السبت، 17 نوفمبر 2012

لماذا يهاجم السلفيون الأضرحة


لماذا يهاجم السلفيون الأضرحة


للشيخ خالد بن تونس.
  
    بعد تمردها على الديكتاتوريات و الأنظمة الإستبدادية التي تحكمها، على مرأى الغرب المتغاض، تجد الشعوب العربية الإسلامية نفسها، في قبضة تيار السلفيين الجدد الذي جعل من الدين الإسلامي إيديولوجية، تستخدم لقهر و توطيد سلطته على المجتمع، من خلال حرمانه من حريته التي نالها ببسالة بواسطة الربيع العربي.

    نرى اليوم، أنه لكي تبلغ هدفها، تقوم الحركة العالمية لهذا التيار بتشجيع و تعليم و تمويل مجموعات صغيرة تسمى "السلفيين" و "الجهاديين" و ما إلى ذلك، تعمل على إعادة أسلمة المجتمع، وفقا لهذا المذهب، باستخدام العنف و التخويف والإشعار بالذنب، تحت ذريعة مكافحة البدع  "الجاهلية" و "التكفيرية". ليس السلفية، في الحقيقة، سوى حصان طروادة، لفكر تقوم عليه أسس أنظمة محافِظة، تخشى تأثيرات مجتمع ديمقراطي، يضمن الحريات الأساسية لمواطنيه، بما في ذلك حرية الأقليات، و حقوق المرأة، و المعتقدات الدينية الفردية، التي تتعارض مع عقيدتهم.

    تدمير أضرحة الأولياء بمالي و ليبيا و تونس، أماكن التعليم و الخشوع و الذاكرة المحترمة لقرون، ليس سوى تمهيد لإخضاع المجتمع ثم تجنيده، لحرمانه من كرامته و حقوقه الأساسية، بغية رده إلى "إسلام الأصول".
    أما، بالنسبة للإتهامات الموجهة للتصوف، الذي في نظرهم، متهم بالسحر و الشعوذة، فهي تعود إلى بداية الإسلام، يرمونه بها أصحاب الأفق الضيق، و المحدود في مصلاهم، أو فقهاء يخدمون مدارس معادية لهذا الفكر. و هكذا، و بموجب هذه "المواجهة"، وقع في سياق التطور التاريخي، تدهور تدريجي للطابع الشامل و الروحي للإسلام. بالطبع، لا يمس هذا التدهور الوحي نفسه، و لكن أشكاله التعبيرية الدينية.

    هذا العداء قديم، له طابع عقائدي و تعتمي، لأنها تتوقع الحد من الرسالة المحمدية بتكييف المؤمن، معتمدة على منطق الطائفية، و ممارسة محفوفة بالمخاطر، أفرغت من الروحانية و التسامح و المحبة و المنطق، التي تساهم في تطوير المجتمعات. لا يمكن التلاعب بالحقيقة، ببساطة، لأنها تشمل كل شيئ، بما في ذلك التلاعب الخاص بها. في الماضي، كانت المناظرات بين المدارس الفقهية ببغداد و الأندلس حرة، و يسودها إحترام وجهات النظر المختلفة، بما في ذلك أراء غير المسلمين.

    و الذين يدمرون رموز ذاكرة الأولياء و الحكماء، الذين عملوا طوال حياتهم على تعليم الناس السلم و المحبة و الوحدة في الأمة، ينبغي لهم أن يقرأوا هذه الآية التي تقدم الأولياء كأسوة. "ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم و لا هم يحزنون". (سورة يونس الآية 62). إلى قادة الدول المعنية بهذه التيارات المعروفة بالعنف و جهل القواعد الأساسية للإسلام، عليهم أن يقرأوا هذه الآية "لا إكراه في الدين". (سورة البقرة، الآية 256). و لكن، إن التبني مع الوهابيين الجدد بيداغوجية تقوم على الحوار و تعلم التسامح، هو بدون جدوى. على القادة تحمل مسؤولياتهم، و فرض سيادة القانون، و حماية مواطنيهم، أيّا كان معتقدهم. على المنظمات الدولية، سواء كانت إسلامية أم لا، و كذلك المثقفين، و علماء الدين الأمناء، التشهير، بهذا التدنيس للأماكن المقدسة، و بتعمد بعض الدول تأييد فتاوي تدعو إلى تدمير و قتل كل من لا يشاركهم رأيهم.

    أما المجتمع المدني، الذي يبدو مشلولا بهذه الظاهرة، فإن عليه أكثر مما مضى، أن يثبت لذويه، كما لبقية العالم، أن الإسلام الأنسي و الروحي و الإجتماعي متوافق مع الحداثة و حقوق الإنسان. ليكون مفهوما، أن الإنسانية لن تعرف السلام و الإستقرار، بدون مشاركة المسلمين في بناء مستقبل أفضل للجميع. "و عباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ". (سورة الفرقان، الآية 63).


المجلة الأسبوعية "Jeune Afrique"، بتاريخ 11-17 نوفمبر 2012.