portent le trône Divin.

Elle est le nom béni de Dieu invoqué par toute la création.

Elle est enfin, Salam, à laquelle j'invite et consacre toute ma dévotion.







Cheikh Khaled Bentounès ; pour le Livre International de la Paix.


   القصيدة الشعرية ( السلام )، الترجمة العربية مع الأصل، ألتي ألفها الشيخ خالد بن تونس للكتاب الدولي للسلام.

   " 2002 – يعتبر الكتاب الدولي للسلام المكرس لسان فرانسوا، ثمرة رأفة عظمى لكل معاناة هذا العالم و أمل كبير في السلام. كما يعتبر هذا الكتاب المكون من مخطوطات و من أعمال فنية أصلية فريدا و نفيسا في العالم بركته. و في هذا السياق الإستثنائي، يعبر كل مشارك بعد تحرره من أي إكراه أو ضغط، ببساطة عن أفضل ما لديه، حقيقة القلب المرجع ألذي يتقمص فيه شخصه، و ذلك للأجيال اللاحقة ألتي يخاطبها لأجل أجمل الرموز. السلام بين الناس. و تكمن مهمة الكتاب في نشر رسالته عبر العالم بتخفيف جميع المعاناة. و هو كتاب يحوي حاليا 156 صفحة، و يبلغ وزنه 1,78 مترا ويزن 72 كغ. و يجمع في الوقت الراهن نخبة 86 بلدا مع: 40 ملكا و أميرا، و رئيس دولة و حكومة، و 23 حائزا على جائزة نوبل، و 41 نفرا من السلطات الدينية، و 44 أكاديميا و 98 فنانا... سفيرا...كاتبا...عالما ".
من كتاب ( التصوف الإرث المشترك ) للشيخ خالد بن تونس الصادر عام 2009.

الإمام الجليل الشيخ سيدنا الحاج محمد المهدي بن تونس

 الإمام الجليل الشيخ سيدنا الحاج محمد المهدي بن تونس 
قدس الله روحه و نفعنا ببركاته

 
   إن ما حفلت به حياة الأستاذ السيد الحاج محمد المهدي بن عدة بن تونس من شدائد و أهوال يشيب لها الولدان، لم يعان منها إلا الرجال الأفذاذ الذين جذبهم نور الحق و استهواهم روض الرضى و عبير الرضوان.
   فمنذ أن انتهت إليه مشيخة الطريقة العلاوية بتاريخ 12 يوليو 1952 و هو يشيد المعلمات الكبرى على طريق الهداية و الإلتفاف بالقلوب حول لا إله إلإ الله محمد رسول الله باخلاص لا غبار عليه و بمصداقية تنبو عن كل تداخل و إنشغال بغير المولى الوحيد ولي الملك و الملكوت ألذي له العبودية و التسبيح و الإجلال و التهليل بكل تكبير و حمد.
   استهل تربية الفقراء على الحضور مع الله سبحانه في كل ذكر و تذكر، و مع كل فكر و تفكر، و عند كل تأمل و تدبر، لأن الفقير الى الله ، يعني المتذلل له سبحانه تذللا قلبيا و المستسلم له في عمل دؤوب متواصل لا يعرف الانقطاع و لا يميل إلى الإرتخاء، المحراب مقام أمامه للصلة و الصلاة، و للإسهام بكل عمل نافع يحقق المصلحة الفردية و العامة، لعموم البشرية جمعاء في إخاء و حب و مودة و سلام.
   و عند استهلاله هذا العمل التربوي الرفيع، اندلعت الثورة الوطنية لتحرير البلاد، فهب مع الحاملين لاذكاء أوارها و الحث على تدعيمها، فرصد لها كل جهد، و وجه الفئات و الجموع الى الجهاد في سبيل الله سعيا وراء تحرير الوطن المنكوب بالاستعمار و قضى في هذا المسعى مدة الكفاح على طولها، الى أن حقق الله النصر و التحرير، و توج هذا الكفاح بنشاطاته المختلفة الدينية و الدنيوية إلى أن لقي مولاه ( و إن إلى ربك المنتهى ).

نشأته:
   لما كانت والدته الولية الصالحة الشريفة لالة خيرة رضي الله عنها حاملة به وقبل الوضع بمدة يسيرة صادف أن كان الشيخ المربي الكبير السيد أحمد بن مصطفى العلوي رحمه الله في سياحة فأوصى الامام الهمام الشيخ السيد الحاج عدة بن تونس أن يخبره بما يزدان به فراشه السعيد إن كان المولود ذكرا ليسميه بنفسه، و ما أن وضعت والدته المصونة المولود ذكر، حتى أنهى النبأ الميمون الى الأستاذ العلاوي بتاريخ 1928، فسماه محمد المهدي و قام الشيخ العلاوي بتربيته و رعايته الى أن فارق الدنيا.
   و كان الشيخ العلاوي في مجالس الذكر و غيرها يولي السيد محمد المهدي من البرور و الحدب فيجلسه في حجره محل الرعاية و الحنان، طالبا من الفقراء تركه القيام بما يروق له لمنزلته الكبرى عنده قائلا: ( دعوا ولدي هذا فإن له شأنا عظيما عند الله ).
   و قد تميز عن جميع أفراد أسرته و ما حوته الزاوية من المتجردين بفطنة مبكرة و طبع لين، و تحفز ملحوظ، و قدمه المدرر بالزاوية لقراءة القرآن الكريم و تعلم مبادئ الدين الإسلامي الحنيف.
   و قبل أن ينتقل الشيخ العلاوي الى الرفيق الأعلى أوصى السيد محمد المهدي بالخلافة بعد أبيه السيد الحاج عدة مشافهة أمام أعلام الطريقة العلاوية، و دعم هاته الوصية بوصية مكتوبة لم يقصرها على السيد الحاج عدة بل شملها أصلح أبنائه، و يمتد هذا الشمول فيشمل الشيخ عدلان خالد الذي أنزله الشيخ السيد الحاج عدة بمنزلة إبنه ( يرجع الى مضمون وصية الشيخ العلاوي ).
   و بعد وفاة الشيخ العلاوي انتقلت تربيته الى الشيخ السيد الحاج عدة و هو ينظره بنفس النظرة و يرعاه بنفس الرعاية التي كان الشيخ العلاوي يحيطه بها، و تم له حفظ القرآن الكريم و هو دون البلوغ، مع تمكنه من الشريعة و الحقيقة. و صاحبه معه الى الديار المقدسة سنة 1939.
   و لما بلغ مبلغ الرجال، زوجه والده الشيخ عدة من الولية الصالحة الشريفة لالة أمينة التفريستية المغربية ألتي أكرمها الله بالسيد عدلان خالد و إخوته الأشقاء السادة مراد و أمين و زين العابدين و نصر الدين و الأخوات الشقيقات لالة راضية و لالة نجاة، كما تزوج من الشريفة التقية لالة باية المستغانمية التي ازدان فراشها معه بالسادة فتحي و عزيز و لالة مغنية و لالة زينب و لالة نفيسة.
   وقد عهد إليه والده السيد الحاج عدة بسدانة الزاوية الكبرى بمستغانم و ما يتعلق بمستلزماتها، فأبدى في ذلك نشاطا ملحوظا، و ان مواردها كانت مؤسسة على الفلاحة و الكسب و التجارة.
   و خلال الحرب العالمية الثانية و ما رافقها من الأزمات، حدث أن كان السيد الحاج محمد المهدي يجلب القمح من قرية تيغنيف بناحية وهران خلال سنة 1945 ليبيعه و يوجه بعضه الى الزاوية الأم ليعول به من فيها، و صادف أن رآه ذات يوم أحد الدركيين وقت جلب القمح من الجهة المذكورة، فاضطر الى الإختفاء عن نظره مما حدا بالدرك إبلاغ هاته الواقعة الى حاكم مستغانم لإقامته بها، فاستنطق السيد الحاج محمد المهدي عن هاته الواقعة و طلب منه أن يذكر الحقيقة، فطالب الحاكم بأن يصدقه القول هو أيضا، فواعده الحاكم بذلك، فسأله السيد الحاج محمد المهدي إن كان يقتات مما في السوق السوداء فأجاب الحاكم بنعم، فقال له السيد محمد المهدي إني أزود فقراء الزاوية و مساكينها و اللاجئين إليها الذين يرقون الى ما يزيد عن مائة نفر بجلب القمح إليهم بالطريقة المذكورة أعلاه ليقتاتوا منه، و طلب من الحاكم أن يتأكد من ذلك بايفاد أحد أعوانه للوقوف على جلية الأمر، و فعلا أوفد الحاكم أحد أعوانه فعاين حقيقة ما ذكره، فأعطاه رخصة الإتجار في هذه المادة لحاجة الزاوية الى المردود المتحصل من ذلك، و أبدى الحاكم استعداده لتقديم إعانة مادية فرفض السيد محمد المهدي ذلك و أوقف الأمر على قبول الرخصة فقط كما هي عادة الطريقة العلاوية بامتناعها عن قبول أية معونة من غريب مهما كان نوعها و حجمها.
   و من النوادر التي واجهت السيد محمد المهدي في حياته المبكرة، صادف أن شاهد ضيعة كبيرة ناحية مدينة الجزائر العاصمة، فأعجب بها ليستغلها لفائدة الطريقة فأخبر والده بذلك لتعمل الزاوية على إقتنائها، فصاحبه الشيخ الحاج عدة لمشاهدتها و ما أن رآها و رأى سعتها و ما تحوي عليه من آلات و ماشية و مباني و أشجار و عمال، حتى بادر ولده السيد محمد المهدي قائلا: إن أدخلنا هذه الضيعة بمحتواياتها في قلوبنا، فهل سيبقى مكان لربنا؟ و لما سمع منه السيد محمد المهدي هذه الموعظة ، ارتعش من رأسه الى أخمص قدميه، و استسمح والده في هذا التطلع الذي تطلع إليه، و ما جره عليه من مشقة الإنتقال.

مشيخته:
   بعد أن توفى والده الشيخ السيد عدة بن تونس يوم 12 يوليو 1952 انتقلت المشيخة إلى الأستاذ الأمجد الورع الصبور الشيخ سيدي الحاج محمد المهدي بن تونس ( يختص برحمته من يشاء و الله ذو الفضل العظيم ).
            و بعد وفاة الشيخ يظهر كمثله     فهذي سنة الله جـرت فلا بدلا
   و أقره على ذلك جميع  فقراء النسبة العلاوية في جميع أرجاء المعمورة، بتجديد العهد على يده الشريفة.
   و ساعة توليه المشيخة خاطب الفقراء بأن يلتزموا جانب السلوك الحميد، و أن يتسموا بصفة الجد و الحيوية و الإستقامة، و أنهى إليهم أن الخلوة المعهودة في الطريق على الشكل المألوف، قد أوقفت ليحل محلها العمل الصالح، و هذا العمل يقوم مقام الذكر في الخلوة، و بالفعل فقد فتح الله على كثير من الفقراء بسبب عملهم الحيوي في الطريق ( و قل اعملوا فسيرى الله عملكم و رسوله و المومنون ).
   و أنشأ عدة زوايا في الداخل و الخارج، و جدد بناء الزاوية الكبرى بمستغانم على نمط معاصر، و اشترى عدة أراضي فلاحية جعل جميع ذلك وقفا على الطريقة ضمن الأحباس العلاوية.
   و نظم عدة حفلات لم يسبق لها مثيل في تاريخ الطريق، كان يبتدئ الحفل بالزاوية الكبرى و يخرج الفقراء العلاويون بمشاركة الفقراء العيساويين و المحبين في حشد كبير لغاية ضريح سيدي سعيد بمستغانم رافعين أصواتهم بالذكر و التهليل و الصلاة على مولانا رسول الله صلى الله عليه و سلم حاملين الأعلام مطلقين المفرقعات في أجواء السماء إعلانا للبهجة و السرور بذكرى المولد النبوي الشريف.
   و اشترى آلتين كبيرتين للحصاد و الدرس أرصدهما لاستعمالهما في الحصد و الدرس لفائدة الفلاحين الضعفاء في مستغانم و النواحي المجاورة لها.
   و كانت الزاوية الكبرى تأوي إليها العديد من الطلبة الذين يقصدونها لدراسة الشريعة و القرآن الكريم، و يقيمون بها على نفقتها، كما تحوي على متجردين مقيمين بالزاوية يرقى عددهم من الذكور الى خمسة و ثلاثين نفرا و من الإناث الى إثنتي عشرة متجردة، من بينهم ثلاثة من جنسية فرنسية و هم سيدي المهدي و سيدي عبد الله رضا و سيدي عبد الله فائض.
   و إبان اندلاع نار الثورة الوطنية قصد تحرير البلاد، تمادت أيادي جنود المستعمر الغاشم لتبحث عن الأسلحة في الزاوية الكبرى بمستغانم، و زاوية أخرى على شاطئ البحر، و جنان الطريقة العلاوية بالدبدابة ناحية مستغانم، و استصحبتهم الكلاب البوليسية في عمليات التفتيش هاته، و أسروا سيدي البوزيدي بن عدة بن تونس و سيدي الحاج لخضر و سيدي الحاج البشير و أودعوهم السجن و حكم عليهم بالإعدام و ظلوا في انتظار التنفيذ، و كان الشيخ الحاج محمد المهدي في زيارة للعاصمة الجزائر غائبا عن مستغانم، و لما علم بهذه الأحداث المفجعة أعلم السلطة الفرنسية بأنه هو المسؤول وحده عن أعمال الفداء، فأطلقت السلطات الفرنسية سراح المحكوم عليهم بالإعدام، للإلقاء القبض على الشيخ غداة ذلك اليوم و تنفيذ حكم الإعدام عليه، غير أن حاكم وهران ارتأى تأجيل الحكم بالإعدام للزيادة في البحث و التحقيق من طرفه ليستجلي ما قد يكون هناك من خلفيات، و شرع في البحث بنفسه مع أحد المجردين الفرنسي سيدي عبد الله رضا و بعد أسئلة و أجوبة قال له المجرد المذكور إن عمل الشيخ سيدي الحاج محمد المهدي هو عين العمل الذي كان يقوم به سيدنا عيسى الرسول صلى الله على نبينا و عليه السلام، فتأثر الحاكم الفرنسي بذلك الكلام، و أسلم على يده و انخرط في سلك الطريقة العلاوية، و لما رجع الحاكم الى قومه قال لهم: " إن الشيخ السيد محمد المهدي رجل عظيم يدعو الى الحق بالحق، لا يكره أحدا و جاء رحمة للخلق أجمعين ". فعفوا عن الشيخ، أما المجرد الفرنسي سيدي عبد الله رضا المذكور فقتل بعد ذلك شهيدا عند خروجه من الزاوية الكبرى في اتجاهه الى وسط المدينة.
   و بعد إحراز الجزائر على إستقلالها عرضت أول حكومة مستقلة على الشيخ السيد الحاج محمد المهدي بن تونس اختيار أية مسؤولية في البلاد مكافأة له على إسهامه البارز في مقاومة الإستعمار، فكان جوابه إن ما بذله هو و أتباعه من الفقراء لم يقصدوا به إلا وجه الله سبحانه.
   ومن هنا تتجلى صور الشدائد التي تعاقبت على مرآة هذه الشخصية الفذة المشرقة بالأنوار الربانية، و الفيض الإلاهي، فما لان و لا استكان، و كان الى ربه بالرجوع في كل نفس من أنفاسه بالصبر و التجلد و الحمد و الإستسلام لله الواحد الأحد، هكذا توالت عليه المحن بعد الإستقلال، فأحاطت أعين بعض المغرضين من معاصريه و معاصري أجداده المنعمين، فحاكوا أباطيل و ادعاءات مختلفة نسجوها زعما و عرضوها إفكا للزج به في السجن و الإجهاز عليه، و تم لهم ذلك بإلقاء القبض عليه و وضعه رهن السجن و نفيه الى الحدود الجزائرية التونسية بعد إجراء تحقيقات معه لم تسفر على طائل، ابتغاء إلى الوصول الى نسف الزاوية الكبرى و من فيها و جل أتباعها المهتدين و لما انجلت الشمس و ضحاها و القمر إذا تلاها و النهار اذا جلاها، خرج الشيخ المغوار ظافرا كعادته مبرءا محفوظا و مكرما و عزيزا.
   و رغم ما كان يحاك ضده من كيد و مكر و خداع و افتئات، فإن مواجهة الشيخ قدس الله روحه لهم تخرج أبدا عن المحبة و الإحسان، عملا بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم ( أحسن لمن أساء إليك ) و كان يقول بأن الطريقة العلاوية مبنية على الإحسان و المحبة والسلام و الهداية للجميع.
   و كان اهتمامه الأكبر منصبا على دعوة الخلق الى الله سبحانه بما يقدمه في مجالس التذكير من وعظ و إرشاد و توجيه استغرق الجزء الأكبر من حياته، و ما زالت تلك الدروس محفوظة في أشرطة التسجيل سيتم نشرها ان شاء الله في القريب العاجل، و كثيرا ما كان يركز في وعظه على أن يكون العبد في حضور قلبي مع المعبود، و يختلي في خلوة كلية مع نفسه، كما قال الغوث الأعظم الشيخ سيدي أحمد ابن مصطفى العلاوي رضي الله عنه في ديوانه:
    دور في ذاتـك و افهــم صفاتــك      روحـك دعاتك فيـك فيها سـر عجيـب
   لأن سعادة المرء و شقاوته موقوفة على معرفته و جهله لحقيقة نفسه و معناه، قال تعالى في كتابه العزيز ( فمن اهتدى فإنما يهتدي لنفسه و من ضل فإنما يضل عليها ).
   و هذا هو الداعي الذي كان يدعوه إلى التردد بين زوايا الطريقة العلاوية في الداخل و الخارج لتنبيه الفقراء و المحبين  ليجمعوا باطنهم على مولاهم و تبليغ الدعوة الإسلامية لغير المسلمين، و قد أسلم على يده الشريفة كثير من الأروبيين و غيرهم.
   و قد حج الى بيت الله الحرام مع عديد من الفقراء عدة مرات و كان آخرها سنة 1972 إذ رافقه كثير من المنتسبين للطريقة العلاوية من الجزائر و المغرب و غيرهما. و قد انفردت هذه الزيارة بورود الفقراء و المحبين على المسجد النبوي الشريف بالجهر بالذكر و إقامة العمارة ( الحضرة ) بين يدي رسول الله صلى الله عليه و سلم، و قد شمل الإهتزاز الكثير ممن كان بالمسجد فرحا بالله و رسوله.
   قبل وفاة الشيخ السيد الحاج محمد المهدي بأيام قلائل، أمر صفوة من المتجردين و هم: سيدي عمر الصوفي، و سيدي عبد الله السباع، و سيدي عبد القادر تمزيدة، و سيدي عمر لبيك، و سيدي أبو زيد، للدخول للخلوة لذكر إسم الله الأعظم مبتدئين باسمه اللطيف لابن حجر قصد استدرار الحظوة برؤى صالحة في أمر يكنه في نفسه الطاهرة، و بعد خمسة أيام من الخلوة رأى كل واحد منهم ما رأى، أما رؤيا سيدي عمر الصوفي المذكور فتضمنت مشاهدته للزاوية الكبرى و قد اتسعت لخلق كثير على مد البصر، و هي مفروشة و عامرة بالطلبة و الذاكرين الله و غيرهم، فقام واحدا منهم قائلا: ها هو الشيخ العلاوي قد أهل على الحاضرين، فأسرع سيدي عمر الصوفي إليه، فلما قبل يده الشريفة، ألفى أنه يواجه الشيخ عدلان خالد و ليس الشيخ العلاوي، ثم قص هذه الرؤيا على الشيخ السيد الحاج محمد المهدي، فأقره على ما رأى موضحا بأنه هو الشيخ السيد عدلان خالد حقيقة، قالها ثلاث مرات.
   و الغاية من هذا التوجه لذكر الإسم الأعظم بالخلوة، هو إشعار الفقراء بقرب انتقاله إلى عفو الله، و إعلان من سيكون الخليفة من بعده، علاوة على وصية الجد به.
   و قد توفي الشيخ الحاج محمد المهدي بقرية تونين البعيدة عن مستغانم بنحو إثنى عشر كيلو مترا يوم 24 أبريل 1975، تغمده الله برحمته الواسعة، و متعنا برضوانه و رضوان أجداده الميامين آمين.
      إنتهى ما كتبه الأخوان الفاضلان السيد الحاج أحمد الحضري و السيد الحاج محمد بن عبد الله المريني العروسي.
    

  
  


 
    

الشيخ خالد بن تونس في جريدة لوموند، 2003

جريد ة لوموند، 03 08 2010 للكاتب هنري لنك.

الشيخ خالد بن تونس

   كانت الرائحة مدوخة، رائحة البخور القوية، الممتزجة  برائحة الحلوى العسلية و الشاي بالنعناع و أطباق التمر و أباريق الحليب التي كانت تتجول مابين الصفوف. كانت مدوخة كذلك الأنشاد و الصلوات و الأذكار و الإبتهالات إلى الله دون كلل، و هو ما ضل على مدى أكثر من ألف عام يربط المتصوف المؤمن بأسياده المتزهدين. كان الحضور يرددون مائة مرة نفس الشهادة " الله هو الله محمد رسول الله "، مائة مرة نفس الإستغفار، مرة سورة الواقعة، مائة مرة نفس الحمد و الشكر: " لله الحمد على أن هداني للطريق المستقيم ..." و في كل مائة، كان المقدّم يرفع المسبحة التي تتيح العد الروحاني و يعطي إشارة لتغيير الآية . و من حين لآخر كان يبلل شفتيه المتعبتين بقليل من الماء.
   قبالته كان عشرات من الفقراء بجلابيبهم البيضاء – العباءات الجزائرية- متسمرين في صلواتهم، فيما الأطفال في الصفوف الأولى، يليهم الأكبر سنا ملتصقين بالحائط؛ أما النساء كن متواريات خلف مشربيتاهن. نظرات مذهولة و أيادي معقودة أمام الوجه أو على الصدر، أجساد ساجدة و راكعة و منحنية، كما لو كانت في باليه ميكانيكي. الفقراء ( فقراء بين يدي الله ) بمعنى الكلمة. يقول الرسول صلى الله عليه و سلم: " من تواضع لله رفعه ". ثم يستأنفون صلواتهم بقيادة أحد المنشدين: " إلهي إرض عني... إلهي إحميني من نفسي...من أحب الله و لم يحب رسوله، كيف يمكنه معرفته؟ "، ثم يعطي المقدّم الإشارة بالنشيد الأخير، ويطوي المصحف الكبير ذا الزخارف المذهبة. ينتهي الجمع ( حفل الصلوات و الأنشاد الصوفية، فينهض المشاركون و يتعانقون، قبل مغادرة المسجد. كل يوم جمعة تشهد زاوية مستغانم، في الغرب الجزائري، نفس الإحتفالية. الزاوية هي معبد الجماعة الصوفية بأكملها. و معنى الكلمة ( الملاذ )، أي مكان للصلاة و التأمل مفتوح في وجه كل من يود أن يجد لنفسه ظلة أو شيئا من الهدوء، أو أن يتصالح مع نفسه و أن يسوي خلافا. الزاوية تعني أيضا ( الركن ) الذي يلتقي فيه الروحي و الدنيوي، اللذان يتعايشان في الإسلام. تنتصب فوق زاوية مستغانم منارة باللونين الرملي و الأزرق، و هي توجد في قلب تيجديت، الحي الشعبي للمدينة، و شهدت في نوفمبر 1949 ميلاد خالد بن تونس، الإبن الأكبر لعائلة تضم أربعة عشر طفلا. و هو الآن السيد الروحي – الشيخ - الرابع و الأربعون لواحدة من أهم الجماعات الصوفية في العالم الإسلامي. إذ تعد عشرات الآلاف من المريدين في كل من الجزائر و المغرب و الشرق الأوسط و فرنسا، إلخ.
   و هو مولود جديد، حمله أبواه على أطرف اليدين – كما يقضي بذلك التقليد في مرتفعات الظهرة حتى معسكر- في اتجاه مستغانم، المدينة الروحانية ذات ( العطور الزكية )، كما يدل على ذلك الجذران ( مسك ) و ( غانم ). تلقى خالد تعليمه الأصيل في المدرسة الصغيرة للزاوية، حيث درس القرآن الكريم و الشعر و النحو العربي، إلى جانب قليل من علوم الدين. و فيها ترعرع و تابع عن بعد مراحل حرب التحرير، كما ثار ضد مصير الدواوير التي مسحها الجيش من على الخريطة و حوّلها إلى أحياء هامشية. و يتذكر الشيخ فيقول : " كنا نتسلى بإلقاء الحجارة كانت بالنسبة لنا بمثابة إنتفاضة ". و في يوليو 1962، كان أول من رفع الراية الجزائرية فوق عمدية المدينة.
   كانت مستغانم في شبه عرس، لكن على متن المراكب الصغيرة التي كانت تغادر الميناء، كان الشاب المراهق مغتما و هو يراقب الأروبيين يغادرون مع أثاثهم و لوحاتهم و كتبهم. إنه يؤمن بخطاب الجزائر الجديدة و بالغد المغرد، لكن أساتذته، الجزائريين منهم و المتعاونين، وضعوا بين يديه كتاب رأس المال لكارل ماركس و الشيطان و الإله لجان بول سارتر، في ظل الخواء الثقافي. احتج عمه قائلا: " هذا إلحاد " فرد عليه الشيخ المهدي ، أب خالد الشاب، " لا تقلق إنهم بصدد تلقيحه ". إلا أن الأمور أخذت منحى سلبيا. ففي أعقاب الإنقلاب الذي قام به هواري بومدين سنة 1965، اعتقل في فبرابر 1970 بمستغانم المهدي بن تونس، الذي كان وقتها ( شيخ ) و سيد الطريقة ( الجماعة ) العلاوية – نسبة إلى مؤسسها أحمد العلاوي ( 1869-1934 ) -، و وضع قي مكان سري تحت الإقامة الجبرية، في الطرف الآخر من البلاد.
   بالنسبة لابنه خالد كان ذلك بمثابة عماد النار، اذ كان أبوه واحدا من أشد المناهضين للإيديولوجية الإشتراكية التي أتى بها النظام الجديد: " في وقت كانت فيه الجزائر بكاملها تلوذ بالصمت، كان هو يجرؤ على التكلم و التحدث بكل قوة في المساجد" . كانت ( جريمته ) أنه أراد تأسيس منظمة للشبيبة الصوفية. فتم تأميم أراضي زاوية مستغانم و مدارسها، و هاجم إصلاحيو الجزائر الجديدة إسلاما صوفيا كان يعتبر وقتها كقلعة للنزعة الإسلامية المحافظة. فأي خطأ في حق التاريخ، يقول بتنهد بن تونس الشاب، كي يرث الإسلام الدموي للتسعينات تلك الحقبة التي أرادت أن تفرض علمنة المجتمع بأكمله، و التي قامت في الواقع باجتتات شباب بكامله، حارمة إياه من تعليم ديني معتدل و من أي موروث مقدس، و كذا من التقاليد و التربية الصوفيين و من رموز الأولياء كما لا تزال تشهد بذلك كثرة الأضرحة التي تحيط بمستغانم.
   غيّبت يد المنون القاسية والده في سن السابعة و الأربعين؛ كان ذلك في أبريل 1975. و كان الشاب خالد قد " قرر هجرة بلده بشكل نهائي " ليدير محلات لتجارة الألبسة في باريس. فحل بشكل مفاجئ بالجزائر لحضور عملية الدفن. كان شعره طويلا و كان يرتدي سروال دجينز و سترة جلدية. لكن الحدث نزل عليه كالصاعقة: بمجرد انتهاء الحفل التأبيني، استدعاه مجلس حكماء الجماعة إلى الضريح، ثم قام كل واحد منهم، رسميا، بإعادة مسبحته إلى الشاب اليتيم و مد إليه يده في إشارة لتجديد ( التعلق ) الذي كانوا أعلنوه أمام والده الراحل.
   بتعبير آخر، جعلوا من خالد بن تونس و هو في سن الخامسة و العشرين، و دون استشارته، شيخهم الجديد. استثاره الأمر، فتذرع بقصور كفاءته، قاوم الدموع و السهاد. لكن بعد ثلاثة أشهر، استسلم و قبل أن يخلف الشيخين العلاويين  المشهورين، عدة و المهدي، الذين مازالت الجماعة تردد كل يوم سيرتهما و أفضالهما. على بعد بضعة كيلومترات من مركز مستغانم، يعج وادي البساتين بشجر البرتقال و الرّمان، و تمتد على مرأى العين حقوله الملأى بنبات الوزال الأبيض. وتتباهى النافورات وسط الساحة الداخلية لإقامة شيدت على الطراز الموريسكي، بفسيفساء زرقاء و خضراء منحوتة يدويا، كان الشيخ خالد قد أمر ببنائها كمكان خلوة لأصدقائه و لكافة ( الساعين إلى الله ). و في تلك الإقامة، نطق صالح، و هو طبيب بأحد مستشفيات الجزائر العاصمة، بعبارات عودته للطريق. كان ابن أحد أصحاب الجماعة القدامى، و كان قد عاش عيشة هنية. يحكي هذا الخير قائلا: " كنت أود البرهنة على أن السمكة يمكنها أن تعيش خارج الماء. لكن، عندما تشملك الرعاية الربانية، فلا مجال للهروب ". عاد صالح إلى كتبه و كتابات والده و إلى دراسته على طريق التصوف. و في يوم من الأيام، إلتقى الشيخ خالد الشاب. يتابع صالح حديثه قائلا: " تغيرت حياتي في جزء من الثانية. أفهمني أن الله هو الحي، و أن علي أن أتخلى، كما فعل هو، عن كل ما كان قد مات بداخلي ".
   من غير الممكن للمرء أن يفهم العلم الروحاني للصوفية دون الإمساك بمفتاح هذه العلاقة الفريدة، التي تكاد تصل إلى حد الإفتتان، و التي تربط الشيخ بكل واحد من مريديه. معظمهم هؤلاء ورثوا عن أبائهم تنشئة على الطريقة الصوفية. آخرون يأتون بعد أزمة داخلية عميقة تلّم بهم. لكن جميع الفقراء يتحدثون عن شيخهم كما لو كان فردا من أفراد أسرتهم و جزء من عملهم و من كل لحظة من لحظات حياتهم. يحكي رابح فيقول: " عندما رأيته للمرة الأولى، فكأني رأيت النبي شخصيا ". أما منير، فيسرّ في انتشاء: " لقد نقل إلي شيئا من كوكب آخر ". و حتى على الهاتف، كانوا ( يرونه ) كما لو كان أمامهم. فخلف شخصه، يكون الشيخ دائما حاضرا؛ لا يموت أبدا. إنه تجسيد لتربية تُتوارث جيلا عن جيل منذ أيام الرسول صلى الله عليه و سلم و صهره و ابن عمه علي كرم الله وجهه. و كما جاء في الحديث الشريف: " اعبد الله كأنك تراه، اذ لم تكن تراه فإنه يراك ".
   ابتسم خالد بن تونس بهدوء أمام هذا التفاني. فهو يعيش عيشة إنسان عادي، دون تزهد خاص. لباسه على الطريقة الأروبية، دائم السفر، يعيش بين سياحتين ( زيارات تكون أحيانا بعيدة إلى المؤمنين )، و بين خلوتي وعظ ( خلوة روحية) وبين مسألتين يتعين حلهما. نجده يوما في باريس، يلقي محاضرة في جمع من القضاة، وفي التالي نجده في جلسة حوار فوق منصة مع مدير المركز الوطني للبحث العلمي. قال محذرا: " التكنولوجية من دون روحانيات سوف تقضي على الإنسانية ". إلتقى أفرادا من الكشفية الإسلامية و شارك في حفل للأطفال بمناسبة المولد النبوي، و هو ما كان النظام السابق يسعى إلى منعه. خطابه تجاه الجميع هو نفسه، ( تربية التيقظ ) هذه عزيزة على المتصوفة، و المراد منها توجيه ( مقدرات ) المريد و ( طاقاته )، شابا كان أم كهلا، نحو فيض من الوعي الكوني.
   تتحرك النفوس، بما في ذلك داخل الجزائر الصاخبة، حيث تشهد الجماعات طفرة جديدة. الشيخ مقتنع بالنهج الحداثي لهذه الطريقة التي تجتذب المزيد من الناس نحو زاوية مستغانم: طلبة و أساتذة و علماء و مفكرين و مسؤولين سياسيين. طريقة تبدو في الظاهر طوباوية، لكنها تتخذ لها كـ ( دعامة )قدسية ( الحياة ). يقول الشيخ بحدّة: " من قتل نفسا بغير حق، كمن قتل الناس جميعا ". من الممكن تقديس الجدران و الحجارة، سواء في القدس أو غيرها، لكن ليس على حساب الدم.
   إذا كان كل مخلوق مقدّس، فاحترام الجميع واجب. نحن بعيدون عن الدوغماتية الإسلامية. و يؤكد خالد في هذا الصدد: " ليست الحقيقة ملكا لأحد، نحن نرفض كل تقسيم فج بين من هو على صواب و من هو على خطأ، بين المؤمن و الكافر. في كل إنسان، ثمة فطرة أصلية. و التربية هي التي تجعل منه ما هو عليه. نحن لا نحكم عليه مسبقا و لا ندينه ". الصوفية مدرسة للتسامح و التواضع: " كل الأديان كعقد اللؤلؤ يربط بين أجزائه نفس الخيط الرباني ". و سئل الشيخ في جلسة نقاش عام بغرض نصب فخ له: " لكن هل للمسلم الحقيقي الحق في التحدث مع الشيطان؟ أ ليس عليه واجب الجهاد؟ " فأجاب بأن كلمة الجهاد، قبل ترجمتها إلى ( حرب مقدسّة )، فهي تعني مجاهدة النفس. و يضيف قائلا في تقوى: " خيمة إبراهيم كانت دائما مفتوحة للأجنبي ".
   فإذا لم يكن المريد كاهنا منعزلا عن العالم، تكون كل لحظة من لحظات حياته ( مستنيرة ) بوجود الرحمن، إسم آخر من أسماء الله الحسنى. و هكذا نقرأ بالخط العربي على جدران مدرسة زاوية مستغانم، حيث يمكن تعليم كل طفل بحرية و بدون تفرقة، حديثا للرسول صلى الله عليه و سلم: " ارحم من في الأرض يرحمك من في السماء ".أي بعبارة أخرى، إن حب ما هو رباني يمر عبر حب ما هو أرضي. كان الشيخ العلاوي، مؤسس الجماعة يقول: " إذا لم تجدوا الله بين البشر، فلن تجدوه في أي مكان ". و كان الشيخ عدة، صهره و خليفته، و الشاعر الكبير و النحوي و المتفقه، يخرج المنحرفين من سجن مستغانم لكي يعلمهم مهن الخبازة و الميكانيكا. و يؤكد الشيخ الحالي للجماعة العلاوية بابتسامة مهدئة: " لسنا ندّعي القدرة على تغيير العالم، لكن بإمكاننا تحسين عالمنا الداخلي ". لكنه مقتنع كأسلافه بأن روح التويزة ( التضامن الإجتماعي ) هذه هي أفضل الإسلام. فهو لم يقل غير ذلك للشاب الضائع في الضواحي، كما فعل ذات يوم سبت بغونيس في الضاحية الباريسية، رادعا إياهم عن أي انجرار إلى التمرد و إلى العنف باسم الإسلام الذي لا يعرفونه جيدا. قال مستفزا إياهم: "انظروا إلى أخواتكم و إلى إخوانكم الذين يتقاتلون و يتعاطون المخدرات. فلسطينكم و أفغانستانكم يوجدان هنا فيما بينهم ".
   من بين المنابر التي يكتب فيها الشيخ خالد بن تونس ( شهادات مسيحية )، ( أخبار الأديان )، ( بانوراما )، ( إسلام فرنسا )...هو يكتب مقالات متنوعة حول مواضيع تتعلق بالإسلام و التصوف و الروحانيات، لكن يكتب أيضا عن الإيكولوجيا و دور المرأة وشتى المواضيع المجتمعة. و منذ أبريل 2000 و هو يشارك ككاتب في لجنة تحكيم جائزة الروحانيات التي منحت للمرة الأولى لقداسة الدلاي لاما.

الشيخ خالد بن تونس، صوفي في خدمة حوار الديانات



    الشيخ خالد بن تونس مفكر، و مصلح، و مؤسس الكشافة الإسلامية الفرنسية،  و يشارك في تجمع الثقافات و التقاليد عبر العالم. و هو على رأس الطريقة العلاوية، يجوب العالم واعظا بخطاب توحيدي، و يقود في نفس الوقت، نضالاته من أجل الشبيبة و التنمية المستدامة.

    من هو؟ ولد خالد بن تونس بمستغانم، مدينة صغيرة ساحلية  في شمال الجزائر، عام 1949. ينحدر من عائلة علماء و سلالة مشايخ صوفية. فوالد جدته الشيخ العلاوي كان كاتبا و فيلسوفا صوفيا و مؤسس الطريقة الصوفية العلاوية. قضى طفولته في المناخ الفكري لهذه الجماعة. بدأ حفظ سور القرآن في سن الرابعة، و في سن المراهقة تعلم تفسيره. في هذه الفترة، في الستينات، إكتشف سارتر و ماركس بواسطة النظام الشيوعي الجزائري. عام 1968 و في سن الـ 19 ذهب لدراسة الحقوق و التاريخ بباريس، و التقى بالتي ستصبح زوجته، و أسسا شركة تصدير و استيراد مزدهرة.

    إدراك مفاجئ؟ عام 1975، أبوه القائد الروحي للطريقة الصوفية العلاوية يتوفى فجأة. يعود خالد بن تونس إلى الجزائر للدفن. يعينه مجلس الحكماء لخلافة الفقيد. بعد رفض أولي، تقبل في نهاية المطاف هذا العبئ.

    ماذا يعمل؟ إضافة إلى منصبه كشيخ للطريقة العلاوية، يكرس الشيخ حياته لتربية الشباب و تقديم المساعدة إلى المحتاجين. من خلال العديد من الجمعيات،التي بين الجزائر العاصمة و وهران، تمول المدارس التي تطور البرامج التربوية، و تنشئ هياكل لاستقبال المحتاجين و مرافقتهم نحو الإستقلالية (تكوين مهنيي، التثقيف الصحي، و غير ذلك...). كان هو الباعث للكشافة الإسلامية الفرنسية عام 1991. فضلا عن ذلك، فإنه شخصية مطلوبة للإسلام بفرنسا و حوار الأديان. عام 1986 شارك في لقاءات (أسيس) بإيطاليا تلبية لنداء البابا يوحنا بولس الثاني الذي دعى الزعماء الدينيين للعالم كله للإجتماع. في عام 1999 بناءا على دعوة دلاي لاما، إنظم إلى اللقاء البيديني بـ (سافوا) – فرنسا -. كان في عام 2003 واحدا من  مؤسسي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية ( و هو عضو فيه ). يشارك في العديد من اللقاءات ما بين الديانات لا سيما، كل سنة بـ (ماغدالا) –  (لواري)، فرنسا  - و لمدة ثلاثة أيام، يتقاسم يهود، و مسيحيين و مسلمين لحظة أخوة. أدت به إلتزاماته إلى اتخاذ أيضا إجراءات لتحقيق التنمية المستدامة، و لا سيما بإعادة غرس منذ سنة 2000، ثقافة شجرة الأرغانية بالجزائر، و التي يعتقد أنها إنقرضت منذ عقود.

                                                                                                                                          مغنية بن تونس، مساعدة الشيخ بن تونس.
ترجمة.

الإمام الهمام سيدنا عدلان خالد بن تونس


-->
الإمام الهمام سيدنا عدلان خالد بن تونس
-->
الشيخ الحالي للطريقة العلوية
 حفظه الله و متعنا بعطفته ورضوانه

-->


نشأته الصورية:
  في احدى زيارات الرجل الصالح النائب عن شيخ الطريقة العلوية بالمغرب السعيد المرحوم سيدي الحاج أحمد رضوان التفريستي المغربي للشيخ الإمام العارف بالله الدال عليه مولانا السيد الحاج عدة بن تونس المستغانمي قدس الله روحيهما، فاتحه الشيخ عدة في موضوع زواج ابنه البار الشيخ الحاج محمد المهدي بن عدة بن تونس، فاقترح عليه أن يزوجه من إحدى أخواته البارة التقية المسماة لالة أمينة التفريستية، و بشره بأن هذا الزواج سيكون له شأن عظيم، و الذي سينشأ منه بحول الله و قوته ولد صالح سيعم خيره الدنيا و الآخرة، و تم هذا الزواج الذي ازدان به فراش الزوجية بميلاد السيد عدلان خالد بمستغانم سنة 1949 م. وبعد ثلاثة أيام في رضاعته من والدته المصونة، عهد به الشيخ السيد الحاج عدة الى متجردة صاحبة حال رباني بالزاوية لتقوم بكفالته و تربيته، و كف عنه أيادي جميع أقاربه، و نشأ غريبا و هو في وسط عائلته تظلله قبة الزاوية، و القلوب تشرئب إليه شوقا و محبة و حنانا، ونما عوده في أحضان الزاوية كأنه يتيم، يفترش أرضية الزاوية، أنى داعب الكرى جفونه، تارة على الحصير، و آونة أخرى على عتبة من أعتاب الزاوية، و ترعرع في هذا الجو الروحي المخيم على الزاوية، يتنسم من نفحاتها المباركة و يمتلئ صدره من عبيرها العطر الفواح، ترعاه العناية الربانية التي ساقته الى هذا المعين الرباني الفياض، و خلال أطوار نشأته كان يتلقى بشارات و إشارات تكتب بماء العيون على صفحات العيون من أقطاب الطريقة العلوية، و قد أنزله الشيخ الحاج عدة منزلة ابنه، و هو جده الذي سماه بالاسم الميمون عند ذبحه بنفسه كبش العقيقة، فهلل و كبر و دعا بالخير و البركة و التوفيق للمولود السعيد، و حمد الله اذ أنسأ الله سبحانه في عمره ليعايش هذه البشارة المهداة منه تبارك و تعالى، و ظل في ظل الزاوية بين المتجردين و المتجردات يغرف من روحانيتهم و ينطبع بطابع شفوفيتهم، تحفه نظرة أهل بيته بما فيهم الأستاذ الأعظم الشيخ السيد الحاج عدة، و هكذا الى أن دخل كتاب حفظ القرآن الكريم، ثم اندرج في المدارس العصرية ليواكب الحياة المعاصرة في مستجداتها، و ينهل المعارف الضرورية من مناهلها، و أخيرا احتضنته كلية الحقوق بفرنسا بإشارة من والده الشيخ الجليل السيد الحاج محمد المهدي بن عدة بن تونس الى جانب عنايته الكبرى من الاستزادة فيما حصله من دراسة الشريعة الاسلامية، و خلال مرحلته الدراسية كان يمارس النشاط التجاري بفرنسا في مختلف المجالات التجارية المشروعة، و لما بلغ سن الرشد اقترح عليه والده الشيخ السيد الحاج محمد المهدي أن يتزوج مؤمنة مسلمة من جنسية فرنسية بفرنسا من عائلة محافظة متوسطة الحال، لم يسبق للولد أن تعرف عليها أو رآها، و انما هو اختيار رباني انساق له بايحاء من والده، و أذعن له عن رضى و طيب خاطر، و كان القصد من ذلك إحياء السنة النبوية من جهة الإقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم في زواجه بأمنا و سيدتنا لالة ماريا القبطية رضي الله عنها و أرضاها و متعنا برضاها، و من جهة كان هذا الزواج مدعاة لإقامته بأروبا حيث مجال الدعوة الى الإسلام يلح على طرق أبوابه، و ازدان فراش الزوجية هاته بازدياد كريمتهما السعيدة لالة صوفية أمد الله عمرهم جميعا و متعهم بالصحة و العافية التامين الشاملين آمين.

نشأته الروحية:   
   كان الجو الذي تلقى هاته الرحمة المهداة، جوا مفعما بالروحانية الصرفة و اللطائف الرقيقة و النفحات الربانية، التي تفيض من حضرة العلوي العامرة، و الممتدة الى خلفه الشيخ السيد الحاج عدة بن تونس ثم الى ولده و وارث سره الشيخ السيد الحاج محمد المهدي الذي قال فيه الأستاذ الكبير السيد أحمد العلوي، " انه يتمنى أن يصلي ركعة خلف الشيخ السيد الحاج محمد المهدي في وقت مشيخته ". و هذا من جملة ما حمله على أن يوصي بأن يتولى الخلافة من بعده حسا و معنى الشيخ عدة و الأصلح من أبناءه، و هكذا درج الشيخ عدلان خالد بن تونس في تلقي أنوار شيخه و والده الى أن أصبح لا يستطيع مواجهته وجها لوجه في بعض الأحيان لشدة أحوال باطنيتهما الغيبية، و كفى دليلا على ذلك أنه حينما عاد والده الشيخ السيد الحاج محمد المهدي من الديار المقدسة، هرع الى استقباله مع عديد من الفقراء في الميناء، و لما و قعت عينه على والده و تبادلا النظر، أغمي على الشيخ السيد عدلان خالد و نقل الى بيته و هو على هذا الحال الذي استمر عليه عدة ساعات مديدة، كما وقعت له مع والده في زاوية مستغانم حالة أخرى و هو في مجمع كبير من الفقراء، اذ أخذ مقدم الزاوية بيد الشيخ عدلان ليقدمه الى والده الشيخ السيد الحاج محمد المهدي ليأخذ العهد على مشهد من الفقراء، ولما جلس بين يدي والده و مد يده اليه ليأخذ العهد، التصقت يداهما التصاقا ذاتيا و لم يستطع أي منهما سحب يده، و سرى أثر هذا الالتصاق في ذاتهما، فتصبا عرقا، و تغيرت أحوالهما ظاهرا و باطنا، و ازاء هذا الحال فتح الفقراء العمارة و خلالها فكت يداهما دون شعورهما بذلك، و كلما قدم الشيخ السيد الحاج محمد المهدي بن تونس من الجزائر الى فرنسا بعد غيبة طويلة تجد الشيخ عدلان خالد يتحفظ في كثير من الأحيان من مواجهة والده للسلام عليه مع الفقراء و المحبين  الذين يقصدونه لذلك، فيظل بباب الزاوية مستأنسا بسماع الذكر و المذاكرة و مرتقبا استئناف العمارة و بمجرد انتهائها يبادر الى الخروج تلافيا من تكرار هذه الأحوال القلبية، و بالتالي أشار عليه والده بذكر الإسم الأعظم، ففتح الله عليه فتح العارفين بالله، و تميز بين أفراد النسبة بالنبوغ الفكري و الروحي، مما أهله للقيام بالدعوة الى الله حسب ما يقتضيه الحال  و الزمان، و ظل على هذا المنوال في سمو و صفاء الى أن انتقلت الأمانة الربانية اليه من والده بإرادة إلهية. ( و الشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم ). فأحس بحلولها بين جنبيه و هو في فرنسا حلولا لا كحلول الشيئ في الشيئ، فأدرك من ذلك أن والده الشيخ السيد محمد المهدي قدس الله روحه قد انتقل الى الرفيق الأعلى و هو في مستغانم بتاريخ يوم الخميس 24 أبريل 1975 م، وفي هذا المعنى قال الشيخ العلاوي في لاميته:
        و بعد وفاة الشيخ يظهر كمثلـه     فهذه سنــــة الله جـــــرت فــــلا بـدلا     
   و بمجرد انتقال الأمانة اليه وجد نفسه قد أضحى إنسانا مغايرا للأنسان الأول في رؤيته و وجدانه، و طرأ عليه حال مشابه للحال ألذي أشار اليه الشيخ عبد القادر الجيلالي بقوله في عينيته:
   فلو قيس ما قـــاسيته بجـــــهنم      من الوجد كانت بعض ما أنا جازع
   جفوني بها نوح فطوفانها الدما     و نوحي رعــــد و الزفر اللوامــــــع
  و جسمي به أيوب قد حل للبلا       و إن مسنـــى ضر فما أنا جـــــازع
   و ما نار ابراهيم إلا كجمــــرة       من الجمرات التي حوتـــها الأضالع
   و إن جميع ما أوردناه عن بعض أحوال الشيخ السيد عدلان خالد بن تونس و تاريخ حياته قد صرح لنا بلسانه خلال سنة 1977 م في بيته العامر بإقليم نيس بفرنسا.

ماهية الأمانة من جهة الإشارة:  
   جاء في التنزيل ( لا تبقي و لا تذر لواحة للبشر ).
   إن الأمانة ليست من جنس اللفظ و لا من جنس المعنى، و هي المعبر عنها بالعماء ما فوقه هواء و لا تحته  هواء، و إنما هي غامضة الكنه لا منتهى لها طولا و لا عرضا و لا فوقا و لا تحتا يختص الله سبحانه و تعالى بها من يشاء من عباده، ( يختص برحمته من يشاء والله ذو الفضل العظيم ) و إن الوجود بإسره قائم بها، و ثابت بإثباتها، فلولاها ما كان للموجودات معنى و لا إسم و لا رسم ولا صوت  ولا حياة، فهي قاهرة لكل موجود، مجذبة من تشاء بالفضل و الجود، فليس للعقل مطمح لإدراك كنهيتها، و لا للعين أن ترى لطائف صورتها، و كذلك السمع و الكلام بسبب قهريتها لهما بعزة سلطانها ( لا تدركه الأبصار و هو يدرك الأبصار ) فهي وحدها التي لها التصرف الكلي و الوجود الحقيقي و المشيئة المطلقة ( لا يسأل عما يفعل  و هم يسألون )، و هي كالماء لا لون  ولا طعم ولا رائحة له، و إنما لونه لون وعائه، و إن أول آنية رشحت بها هي آنية سيدنا آدم عليه الصلاة و السلام، و بها أنعم الله عليه بالخلافة الربانية في الوجود، و من أجلها سخر الله له ما في السموات و ما في الأرض جميعا منه، و هكذا دواليك في سائر الأنبياء و المرسلين، و من تبعهم بإحسان من كبار أولياء الله المتقين، و في الحديث ( العلماء مصابيح الأرض و خلفاء الأنبياء و ورثتي  و ورثة الأنبياء )، و إن الكل ساجد لهذه الأمانة من العرش الى الفرش، فمن ظفر بها فقد ظفر بالكل ( من كان لله كان الله له ). وقد عبر العارفون عن الأمانة بأسماء عديدة و عبر عنها الشيخ العلاوي قدس الله روحه بقوله في ديوانه:
   شراب قديم النعت نعجز عن وصفه      فجل في ذاته أن يشــاكل الشـــــكلا
   كأسه من جنسه يسـاعد في شربــــه       و هل كأســـه يكفي دونه قـــلت بلا
   عجبت لــهذا الكأس يســــقي بنفسه      يطوف على العشاق هذا فيه خصلا
   و من نعتـــه سحر رسم في طرفــه       من نظر ختمه تخلى عن الصـــولا

تحمله للأمانة و نهوضه بحقها:
   قال الله تعالى: ( إنا عرضنا الأمانة على السموات و الأرض و الجبال فأبين أن يحملنها و أشفقن منها و حملها الإنسان ). صدق الله العظيم.
   لما كانت الأمانة سر من أسراره سبحانه و حكمة من حكمه و نورا من أنواره يودعها في قلوب أحبابه وأصفيائه ممن اصطفاهم لذلك رحمة منه بعباده، وفي الحديث الشريف (أنا رحمة مهداة ). اختار الله لهذا العصر الإمام المبين قدوة العارفين، لتحمل هذا الإرث العظيم الشيخ السيد عدلان خالد بن تونس نفعنا الله بأسراره و أنواره آمين.
   و من خصائص صاحبها المحمل بها، أن يكون له قبول  و رفعة و محبة في قلوب المنيبين إليه سبحانه، و المتعطشين لخمرة التوحيد، الأمر الذي جعل جميع قلوب أبناء النسبة شرقا و غربا تلتف حوله، و تجدد العهد على يده الشريفة، و من ذلك الحين أي منذ وفاة والده الشيخ السيد الحاج محمد المهدي تغمده الله برحمته سنة 1975
صار شيخ الطريقة العلاوية و إمامها و المسئول عنها، و رئيسا لمركز أحباب الإسلام، و إزاء هذه المهمة المناطة به بصفته حاملا للأمانة يربي بحكمته عشاق الحضرة الإلهية، و يجمع بهمته القلوب على الله، و ينير البواطن بإشراقه، و يوجه بنظرته الناهضين لأمره، و يسهر على إبراز التراث النبوي الشريف لبني الإنسان، في حلة جديدة، أساسها  التوحيد و المحبة و السلام، و من ذلك ما يقوم به من إنشاء عدة زوايا و مراكز أحباب الإسلام في مختلف الأقطار، و تعميرها بالذاكرين و الركع السجود، و تنظيم ملتقيات مع أبناء أمة الدعوة و أمة الإجابة، و طبع كتب الطريقة العلوية و ترجمتها، و إصدار مجلة أحباب الإسلام بالغة الفرنسية بباريس، و مجلة الرسالة باللغة العربية التي توقفت عن الصدور، كما أنشأ مدرسة للإعلاميات بمركز أحباب الإسلام بباريس إلى غير ذلك من الإنجازات.
   و يسعى جاهدا لنشر الإسلام بأروبا و غيرها، و قد أسلم على يده الكثير، و استقطب بعض شيوخ الطرق فأخذوا العهد على يده الكريمة، لما لمسوه فيه من سر الأمانة و صدق الولاية و الخصوصية التي خصه الله بها.
   و قد نظم الأستاذ حفظه الله بتاريخ 14، 15 و 16 سبتمبر 1984 إحتفالا هائلا  و فريدا في حياة الطريق بمناسبة الذكرى الخمسينية لوفاة الشيخ السيد أحمد بن مصطفى العلاوي قدس الله روحه بناحية باريس، حضره الفقراء و المحبون من مختلف الجهات. ضم كبار الشخصيات من المثقفين، أسهم البعض منهم بمحاضرات قيمة عن مناقب الشيخ المرحوم و عن مؤلفاته النفيسة تخللتها أسئلة و أجوبة في موضوع كل محاضرة، و كان ذلك مظهرا من مظاهر استحواذ الطريق على القلوب، و أخذها بالألباب، بما ترسمه من أهداف نبيلة لخير البشرية و هنائها و اطمئنانها على المستقبل المشرق بتجاوبها مع روحها الربانية الصرفة و تعاليم الحنفية السمحاء، والذي لاحظه سكان الإقليم ألذي أقيم به الحفل، أن جميع الوافدين عليه ظلوا بمكان الحفل طيلة الأيام التي نظم خلالها، و لم يبرحوه للتنزه بباريس عند إنتهائه بل شدوا رحالهم عائدين من حيث أتوا.
   و المقصود من إقامة هذا الحفل الكبير، هو تبليغ دعوة  الإسلام و سر الأمانة المتحملة بها الطريق، إسوة بالسلف الصالح من أولياء الله و أحبابه، تحدوهم في ذلك الغيرة الشديدة إقتداء برسول الله صلى الله عليه و سلم، و قد سارت الركبان بأنباء هذا الحفل و ما دار فيه و تناقله كل على شاكلته للوقع السليم ألذي انطبع في قلوبهم و مشاعرهم و الذي عاينوه و كانوا خير شاهد ( ليكونوا شهداء على الناس و يكون الرسول عليهم شهيدا ).
   و دأبت الطريق على مد يد المساعدة للمنكوبين في مختلف جهات الأرض مثل مالي و السنيغال، بما يتوفر لديها من تبرعات محسني الطريق و محبيها تخفيفا من آلامهم و ما يعانونه من عري و جوع و أمراض، بقصد تحقيق التعاون و التعاطف بين بني البشر قاطبة.
   كما نظم الشيخ السيد عدلان خالد سنة 1981 الحج إلى بيت الله الحرام مع جماعة من فقراء الطريقة العلاوية، و قد ترأس بنفسه هذه الزيارة الميمونة، و كانت آية من آيات الله الكبرى في إلتماس الرضى و الرضوان في البيت المعمور، و الحظوة بالتبرك بزيارة قبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، و هذا الجمع ضم فقراء من المغرب و الجزائر و فلسطين و اليمن و مصر و عديد من العمال و الجزائريين بأروبا، وقد تخلل الزيارة كثير من حلقات الذكر و مجالس التذكير و التعارف في أجواء مفعمة بالمحبة و التعظيم و الرحمة و السكون لله سبحانه و تعالى.
   هذه بعض مناقب الشيخ الحالي السيد عدلان خالد بن تونس، و نبذة من أعماله العظام، و نشاطاته ألتي يعسر حصرها لتواليها مع الأيام و تعاقبها مع كل فترة من فترات الزمان، ضاربا بذلك خير مثال للعمل المثمر و المواضبة الدؤوبة خدمة للإسلام و المسلمين، و طالبا لرضى الله و توفيقه، أمد الله في عمره المبارك، و متعه بالصحة و العافية الشاملين التامين، و حقق الله مراده فينا و مرادنا فيه، آمين و الحمد لله رب العالمين.
   إنتهى ما كتبه الأخوان الفاضلان السيد الحاج أحمد الحضري و السيد الحاج محمد بن عبد الله المريني العروسي.