الأربعاء، 16 نوفمبر 2011

رابطة الأخوة

رابطة الأخوة

أجرى الشيخ خالد بن تونس  يوم 03 11 2011 حوارا صحفيا باستوديوهات "ميديا مغرب" بإذاعة الشرق الوسط بمدينة مونتريال الكندية، نشطه صحفي القناة برفقة الدكتور مولود كباش، أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة مونتريال.

بعد الترحيب بالضيف الشيخ خالد بن تونس، قام الدكتور مولود كباش بتقديم نبذة قيمة عن حياته مبرزا أهم أعماله و نشاطاته و ذكر مؤلفاته. ثم بدئ الحوار.

مولود كباش: أولا نريد أن تحدثنا عن لقاءك صباح اليوم بالرهبان الترابيين لـ "سان جان دوـ ماتا"، و عن رباط السلام الذي جرى هناك.

الشيخ خالد بن تونس: السلام عليكم. جزاكم الله عنا خيرا. لقد كان هذا اللقاء، لقاء ذكريات. لا ننسى أن الحوار الإسلامي المسيحي عندنا في التقليد الصوفي و خاصة في تقليد الطريقة العلاوية بدأ منذ زمن. كان الشيخ العلاوي أحد رواده، و هو أول شيخ عبر البحر الأبيض المتوسط، و قد كان حاضرا عند افتتاح مسجد باريس في جويلية 1926. و منذ ذلك الوقت و الشيخ العلاوي دائما في اتصال مع الغربيين و خاصة مع مشاهيرمثل رينيه غينون و شخصيات أخرى صنعت الإسلام الغربي. كان فكره دائما مرتبط بالعلاقة بين العالم الشرقي و العالم الغربي، و يكون قد تبنى هذا الإرث من الأمير عبد القادر الذي كان تكوين الرابطة بين الغرب و الشرق إحدى أمنياته، دعى و عمل من أجلها كثيرا، خاصة في كتابه المواقف. إحتفلنا بثلاثين سنة من اللقاءات مع الرهبان الترابيين، و قمنا بذلك على ذكرى رهبان تيبحرين الذين اغتيلوا بالجزائر، لنبين ثمرة الذي شرعنا فيه منذ مدة، هذا البحث عن الله، عبر مرايا بعضنا البعض، و عبر هذه الحقيقة، لأنه لا يمكن للمسلم معرفة دينه إلا بالذي ليس مسلما، الذي يقوم بامتحانه و يقول له أن الإسلام دين لاتسامح، و دين لا يساير العصر، و ليس للمرأة فيه مكانها، إلخ... أي إلا أمورسلبية، ما يدفع المسلم عندها للبحث إذا كانت هذه الصورة السلبية المروجة بواسطة وسائل الإعلام العالمية واقعية، مقارنة بالإسلام الصحيح و الأصلي و المحمدي. لا ننسى أن الرهبان نخبة العالم الغربي و المسيحي، هم أناس سخروا أنفسهم للصلاة، و الأكثر تهيأ في الحياة المسيحية، أي طريق سيدنا عيسى عليه السلام. على كل حال، يجري الحوار بينا و بين الرهبان، و نتواجد هنا بين واقعين و متطلبين، لأشخاص يعيشون الرسالة في الآن نفسه على المستوى الظاهري، و خاصة في بحث باطني عن الحقيقة الإلهية. قسرا يكون الإتصال على مستوى عالي، و قسرا لا نتكلم عندما نلتقي عن الطقس و المطر، لا يكون حوارنا ذو نقاش عقيم نتساءل فيه من على حق و من يملك الحقيقة، و لكن بالعكس يكون كمرآة يعكس هذه الحقيقة. لديهم نظرة عن الألوهية و الإرث و المشروع المحمدي الروحي برسالته التي حملها في عالم الملك، عالم الثنائية، فيه كل واحد يستبق ليكون له المكان الأفضل و الأعلى. مقتضى هذا اللقاء هو ذكريات أول اللقاءات الذي كان يوم 01 نوفمبر 1980 بتيبحرين بالقرب من مدينة المدية، و هي مستمرة إلى اليوم، عابرة للقارات و المحيطات و البحار إلى هذا البلد كندا بمقاطعة كيوبك. هي ذكرى و اعتراف و شكر لله، الذي أذن لرجال القرن الواحد و العشرين، رجال الدين المغمرين بمحبة الله، أن يلتقوا و يتبادلوا في سلام بدون أن يحوّلوا  بعضهم البعض عن أديانهم أو إقناعهم، بل بالعكس يتعاونون على المعرفة و الإعتراف بالرحمة الإلهية التي تحوي الإنسانية جمعاء في تنوعها كعقد جميل بلآلئ مختلفة، كل واحدة بلونها و بريقها، مربوطة بخيط غير مرئي، هو خيط الروح.

مولود كباش: شكرا على هذا التوضيح. مثلما ذكرت جدك الأول الشيخ العلاوي، سأذكر جدك المباشر الشيخ عدة بن تونس... في ديسمبر 1952 ورد له نص إجابة على سؤال لصحفي يذهب في هذا الإتجاه  و هذا الإرث الذي تدافع عنه و مستمر في تبليغه، و سأله ماهي نظرتك؟ فأجابه الشيخ عدة بن تونس: " نعتمد في توجيهاتنا على الحث على عودة الإنسانية عامة إلى الأخوة و السلام عبر ثقافة العبرة الحسنة و التعاليم الدينية لتقويم الأخلاق من أجل معايشة الأخوة الصادقة و إحيائها لأنها موجودة نائمة في قلوبنا ككمون الزبد، و إذا تكلف كل الناس أن يجعلوا نصب أعينهم هذه الأخوة عليهم من الله أزكى سلام، لاضمحلت كل الفوارق و النزاعات و لعاشوا جميعا في وئام لا تعرقله أي مشكلة. تلك هي نظرتنا ". و أظن أنها نظرتك الشيخ خالد بن تونس. هل لرسالة الإسلام مكان في عالم اليوم خاصة بعد أحداث العشرين سنة الأخيرة؟ لأن الرسالة التي تحملها هي رسالة أخوة ، و الحال أن عالم اليوم هو في صورة مضادة للأخوة. ماذا تقول لنا في هذا؟

الشيخ خالد بن تونس: إذا نظرنا إلى صورة العالم اليوم فهو عالم مليئ بالأوهام. قدمت لنا العصرنة الكثير بلاشك على المستوى المادي، و حتى أنها دللتنا إلى حد أصبحت بالنسبة لنا حمل و ثقل لا يخيل. في الوقت الذي تقدم لنا أشياء و سيارات جميلة و إلكترونيات، و كل ما هو من قبيل الإمتلاك و الظهور، لا تقدم لنا شيئا على المستوى الباطني. أفقرتنا داخليا و جعلتنا معاقين. اليوم، فقدَ الإنسان المعاصر السمع، الإستماع إلى نفسه، الإستماع إلى الصوت الأصلي " ألست بربكم". القرآن الكريم. عندما جمع الله كل أرواح الإنسانية سألهم "ألست بربكم"، الكل أجابوا "بلى شهدنا". القرآن الكريم. كانت هذه الإجابة في العالم الأزلي، و حتى قبل الزمن و الفضاء، فهي تستفسرنا عن السمع، سماع علاقتنا بالله. الأرواح تستمع حتى قبل التكوين البيولوجي. إن الإقرار به تعالى هو ما جعل من الإنسانية حقيقة. فإن لم يكن لها سمع، و لم تسمع السؤال، و عرفت تقديم إجابة، فلم يكن لتتواجد أبدا. هذا الصوت الذي يأتي من بعيد، هو الذي يحرك الإنسان ليجد صوته الأول عندما ذاقت الروح الصوت الأصلي، و منه الوحي، ما هو إلا صوت نزل على الرسل عليهم الصلاة و السلام. و كان الرسول صلى الله عليه و سلم يسمعه مثل صوت الجرس، و مرات يسمع صوت سلاسل. إذن له خاصية. هو صوت يأتي من أعماق شعور الإنسان.

     نعود إلى الأخوة، فإن لم يكن لها أي واقعية، فلماذا بلد معاصر مثل فرنسا يسجلها في كل جبهياته: حرية، مساواة، أخوة. لماذا نؤسس إحدى الجمهوريات بنموذج سياسي، إذا لم تكن الأخوة حقيقة واقعية. بالعكس الأخوة حالة من الشعور. يمكن الحصول على الحرية و المساواة بقوانين و تشريعات و غرف تسنها، و تضع قوانين تسمح لكل واحد  الحصول على الحقوق التي تعود إليه، و يكون مساو للآخر. الأخوة حالة من الشعور صادرة من أنفسنا. أحب أو لا أحب. يقول الرسول صلى الله عليه و سلم: "لا يكون المؤمن مؤمنا حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه"، إذن فهناك معنى أعمق للأخوة، تكون حتى بالتمني، إنه القصد ( النية ) و السريرة. المشروع المحمدي مبني أولا على الشعور الباطني، هذا ما يجعل للأخوة وزنا. يقول الشيخ عدة بن تونس الزبد في الحليب موجود في قلب كل إنسان. يجب ضخ الحليب لاستخراج الزبد، بالإمتحان و العمل على النفس. يحتم علينا عالم اليوم و الغد مسؤولية. الأخوة هي السبيل الأضمن و الأنفع للكل، لأنها تفرض علينا التآزر و التنسيق فيما بيننا، و أن نعيش في الدائرة، و يكون كل واحد فينا نقطة منها، و بمسافة متساوية من المركز، بالإحترام و الكرامة و تقبل الآخر، حتى تتم حركية العالم و تدورهذه الدائرة. كل منا في لحظة ما من حياته سيحمل على كتفيه ثقل بقية كل الدائرة. حسابيا عندما تدور الدائرة، كل نقاطها ستحمل بالتناوب بقية الدائرة، بمعني سيلزم كل واحد بمسؤولية. لا ننسى أن كل نقطة في الدائرة هي الأولى و الآخرة، و لكل منها محاسن و عيوب. يعيش العالم إمتحانا، على كل شخص أن يعي و يفهم أن الحل في طاقة الأخوة الموجودة في قلب كل إنسان، و إلا لن تحمل أي إمرأة ولدا، و يعم الحياة اليأس و العقم. هذه الأخوة إلزامية. يجب الإنتقال من ثقافة أنا إلى ثقافة نحن. هذه متطلباتها. 

الصحفي: لدي سؤال أستاذنا و شيخنا الفاضل. نتكلم عن الصوفية، و سنخص المغرب العربي. لقد كانت هي الإسمنت الإجتماعي في شمال أفريقيا و المنبع الروحي و العلمي لقرون للمجتمع، مادام لعبت دور في الحفاظ على الفن الأندلسي، و كانت محرك المقاومة ضد الطغيان و الظلم في شمال أفريقيا. سؤالي إليك شيخي و أستاذي، في المرحلة الحالية، مرحلة البناء، ما هو الدور الذي قد تلعبه الطرق الصوفية في النهضة الحضارية في إطار بعث فكر التسامح، و نحن نعلم بوجود إشكالية عدم التسامح حقيقية في مجتمعاتنا، بين المرأة و الرجل، و داخل العائلة، و بين الذين لا يحملون نفس الأفكار؟ 

الشيخ خالد بن تونس: على كل حال ستكون إجابتي كممثل عن الطريقة العلاوية، لا أستطيع الإجابة نيابة عن بقية الطرق. دور التصوف في نظري يجب أن يكون حضاريا، لأن كل حضارة بدأت بالتربية الأخلاقية، و التصوف قبل كل شيئ آداب، يرفع همة و فكر الإنسان، و يرقي شعوره إلى مقام الإحسان، حتى تصير أقواله تصدق أفعاله. لذلك علينا في المجتمع الإسلامي و العربي و المغاربي أن نبتكر أفكارا تساير العصر، و تفتح قلوب الخلق، و توقظ شعورهم بتربية أدبية و أخلاقية و روحية. ينبغي القيام ببحث في الماضي و ليس رجوع، كما قال تعالى " كل يوم هو في شأن". القرآن الكريم. لا يمكن للإنسان أن يعود للوراء. 
             ليس الفتى من يقول كان أبي     و إنما الفتى من يقول ها أن ذا
    المشكلة عندنا في العالم الإسلامي أن التدين صار هو الهدف، و عند القوم الصوفية، الدين وسيلة و طريق لمعرفة الله. و قولنا معرفة الله هو معرفة النفس. يقول الرسول صلى الله عليه و سلم: " من عرف نفسه عرف ربه ". فهي معرفة النفس. آية أخرى تثبت هذا " و نفس و ما سواها فألهمها فجورها و تقواها ". القرآن الكريم. فالإنسان الذي يفتش و يبحث عن جانب الفجور و جانب التقوى فيه  يطمئن. بالتربية و الآداب تصل نفسه إلى رقة و شعور، و تتحول من نفس أمارة بالسوء لا تعرف كمون الفجور بها، بل تفتخر به، و تعتدي على الغير،  إلى نفس لوامة، تارة تعصي و تارة تتوب، و تندم على فعلها. يصبح للإنسان ضمير يحاسبه على أفعاله و أعماله، باتباع ذلك الطريق، طريق الصفاء، و يعبر عنه الصوفية بـ: الشريعة أنت و أنا، و الطريقة أنت أنا ، و أنا أنت، و الحقيقة لا أنت و لا أنا و لكن هو – سبحانه و تعالى-. إذا وصل الإنسان إلى تلك الدرجة يكون في مقام الإحسان، و سيرى غيره مثلما يرى نفسه، إذا مس الآخر سوء أو عذاب أو رحمة، يشعر بذلك، و تكون هناك مبادلة فيما بينهم. سبق و أن تكلمنا عن العائلة و الأولاد و الأزواج، كيف يجب أن تكون المعاملة فيما بينهم، و تعامل العائلة  يكون وسط الحي، و الحي في وسط البلد، و البلد وسط الكرة الأرضية. كلنا عائلة تربطنا أصالة واحدة أكرم الله بها بني آدم " و لقد كرمنا بني آدم ". القرآن الكريم. ينبغي أن تكون للمرء نية حسنة في الغير مهما كانت أفكاره و أفعاله و دينه، فهذه اختلافات لا تهم، فكل امرء مسؤول عن نفسه و أفعاله، و كل نفس تحاسب على أفعالها، و لا على أفعال غيرها. سيؤدي هذا إلى تجديد التصوف، و ليس هذا إلا روح جديد في الإسلام نفسه.
    حاليا انحصر الدين في الشكليات و طريقة الأكل و اللبس، أي المظاهر، و استترت البواطن و اختفت المعاملات و الشعور في رفع الهمة، و الرسول صلى الله عليه و سلم يقول: " إن للمرء همة لو تعلقت بالكون لجذبته "، لم يسمي مسلما أو مؤمنا، بل عمّ بالمرء. إذا سمت همة الإنسان و بلغت درجة، و لن يكون هذا إلا بالروحانيات التي تملك قلب و فكر الإنسان، فستفتح له باب السماوات و الأرض.

الصحفي: شكرا يا شيخ على هذا التنوير.

مولود كباش: نعود إلى المناقشة الأولى التي دارت بيننا. ألخص ما ذكرت. قلت أن المستقبل يكون بالرجوع إلى القيم الكونية للعالم، ليس العالم الإسلامي، بل عالم الأخوة التي تكلمت عنها، و هي مبدئك للوصول إلى تجديد فكره و وحدته و إشعاعه. تكلمت عن الطريقة الصوفية، و سيكون سؤالي أكثر دقة يخص شمولية هذه الرسالة. هل طريق التصوف هو المرجو لتكريس هذا الرجوع إلى القيم الكونية؟ و نلاحظ اليوم وجود العديد من مدارس الفكر في الإسلام، ليس فقط مدارس بل مناهج لتفسير النص. هناك فرق بين من يحترف التفسير و من يحترف التأويل، لا يبحث الصوفي عن حرفية النص و لو كانت مهمة بالنسبة إليه، بل يذهب إلى أبعد من الحرف، إلى المعنى، و في هذا المعنى نحصل على كونية الرسالة القرآنية و الرسالات التوحيدية و المشركة كذلك. هل للطريق الصوفي القدرة لتكريس العودة إلى القيم الكونية؟ و إذا كان الأمر كذلك، فماهي الوسائل الواجب اتخاذها لإيقاظ الناس لهذا الشعور، و هو الشعور (الضمير) الباطني أو الروحاني؟

الشيخ خالد بن تونس: بمأنني في طريقة صوفية لا أقول لك أن السلام في التصوف، ليس كلامي، بعيدا عن ذلك. ما أستطيع قوله هو أننا اليوم نتعلم بموضوعية و عقلانية قراءة القرآن الكريم حتى في جانبه الحرفي بدون التدقيق أو الخوض في عمقه. هناك الكثير من الأمور متواجدة أمام أعيننا. تكلمتَ عن الكونية و رسالة  الإسلام، فالأمر جلي، فقد قال الله تعالى في سورة البقرة، بعد بسم الله الرحمن الرحيم " إن الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين من آمن بالله واليوم الآخر وعمل صالحا فلهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون ". القرآن الكريم. الأمر واضح و صريح، إذا لم تكن إلا هذه الآية لمن توهم... فلا نحتاج ذكر أخر للذين يشكون في هذه الرسالة الكونية. عندما يتكلم القرآن مع أهل الكتاب أحيانا يكون بكلام يُقوّم الحقيقة " لقد أخطأ الذين.."، ينبغي الرجوع إلى الحق. قالها للمسيحيين و المسلمين و للكل. القرآن متوجه إلى الإنسان قبل كل شيئ. و قد جعلنا من القرآن كتابا خاصا بنا. القرآن جزء من التراث الإنساني، يكلم الإنسان، أيّ كان، و كيف كانت درجته. لنقرأ القرآن بأعين متفتحة، و ليس بأعين مغمضة، بتكييف بسيكولوجي منغلق في عقيدة إسلامية تثير الشعور بالذنب، يعيش المسلم شاعرا بالجرم. التعليم الإسلامي الذي كان  في بدايته معاصر إلى أبعد حد و منفتح للغاية، شيئا فشيئا أُغلق، و نستعمل وسائل القرن العاشر لقراءة و تحليل الشريعة و القرآن. كل التراث الإسلامي يقرأ بمفاهيم و وسائل القرن العاشر بعدما أغلق الإجتهاد، و لا يجترئ أحد اليوم حقيقة، على الإستثمار لإعادة القراءة، و تكريس هذه العلاقة التي لنا مع السلف الصالح. عندما نتكلم اليوم عن السلفية، ليس في الإتجاه الذي نصل به إلى الروحانية الأصيلة و الإنفتاح و الإسلام الحي، الذين كانوا لهم، و لكن إلى إسلام هزئي، خارجي، مفتقر، و منتقص. للأسف، هذا هو الإسلام المروج له من طرف دول لها إمكانيات مادية ضخمة، يطبعون ملايين الكتب، و يدفعون في العالم لأئمة و علماء، و يرممون المساجد، إلخ.. مما جعل اليوم فكر الإسلام ينتقص شيئا فشيئا كشجرة لا تعطي ثمارا، لديها أوراق و أخشاب و حركات عديدة. نحن مليار و نصف مليار مسلم على الأرض، ماذا نفعل حقيقة في مصير العالم، و صياغة فكره، و الإستثمار في علومه و تقنياته و ماليته، و أغلبية الدول غنية. ما الذي يجعل اليوم قيمة إسلامنا، لا نتكلم عن الرسالة، نتكلم عن المجتمع. كان المشروع المحمدي الرجوع إلى الروحانية ، لم يكن للرسول صلى الله عليه و سلم مشروع سياسي، و إلا قاله لنا، و لكان قد آثر الملكية، أو اختار الجمهورية، أو ترك لنا آثرا نسير عليه. ترك المجتمع الإنساني حرا في اختيار مصيره. الشيئ الوحيد الذي اشترطه هو الشورى. أليس مفهوم الشورى هو الديمقراطية الحقيقية، عندما يكون لكل واحد الحق في الكلام. عندما نقول أهل السنة و الجماعة، فجماعة تعني عدة أشخاص، و عدة آراء، و مَن سيسود هو الذي يُوَحِد، فيد الله مع الجماعة. ما رمزية هذا، طبعا له خمسة عشر قرنا، لا يمكن أن تكون له لغة العصر، و نستطيع فهمها. حتى القراءة السطحية يمكن أن تفتح أعيننا إن كنا صادقين. أما إذا قمنا بالترويج لدين المتاجرة أو الإيديولوجية أو للوصول إلى السلطة، فهذا شيئ آخر.

مولود كباش: إذا فهمت جيدا، فأنت تردنا إلى موضوع مهم، المسألة السياسية، و العلاقة بين السياسي و الديني. هذا يعود إلى وقت بعيد في العالم الإسلامي، إلى القرن الأول للإسلام عندما وقع نزاع بين الجماعات كما ذكره المؤرخون. إن الذي أخذته عنك هو أن الثقافة المحمدية من ناحية ما، تدعونا إلى الغيرية، لأننا لا نكتشف أنفسنا حقيقة إلا إذا تقبلنا علاقة الغيرية مع الآخر، سواءا كان صديق أو عدو، فهذا الأخير يثير فينا التساءل. هذه القيم الكونية التي تكلمت عنها آنفا، و تشرحها جيدا، لم تطبق في الحقيقة، لأن السياسة سطت على الديني، و هذا الأخير لم يفكر في مشروع سياسي. لنكن دقيقين، لم يترك الرسول صلى الله عليه و سلم مشروع سياسي، و سمح بحرية إختيار صيرورتنا. الإلزام الوحيد الذي قرره هو الشورى، التي نستطيع تسميتها بالديمقراطية كما شرحت ذلك. إن الذي حدث أن هذه الديمقراطية تخلى عنها العالم الإسلامي منذ القرن الأول، و الذين جاهدوا من أجلها لم تكن لهم الكلمة الأخيرة. أليس الروحانية ما سيعطينا إعادة القراءة؟

الشيخ خالد بن تونس: لديك خلط مع الذي حدث مع الخليفة الرابع سيدنا علي، و الخلفاء الراشدين أربعة، سيدنا أبو بكر، و عمر بن الخطاب و عثمان بن عفان ، و علي ابن أبي طالب رضي الله عنهم أجمعين. و نرى الصدمة التي حدثت منذ ذلك الوقت، وغزت السيايسة الرسالة، و اخفيت الرسالة الروحانية للإسلام، و لهذا وجدت سلسلات روحية حافظت عليها حية. أخفيت عن العامة و ليس عن الصفوة. بقيت هنا، و ما زالت هنا، و أتمنى إن شاء الله أن يجدها أولادنا و أحفادنا  ما زالت حية. 

الصحفي: شكرا لك...

لقاءات الأديان من أجل السلام و الأخوة

لقاءات الأديان من أجل السلام و الأخوة
رحلة الشيخ خالد بن تونس إلى كندا

    قصد التبادل و التعارف مع تقاليد روحية مختلفة من العالم، قام الشيخ خالد بن تونس بمعية إخوان من فرنسا و الجزائر و سويسرا و بلجيكا بزيارة لكندا. بالمناسبة، حضّرت الجمعية الصوفية الدولية العلاوية، فرع كندا، الحديث النشأة (AISA Canada) برنامجا خاصا، ثريا و متميزا، أجرى من خلاله الشيخ خالد بن تونس عِدة لقاءات مسكونية مع ممثلي معتقدات أخرى، و ألقى محاضرات قيمة، أبرزت البعد التسامحي للإسلام، و الروح الأخوية للمتصوفة، و دعى جميع الأطراف للقيام بأدوار لتقديم يد المساعدة للإنسانية، و المشاركة في عالم اليوم المليئ بالمتناقضات، كما خَص بحوارات صحفية، وكالات إعلامية مسموعة و مقروءة.

رهبان تيبحرين
    بدأ الشيخ خالد بن تونس لقاءاته المسكونية مبكرا، في حواره و عمله على ربط خيوط الأخوة الآدمية، مبدأه الذي يدعو إليه و يشدد عليه أحيانا، في عالم اليوم المضطرب، تتواجد فيه الإنسانية في خطر.
    بطلب منه إلى مريديه بمدينة المدية بالجزائر بإقامة زيارات إلى إخوانهم المسيحيين لتيبحرين، جرى يوم 01 نوفمبر 1980 أول لقاء بين المسلمين و المسيحيين، و كان الهدف منه التعارف و ربط علاقة أخوة و إجراء نقاشات. سميت هذه اللقاءات برباط السلام، و كانت تجرى دوريا مرتين في السنة بين الرهبان و مريدي الطريقة العلاوية.
     في كل لقاء كان يختار موضوع من القرآن أو الكتاب المقدس و يناقش، و في اللقاء الموالي يشهد كل طرف عن تجربته الخاصة المعاشة حول الموضوع المختار. مع مرور السنين الدائرة التي كانت ضيقة اتسعت، و أصبح عددا من المسلمين و المسيحيين يحضرون اللقاءات من ولايات أخرى.
    في مارس 1996 أثناء المأساة الجزائرية، اختطف سبعة رهبان فرنسيين من تيبحرين، و استمر البحث عنهم لأسابيع، و شهران من بعد، وجدوا مقتولين. أحدث نبأ إغتيالهم ضجة إعلامية عالمية، وضعت السمعة الجزائرية في المحك. خلدت مآثرهم بإخراج فيلم سنة 2010، نال جوائز سنيمائية دولية.
                                          اللقاء المسكوني مع رهبان تيبحرين.

الرابطة المسيحية الإسلامية
    يوم 01 نوفمبر 2011، زار الشيخ خالد بن تونس بمعية مرافقيه الذين كان عددهم حوالي سبعين، دير السيدة العذراء بـ "سان جان دوـ ماتا" بمقاطعة كيبك، و كان في استقبالهم الأب بيير أندري باربو الذي رحب بضيوفه قائلا " توجد المحبة في الجو". و في مداخلته قال أن " اللقاء جريء و محفوف بالمخاطر" و أضاف " أن القلوب من تنفتح على الآخرين لكي نبني عالم أفضل"، و واصفا رمزية الإجتماع قال " لكي يكون قوس قزح جميل حقا، فمن الضروري أن يكون كل لون جلي من دون أن يختلط أو ينصهر مع غيره من الألوان".
    من جهته قال الشيخ خالد بن تونس" أن تضحية رهبان تيبحرين لم تذهب سدى... إن هذا اللقاء يبدو هامشي، و لكن للهامشية معنى، لأنها تسمح بأن نجتمع بدون أن نتشابه". و أضاف " كل واحد فينا حرف. و عندما تجتمع الحروف تُكوّن كلمة". جرى هذا اللقاء احتفالا بمرور 31 سنة من اللقاءات البيدينية. في هذا الإجتماع اختير موضوع اللقاء الآية الكريمة:
" و لو شاء الله لجعلكم أمة واحدة. و لكن ليبلوكم فيما آتاكم. فاستبقوا الخيرات. إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون". القرآن الكريم.
    تكونت خمسة أفواج عمل لمناقشة و دراسة هذه الآية.
     الشيخ خالد بن تونس مع المطران جيل لوسيي و الدوم بيير أندريه باربو، أثناء لقاء مسيحي إسلامي.

حدث الأمير عبد القادر
    بالمناسبة، رافق هذه الزيارة حدث الأمير عبد القادر الجزائري الذي ينظم لأول مرة بكندا، و اشترك في تنظيمه كل من "عيسى كندا" و مهرجان العالم العربي و جامعة مونتريال و مؤسسة "فامون في"، أقيمت خلاله ندوة و معرض الأمير عبد القادر، الذي أحدث سنة 2003 بمناسبة سنة الجزائر بفرنسا، بحضور محافظته السيدة ستي سيمون خديس، و سبق إقامته في دول عديدة ( اليابان، سوريا، قطر، إلخ..). سيقام هذا الحدث المهدى لروح الأمير عبد القادر و رسالته المعاصرة، تحت شعار " للعيش معا في وئام و للحوار بين الحضارات من أجل السلام ". شارك الشيخ خالد بن تونس في هذه الندوة التي اختير لها العنوان " الأمير عبد القادر و الغرب: الدروس المستفادة من حوار حضارات الأمس لعالم اليوم ". كانت للشيخ خالد بن تونس نقاشات بعد مشاهدة عرض فيلم لبناني "عكس التيار"، يقوم بإدانة التعصب الديني والطائفي، و يشهد للتضامن البيديني، لاسيما من خلال نموذج يقدمه أربع شخصيات إسلامية مختارة من بينهم الأمير عبد القادر الجزائري.

لقاء الأديان من أجل السلام و الأخوة
    يوم 02 11 2011 نظم المركز الكندي المسكوني إحتفالا للأديان من أجل السلام، واستقبل السيد جيرالد ترومبلاي رئيس بلدبة مونتريال ممثلي الديانات الإبراهيمية الثلاث المسلمة و اليهودية و المسيحية، بمقر بلدية مونتريال، و كان الشيخ خالد بن تونس حاضرا مع فريق "عيسى كندا".
إحتفال للسلام بين الأديان بمقر بلدية مونتريال. 

    إتجه بعدها الشيخ، جنوبا إلى الحدود الأمريكية الكندية، إلى أشرمية منغالام(1)، أين وجد ترحيبا من طرف القيّم على الأشرمية السيد إيريك إدلمان و تلامذة المعلم الراحل أرنود ديجاردان(2). في حلقة الإجتماع قال الشيخ خالد بن تونس: "سئل يوما الشيخ عدة بن تونس  'مَن أنت' فأجاب ' أنا واحد من دائرة الأخوة '. و هذه الدائرة اليوم هي حقيقة. في نهاية العالم، الجديد و بالقرب من الولايات المتحدة و بكندا. تدعونا الإرادة الإلهية كلنا، و تُظهر لنا أن كافة الناس مهما كانوا، هم لآلئ، أحجار كريمة، كل واحد بفرديته مربوط بخيط الروح، مما يجعل بهما جمال التوحيد. في هذا العقد، كل لؤلؤة تلمع ببريقها، متصلة بالأخرى، و مجتمعة، بدون أن تتشابه، تصنع دائرة الأخوة الإنسانية...".

الحوار مفتاح التعايش
    بمكتبة بولين، شارك يوم 08 11 2011 في طاولة حوار عنوانها "الحوار، مفتاح التعايش" مع كل من الأسقف تسيير و السيد جون كيسر و الأستاذ إيريك جوفروا.
     أثناء الحوار قال الشيخ خالد بن تونس في مداخلة له:
 " يفرض التعايش أخذ الآخر بعين الإعتبار. يعلمنا الآخر النظر في أنفسنا. هو مرآة كي نتكشف. يـزيد اللقاء و يخصب ثقافتنا و روحانيتنا. إذا سخرنا طاقاتنا و معرفتنا التآزرية، و كذلك قدرتنا على فهم الأحداث و التأثير فيها بشكل إيجابي، فإنها ستصبح متعددة الأوجه.
    في عالم يشهد تحولات كثيرة، و أزمات طاقوية و بيئية و مالية و غذائية و أخلاقية، سببت قلقا و اضطرابا، فمن واجبنا تخيل مشروع إنساني جديد. كل إنسان سيعرف بعدئذ، إلا بسعة الإنفتاح و تقبل حقيقة الآخر. يجب الإنتقال من ثقافة  ' أنا ' إلى ثقافة ' نحن '، و إقامة حوار دائم بين الناس حتى ينبعث الإنسان الكامل. الإنسان الكامل هو الذي يحمل به كل الآخرين، و يوجد به مكان لاستقبال إخوانه و أخواته في الإنسانية ".
الشيخ خالد بن تونس

معنى التضحية
    يوم عيد الأضحى الموافق لـ 06 11 2011، نُظمت بدار أفريقيا بالمدينة، حلقة ذكر، بحضور العديد من الطرق الصوفية، أشرفت عليها رئيسة الدار، السيدة مريم سي دياوارا. و بالمناسبة ألقى الشيخ خالد بن تونس محاضرة عنوانها " معنى التضحية ".
الشيخ خالد بن تونس بعد حلقة الذكر يوم عيد الأضحى مع ممثلي عدة طرق صوفية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). أشرمية: هو مكان الخلوة الذي ينزوي إليه المعلمون الروحيون الهندوس و مريدوهم.
(2). أرنود ديجاردان (1925-2011) معلم هندوسي فرنسي كان سببا في التعريف بتقاليد الشرق و روحانيته للجمهور، عندما كان مخرجا بالقناة التليفزيونية الفرنسية سنوات الخمسينات و الستينات و السبعينات من القرن الماضي، بأفلامه الوثائقية حول البوذية و الهندوسية و التصوف. سنة 1974 أنتج فيلما وثائقيا من جزئين حول التصوف عنوانه:
- صوفية أفغانستان، الشيخ و المريد.
- صوفية أفغانستان: في قلب الطرق الصوفية.
    فيلم يحدث بمصداقية و عمق عن التصوف، في وقت قلّ من تجد من يحدث بموضوعية عنه.

السبت، 10 سبتمبر 2011

شيخ جزائري يريد دورا للصوفية في الربيع العربي

شيخ جزائري يريد دورا للصوفية في الربيع العربي

    مستغانم (الجزائر) (رويترز) - قال خالد بن تونس الشيخ الصوفي للطريقة العلوية بمستغانم بالجزائر أنه يتعين على المسلمين الصوفيين في جميع أنحاء شمال أفريقيا مناصرة الكرامة و الحرية، حتى يمكن الإستماع إلى فكرهم الإسلامي الصوفي، في مناقشات نشطها حول الديمقراطية في العالم العربي.
  
    و قال الشيخ بن تونس أن الإسلام الرسمي الذي روج له دكتاتوريون أطاحت بهم ثورات الربيع العربي، باء بالفشل و إن المسلمين في حاجة الآن إلى قيم روحانية، على النمط الصوفي لتعزيز أواصر الأخوة و الوحدة.
   
    و قال لرويترز في مقره الديني بمدينة مستغانم الساحلية، التي تبعد 300 كيلومتر غربي الجزائر العاصمة، أن الزعماء العرب الذين لا يكفلون القيم الشمولية مثل الكرامة و الحرية، يخاطرون بالاطاحة بهم من السلطة، بواسطة إحتجاجات الشباب التي تشبه أمواج المد العاتية "تسونامي".
  
    و قال بن تونس (62 عاما)، الذي تضم جماعته عشرات الآلاف في شمال أفريقيا و أوروبا، أنهم بحاجة إلى فتح أبواب النقاش في دولهم. و طالب بالسماح للسلفيين و للإخوان المسلمين و العلمانيين و الملحدين و الصوفيين بالتحدث بحرية و اقتراح الحلول. و أضاف أن الروحانية تلزمهم باتباع طريق الخير و الوحدة و الأخوة.
 
    و رغم أن الصوفية ممثلة جيدا في الإسلام التقليدي بشمال أفريقيا حيث أن تعاليمها تؤكد على التصوف و حب الله، إلا أنها أقل ظهورا في ثورات الربيع العربي من الإخوان المسلمين المحافظين أو السلفيين المتشددين. و يتعرض الصوفيون في مصر من حين لآخر لهجوم السلفيين الذين يعتبرونهم زنادقة لتبجيلهم للأولياء الصالحين، و أحيانا يتلفون الأضرحة التي يحتفظون بها تكريما لهم.
  
    و قال بن تونس أن الصوفيين يجب أن يهبّوا لمواجهة التطرف. و قال أن هناك 13 مليون صوفي في مصر، و أن الوقت قد حان بالنسبة لهم لإظهار ما يستطيعون القيام به للمساعدة في تطبيق الديمقراطية.
   
     و قال الشيخ أن الشباب الذين يقودون احتجاجات الربيع العربي لم يعد باستطاعتهم العيش في دكتاتورية. و أضاف أنه ليس أمام الحكام في العالم العربي أي خيار الآن، سوى ضمان كرامة و حرية الشباب. و قال أنه إذا لم يفعلوا ذلك فسوف تطيح بهم أمواج مد الاحتجاجات.
  
    و انتقد بن تونس -الذي كتب عدة كتب عن الصوفية- الإسلام الرسمي الذي تم الترويج له طويلا في شمال أفريقيا. و قال أن الإسلام أصبح سلعة مستهلكة مثل أي شيء آخر، و أن خطب الجمعة أصبحت سلعا مستهلكة و إنها فشلت، مشيرا إلى أن الصوفية المحافظة فشلت أيضا. و قال أن ما يحتاجونه الآن هو صوفية في شكل قيم شاملة مثل الكرامة و الحرية للجميع.
   
     و آثار بن تونس غضب السلفيين الجزائريين بأحدث كتاب له باسم "الصوفية الإرث المشترك"، لأن غلاف الكتاب احتوى على صورة للنبي محمد صلى الله عليه و سلم. لكن الكتاب ما زال يباع هنا.
  
    و قال الشيخ أن الجزائر التي لم تصل إليها احتجاجات الربيع العربي التي تهز الدول المجاورة، لكنها شهدت اضطرابات في أوائل هذا العام بسبب الأجور و ظروف العمل، يجب أن تستثمر كل أموالها على شبابها. و تساءل عن أهم مصدر في الدولة قائلا هل هو بترولها أم غازها أم جيشها أم شبابها.
   
    و في مواجهة الإضطرابات، قرر الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة زيادة الأجور و عرض تقديم قروض بدون فوائد لملايين الاشخاص في استراتيجية حققت النجاح حتى الآن.
  
    و قال بن تونس إن الشباب يريد مساحة و أملا أكبر، و إن من واجب الحكومة تلبية هذه المطالب. و أضاف إن الجزائر لا تستطيع حل مشكلاتها من تلقاء نفسها، و يجب أن تتقبل فكرة إقامة مجال أكبر ليضم جميع دول المنطقة.

 لامين شيخي
        
 وكالة رويترز للأنباء،  في 09 09 2011.

الأحد، 4 سبتمبر 2011

التصوف و الثورات العربية

التصوف و الثورات العربية

  
    بعد غياب دام سنتين عن الجزائر، منذ مؤتمر المئوية العلاوية، نزل سيدنا الشيخ خالد عدلان بن تونس ضيفا على فضاء ألف خبر و خبر لجريدة " الجزائر نيوز" الذي يقام هذه السنة في طبعته الثالثة. في إحدى سهراته نشّط سيدنا الشيخ خالد بن تونس ليلة السابع و العشرين من شهر أوت الموافقة لليلة القدر المباركة حلقة نقاش تحت عنوان " التصوف و الثورات العربية". جرى اللقاء بمقر الجريدة بالجزائر العاصمة وشهده جمهور غفير. حضرت الصحافة بقوة و نوهت بعضها بمحاضرته، و هذه شهادة ثلاث جرائد جزائرية ناطقة بالفرنسية.


توجد أمور غير معلنة في العالم العربي

   على الجزائر أن تفتخر بما لديها في شخص الشيخ خالد بن تونس الشيخ الصوفي للطريقة العلاوية بمستغانم، واحد من رجال الدين الأكثر تميزا، وخاصة المعاصرين بالمغرب العربي. كان مدعوا الجمعة مساءا بفضاء "ألف خبر و خبر" أين نشط حلقة نقاش تحمل عنوان " التصوف و الثورات العربية". مشيرا إلى تجربته في العمل المجتمعي ضمن الكشافة الإسلامية الفرنسية الذي هو رئيسها المؤسس سنة 1991، كشف شيخ الطريقة العلاوية أن المستخلص من ملاحظاته هو " القلق و طفح الكيل" عند الكشاف الشاب. أثناء مخيم دولي للكشاف المسلم الذي جمع لمدة 21 يوم تمثيليات  قدمت من الجزائر و المغرب و تونس و ليبيا و إسبانيا و سويسرا و بلجيكا و ألمانيا، كشف الشيخ بن تونس أن " الأطفال و المراهقين المتحدرين من البلدان الإسلامية كانوا مضايقين عند التعبير علنا. كل الشباب كان متعطش للكلام، و الكل كان يرغب في البوح على انفراد. كنا نشعر أنهم لا يثقون في بعضهم البعض، و عندما أردنا معرفة الأسباب التي تدفعهم إلى عدم الكلام علانية، فإنهم لا يتجرؤون على ذكر السبب". و يتأسف المحاضر: "وُجّهت الحركة الكشفية للسيطرة على الشباب، و مبدئيا عليها أن تحررهم و تساعدهم على الإنفتاح". أجبرت الأحداث الليبية الشيخ على الإيضاح في حديثه بالكلام عن " الشباب الليبي الذي لم يرد العودة إلى دياره بعد نهاية الإقامة بالمخيم"، و أضاف " و رغم ذلك يتحدر هؤلاء الليبيون من عائلات موظفين و يحملون بضاعة ثقافية". تنتمي الكشافة الإسلامية الفرنسية إلى المنظمة الدولية للحركة الكشفية و الإتحاد الدولي للكشافة الإسلامية الذي يظم حسب المحاضر 36 مليون منخرط. و يعترف الشيخ أن في ظل هذا الكم " لا يدهشه أن يرى المجتمعات الإسلامية تثور".

    محللا الوضعية في المغرب و العالم العربيين يرى أن "ما يحدث هو منعطف". "هذا ما يثبت أنه لا يمكن أن تكون على الناس سيطرة أبدية. لم تنبعث الثورات من حزب أو إيديولوجية. فاجأ هذا الجميع". و أضاف مقارنا بين ليبيا و مصر، مشيرا أن الوضعيتين غير متشابهتين على كل حال. قال " مصر أم الدنيا، منها انطلقت الناصرية و حركة الإخوان المسلمين و هي من يأوي الأزهر. سيستمر الزلزال الذي هز هذا البلد، و لكن مصر تهذبت لوحدها للقيام بثورتها، لم تقم بدعوة الأجانب". و أضاف " ليس لليبيا نفس الإعتدال، ما يحدث هناك خطير، خطير كذلك بالنسبة لنا. ارتج هذا البلد لسنوات، و لا ندري إلى أين سيصل هذا الإنفجار مع كل هذه الأسلحة المنتشرة ضمن السكان...". و شدّد " قد تفجر ليبيا كل المغرب العربي". مع ذلك بالنسبة للشيخ الثورتين في تونس و مصر " تشهدان بأن شعبي البلدين حاملين لما بعد الحداثة". قام بالتمييز بين العولمة التي تطالب بالخضوع و العولمة التي نستطيع من خلالها المشاركة، يعني ما هو آت، التي لحقوق الإنسان و احترام الأقليات. عندما سئل عن العلاقات التي يمكن أن تكون لطريقته مع التيارات الأخرى صرّح " فقط المزابيون(1)، رغم مذهبهم لهم قابلية للحوار بشفافية" . عندما أُعلم بالإعتداء الذي تعرضت له ليلتها الاكاديمية العسكرية لشرشال(2)، رفض الشيخ كل أعمال العنف. قال مضيفا " يؤدي العنف إلى طريق مسدود، هو مشروع موت".


العربي قراين
جريدة (Midi libre)، في 28 08 2011.



رفض الصوفي للثيوقراطية

    إن رؤية و سماع أحد الصوفية هو دائما تجربة مليئة بالدروس. هذا ما تأكد مرة أخرى قبل البارحة بمقر يومية "الجزائر نيوز" بمناسبة حلقة النقاش التي نشطها الشيخ خالد بن تونس شيخ الطريقة العلاوية حول موضوع "التصوف و الثورات العربية". مستعرضا الأحداث التي جرت بتونس و مصر، ذكّر المحاضر أن الذي حدث هو إرادة شعبية. بالمقابل فرق بين البلدين و الذي يحدث بليبيا. في حين اجتنب الإنتقاد المباشر أو الواضح، إلا أنه أثار استخدام العنف و تدخل الحلف الطلسي. و استعرض أمله في رؤية الليبيين يصلون إلى حل مشاكلهم و ضمان وحدة أمتهم. مع ذلك، سبّب هذا الموضوع بعض الإثارة في القاعة. في الجمهور الغفير قامت إمرأة تدعي أنها زارت ليبيا بتدخل ملفت للنظر، حتى لو أنها أصابت نواحي "مهمة". قالت أن القذافي أسكت الحساسيات الصوفية و أخرج أولياء من قبورهم. و أكدت أنها تود عودة السنوسيين إلى الحكم بليبيا. ثغرة رأينا الشيخ يستغلها. للتذكير بهذا الموضوع، للإستحواذ على الحكم، أسقط القذافي عام 1969 الملك السنوسي الذي ينتمي إلى طريقة (تحمل نفس الإسم) أصلها من الغرب الجزائري، بالضبط من مستغانم، نفس مدينة الطريقة العلاوية. لم يكن الشيخ يريد أن يخوض في الموضوع، مكتفيا التذكير بالسلم و عدم الوقوع في الفتنة.

    حتى الأنظمة السياسية "قُربت" في تحليل الشيخ بن تونس. و حرص كذلك على التأكيد أن الصوفية مع نظام مدني، سواء بمصر أو الجزائر أو تونس مبرزا رفضه لدولة ثيوقراطية. في مقاربته أضاف "أنه لا توجد دولة إسلامية، و لم تكن هناك دولة إسلامية بمعنى الدولة الذي نفهمه اليوم". بالنسبة لشيخ الطريقة العلاوية الإسلام السياسي "وسيلة مثل أخرى" للذين يهدفون السلطة، مضيفا أن في هذه الحال "استعمل الدين كحصان تروا". وصل حتى تصويب "تقريبا" كارل ماركس في عبارته "الدين عفيون الشعوب"، مذكرا بتهكم أن حتى الشيوعية أرادت أن تقوم بنفس الدور.

    بالنسبة لبعض الأمثلة "المهمة"، لم يخفي المحاضر إعجابه بالنموذج التركي. "هو بلد في تطور، لديه نظام ديمقراطي و الحزب الحاكم ذو توجه إسلامي".

    لا ننسى بعض الجوانب الفريدة للصوفية. رجع الشيخ بن تونس إلى الرسالة الكونية للإسلام و أدائها في الوقت الحاضر. قال مشيرا "قادنا الغرب إلى أزمة أخلاق" و حان الوقت "كي لا نكون مقلدين، و لكن مجاهدين نستلهم من الفلسفة الإسلامية الحقيقية". انتهز الفرصة و وجّه نداء إلى الشباب و الصبيان "اعطوا أمالا جديدة، و كونوا باعثين لنظرة جديدة للعالم".  


سليم كوديل
جريدة (Liberté)، في 27 08 2011.



كنا نرى قدوم الثورات العربية

    مع الشيخ خالد بن تونس انسوا كل ما تعرفونه عن المشايخ. الأصح أنه شاب بالنسبة لشيخ، حلق ذقنه منذ وقت قريب و أنيق، ببذلة و ربطة عنق، يشبه نوعا ما فنان أو متأنق. كان شيخ الطريقة العلاوية ضيف ليلة الجمعة ألف خبر و خبر للجزائر نيوز بالجزائر العاصمة. مثلما أشار إليه يوسف السايح، الكثير من الحضور "فوجئ" بعنوان اللقاء "التصوف و الثورات العربية"، لأن التصوف معروف بروحانيته و محسوب أنه "لاسياسي". " اليوم كل ما سأقوله هو صادر مني، بصفة شخصية. هو رأيي الخاص. إذا تفوهت بتفاهات فهذا غير مهم"، هكذا علق (بالفرنسية) قبل الإجابة على السؤال الأول الذي طرحه السايح حول "التناقض" الموجود حول موضوع اللقاء. أكد خالد بن تونس أن التصوف من جوهر روحي. ذهب أبعد من ذلك "الإسلام ليس مشروع سياسي أو إيديولوجي". مستشهدا بسورة القدر القرآنية، أشار أن الرسالة الإلهية هي رسالة سلام للإنسانية جمعاء، بُلغت إلى الناس من طرف الأنبياء. فيما يخص "الثورات العربية"، حتما "كنا نراها قادمة". الشيخ خالد بن تونس هو مؤسس الكشافة الإسلامية الفرنسية سنة 1991، و رئيسها الشرفي و المستشار الديني. "سنة 2010 دعونا الكشفيات العربية و الأوروبية للمشاركة في ورشات و تبادلات. قد شعرنا بالفعل بطفح الكيل. قلق الشباب و الضغط الكامن. سوريون أرادوا الحديث معي و لكن فرديا، لم يكونوا يثقوا في بعضهم البعض. لم يرد الليبيين العودة إلى ديارهم و رفقناهم حتى (مطار) أورلي. لماذا يعيش أولادنا هذا الضيق؟" متحدثا دائما بالفرنسية، أظهر خالد بن تونس أنه مراقب سياسي نبيه، و حتى عالم إجتماع أو عالم نفس. "أدركَنا التاريخ. لا يمكن أن تكون هناك دائما قبضة على الناس و الضمائر. في تونس لم يكن وراء الثورة لا حزب و لا إيديولوجية. إنهم شباب مَن تنظم وراء شبكات إجتماعية. في مصر الأمر مختلف. مصر أم الدنيا. إنه بلد الإخوان المسلمين و الأزهر و ناصر و الوطنية العربية، إلخ". و ليبيا؟ "ما يحدث في ليبيا خطير جدا لأن في ليبيا، ليس لديهم معارف و علوم و ثقافة المصريين، و هناك تيارات تستغل هذه الوضعية". في الجزائر أخال أن المسألة هي معرفة إدارة الأمور لاجتناب مأساة أخرى بعد كل ما عاناه هذا البلد. في الختام تتوجه رسالته إلى كل الإنسانية، و حتى بالغرب توجد المعاناة. "آن الآوان للتفكير في الوحدة و لن تتواجد فرصة أخرى. آن الآوان للتفكير في العالم بطريقة مغايرة بالديمقراطية و الكرامة و العدالة و التقسيم التضامني للثروات، باحترام حقوق الإنسان و الأقليات في هذه الأوقات لعولمة التفكير الجاهز، و الطعام الجاهز، و العلاقات الجنسية الجاهزة". أثناء النقاش (غصت القاعة)، و أثار أحدهم، حسب رأيه، أن التصوف غير متجذر في المجمع المصري، عكس التيارات الدينية الأخرى. أجاب ضيف ألف خبر و خبر: " إلتقى المجلس الصوفي لمصر تمثيليات الديانات الأخرى بمصر، ليس فقط المسلمين. قال المجلس في بيانِ أنه مع سلطة مدنية بمصر، و هذا المجلس يمثل 13 مليون مصري". ولد خالد بن تونس سنة 1949 بمستغانم و ينحدر من عائلة علماء و قضاة. سنة 1975 أصبح شيخ الطريقة العلاوية. صاحب العديد من المؤلفات منها، التصوف قلب الإسلام، و كتاب القرآن عيسى و اليهودية بمشاركة آلان هوزيو و جيرالد إسرائيل، و كذلك التصوف الإرث المشترك الذي صدر سنة 2009 بمناسبة مئوية الطريقة الصوفية العلاوية.


عبد القادر ب
جريدة ((Le soir d’Algerie، في 28 08 2011.



(1). وادي ميزاب هو إسم منطقة بالجزائر تأوي الطائفة الإباضية، و هم أقلية، يطلق عليهم إسم منطقتهم.
(2). الإعتداء الذي تعرضت له تلك التكنة، أدى إلى وفاة 18 شخص من ضباط الجيش.


الأحد، 19 يونيو 2011

مناهل

مناهل

    أجرت الجمعية الدولية الصوفية العلاوية "عيسى"، فرع سويسرا حوار سمعي بصري مع الشيخ خالد بن تونس حول عدة مواضيع تهم المجتمع. أخرج العمل السيدة نجمة كاترين طوايبي، و ننقله في نص فيما يلي:



الصالح العام

    الصالح العام هو ما ميّز الإنسانية منذ بدايتها، منذ أن تلقى الإنسان الأمانة. لم يتمكن من بناء المملكات و الإمبراطوريات إلا عندما حدد الصالح العام. ما هو الصالح العام؟

     الصالح العام أو الرفاه العام هو مفهوم يجعل من كل واحد منا حسب مقدوره يدافع عن المصلحة العامة بدل المصلحة الخاصة. إن ما يحدد الصالح العام و يجعل من مجتمع أو إنسانية حقيقة (إجتماعية و سياسية و جماعية) هو عندما تفضل جماعة المصلحة العامة عن المصلحة الخاصة لمجموعة أو أسرة حاكمة أو فلسفة أو دين أو إيديولوجية. يساير الصالح العام مستوى يقظة الضمير. كيف نحدد، و ماهي الحدود بين مصلحتي الخاصة و المصلحة التي تميز هذا الصالح العام الذي يقتسمه كل المجتمع؟ هي مسألة عدالة. 

    لا يأخذ الصالح العام شكلا و يصبح حقيقة إلا عندما تصبح العدالة منصفة للجميع. بدون العدالة تحول الأنانية الإنسانية دائما الصالح العام لمصلحتها الخاصة. إن العدالة هي المحور الرئيسي الذي يسمح بتحديد حقيقة الصالح العام، و تضمن إحترام كل واحد منا، و نقوم بتثبيته و تشييده.



توريث الأطفال

    كل ميراثنا يرتكز على قيم. قيم مورّثة من جيل إلى آخر. ماذا سنورّث أطفالنا؟ هل سننقل إليهم مشاكل و أزمات و تحديات، يعني أمور إجتماعية لم نتمكن من حلها. إقترضنا من المستقبل حلول أو بالأحرى وسائل ليست لنا. من ناحية، نحن بصدد سرقة الأجيال القادمة. عاجزين عن حل مشاكلنا فهذا هروب إلى الأمام. نحن نطيل و نفاقم المشاكل التي تعاني منها الأرض بدون الإهتمام بمسئولية التوريث. ماذا سنورّث؟ أرض نظيفة، مَثل أنسي، قيم كونية، عدالة منصفة، أو تضامن. أم أننا سننقل إلى الأجيال القادمة الصراع و الأزمات المتوالية في  كل المجالات  و تلوث في اتساع. إذن بدل أن نلزمهم في المسؤولية و الإستقلالية نزج بهم في أن يدفعوا الثمن الغالي لأخطائنا. لنكون حذرين لأن أطفالنا جزءا منا. في الوعي الكوني، إذا تجاوزنا الحد في تجاهل ما يأتي بعدنا، ربما سنكون إحدى الحضارات التي سيلعنها التاريخ.



مكانة المرأة

    مسألة المرأة. المشكل الأبدي للجنس. الأنوثة، كيف نعرّفها، و كيف نتكلم عن المرأة متجنبين الإستهزاء؟ لأننا في عالم تنتشر فيه الطابوهات و الكلام المعاد، و كانت فيه المرأة دائما كبش فداء لكل المجتمعات. مكانة المرأة في المجتمع أساسية لأنها هي من يحمل الحياة، و في نفس الوقت، إنها متواجدة في وضعية، في المجتمعات المعاصرة، في منافسة مع الرجل، لأن الرجل من بيده السلطات السياسية و المالية، ويسير على الأرض. هي مسألة سلطة.

    أعتقد و أتمنى أن في القرن الواحد و العشرين سيعاد تأسيس هذا التفاوت و عدم المساواة في الجنس بين الذكورة و الأنوثة في التكامل و ليس في الخصام. كل من المرأة و الرجل مبدأ يسمح للحياة أن تكون و تورث. يجب التفكير في كيفية إيجاد أولا في أنفسنا القسم الأنثوي و القسم الذكوري لأن كل كائن وُجد باجتماع الإثنين. قسم منه ورثه من أبيه و القسم الآخر من أمه. و مَن يستطيع أن يخلق تناغم و توازن لهذه الثنائية المرسخة فيه و الصانعة لكائنه، سيكون له نظرة مختلفة عن المرأة أو الأنوثة، عن الذي غلّب جنس على الآخر، فهو في صراع دائم، أي أنه لم يحل صراعه الخاص. فكيف له أن يحله على مستوى المجتمع؟

    قلت دائما أن مكانة المرأة في عالم اليوم حاسمة لتسيير العالم و توازنه. على المرأة أن تطالب بمكانتها و ليس مكانة الرجل، فهذا مختلف تماما. عليها أن تطالب بما هو حقها  بقدر ما أنها كائن يحمل الخصوبة و الأمل، لأن من يحمل الحياة يحمل كذلك الأمل. إن أول انشغال لأم عندما تلد طفلها هو أن يعيش، و تكون له حياة أفضل مما كانت لها. إذن بعض الأمل في المستقبل. كلما وجدت أمهات سيكون هناك الأمل.



التناغم الديني أو السلام بين مختلف التقاليد الدينية

    أقول أن كل دين مبني – على كل حال هذا ما يقولونه - على المحبة، كلها تدعي أن رسالة الدين مبنية على المحبة. و لكن الفرق هو أنه توجد المحبة الكونية الشاملة و محبة التملك. يقع كثير من المؤمنين في فخ محبة التملك، يعني ديانتي ضد ديانة الآخر، و حقيقتي ضد حقيقة الآخر، و رسالتي ضد رسالة الآخر. في حين عند تدقيق النظر نرى بالعكس أن الديانات مرايا بعضها البعض، فهي ترد كل مؤمن نسبة لاختلاف بعضنا البعض إلى واقع حقيقته. لا نستطيع معرفة تقليد إلا بمواجهته بآخر. عن معنى السلام، إذا نظرت إلى الآخر في سلام سيرده إلي. هو مرآة يرده إلي. سيجعلني أكتشف غنى ميراثي التقليدي و الروحي. إذا طرحت علي مسألة الإله أو الرحمة أو أي مسألة، و بالنظر إلى كيفية معالجتها عند الآخر في ديانة أخرى يجعلني أعرف كيف هي مفهومة و معاشة و مقتسمة في ديانتي. إذن فنحن بحاجة إلى هذه التعددية. تعددية الأشكال و الرسالات. لا تدرك الحقيقة و تفهم إلا بالتنوع، لأن التنوع هو ما يردنا إلى مبدأ التوحيد، منبع كل الرسائل، هذا الدين الأولي، الذي ساير و سمح بتطور الوعي الإنساني منذ غابر الزمان. 



الديمقراطية

   مسألة الديمقراطية في الأحداث الساخنة اليوم، أصبحت ترمز للقيم. هذه القيم بحدين. تلزم الديمقراطية حتما إنسانا واعيا بالصالح العام، و مسئول عن نفسه و عن بقية المجتمع. تلزم الديمقراطية  كل واحد منا أن يكون قائما على الثقة التي يمنحها في حضن المجتمع، لأنه ينتج على مستوى التفاهم، و العيش معا، و التضامن، و حس المواطنة الذي يتقدم على المصلحة الخاصة لجماعة أو حزب أو ميول مهما كان. لا ننسى أن تاريخ الديمقراطية قديم يعود إلى عصر الإغريق. 

    إن الذين أعادوا اليوم الديمقراطية و جعلوها مبدأ سياسي لتسيير المجتمع الإنساني ما هم إلا رجال، لا أحد معصوم، فالإنسان ضعيف. لقد استطاع الإنسان أن يطور نظام سياسي يشتغل، و لكننا نشعر أنه بلغ حد ما، في تشغيله، فكل شيئ يملك في نفسه الكمال و النقص. ربما يستعمل عالم الغد شيئ آخر. الإنسان الذي تمكن من تطوير الديمقراطية سيضع شيئ آخر، نظام جديد، أقول بمأننا في عالم معولم سيكون للمجتمعات الإنسانية فيه كلمتها. ربما سنتجه نحو سوسيوقراطية، في مجتمع يؤخذ فيه الكائن أكثر بعين الإعتبار مثلما هو عليه اليوم، لأن الديمقراطية التي تبقى قانون الأغلبية، و هذه الأغلبية غير واعية عمليا و لا متيقظة عمليا لحس الصالح العام، تنتهي حتما بتسيير نظام  غير منصف.  ديمقراطية تكفلت بها جماعة لديها الأسباب المالية و كذلك الإعلامية، إذن هم يملكون المعلومة، يمكن أن يوجهوها لصالحهم.

الجمعة، 10 يونيو 2011

مرور سنة على ميلاد المدونة

مرور سنة على ميلاد المدونة


    الحمد لله رب العالمين و الصلاة والسلام على سيدنا و مولانا محمد صلى الله عليه و سلم.

    مضت سنة كاملة على وجود المدونة. شعورا بالمسؤولية و ضرورة تبليغ ما توفر من تعاليم و رسائل الشيخ خالد بن تونس لشريحة من الأمة، ظهرت هذه المدونة لتنشر بعض أعمال الشيخ و نشاطاته الغزيرة.

     قُدمت على مدى سنة كاملة أهم ما توفر لدينا من مواضيع و رسائل الشيخ خالد بن تونس كي تغطي نقصا معتبرا في هذا المجال، و تقدم مساعدة للذين هم في بحث عن هذا التعليم و يأملون في مستقبل أفضل و عالم أكثر عدلا و إنسانية متحضرة، و واعية، مستعدة لتقبل الأمر الإلهي.


    تسمح خدمة Blogspot بمعاينة إحصائيات المنتدى و معرفة عدد الصفحات المقروءة يوميا و مشاركات الدول و إحصائيات أخرى. تحصي الخدمة الصفحات الظاهرة فقط في وصلات جديدة . في كل الأوقات، في مشاركات الدول تتقدم الجزائر بشوط عن إسبانيا و تليها المغرب. بعيدا عنهم و بنسب متقاربة نجد كل من السعودية و مصر و فرنسا و تونس على الترتيب، ثم تلي الولايات المتحدة الأمريكية و الإمارات العربية و الأردن.