الجمعة، 25 فبراير 2011

رسالة التصوف


رسالة التصوف

    لا أقوم بتمجيد التصوف، لأنه لا يحتاج إلى ذلك. و لكن، مع ذلك، أريد أن أُذكّر إلى أي طريق وسط يدعو.

    ببعده الروحي و الكوني، يُعلِّم الإنفتاح و التسامح. بحكمة أنسيته، التي هي جوهر الرسالة المنقولة من طرف الرسول صلى الله عليه وسلم، يدعو إلى التوفيق بين الحرف و الروح.

    بتربية الإيقاظ، يُفتح شعور الكائن نحو إحترام الخليقة، و نحو اكتشاف سر الحياة. كما يشهد له التاريخ الإسلامي، فهو مدرسة فكر أثبتت جدارتها منذ قرون. كان و يبقى الطريق الملكي الذي سلكه كبار رجال التقليد، أمثال علي، و الحسن البصري، و البِسطامي، و رابعة، و الرومي، و الغزالي، و ابن العربي، و ابن سينا، و العطار، و الأمير عبد القادر، و محمد عبدو، و محمد إقبال، و حمادو أمباتي با...، شعراء، و فلاسفة، و فقهاء، و كتاب، و شخصيات مختلفة، لجأوا إليه، و أُلهموا به، و تغدوا من جوهر حكمته.

    توجد دائما قراءة جديدة ممكنة. الفكر التطوري هو حقيقة أرادها الله، يلهم الإنسان، بدون توقف، بتفسيرات جديدة. فعندما لا يكون متعلقا – أي الإنسان- بالله، يصبح عدمي. ينكر الحياة، و ينسى أن لا معنى لهذه الأخيرة إلا بجريانها في كل واحد منا.

    لا يملك أحدا الحقيقة، سواءا كان من رجال الدين، أو كان باطني، أو فقيه، أو علمي... لسنا إلا قِطع من الحقيقة، و الطريق الصوفي بحث دائم، يريد إعادة إحيائها.

    ينقسم العالم إلى مجموعتين. من جهة رجال الدين، الذين هم متحمسين، و منطويين على أنفسهم، يزعمون بلا تبصر إمتلاك الحقيقة، و من الجهة الأخرى، العلمانيين، الذين ليس لديهم، لا خالق، و لا دين، و لا مبدأ، و لا جنة، و لا نار...إلى درجة يتصورون أنهم سيخترقون الموت.

    لا يوجد مخرج إلا في الطريق الوسط. « و كذلك جعلناكم أمة وسطا ». القرآن الكريم.
 
    هذا الطريق الوسط، هو الذي لم تسلكه الجزائر وقت الإستقلال. و رغم ذلك أليست الأرض الوسط بامتياز، مخترَقََة بالتيارات من الشرق إلى الغرب، و من الشمال إلى الجنوب، التي منها، يمتد الأفق في المحيط اللامتناهي؟ كان بلد كل الممكنات. عند موت أبي، راهنت الحكومة الجزائرية على نهاية الطريقة العلاوية، و اقتنعت أنها ستنطفئ بنفسها. مائة سنة بعد ميلادها، ليس فقط الطريقة موجودة، و لكنها غدّت الآلاف من الرجال و النساء، مبرهنة بحيويتها على كل ما لديها، لبناء شعور كوني. الجزائر في بحث، و حتى العالم المعاصر، و هو كذلك إنحرف عن الطريق الوسط. 

    الحياة حركة. كل جمالها موجود هنا، في الحركة التي هي سر ديمومة الأشياء. قال جدي الشيخ الحاج عدة بن تونس: « أريد أن لا يأكل مريدي أبدا الخبز البائت، و لكن يصنع خبزه طازجا كل يوم ». بلى، كل يوم، يعجن من جديد هذه العجينة التي هي الحياة، و يرفعها بخميرة الحركة السرمدية.

    كلما تعمقنا في تاريخ المغامرة الإنسانية، نجد أثر لإعتقادات و شعائر. في الواقع، للإنسان رغبة غريزية، كي يعيد إرتباط أفكاره ببعد مقدّس، أو ديني، أو روحي. أليس هذا الإرث البعيد للإنسانية، هو الدليل عن بحثه المستمر لمعرفة المجهول؟ بنظرته الجزئية للأشياء، عبد الإنسان عناصر الطبيعة، و صنع أصنام، و ألّه رجال، و ابتكر طقوس سحرية، و مفاهيم، و نظريات... ألا يكون هذا، هو إنبعاث رغبة ثابتة لتحقيق به، حالة وحدة صورية، صلة تربط حياته لما بعد الموت، بالأبدية، منبع كل المظاهر؟

    الموت حاضر دائما، و نداء مستمر للنهضة. الكل في المتناهي، و مسجّل في اللامتناهي. أحيانا يغمرني بجلاء شديد. يمكن أن تفتديَ إبتسامة طفل العالم. إذن لا توجد ضرورة، و لا قبل، و لا بعد، يوجد فقط ميول بليغ للإمتنان، و تواضع أمام ما يمكن أن ندعوه « الإله »: الحياة...

    من المحتم، أن نرجع إلى هذه الحكمة الألفية، لأنها عامل توازن و سلام، للفرد و للمجتمع الإنساني برمته، في إدارة صراعاته. إننا محتاجين إلى راحة، و القيام بإحصاء لِلّذي بنى الضمير الإنساني، منذ قرون.

    ليس لدينا خيار، إلا، بالرجوع نحو هذه القيم، و الدفاع عنها، وعيشها، و التخلي عن إعتزال الدنيا، لأنها العمل  من أجل الوحدة، وحدة الفرد و المجتمع.

    الحقيقة دائما مزعجة. و خاصة عندما ترتكز على براهين لا ترد. من العبث الهروب منها، عندما يشرد العالم تحت أقدامنا، و تتصدع الأنظمة أمامنا. الحقيقة كالفجر الذي يعلن عن يوم جديد، تحمل معها نهاية الليل، و بداية مغامرة جديدة. حذار من الغافل، و المغتر، و الجاهل الذي يُصدق أحلام لياليه المضطربة. ستكون اليقظة مؤلمة.

    قد تصدم كلماتي الجاحد، و تضحك السفيه، و لكنني متأكد أنها تحدث صدى لدى الكثير من الناس الصادقين، الذين يأملون مثلي في معجزة الحياة. لا أحد يشك في أن هؤلاء الرجال و النساء، الذين يقتسمون نفس الأمل،  مهما كان أفقهم، سيتمكنون من النهوض ليسلكوا معا. سيطالبون بالعفو لإنسانية تولد من جديد، و يفهمون أخيرا أن طبيعتهم من جوهر رباني، و أن سعادتهم و فرحتهم تكون في تجاوز النفس نحو عودة إلى الذات. تدعو الروحانية الصحيحة إلى يقظات دائما في ازدياد. يوقظ طريق التأمل فينا، يوم بعد يوم، هذه الحركة التي تعيد إرتباطنا بمركز، و هو مركز القوة، أين تتوحد كل الحقائق المتفرقة لكي تتقارب. و يهدأ الكل. الأهواء الممزقة لرغباتنا نفسها تخمد لتواجه عالم جديد، مليئ بالإثارة و التعقد.

    هل يجب أن نعيش الكابوس حتى النهاية؟ لماذا هذه الورطة، و هذا الوقت الضائع في نسيان ما كان، و كائن، و ما سيكون، في كل العصور، و كل الديانات. أي رسالة المحبة، مبدأ كل الكون الحسي و المعنوي، الحي، رحم العوالم و الأشكال و الحقائق؟ هل سنبقى طويلا على سطح هذا المحيط الأبدي الهائج بالزبد، بدون الإقدام على النزول إلى الكون  الساكن لأعماق الإنسان؟ و لكن، ماذا تنتظر إذن، لتجرؤ أخيرا على الدخول إلى بيتك؟...
   


التصوف الإرث المشترك


كتاب " التصوف الإرث المشترك"


    بمناسبة مئوية الطريقة الشاذلية الدرقاوية العلاوية (1909- 2009)، أصدر الشيخ خالد بن تونس، شيخ الطريقة، كتابا بمساعدة فريق من الباحثين المتطوعين، يعيد قراءة تاريخ بداية التصوف، و يذكر بالقيم المؤسِسَة لهذا التعليم الألفي. هذا الكتاب " التصوف الإرث المشترك"، الصادر عن دار زكي بوزيد للنشر، يقترح تفكيرا حول هذه الطريقة التي هي التصوف، و يجعلنا نعيد اكتشاف هذا التقليد النبوي الثابت الذي لم يكتنفه التغيير.  
    صدر الكتاب تزامنا مع انطلاق فعاليات المؤتمر الدولي الذي دام سبعة أيام من 25 07 2009 إلى 31 07 2009 بمدينة مستغانم الجزائرية. كتب إيريك يونس جوفروا(1): « بتنظيم الشيخ خالد بن تونس مئوية الطريقة العلاوية بالجزائر، كان واعيا أنه يخلق صدمة كهربائية. من السهل، و أوفق إن احتُفِل بهذا الحدث بأروبا، و بها ميول إلى التصوف. كان الرهان يرتكز بالضبط، على جلب آلاف الأشخاص من الجهات الأربع للعالم إلى هذا البلد المطوق، الذي يعيش وضعية ضِيق متوطنة، حتى ينفتح على المنظورات المُعولََمَة التي نعرفها ».

     أيام قلائل قبل انطلاق  المؤتمر الدولي نظم الشيخ خالد بن تونس ندوة صحفية بمدينة وهران، وعرض كتابه الجديد " التصوف الإرث المشترك "، و صدر بنسختين فرنسية و عربية، و يقول عنه: « أنه موسوعة تسعى إلى المحافظة على 'الموروث المشترك' للجزائريين. و تأريخ للحياة الروحية بدءاً من أبي البشرية آدم عليه السلام، مروراً بالرسل والأنبياء بمن فيهم سيد الخلق محمد صلّى الله عليه وسلم و وصولاً إلى اليوم، و هو مدعّم بصور منمنمات و خرائط تصف المراحل، مرحلة بمرحلة إلى غاية الوصول إلى التصوف لدى الطريقة العلوية ».
   بعدها مباشرة وُوجه الكتاب بانتقادات لاذعة، و هوجم الشيخ خالد بن تونس، بحجة أن الكتاب يحوي رسومات مسيئة للرسول صلى الله عليه و سلم. تنقلت الردود من الجزائر إلى المشرق، و وجهت عدة منابر إعلامية إتهامات للشيخ بألسنة عدة شخصيات، و جعلوه في خانة الرسومات الكاريكاتورية التي أحدثت من قبل ضجة إعلامية.  رد الشيخ خالد بن تونس في طلعاته العديدة مع الصحافة مدافعا عن كتابه، « في الحقيقة لا أعرف كيف أسميها هل هي ضجة أم هجمة، بل أقول إن القضية بدأت مع نشر هذه الرسوم المتعلقة بالمقدسات و بعدها مباشرة بدأت تأخذ أبعاد و تغيرات، و لكنني أظن أننا الآن في وقت لابد فيه أن تتغير نظرتنا للتاريخ و أن نتحمل فيه مسؤوليتنا الكاملة أمام التاريخ .و في كتاب 'الصوفية الارث المشترك' و عبر 840 وثيقة، التي تطلبت مني الكثير من الجهد و العمل و البحث، حاولت من خلالها و من خلال إعادة نشرها، أن أعيد لذاكرتنا و ذاكرة التاريخ مكانتها، و أن أوصلها الى أهلها بكل أمانة، و خاصة أنني اعتكفت عليها مطولا من أجل أن أبين فيها الحقائق الكاملة و بدون تشويه، و أشير هنا الى أن هذه الصور المتعلقة بالأماكن المقدسة طُمست و حُطمت من طرف جهات لا أذكرها بالإسم، و لقد حان الوقت للعمل من أجل أن نكشف المسؤول عن طمس الحقيقة و التاريخ .من جهة أخرى، أظن أن نجاح الملتقى الدولي للطريقة الصوفية العلاوية، أزعج العديدين، خاصة و أننا حاولنا أن نجعل منه نقطة انطلاق لمستقبل جديد، و أن نفتح من خلاله مشوار جديد، تفتح فيه نقاشات و حورات هادفة، يعمل فيها الجميع من أجل تنوير مستقبل الاجيال ».

    يعرض موقع "عيسى- نت " 22 صفحة من النسخة الفرنسية للكتاب:


    
    نرفقها بمقتطف قصير من حوار صحفي، أجري مع سيدنا الشيخ خالد عدلان بن تونس، يبرز  بعض ما جاء في الكتاب:

الصحفي: ما هو الهدف من وراء نشر منمنمات عن رسول الله في كتاب الصوفية؟

الشيخ خالد بن تونس: يجب على الإنسان أن يبحث في هذه المنمنمات، و أنا لم أخترع أي شيئ، لقد أخذت هذا من الميراث، من الذاكرة الثقافية للمسلمين وأعدت نشره في كتاب الصوفية، هذا الكتاب الذي تضمن 842 وثيقة و صورة، تطلب مني سنوات من البحث والعمل الشاق لأخرج بهذا المنتوج الفكري للعالم الإسلامي، وبالتالي فمن غير المعقول أن تقام الدنيا على صورة أو صورتين على أساس أن هناك اعتداء على الرسول الكريم، بل بالعكس أنا أرى أن هذه الصور إرث للمسلمين، و يجب أن يعود إلى أصحابه و أهله لأنه سُلب منهم، فأغلب هذه المنمنمات موجودة حاليا في متاحف برلين، نيويورك.


    و من هنا لا يفوتني أن أشير إلى قضية جد مهمة وهو أن الأشخاص الذين إتهموني بنشر صور عن الرسول لم يقصدوا حقيقة الدفاع عن الرسول كما يزعمون، لأن ما حدث هو محاولة لطمس حقائق تاريخية ظهرت في هذا الكتاب وكشفت عنها من خلال التساؤلات التي طرحتها والصور النادرة التي نشرتها.


    و من بين هذه التساؤلات، أين هو ضريح أم المؤمنين السيدة خديجة، أين هو مسجد وضريح شهداء أحد، أين هي مقابر شهداء بدر، أين هو المكان الذي إلتقى فيه الرسول مع البعثة التي جاءت من المدينة المنورة في بيعة العقبة المشهورة مع سيدنا العباس، أين هي العقبة، و أين هو المكان الذي ألقى فيه الرسول خطبة حجة الوداع؟ أين هو منزل الرسول في مكة المكرمة؟ صورة لبيعة العقبة مأخوذة منذ أكثر من قرن، لا وجود لها الآن، و من ينتقدونني لم يروها قط في حياتهم.


    هذه الإشكاليات طرحتها، هناك صور لها أكثر من قرن تحصلت عليها بعد عناء كبير، و من ثم نتساءل لماذا هذه الأماكن غير موجودة اليوم ومن قام بهدمها، يجب أن نعلم أن هناك صور يظهر فيها جدي الشيخ عدة بن تونس في سنة 1939 لما حج، و هو يضع يده فوق رأسه، أمام مسجد سيدنا حمزة والمسجد كله مهدوم، هذه هي الأمور التي لا يريدونها أن تظهر، و من ثم يسعون إلى مداراة الحقائق من خلال حديثهم عن الصور بهدف تحويل الأنظار، حتى لا نعيد النظر في التاريخ، يجب أن نعلم كذلك، أن هذه الأماكن المقدسة هي من تراث جميع المسلمين، و كل من يحج أو يعتمر اليوم لا يجد لها أثرا.


    
الشواهد الخاصة بقبور أهل بدر أين هي، بصعوبة كبيرة تحصلت على صورة لها، اليوم تجد الزائر للمدينة المنورة لا يكاد يلمح إلا من بعيد تلك الأماكن التي لا يعرف حقيقة ما هو موجود بداخلها، عند أهل بدر، لا يتركوك تصل، هناك محو مقصود للآثار. في رأيي يجب علينا أن نفهم الماضي لنفرض وجودنا الآن، و من أراد غير ذلك فعليه أن يمحو ذاكرة المسلمين إن استطاع بطبيعة الحال، من غير المعقول أن نطرح الإشكال حول الصور في القرن الواحد و العشرين، و نمنع إحياء الذاكرة الشعبية الأصيلة.

الصحفي: ما هي نوعية الصور والمخطوطات التي تضمنها الكتاب والتي تقولون أنها مميزة وغير موجودة الآن؟ 

الشيخ خالد بن تونس: الكتاب تضمن عدد كبير من الصور الخاصة بالأماكن المقدسة، فقولي قول يغني، لقد وضعت في كتابي صورة للحجر الأسود في سنة 1816 م ، هذه الصورة لا يريدون لها أن تظهر، صوّرها إنكليزي خفية، هناك صور لغار حراء، و غيرها من الصور. عندما تكلمت عن الرسول الكريم وعن مولده كان لا بد من الحديث عن الجزيرة العربية، و الخوض في تاريخ سيدنا إبراهيم وسيدنا إسماعيل عليهما السلام، وغيرهم من الأنبياء والرسل، بالإضافة على الحديث عن ما جاء في الكتب الأولى، مثل التوراة والإنجيل، هو عمل إرتكز على البحث، و كان لا بد من التطرق إلى قضية إسماعيل و هاجر و ذهابهم إلى مكة المكرمة، و كيف كان المكان، كل هذه المسائل التاريخية مهمة لأنها تشير إلى سياق عام يحدثنا عن الجزيرة العربية، و من ثم ميلاد الرسول الكريم، و في أي ظروف، وغيرها من المعطيات    . 


    تضمن الكتاب صورة للسيدة أمينة أم الرسول، و هي تقدمه لعائلته، كما تضمن صورة لأبراهة عندما جاء بالفيل لهدم الكعبة وكيف سجد الفيل للكعبة، كما أتيت بصور فريدة من نوعها، مثل صورة للإحتفالات بالمولد النبوي الشريف الذي يرى المتشددون أنه بدعة، فهناك صورة لخليفة المسلمين في إسطنبول في القرن الثامن عشر، توضح كيف كانت تجري الإحتفالات، في رأيكم هل كان الخليفة يقترف حراما؟

 
    كيف سيعرف غير المسلمين الرسول، من الصين إلى باريس وإلى كل أنحاء العالم، يجب التعريف بالرسول، أنا شخصيا حضّرت لإحتفالات بالمولد النبوي الشريف بباريس، والذي تحول فيما بعد إلى مهرجان سنوي، الهدف منه التعريف بالرسول الكريم لشبابنا والأجيال القادمة والجالية الإسلامية الموجودة في الخارج.


    و قد تكلمت في كتابي هذا عن قضية الفتوة، أي الفروسية التي كانت موجودة قبل الإسلام وجئت بصورة لعنتر بن شداد الذي يعد رمزا من رموز الفتوة في العصر الجاهلي، هذه الصورة بدورها انتقدت من طرف عديد الجهات، لكن هدفي الرئيسي هو توضيح أن الرسول لم يولد في صحراء خاوية بل كانت صحراء تحمل حضارة بأتم معنى الكلمة، ومن ثم تكلمت عن سيرة الرسول و هو شاب و كيف قدمه عمه إلى الفتوة باعتبار أنه فتى فاضل و من خيرة شباب مكة المكرمة...



الصحفي: إلى أي عهد يعود تاريخ المنمنمات الخاصة بالرسول الكريم وكيف تم التعامل معها عبر مختلف العصور؟

الشيخ خالد بن تونس: يعود تاريخ المنمنمات إلى عهد الأمويين، فالحريري رسمها في سنة 1054 أي منذ 10 قرون ، الواسطي من العراق و كما سبق و أن أشرت فإن أول تصميم للصور قام به الأمويين، و أكبر دليل على ذلك، الجامع الأموي المعروف بدمشق الذي يتضمن مئات الصور.
    و يبقى أن هناك من رفض تصميم هذه المنمنمات ونشرها حتى في تلك الفترات، و اليوم هناك من يعترض نشرها، لكنه يبقى مجرد رأي، و لماذا نفرضه على غيرنا، بالله عليكم في ماذا تؤذي هذه الصور الرسول؟ لماذا في عهد العباسيين و الأمويين كانت الصور مسألة عادية عند المسلمين، في وقت يجب أن نعلم فيه أن الإسلام دخل إلى أسيا الوسطى والهند عن طريق هذه الصور التي لعبت دورا أساسيا في ذلك العصر لتبليغ الرسالة لأهل تلك المنطقة.
    كيف نغير صورة المسلمين اليوم إذا لم نفتح الباب للحوار، و نظهر هذا التراث لأبنائنا، و لغير المسلمين حتى يعرفوه، هو تراث غني من الهندسة، و كل ما أتى به الإسلام من حضارة، و يجب أن نعلم أن أكبر مدرسة للرسوم الإسلامية هي مدرسة أفغانستان، و ليس الفرس، لأنها بدأت مع الأمويين، و العراق، و أفغانستان، و الفرس ثم الأتراك.
    و لا نرى من العلماء من رفضوا تلك الصور عبر مختلف العصور، إلا المتشددين الذين كانوا في ذلك العصر، رفضوا بطبيعة الحال رسم الرسول، هي صور موجودة في ساحة مسجد الأمويين، في الأندلس، بقصر الحمراء في غرناطة، و غيرها من بقاع الأرض. ماذا حل بنا حتى وصلنا إلى هذا الفكر الضيق في الدين والأسلوب الذي نتحاور به، الذي لا يتطابق مع عاداتنا و لا مع إسلامنا، العجيب في الأمر هو أنه يوم كان المسلمون يرسمون هذه المنمنمات كان المسيحيون والبيزنطينيون في القسطنطينية بإسطنبول يمنعونها، و اليوم إنقلبت الآية...
 
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). إيريك يونس جوفروا أستاذ العلوم الإسلامية بجامعة استراسبورغ بفرنسا، ذكره في مقال عنوانه " مئوية الطريقة العلاوية أو رهانات الروحانية في سياق ما بعد الحداثة ".


الأحد، 6 فبراير 2011

رسالة معاصرة

رسالة معاصرة

بسم الله الرحمن الرحيم

    هذا الفصل السادس و الأخير من كتاب الشيخ خالد بن تونس " الأخوة في الميراث"، ننقله إليكم. و جاء فيه:

    
نحن على عتبة مستقبل شبيه بوحش ضار، ينقض على كل ما يجده، مستقبل مليئ بالوضعيات الغير متوقعة. يضرب هذا الوحش مرة بواسطة الدين، و مرة بواسطة العلم، و مرة بواسطة العالم الإقتصادي أو السياسي. ستستعمل كل الأسلحة. مَن لم يتحضر لهذا المستقبل سيضيع، و يُنسى، وتفوته الأحداث. يصبح عبدا للآخرين. في الحقيقة، نحن متّجهون نحو عالم خطير جدا. ستظهر جماعات كالتي ظهرت اليوم، لا تخاف من الموت. ستنتقل بؤر التوتر في كل مكان، بدون ما يمكن التنبؤ بها، أو حتى فهمها، لأنهم لن يطالبوا بشيئ.

    و صلت نفس الإنسان إلى درجة أصبح لا يتواجد شيئ عداها. تألّه الإنسان. لقد دخلنا عصر الإنحطاط، بحيث أُفرغت كل القيم الإنسانية من معناها، و عُوضت بسعر السوق الموحّد. الأزمة الحقيقية لم تبدأ بعد. زلزال قادم. كل ماهو من الثوابت سيتزعزع. هذه القيم التي كنا نعتقدها أبدية تنهار كقصر من أوراق مبتذل.

    لقراءة الفصل السادس من الكتاب: