الأربعاء، 9 مارس 2011

كلمة الشيخ خالد بن تونس في ملتقى الزوايا


كلمة الشيخ خالد بن تونس
 في ملتقى الزوايا


     بسم الله وحده و الصلاة و السلام على من هو للأخلاق الإنسانية بداية،  و للحضرة الأقدسية نهاية، و بارك الله في الجميع، في هذا الحفل المبارك الثمين الغني، و الله شاهد على ما أقول. نحن فخورون، و لكنكم حملتم علينا عبئ ثقيل. لسنا أحسن من أي طريق، حاشا لله، بل نحن خدم لجميع أهل النسبة و جميع الزوايا و المشايخ .

    ثم أقول أن هذا المنهج المحمدي، أي التصوف، أتى رحمة و ملجأ للمحتـاجين أينما كانوا، و ملجأ للقاصدين أينما تواجدوا، أيّ كانت ملتهم أو دينهم فما بالك بالمسلم أو المؤمن أو المؤمنة، و ما بالك الجزائر بلدنا العزيز.

    و الشيخ الحاج عدة يقول فيما يخص مستغانم:

فـي مسـتغانم ما تشتهيه    فيـه الدواء فيه الشفاء   فـيــه الهناء بأنواعه
فـــيــــه الــــــكـــــرام    فــــيــه الـــهــــمـــام     فـيه الإمام و كفى به

    مرحبا بكم في مستغانم، مسك الغنائم  في أي يوم، و في أي وقت، و في أي زمان، بالليل أو النهار، الزاوية مفتوحة للجميع و هي دار الجميع. لا بد علينا، و هذا من واجبنا أن ننتبه للمجتمع الذي نعيش فيه و نقدم له ما يستحق أن يقدم له من طرف رجال التصوف ورجال الزوايا، نقدم له علم و ثقافة. نقدم خدمات للمجتمع و للمحتاج، يجب أن نكون درع للسائل و المحروم، و المظلوم، الزوايا ملجأ للجميع. الآن نحن بحاجة في هذا الوطن السعيد، أن نشاهد منهجا سلوكيا لأبنائنا، و للأجيال الآتية، منهجا متفتحا على العالم، متفتحا على العصر. مع كل المشاكل الموجودة اليوم في المجتمع الإسلامي، لا بد أن نسعى لإعانة العلماء والأدباء و المشائخ و أهل التربية، لحلها بقدر ما أمكن، و على حسب الاستطاعة.


    جمع أقطاب التصوف، التصوف في كلمات خفيفة و يقولون: الشريعة هي "أنت و أنا ". احترام الغيرية مهما كانت الشريعة التي فرضها الله سبحانه و تعالى على جميع المخلوقات، لا يقتصر الأمر على الشريعة الإسلامية أو الشريعة الموجودة عندنا في العالم الإسلامي، و إنما الشريعة الإنسانية، و هي احترام الغيرية مهما كانت. الشريعة أنت و أنا، أي تحترمني وأحترمك، تقدرني و أقدرك، تأخذ مني و آخذ منك، المبادلة دائما. الغير مرآة لنا، حتى نعرف ما نحن عليه، لابد منه، فهو من سيعرفنا بأنفسنا، و لو كان ضدنا.

    ثم في النقطة الثانية، يقولون أن الطريقة هي "أنت أنا و أنا أنت"، أي المحبة، و الألفة و الوحدة. عند أهل التصوف هذه الدرجة ، هي القرب، والمحبة، و الأخوة الدائمة. نحث دوما على جمع الشمل، جمع شمل المجتمع، و المؤمنين، و المؤمنات و الإنسانية جمعاء، أي بنو آدم "كلكم من أدم و أدم من تراب". جمع شمل الإنسانية.

    ثم النقطة الثالثة، الحقيقة "لا أنت و لا أنا"، أي هو سبحانه و تعالى. و هذا لدعوة الإنسان إلى التواضع و خفض النفس، و أن يرى أن الفاعل الوحيد في الكون هو الله سبحانه و تعالى، هو الفاعل في ملكه بما يشاء. ثم لا ننسى أن هذا الملتقى هو تاريخيا بداية لصفحة جديدة في الجزائر لأن الزوايا كانت منسية، و لم تكن منسية فقط، بل كانت تتهم بالتخلف و الشعوذة و جميع التهم. لا يجب أن ننسى التاريخ، و إنما علينا أن ننهض و نساعد المجتمع الجزائري ونعرفه بهذا التراث الروحي الذي كان له دور و الحمد لله في جميع المجالات، لا من نضال، و لا من علم، و لا من قرآن، و لا من جميع مقومات الشخصية و الهوية الجزائرية.

    تاريخ الجزائر مبني على الزوايا، حبّ من حبّ و كره من كره، و لذلك أشكر كثيرا سيادة الرئيس الذي أزاح هذا الحاجز الذي كان بيننا و بين المجتمع، و خاصة المثقفين و الصحافة. كان لرئيس الجمهورية موقفا شجاعا حيث لم يخشى أن يقول الناس أن رئيس الدولة الجزائرية يقصد كل الزوايا و يستدعي المجاذيب ليدعوا الله له، لأن الكثير يعتبر هذا تخلف في هذا العصر. وهذه نقطة حساسة أيها الأحباب لأنها فتحت مجالا أخر حتى و لو أنتخب رئيس أخر، لا يستطيع الحياد فيها.

     للزوايا وزن في الوطن الجزائري، و غير الوطن الجزائري، لها وزن في بناء المجتمع الإسلامي، و نرى من الشرق إلى الغرب عدد المسلمين في العالم اليوم، و الوزن الديموغرافي الذي لهم، مليار و نصف تقريبا. ماذا عن الوزن العلمي، و الاقتصادي، و السياسي؟ من يعتبر المسلمين اليوم؟ و لماذا؟ لأننا بأنفسنا أغلقنا باب الاجتهاد، و نعيش في الماضي أكثر من الحاضر، أما  عن المستقبل فلا نفكر فيه أبدا. نعيش دائما في الماضي و نأخذ المثال من الأولين. نعم للأولين فضلهم، و لكن " و العصر إن الإنسان لا في خسر ". القرآن الكريم، و العصر أي في هذا العصر، لماذا نأخذ المثال دائما من الماضي، و ننسى أنه يجب علينا دوما الأخذ بعين الاعتبار العصر الذي نعيش فيه و نفتح باب الاجتهاد. لا يمكن أن يكون الاجتهاد، لأننا كلما نخطو خطوة نسميها بدعة، و كلما نهض  أي إنسان اليوم، نقول له هذه بدعة و لم تكن في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم، الطرقيون أهل بدعة. أي شخص يأتي و يعجزنا بكلمة بدعة، و نسينا أنه "من سن سنة حسنة فله أجرها وأجر من عمل بها" و نسينا قول الرسول صلى الله عليه و سلم: "إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها أمر دينها". نحن لا نقبل المجدد لأنه يكون بطبيعة الحال غير مقلد. والشئ الذي يأتي به نقول عنه بدعة، و  لم يكن عند الأولين. نسينا أن المصحف الكريم بدعة، لأنه لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم، فقد جمعه سيدنا عثمان رضي الله عنه، و الحديث بدعة، و صحيح البخاري بدعة، و صحيح مسلم بدعة، و الترمذي بدعة، كل هذا لم يكن في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم. المذاهب "مالك، و الشافعي، و الحنبلي و الحنفي" لم تكن على عهد الرسول صلى الله عليه و سلم، إذن هي بدعة. كان الإسلام كان دائما يتماشى مع عصره و يتجاوب مع احتياجات التجديد و مطالب العصر. فعلينا يا أهل الزوايا أن نتوجه، و لا نقول بالتابع و المتبوع، و الإتباع دائما ، بل نقول بالتجديد و التجديد دائما و أبدا.

    و لأهل التصوف المثال الحي على هذا، و هو أهل السلسلة، ماذا تعني السلسلة؟ تعني أن سر النبي صلى الله عليه و سلم يسري دائما إلى اليوم، و لا يقف عند زمان أو مكان، يسري من شيخ إلى مريد. لا ينقطع الخير المحمدي في الأمة المحمدية. هذا عند أهل الله، و عند أهل الزوايا.  أنتم تقولون به و من وجه النصيحة. نحن خدام لكم، و إياكم أن ترفعوننا إلى أعلى، فنحن إخوة. فالطريقة "أنت أنا و أنا أنت"، و عندما نرجع إلى الحقيقة، نجد "لا أنت و لا أنا"... لا يوجد هناك، لا شيخ و لا طريقة و لا مكان، إلا الله سبحانه وتعالى.

و السلام عليكم.

    جرى ملتقى الزوايا سنة 2004 بمدينة مستغانم، برعاية رئيس الجمهورية الجزائرية السيد عبد العزيز بوتفليقة الذي حضر جانبا من فعالياته، و نظمته جمعية الشيخ العلاوي للتربية و الثقافة الصوفية.

الإنتقال من ثقافة أنا إلى ثقافة نحن

الإنتقال من ثقافة أنا إلى ثقافة نحن


    بعد بسم الله الرحمن الرحيم

    سيداتي، سادتي مساء الخير، Guten Abend ـ ذكر التحية باللغة الألمانية ـ. سامحوني لا أتكلم لغتكم، أتمنى بشكل ما، أن ألمس قلوبكم، و يكون هذا اللقاء، لقاء تبادل و حوار خصب و بنّاء، في عالم يشهد تحولات كثيرة، و في بحث عن المعنى، و عن السلم و المستقبل، عالم بطبعه عنيف جدا.

    أولا، أقدم تشكراتي إلى البروفيسور الذي دعانا إلى الجامعة. فالذي أبدأ به هي جملة لرجل مشهور جدا، قال: " يبني الناس الكثير من الأسوار و قليل من الجسور ". سنحاول اليوم كلنا، بناء سور تفاهم، و سور أخوة و تبادل، يسمح لنا كلنا بأن نتعارف أكثر، لأن الإنسان مرآة أخيه. الغيرية. الآخر مرآتنا. لننظر بواسطته لأنه يمتحننا بنظرته و تساؤلاته، و بسبب إختلافه، و لأنه يتكلم و يأكل بشكل مختلف. فهو يستفهمنا عن ثقافتنا و كائننا.

    في عالم يشهد تحولات عميقة و تحد، و أزمات بيئية، و طاقوية، و إقتصادية، و التغيير المناخي، نحن على أبواب نهاية نظام، الكل يثبت أننا عند نهاية نظام، نهاية عالم، و بصدد ولادة آخر. كلنا في انتظار أن يبرز هذا العالم الجديد، عالم من أجل الحوار و الحضارة حتى تستمر الإنسانية على هذه الأرض.

    أتصور هذا الحوار الجديد في الخروج من ثقافة "الأنا" إلى ثقافة "النحن".

الشكل ( 1)

الشكل (2)

    إستعملت كل التقاليد الدائرة كمركز للوحدة، وحدة الكائن، و الأمة، و العالم. نجدها في كل الثقافات. لنرى الشكلان، ثقافة "الأنا" (الشكل 1)، و ثقافة "النحن" ( الشكل 2). ترتكز ثقافة الأنا على الهرم، في قمته أنا، السلطة التي توزع الثروات و المناصب و تعطي القرارات. في أسفله القاعدة التي تطبق و تطيع. ثقافة الأنا هي أخذ ورد بين القاعدة و القمة، بين الذين يريدون الوصول إلى السلطة و الذين يملكون السلطات، و يريدون الحفاظ عليها. ترتكز ثقافة الأنا على المواجهة، هذه حركيتها، بين الذين يريدون الإرتقاء إلى القمة، و أصحاب هذه الأخيرة، الذين يفعلون أي شيئ من أجل البقاء. هذه ثقافة قديمة، قِدم العالم، منذ أن وجدت الإهرامات حتى اليوم. لا نعرف غيرها. و رغم ذلك غمرت ثقافة النحن أحيانا الإنسانية، فقد وُجدت عند الحكماء و الأنبياء. هناك أسطورة لدى الإنسانية، لدى اليهود و النصارى و المسلمين، يأملون فيها بأسطورة أرض، و هي الحلم بالمُخلّص، و يعيش الكل في رفاهية و سلام، و في القسمة و المساواة. نجد هذه الأسطورة و هذا الأمل في كل التقاليد حتى الهندية، مثلا، أبوكاليبس (1) (نهاية العالم لدى اليهود و النصارى)، زمنها زمن التجديد، و ليس نهاية العالم.

    لننظر إلى ثقافة النحن، كيف تستوعب العالم و تتصور مجتمعا. تتكون الدائرة من مجموعة من النقاط تشكل محيطها. لهذه الحركية نقطة إتصال و إلتقاء، و كل واحد أينما تواجد من محيط الدائرة على علاقة بالمركز، و مساره نحوه. لدينا شيئ يجمعنا و يربطنا، يملكه الجميع و يؤيد حقيقتنا، حقيقة الدائرة. 

     عندما تتحرك الدائرة، كل نقطة في لحظة معينة من هذه الحركية ستتحمل ثقل بقية النقاط التي تكون المحيط. و هكذا بحركية الدائرة، كل واحد منا هو مدعو في الآن نفسه إلى المسؤولية و تحمل ثقل الكل. هذه النقطة التي تعطينا الحركية و تربط الكل هي على مسافات متساوية من الكل، بمعنى على مسافات متساوية من الكرامة و المساواة، و إلا فالدائرة ستنقطع. لا تشتغل الدائرة إلا إذا كانت كل نقطة على مسافة متساوية من المحيط إلى المركز. كل واحد في مكانه مهما كان أصله أو لونه أو فلسفته، لا أحد يملك المركز، نقطة الإرتباط التي تجمع الكل. كل شخص يقدم ما يستطيع تقديمه، و ينال  ما يحتاجه.

    أعطى الحكماء لهذه الدائرة، إسم دائرة الفضائل و الجود. و هذه قيم كونية. كما قلنا لا تشتغل الدائرة إلا بتساوي نقاطها بنفس بعد المسافة عن المركز، و كذلك بتواجد بين كل نقطة و أخرى إتصال، أي نسبة و تسامح و قبول و علاقة. إن حدث و لم تقم نقطة بدورها تنقطع الدائرة.

    نعيد. لكي تشتغل الدائرة، يجب أن تحترم القواعد. أولا يجب أن تكون النقاط على مسافات متساوية، و ثانيا كل نقطة هي في المقام، و الآن نفسه " الأول و الآخر "، و تضطلع بهذه الثنائية، و كل واحدة تملك فضائل تكون بها الأولى لأنها تقدم قيم، و لها آماني تكون بها الآخرة. كل شخص يمكنه أن يكون إيجابي أو سلبي، لا أحد دائم الإيجابية، يجب تقبل هذه المساواة التي بنا، أحيانا نصيب و أحيانا نخطئ، أحيانا نكون عنيفين و أحيانا نكون سمحاء، أحيانا نحسن و أحيانا نسيئ سواءا بالفكرة أو بالنية.

    لقد قلنا أن القاعدة الأولى بمسافات متساوية، و القاعدة الثانية على كل واحد أن يتقبل الآخر على حقيقة كائنه و لو كان مقابل له، لأنه بحاجة إليه و شريك، حتى تكون الحياة و تستمر الحركية. و من القواعد وجوب إحترام الآخر. الغيرية. لأنه موجود و إرادة إلهية، و عليه الإشتراك معه، و لو كان مضادا له. تقول الحكمة " لا تفعل بغيرك ما لا تريد أن يفعل بك ". هذا هو الأمر الأساسي، و المعيار الذي نتعامل به مع الآخر، و قاعدة كل تعليم.

    قد تقولون لي، هذا جميل، و لكنه طوباوي(2). بطبيعة الحال لدينا الخيار، مثل من قال " إن نهاية القرن العشرين هي نهاية التاريخ ". ما معنى نهاية التاريخ؟ بعد إنهيار الإتحاد السوفياتي لم يعد يوجد إلا قانون واحد يسير العالم و يقوده، هو قانون السوق. أصبحت الديانات و الفلسفات و الإيديولوجيات شيئ من الماضي، و نرى الآن أضرار هذا القانون. تستفيد من هذا السوق الحر و المتوحش أقلية، أوصلت العالم إلى أزمة، هي الأسوأ في تاريخه منذ عشرات السنين. أو مع النظرية الثانية، التي أتت هي الأخرى من الولايات المتحدة لصامويل هونتينغون، بالنسبة إليه فإن العالم على مشارف صدام الثقافات و الحضارات(3). سيدخل العالم في حرب و صدام للحضارات، يتواجه فيه الغرب مع حضارة الشرق، الهند و الصين و خاصة الحضارة الإسلامية، و الحال أن فلسفة الدائرة تكلمنا عن إنسانية واحدة، و تذكرنا ببعدها العميق، و بالمستحقات و الفضائل الأصلية و الكونية، و القيم التي نقدمها لمركز موزع على الجميع. كل واحد منا هو كجسم الإنسان، تعمل فيه كل خلية لصالحها و لصالح الجسد كله. هذا يعني أننا حتى و لو كنا أنانيين سنساعد الآخر و نجعل منه شريكا، و يستفيد الكل.

    يدعمنا هذا في تنفيذ مهارة جماعية. كيف نوَحّد مهاراتنا و وسائلنا و معارفنا حتى يستفيد الجميع؟ كل شخص بمهارته و علومه يسمح للآخرين بالإستفادة، هذا ما نسميه المهارة الجماعية. لا تنسوا أن الإنسانية تتقدم منذ غابر الأزمنة ، و وصلنا اليوم إلى حالة فراغ و خلو و استفهام. بهذه النظريات و المفاهيم، و في عالم ينقلب نحو التشدد و التعصب و الطائفية و العنف و عدم التسامح، ماذا نقترح عليه بتنوعه مع احترام فردانية كل شخص، إذ كل واحد منا فريد و كائن كامل؟ كيف نحافظ على الفردانية مع الدعوة بالوحدة الجوهرية للإنسان و الإنسانية، و القيام بحريك مُنسّقِ مهارة جماعية، إذ تسمح لنا التكنولوجيا اليوم القيام بذلك؟ 

    بمقدورنا ربط و جمع مهاراتنا و جهودنا و معارفنا، فالذي ينقصنا هو أسوة. من أجل من نقوم بذلك؟ باسم من؟ الإيمان العقائدي نقص، و الإيديولوجيات قصيرة و في اضمحلال. إذن من سيحرك لدى الإنسان هذا الإيثار(حب الغير)؟ إننا في مواجهة أنفسنا، و أكثر فأكثر في العزلة. كل واحد منا في مواجهة حريته و مسؤوليته.

    الإنسانية في تقدم، فعندما نقرأ التاريخ، نجد أنها بدأت بمفهوم الإقليم. كانت المعلومة تغطي الإقليم و القبيلة، ثم أصبحت بلدا و مملكة، و بعدها أمة، و اليوم نحضر لتطور آخر، مثلا المجتمع الأوروبي و بلدانه السبعة و العشرين، الذين وضعوا قدرهم في قالب مشترك. تسلك الإنسانية عبر عصور، العصر الإبتدائي، و العصور الوسطى، و عصر الزراعة، و عصر التجارة، و وصلنا إلى عصر جديد، لا نعرف كيف نسميه، و لا كيف نحدده، فعلى مستوى الإقتصادي دعوناه بالكوكبة و العولمة. ينقص هذه الأخيرة روح و مَثل، بقيم تعطيها معنى. العولمة و الكوكبة مساومة، لا تقدم شيئ على مستوى الوجود و الحياة الباطنية، و ماذا عن المثل؟ لا تُنشئ الإنسان الباطني. حقا عولمته و جعلته مواطن عالمي بالإستهلاك. لم تأتي بقيم. و ما هو هذا الشيئ الزائد الذي نحتاجه لكي نتواجد؟ لهذا نرى أشكالا من الرفض و الخوف. لا نستطيع رفضها، و لكن هناك تخوف من هذا البسط، و تضييع المعالم  و الثقافة و الأصل، و الذوبان في الكتلة.

    إذا كان كل شيئ يخوفنا، فكيف لنا أن نتواجد؟ و إلا هذا الهروب، ليس إلى الأمام، بل إلى الوراء، أي نحو أسطورة التاريخ، يبني فيها كل شخص أسطورة أسلافه و مثاله. نفرّ إلى الماضي، و سيؤدي هذا إلى حالة إنطواء على النفس، إنطواء في الهُوّي(4)، و سندعي أننا مسيحيين، أو مسلمين، أو يهود، أو أنني ألماني أو من الغاليين،.... نُقدم إنتماء الهوي، و نعيش أسطورة أن الهوية تحمينا من العولمة. نبني أسطورة الأسلاف، في حين أن علينا أكثر من أي وقت مضى، التساؤل عن ماهية الإنسان؟ و من نحن؟  

    الإنسان قبل كل شيئ ضمير ( شعور). كلما تكثف و ازداد هذا الشعور فينا، كلما هدأ الإنسان في عواصف إمتحانات الحياة.

    بتنوعها في الألوان، و في الكثير من الأفعال، برزت كل الإنسانية من نفس المنبع، و نفس الجذر، مهما كانت أفريقية، أو أسيوية، أو أوروبية، أو من البيض، أو السود، أو الصفر، فنحن كلنا من نفس العائلة. إذن كيف يمكن أن نعيش حالة الشعور، ليس بالفكر فقط؟ هذا هو دور الروحانية.

    عن أي روحانية أتكلم؟ يتسائل كل  واحد منكم، أي روحانية؟ هي التي أنتجتها كل الإنسانية.

    تواجد الحكماء منذ أعرق العهود، و أقول كذلك أن الشعور تطور بحكمة الرجال الذين أنشأوا أول القوانين، و الذين حددوا قواعد و العلوم، و الذين ذكّروا الإنسان دائما بما هو أفضل له، و الذين حاولوا إفشاء الأخوة بين الناس، و للأسف لا يوجد في عصرنا تعليم هذه الحكمة التي تربط بين مختلف قراءات الحضارات. إذا أخذنا عقد أو مسبحة، سنرى لآلئ،  كل واحدة مختلفة عن الأخرى، لكلٍ لون، و لا أحد ينتبه للخيط الذي يربطها، و هو الروحانية التي تربط كل الحضارات و كل الجنس الإنساني. الخيط الغير المرئي الذي يربط كل لآلئ هذا التنوع و الثقافة البشريين.

    أقول، بكل بساطة أن كل واحد منا اليوم حر و مسؤول أمام قدرنا كلنا. كل واحد منا مسؤول عن الآخرين، مهما كانت جنسيتهم أو دينهم، و يتحمل مسؤولية عالم اليوم و الغد. و خاصة بأماكن المعرفة، التي تشكل و تصنع مستقبل الغد. تُدرس بها الجغرافية و الرياضيات و الديبلوماسية و فن الحرب، و لكن لا يوجد مكانا للحكمة. لم أرى حتى اليوم أي جامعة تدرس الحكمة. لم يُقم أي إستثمار في هذا الشأن للإستخلاص منها أفكارا و تصرفات، يمكن أن تساعدنا على التطور و الإرتقاء و التقدم لبناء مستقبل مشترك. خصوصا مفهوم الرحمة، الذي ينبعث من هذه الحكمة. لنتصور عالما يتعلم به أولادنا إنتاج الرحمة، و ليس زيادة النمو. يبدو ذلك جنوني. و لنتصور عند تعليم المعماري الهندسة المعمارية، نلقنها له بالرحمة، و لنتصور السياسي الذي يصدر القوانين، لنعلمه بوصفه سياسي، أن يصدر القوانين مقرونة بالرحمة. أصبح مفهوم الرحمة غريب. لقد نسينا أنها ليست مفهوم نظري، بل طاقة أنشأت العالم و الكون. للرحمن الرحيم إشارة مثل رحم المرأة. الرحم الإلهي كالرحم فينا. نفس الشيئ و نفس الكلمة.

    الوقت محدود. قبل أن أتلقى أسئلتكم، أريد أن أقول لكم شيئ واحد، لم آتي لذكر حقائق، أو أعطيكم دروس، جئت فقط لأشهد بأنه توجد لدى الإنسان طرق أخرى لرؤية العالم، و المخاطبة، و الحوار، و لبناء إنسانية لها معنى. شكرا لكم.

   
   ألقى الشيخ خالد بن تونس هذه المحاضرة بجامعة، بمدينة فيبورغ الألمانية في نوفمبر 2010. تلت المداخلة مناقشة، سؤال و جواب. ذكر الشيخ خالد بن تونس درسه باللغة الفرنسية، و ترجم إلى الألمانية السيد توفيق حرتيت.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ 
 (1). أبوكاليبس، كلمة يونانية تعني رفع الحجاب أو الكشف، و هي السفر الأخير من الكتاب المقدس. يؤمن اليهود و النصارى بحدوثها في آخر الزمان.
(2). طوباوي: ما لا يوجد في أي مكان.
(3). بعد خروج هذه النظرية، أنشأ الشيخ خالد بن تونس نظرية "صدمة الجهل".
(4). الهُويّ: خاص أو متعلق بالهوية.


لقاء بقرطبة


لقاء بقرطبة

     شارك الشيخ خالد بن تونس بمدينة قرطبة الإسبانية، في ندوة نظمتها جمعية كُمبوستيلا- قرطبة(1)، يومي 25 و 26 نوفمبر 2010، عنوانها "طريق نحو التفاهم و الحوار". قال في مداخلة له:

    سيداتي سادتي، أصدقائي الأعزاء، مساء الخير، الوقت متأخر... بهذه المدينة الرائعة، قرطبة التي تذكرنا بالذاكرة و التاريخ، و كذلك بالشق الموجود دائما بين الشرق و الغرب، أو بالأخص بين الغرب و الإسلام.

    حول سؤالك، هل روح المشاركة و التبادل ممكنة؟ بإجابة حكيمة، نقول نعم. و لكن كيف نتوصل إلى ذلك؟

     تواجهنا هناك الكثير من الصعوبات، تتمثل الأولى في التوصل إلى التعايش معا. لتكن لنا نظرة أخرى عن العالم لما هي لنا اليوم. هذا عالم متفجر، خاضع للقانون المتوحش للسوق، في غمرة الأزمة. يشهد أزمات متعددة، طاقوية، و الإحتباس الحراري، و التلوث، و الظلم، و حروب...

    نشرت جريدة لِبيراسيون الفرنسية، الأسبوع الماضي ملخص ملتقى، جرى بمدينة إيفيان السويسرية مع أكثر من 500 مختص في العالم، كان فيه رؤساء كبار الشركات بالعالم، شركات التأمين، و البنوك، و المؤسسات الكبرى البترولية، و غيرها... الوضع اليوم في العالم محزن، يجب الإقرار بذلك. إن التعايش في المنادمة التي نتكلم عنها كما عاشها الأندلسيين في القرون الوسطى، و نقارنها بيومنا، فإننا في عالم متخلف، كما يؤكد المختصين، عالم فَقدَ الوجهة. أنقل ما قاله نائب رئيس شركة أمريكية كبيرة " حتى سنة 2008، كنا نرى العالم كذهابنا في سفينة، نرى منها الساحل (بر الأمان)، و غروب الشمس الجميل، فجأة دخلنا في عاصفة، فأقلقنا ذلك. ثم ذهبنا لنرى من يقود السفينة؟ فلم نجد لها قائدا ". هذه خلاصة نائب رئيس شركة أمريكية متعددة الجنسيات.

    للعودة إلى السؤال الأساسي، حسب رأيي، يجب إعطاء الرأي، و هل مازال ممكنا هذا التعايش، و توجد إنسانية لتحقيقه؟ لهذا يجب علينا المرور إلى ثقافة أخرى، الخروج من ثقافة "أنا" إلى ثقافة "نحن". بدون ثقافة "نحن" التي تجمع بالتساوي في الكرامة، و بمسافات متساوية عن المركز، فإن مصالح الإنسان و الإنسانية في خطر. فالأمر لا يخص الغرب دون الشرق، أو المسلم و المسيحي، أو المعمار و التجميل، نحن اليوم محمولين بتيار. قال لنا ممثل الصين أن 70% من إحتياطي الماء بالصين ملوث. و يجب في وقت قياسي، حتى 2050، بناء 400.000 مدينة جديدة، لإسكان الإنسانية القادمة. كانت سنة 2010، السنة الأكثر كارثية منذ أن وُجدت الإحصائيات. تجدون هذه الإحصائيات عند المختصين و لست مختصا. ينادينا العالم من الأعماق إن بقيت فينا إنسانية.

    ... وصلت الإنسانية إلى مرحلة، هي مُعرضة فيها للدخول في أزمة، يبرر فيها أي شيئ، القتل و المخاوف. يجب التذكير أن منذ 11 سبتمبر 2001، نعيش هاجس من قسم من العالم، يمثل مليار و نصف مليار إنسان، و هو العالم الإسلامي، و ليس كل مسلم إسلامي، و ليس كل إسلامي إرهابي. يجب علينا اليوم خلق ثقافة "نحن".

    نجد فعليا في العالم اُناس على إستعداد، يحاولون زرع هذا الأمل حولهم، هم قليلون. نحن قليلون. أما عن سؤال التعايش معا و المنادمة، فنَعم. تقول الحكمة، إذا اجتمع عشر حكماء و استفسروا في سؤال واحد، سنتلقى جوابا واحدا. و إذا اجتمع عشرة علماء دين و عشرة خبراء سنتلقى أحد عشر إجابة، و علينا الإختيار. و شكرا.

    و في نفس الندوة، قال في مداخلة أخرى:

    في عالم بغيّ، و كل شيئ فيه جاهز، الثياب الجاهزة، و التفكير الجاهز، و الطعام الجاهز، هذا ما انضبط عليه العالم، لا نستطيع أن نقدم لكم أكثر. أنتم مَن عليكم أن يرفع التحدي، يجب محاولة إيجاد كيفية تعليل الضمائر؟ علينا العودة إلى الحالة الأولى التي جاء بها كل إنسان إلى هذا العالم، فيها نولد من بطون أمهاتنا بدون تواجد ثقل الثقافة، نولد أحرار. لم يولد أحدا مسلما، أو مسيحيا، أو ملحدا، أو بأي فلسفة، فثقل الثقافة هو الذي يكيفنا اليوم. بدأت هذه الثقافة العالمية و القرية العالمية تفقد توازنها، لا نعرف كيف نسير أمورنا، هناك المئات من الشباب يعبرون المتوسط و يموتون من أجل الذهاب إلى الألدورادو، أين هو الألدورادو اليوم، نفس الأمر يحدث بين المكسيك و الولايات المتحدة. لماذا يتحول مركز العالم نحو آسيا؟ لأن للأسيويين نظرة عن العالم ليست لنا، نحن على متن سفينة تغمرها المياه من كل جهة، على الأقل - رغم نقائصهم – لديهم معنويات ليست لنا.

الشيخ خالد بن تونس بقرطبة.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ      
(1). تأسست هذه الجمعية في ربيع 2009 من طرف حجاج مسيحيين و مسلمين، هدفها مد جسر بين الثقافات. كُمبوستيلا هي أحد أماكن الحج المسيحية الثلاثة بعد القدس و روما.


الأحد، 6 مارس 2011

الإسلام أهين بالإرهابيين


الإسلام أهين بالإرهابيين

    تعرضت في المدة الأخيرة عدة كنائس إلى هجمات بالعراق، و مصر، و قتل عدة غربيين بأفريقيا من طرف جماعات متشددة، تنسب نفسها إلى الإسلام.

    بفرنسا، خرج عدة مسلمين، و عبّروا عن سخطهم أمام هذه الجرائم، و صاحوا بأعلى صوتهم ضد هذه العصبية و الجرائم المرتكبة في العالم ضد الأقليات، و خاصة أن هناك من يستهزئ بإيمانهم، و هويتهم، بالقتل، باسم الإسلام. كان صاحب المبادرة مجلة (Respet Mag) بنداء عنونوه "الإسلام أُهين بالإرهابيين".

    لبى الشيخ خالد بن تونس النداء، و أجرت معه المجلة هذا الحوار:

    القائد الروحي للطريقة العلاوية (1)، الشيخ الصوفي كان واحدا من الأوائل الذين لبوا النداء "الإسلام أُهين بالإرهابيين"، الذي بثته (Respect Magazine)، فهو يشرح دوافعه. 

- لماذا لبيت هذا النداء؟
    - بالنسبة لي، فإن المعنى هو إعادة التذكير بالتاريخ. لدينا قدوة في الإسلام هو النبي محمد صلى الله عليه و سلم، و على كل مسلم الإقتداء بتاريخه. إستقبل الرسول صلى الله عليه و سلم وفد من المسيحيين بالمدينة، كانوا 71 فردا. عندما أرادوا أن يقيموا القداس قال لهم: " لا أجد لكم مكانا أنظف من بيت الله"(2). أقام هؤلاء المسيحيون القداس في أول مسجد في العالم. بهذا المثال نفهم العلاقة التي يجب أن تكون لدينا مع الديانات الأخرى. التوقيع على هذا النداء هو أمر ذو مغزى، يذكرني بتقليدي، و يذكر كل الذين نسوه. الإرهاب ليس الإسلام. إنه التاريخ بلا ريب.

- صوت المسلمين قليل الإستماع. يبدو أن المتشددين يصادرون الكلمة على حساب الأغلبية؟
    - هذا غير صحيح. إذا لم يستمع إليهم، فلأنه لم تعطى لهم الكلمة كفاية. لقد نددت بألمانيا بالجرائم التي اقترفت ضد المسيحيين بالعراق أمام مجمع كبير، ضمّ المسلمين و غير المسلمين، و بإسطمبول كذلك أمام 3000 شخصية في ملتقى. إننا نقوم بما يجب، و لكن هذا يبقى قليل التتبع.

- لماذا ممثلي الإسلام غير مسموعين؟
    - طرحت السؤال عدة مرات على صحفيين. أجابوني: " لسنا هنا للكلام عن القطارات التي تصل في وقتها، نتكلم عن المشاكل، و الذي ليس على ما يرام ". هي لعبة خطيرة، و لكن إذا تكلمنا فقط عن التطرف، بدون أن نعطي الكلمة للذين يمثلون الأغلبية المسلمة، فإننا نقترف خطأ تحليلي خطير، و نحيد عن الحقيقة.

- يظهر هذا النداء بأن بالإنتظام، يمكّن لهذه الكلمة بأن تسمع. هل هذا النوع من المساعي مهم؟
    - هذه المبادرة مفيدة. يجب شكر الذين قاموا بها. فهي تظهر لنا، هنا و في أماكن أخرى، أن الإرهاب مندد به. و بالنسبة لنا مسلمي الغرب، يجعلنا هذا نخرج، من الطوائفية التي يريدوننا أن ننغلق فيها، و نكون في المواطنة. نحن التركيبة الإسلامية المواطِنة، هنا، بأوروبا.

- يعترض بعض المسلمين، بأن ليس لهم أن يبرؤوا أنفسهم من الإرهاب؟
    - ليس هذا بتبرير. يجب الرد. القول من نحن. القول ما هو الإسلام. ذكر وقائع مثل قصة الأمير عبد القادر الذي أنقذ آلاف المسيحيين بدمشق سنة 1860. يجب تذكير المسلمين أنفسهم بتاريخهم. ليس لتبريئ الذمة، و لكن قل، نعم يوجد في التاريخ حوادث تذكرنا كيف يجب أن نتعامل مع الآخر. لنتصرف بصفتنا مواطنين. الشباب المتحدر من الهجرة هم مواطنين، لندفعهم إلى الإندماج، إذ أنهم ولدوا هنا. هم فرنسيون مثل الآخرين، و للأسف نطالبهم دائما بأن يبرهنوا على ذلك. ليست لدينا عقدة. المسيحية الأولى مسيحية شرقية. ولد الإسلام و المسيحية في نفس البوتقة. أي الوحدانية. أتوا من مكان واحد و يقاسمون تقاليد.

- يرى البعض أن مقاومة ارتفاع معاداة الإسلام جد ضروري؟
    - لا يحول الواحد دون الآخر. المتطرفون هم من كل حدب. هناك إرهاب بالسلاح، و لكن كذلك، من زاوية ما، يوجد إرهاب بالكلمات. يجب محاربة ما يجب محاربته لتقريب الناس، و خلق تعايش جامع بالتنوع، و في مجتمع علماني، يحمي قناعات، و فلسفات، و اعتقادات كل شخص.

- لبت شخصيات غير إسلامية كذلك النداء...
    - هو كفاح إنساني. يعني ذلك حماية هذا المفهوم الكوني، و هو كرامة كل إنسان. الإحترام الذي يجب علينا بالتبادل، سواء كان في الدين، أو السياسة، أو الإقتصاد. هكذا يصبح المجتمع أكثر إنسانية. ما الذي يُكوننا إذ لم يكن شعور؟ قبل أن يكون الإنسان سواء كان مسيحي، أو ملحد، أو يهودي، فهو ضمير (شعور). فهذا الشعور ما يجب أن نطوره حتى نعيش مع الآخر. الغيرية هي أن نتكشف بواسطة الآخر. نحن مرايا بعضنا بعضا.
- يأتي هذا النداء في سياق أماني إلى الديمقراطية في تونس و الجزائر خاصة. أنظمة ديكتاتورية مؤيدة من طرف الغرب، بحجة أنها وقاية من الإسلاموية...
    - هذا مشكل أبدي. إن القول أن هذه الشعوب بحاجة إلى قائد جلاد لأنهم أقل رقيا لتأسيس مجتمعات ديمقراطية، هو سوء تقدير لهم. هذا خطأ بالكلية. حطم الشعب التونسي هذه النظرية، و أعطى درسا للغرب.

- ليس التطرف إلا حجة؟
    - للأسف. يدفع هذا المسلمين إلى طوائفيتهم. 'أنت مختلف مادام أنك مسلما'... 'هناك تعارض بين الإسلام و الديمقراطية'. هذا غير صحيح. عندما تكون لهذه الشعوب الإمكانية للذهاب إلى الديمقراطية فإنها تفعل. حتى بدفع الثمن غاليا. كم قُتل من الشباب بتونس. لسنا إلا في البداية. هذا لا يعني أن الإسلاميين سوف لن يحينوا الفرصة. لا يجب البقاء ساذجين.

- إن أخذ الكلمة هو استباق هذا النوع من التعسف باسم الإحتماء من الخطر الإسلامي؟
    - هذا النداء قبل كل شيئ، هو فرصة للتأكيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). تأسست الطريقة العلاوية سنة 1909 من طرف الشيخ أحمد العلاوي (1869-1934) بمستغانم.
(2). وردت هذه القصة عن صلاتهم في سيرة ابن هشام كما يلي: " قال ابن إسحاق: ...يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم يومئذ: ما رأينا وفداً مثلهم، وقد حانت صلاتهم، فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلون، فقال رسول الله  صلى الله عليه وسلم: دعوهم، فصلوا إلى المشرق ".


مجلة Respect Magazine، يوم 19 01 2011.
أجرى الحوار: عصمان ندياي.

جائزة التسامح لمؤسسة أوسيمي


جائزة التسامح لمؤسسة أوسيمي
منحت للأمير عبد القادر بعد وفاته

    بمقر الأمم المتحدة، و تحت رئاسة مدير وكالة الأمم المتحدة، السيد سيرجاي اُردوزونِكيدز، جرت يوم 4 نوفمبر 2010 حفلة تسليم هذه الجائزة أمام عدد كبير من الممثلين الديبلوماسيين، من بينهم سفير سوريا، السيد فيصل حموي، و السيد إدريس الجزائري، الممثل الدائم للجزائر بجونيف، و ممثلي هذه المؤسسة المانحة، السيدة مارية أوسيمي، و السيد جاك موريلون، و السيد أوليفي فودوز، جرت حفلة التوزيع بحضور السفير سيهاساك بهونغكِتيون، رئيس مجلس حقوق الإنسان، و رئيس الصليب الأحمر الدولي السيد جاكوب كيلنبرغر، و أمام 600 مشارك، يمثلون خاصة البعثات الديبلوماسية، و جامعيين، و شخصيات دينية، و ممثلي الحركة الجمعوية، من بينهم الشيخ خالد بن تونس، الرئيس الشرفي للكشافة الإسلامية الفرنسية، و الجمعية الصوفية الدولية العلاوية "عيسى". 

    قُدم أثناء حفل التسامح لمؤسسة أوسيمي نُصيب (أوسكار المؤسسة)، و شهادة (وثيقة) لممثلي الجزائر و سوريا. ستقدم على التوالي للسلطات العليا للجزائر، و قصر دوماز (المنزل السابق للأمير عبد القادر) بدمشق (سوريا)، بممثلية السفيرين المذكورين.

    الحاصلان على اللقب هما باحثين، ستعطى لهما منحة لإتمام إحصاء الأرشيف المبعثر في أماكن مختلفة. ستمكن هذه الأعمال من إتمام المصادر المتوفرة حاليا حول الأمير عبد القادر، و إنشاء فهرس عام يخدم المجتمع الأكاديمي.

    الحاصلان على الجائزة هما السيدة جنيفييف سيمون خديس(1)، و السيد توم ورنر باول، حققا هذا الفهرس العام، و سينشر عند إتمامه. بفضل هذه الأعمال و هذين الباحثين، سينشأ إحصاء للأرشيف المحفوظ من طرف العالم، و يُمَكّن من إيضاح أكثر مختلف وجوه هذه الشخصية التي مازالت تبهر، و نحتاج إليها أكثر في هذا القرن الواحد و العشرين.

 منقول من موقع "عيسى-نت". مترجم.

و هذا رابط وكالة الأنباء "كونا"، مذكرا بالحدث:


ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1).السيدة ستي جنيفييف سيمون خديس، هي محافظة معرض الأمير عبد القادر، و صاحبة البحث المقدم فيه. أنشئ هذا المعرض بمناسبة  سنة الجزائر بفرنسا عام 2003، و أقيم بعدة دول من بينها اليابان، باللغة اليابانية، سنة 2005.



الشيخ خالد بن تونس مع طاهر الحسني الجزائري من سوريا.
     
منصة قصر الأمم المتحدة.



من اليمين إلى اليسار. زيدان مريبوت، و السيد توم ورنر، و السيدة ج. سيمون خديس.

جانب من الحضور، شخصيات مهمة.

   

بركة الله في الأعمال

 
بركة الله في الأعمال


    جرى المؤتمر الدولي للطريقة العلاوية بمدينة جونيف السويسرية يومي 9 و 10 أكتوبر 2010، و ساد قبله جو بسويسرا نتيجة حملة و إستفتاء حول شرعية بناء صومعات المساجد، و جُنّد كل البلد ضد هذا المشروع. في هذه الأجواء و معاداة للإسلام، أقيم مؤتمر "من أجل إسلام حر و مسؤول"، الذي نظمته الجمعية الدولية الصوفية "عيسى".

    أسابيع قليلة بعدها بشّر الشيخ خالد بن تونس في جمع مع مريديه(1) بالنتائج الأولى لهذا المؤتمر:

    « طُرحت أفكار و تساؤلات كثيرة حول حقيقة الإسلام، و هذا هو المراد، الذي كنا نترجاه، أن يحدث صدى بالمجتمع السويسري، و الأوروبي عامة. و كان الأمر كما ظننا. يقول الله تعالى في حديث قدسي: " أنا عند ظن عبدي بي فليظن بي ما يشاء ". ظننا بالله كان حسنا.
    أُقيم حفل آخر بقصر الأمم المتحدة، في لقاء حول حقوق الإنسان، بما فيها حقوق التدين(2). عندما أتيم إلى جونيف، شاهدتم في الطابق الأول، المعرض الذي كان حول الأمير عبد القادر. كُرّم بهذا الحفل الأمير عبد القادر، و بمأنه ليس في الحياة، فقد كرم أهله. و اعترف به أنه كان رجلا مسلما صوفيا، و أول سياسي في العالم تكلم و أشار إلى صالح الإنسانية و حقوقها. في ظرف زمني قصير، أسبوعين، غيّر الإحتفال بسويسرا الأمور، لا بعنف، و لا بإكراه، و لا بعداوة. يقول الله تعالى: " لقد جعلناكم أمة وسطا ليكون الرسول عليكم شهيدا ". القرآن الكريم. و يقول كذلك: " ادع إلى سبيل ربك بالحكمة و الموعظة الحسنة و جادلهم بالتي هي أحسن ". القرآن الكريم. و ليس بالتي هي أخشن.
    فقد جعل الله بركته، تكلمنا إلا ما فيه المصلحة و المنفعة لبني الإنسان. ظهر منا الصدق، و المقصود من ذلك التوحيد، لأن إذا عمل به الإنسان في السر و العلانية، أعطى نتيجته و فائدته في أقرب وقت ممكن.
    في حين كنا نحتفل بجونيف، عاصمة العالم، و بها مؤسسات دولية، كان في مكان آخر، الإنسان يقتل الإنسان، و الإنسان يفجر الإنسان »(3).
 
    ثم سرد الشيخ حدث تفجير كنيسة ببغداد، ذهب ضحيته 45 شخص. نُفذ هذا العمل الشنيع باسم الإسلام، و عندها ذكّر بالأخلاق الجليلة للرسول صلى الله عليه و سلم، و لما جاءه وفد نجران المسيحي زائرا، عرض على أفراده الإسلام، « و ما على الرسول إلا البلاغ ». حدثت مباهلة بين الرسول صلى الله عليه و سلم و كبار الوفد، و لما حانت صلاتهم، طلبوا منه مكانا للصلاة، فقال سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم: « " أحسن مكان بيت الله " ، و وقع حلف مع الوفد المسيحي، و قال صلى الله عليه و سلم: " و من يتعد عليهم يلقاني محاسبا يوم القيامة ". كيف وصل المسلمون إلى هذه الدرجة و هذه الفتنة، فلأنهم إبتعدوا عن المنهج المحمدي، منهج الرحمة و الشفاعة و المحبة. خرجنا من دائرة التوحيد، و هي دائرة الفضائل و الجود إلى دائرة الفتنة، أي دائرة الرذائل و الإختلاف ».

    مما جاء في الأثر عن لقاء الرسول صلى الله عليه و سلم بوفد نجران:

    يقول ابن هشام في سيرته: " قال ابن إسحاق ‏‏:‏‏ و حدثني محمد بن جعفر بن الزبير ، قال:‏‏ لما قدموا على رسول الله صلى الله عليه و سلم المدينة ، فدخلوا عليه مسجده حين صلى العصر ، عليهم ثياب الحبرات ، جبب و أردية ، في جمال رجال بني الحارث بن كعب ‏‏.‏‏ قال ‏‏:‏‏ يقول بعض من رآهم من أصحاب النبي صلى الله عليه و سلم يومئذ‏‏:‏‏ ما رأينا وفدا مثلهم ، و قد حانت صلاتهم ، فقاموا في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم يصلون ، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ‏‏:‏‏ دعوهم ؛ فصلوا إلى المشرق ‏‏".‏‏

    و يقول الواحدي في كتابه  أسباب النزول: " قال المفسرون: قدم وفد نجران، و كانوا ستين راكباً على رسول الله صلى الله عليه و سلم ، و فيهم أربعة عشر رجلاً من أشرافهم، و في الأربعة عشر ثلاثة نفر إليهم يؤول أمرهم؛ فالعاقب أمير القوم و صاحب مشورتهم الذي لا يصدرون إلا عن رأيه، و إسمه عبد المسيح، و السيد إمامهم و صاحب رحلهم و إسمه الأيْهم، و أبو حارثة بن علقمة أسقفهم و حبرهم و إمامهم و صاحب مدارسهم، و كان شَرُف فيهم و درس كتبهم حتى حَسُن علمه في دينهم، و كانت ملوك الروم قد شرفوه و مولوه و بنوا له الكنائس لعلمه و اجتهاده.
    فقدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم و دخلوا مسجده حين صلى العصر عليهم ثياب الحِبَرات، جباب و أردية في جمال رجال الحارث بن كعب، يقول من رآهم من أصحاب رسول الله صلى الله عليه و سلم: ما رأينا وفداً مثلهم، و قد حانت صلاتهم فقاموا فصلوا في مسجد رسول الله صلى الله عليه و سلم ، فقال رسول الله صلى الله عليه و سلم: دعوهم. فصلوا إلى المشرق " .

   « أما عن الأمير عبد القادر الذي كرّم مؤخرا بقصر الأمم المتحدة. ففي عام 1860 وقعت فتنة في دمشق بين المسلمين و المسيحيين، و لذلك سبب. كان بيد المسيحيين تجارة الحرير، و كان الحرير يأتي من الصين، و قد قام السوريون بتربية دودة القز ، و حريرهم معروف، ذو جودة عالية. كانت أوروبا آنذاك تسيطر على التجارة في العالم، و أراد أصحابها أن يستولوا على هذه التجارة التي كانت بيد المسيحيين، و لهذا ولّدوا فتنة بين المسلمين و المسيحيين. دفعوا لبعضهم، 120 شخص، و القصة معروفة لأنهم حُكموا بالمحكمة العثمانية. و قامت الفتنة، و مات عدد كبير من المسيحيين ظلما و عدوانا، و أحرقت معامل النسيج، أي حطموا تلك الصناعة. كان هذا هدف بعض الدول الأوروبية المتسترة، دفعت أموالا لأشخاص، و تم الأمر بواسطة أهل الدين، فقد نصبوا علماء، أصحاب الأجرة، و أعطوهم أموال فأفتوا بأن هؤلاء المسيحيين كفار. نهض الأمير عبد القادر و قاوم هذه الفتنة، و جمع أتباعه الجزائريين الذين هاجروا معه إلى دمشق، و مازال بها إلى اليوم حي، يعرف باسم حي الجزائريين، فسلحهم و حمى المسيحيين.
    جاءه المسلمون، و ممثلي بعض العلماء، و طالبوه بأن يسلم إليهم المسيحيين، فرفض، و سألوه كيف تحمي الكفار من إخوانك المسلمين، قال أحمي إخواني من الأخوة الآدمية ضد إخواني المسلمين إذا فسدت عقيدتهم و ظلموا. أتبع الحق و ليس الدين، لن تنالوهم إلا بالمرور على جسدي. 150 سنة من بعد، مازال يشرف و يضرب به المثل. وجدناه مفتاح يفتح لنا باب الحوار. انظروا كيف يزن أهل الله، و أهل ذكر الله و يعاملون المخلوقات. حماية المظلوم أينما كان. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: " اتقوا دعوة المظلوم وإن كان كافرا ، فإنه ليس دونها حجاب ". و قال الله تعالى: " و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا ". حقيقة هذا التعارف، هي أنك لا تعرف حقيقتك إلا بغيرك ».(4)

    بعدما أنقذ المسيحيين وردت على الأمير عبد القادر الجزائري رسائل من ملوك العالم، و بابا الفاتيكان، و قساوسة، و شخصيات عديدة تشكره على عمله، فكان يردفها بإجابات جاء في بعضها " ان الشرائع من آدم إلى محمد عليهم الصلاة و السلام تدعوا إلى تعظيم جلال الله و الإحسان إلى خلقه لأن الخلق عيال الله "، و يؤكد مضيفا في ردوده " أن ما قمت به نابع من الشريعة الإسلامية و من أجل الحقوق الإنسانية ". كان قدس الله سره سباق إلى ذكر حقوق الإنسان في القرن التاسع عشر.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). أقيم هذا الجمع بألمانيا في آواخر نوفمبر 2010.
(2). هي جائزة التسامح لمؤسسسة أوسيمي التي منحت للأمير عبد القادر الجزائري بعد وفاته، و جرى الحفل بقصر الأمم المتحدة الأوروبي بجونيف. لتفاصيل أكثر.
(3). وضعنا كلام الشيخ خالد بن تونس بالمذاكرة بين العارضتين « ».
(4). قال الشيخ خالد بن تونس المذاكرة أمام مريديه بلغة بسيطة، عملنا قدر المستطاع على سردها كما هي.