الاثنين، 17 فبراير 2014

القرآن


                             القرآن

    القرآن هو الكتاب المقدس الذي يوجه الحياة الروحية لملايين البشر منذ أربعة عشر قرنا، أوحى الله به إلى سيدنا محمد صلى الله عليه و سلم، و كان محل تفسيرات و آراء متعددة، صقلت المجتمعات الإسلامية. غير أن آياته كانت هي أيضا محل تفسيرات خاطئة أو خارجة عن سياقها إن لم نقل موجهة، أمام الزحف المتنامي للتطرف و كذا الأحكام الشرعية التي لا تأخذ دائما بعين الإعتبار التطور الحاصل في المجتمعات و احتياجاته الآنية. 

    ... كانت الآيات القرآنية الأولى التي نزلت على محمد صلى الله عليه و سلم هي "إقرا باسم ربك الذي خلق، خلق الإنسان من علق، إقرأ و ربك الأكرم، الذي علم بالقلم، علم الإنسان ما لم يعلم". سورة العلق. الآيات من 1 إلى 5. إن هذه الآيات تخاطب في المقام الأول، العقل كعنصر أساسي للإدراك لدى الكائن البشري. كما أن القراءة و التعلم يكونان جزءا من الأسس التي تمكن العقل من الوسائل التي يعرف بها نفسه. و بفضل هذه المعرفة يوحي لنفسه بنفسه و يكتشف طبيعته و عواقب أفعاله. و هكذا فإن مفهوم الدين يجد معناه الكامل في كونه يمثل في ذات العلاقة، مع المطلق و قراءة علامات ما هو إلهي في ذواتنا و عبر الخلق..

    يخاطب هذا النص الإنسان الموهوب بالذكاء، و الذي يستخرج الخاص من العام مما يوحي بالأسرار الخفية للخلق التي فهم عبرها دور القوانين الأساسية التي تحكم الحياة.. و بالتالي فمنذ فجر الإسلام، تبين بأن موقع العقل رئيسي. أما مذهب الإسلام الذي جاهرت به أقلية تافهة، فإن البحث عن الأسباب الدقيقة للديناميكية التي حركته يجب أن ينصب على إيديولوجية إسلام منحرف على أصوله... و هو ما يبرر بالنسبة للجميع أهمية توضيح النقاش بين فكر متعصب و متمرد، يرفض أي انفتاح أو تطور، و إسلام تقليدي يُبجل، على العكس من ذلك، الكونية و التسامح و الإيمان المستنير بالروحية الحية. أ لم يقل الرسول صلى الله عليه و سلم "ما نطقت بكلمة إلا و فكرت في معانيها السبعين"، مانحا بذلك لتأملات المؤمنين مجالا واسعا، من التحري و التقدير منسجما مع درجة تطور كل فرد، و بهذا الصدد يردد المسلمون طوعا هذه المقولة "يكمن إعجاز القرآن في كون كل واحد يفهمه حسب قدرته"، ذلك أن القرآن يهدف إلى "خلق الأفكار" و، "قل  ربي زدني علما". سورة طه، الآية 113.  

مقتطف من نص حوار مع الشيخ خالد بن تونس لمجلة Outre-Terre من إنجاز ياسمينة دهيم.

    بأسلوبه الرائع و منهاجه البديع يشكل القرآن حقلا غنيا في ميدان العلوم و اللسانيات لاستنباط القواعد و التقنيات. بخلاف أشكال الفنون الأدبية أو العلوم المنطقية الأخرى و بكونه كتاب إلهي منزل، فإنه ليس مقيدا لا بزمان و لا بمكان، و خطابه ليس صالحا فقط للزمان الذي أنزل فيه، بل هو موجه لكل الأجيال و لكل الحضارات. كما يشير إلى ذلك لويس ماسينيون، يعتبر القرآن بالنسبة للمسلمين "الكتاب الأول و المنبع الأصلي لكل التعاليم و الدروس و هو الكتاب الذي يجب التغني به و المواظبة على تلاوته، كما يعد منبعا للشريعة و القانون، و هو في الأخير كتاب الدعوات و الصلوات، و هو الذي كوّن تدريجيا عقليتهم".
  
                  الشيخ خالد بن تونس

الأحد، 2 فبراير 2014

الفتوة



الفتوة

    ظهر مفهوم الفتوة قبل الإسلام بكثير و قد كان يتعلق الأمر بنقل قيم نبيلة و عالمية، و هي الدفاع عن المستضعف و الكرم و السهر على السلام في المجتمع. فقد كانت تحضر الفتى، بحيث يسير حياته كما العلاقات التي تربطه بأقرانه، بشرف و استقامة. و قد أتى الإسلام ليكمل هذه التربية، إذ أضاف إليها السلوك و التحقيق ضمن طريق باطني، ليجعل منه إنسانا كاملا.

    يعود هذا التلقين تاريخيا إلى الرسول صلى الله عليه و سلم، فقد لُقن الفتوة و هو لا يزال شابا، من قِبل عمه، من خلال عهد سمي بـ "عهد الفضول"، و بعد نزول الوحي عليه، قام بدوره بتلقين الفتوة لابن عمه و زوج إبنته علي كرم الله وجهه، الذي انتقلت الفتوة من خلاله عبر الأجيال. 

    تتضمن الفتوة ثلاث درجات، تتمثل الدرجة الأولى في تحضير الفتى لتأكيد شخصيته و خصاله و شمائله مثل الشجاعة و الصبر و الفطنة. و كان يتوجب عليه ألا يخون هذه القيم مهما كانت الأحوال و إلا أقصي... و اعتبر قاصرا و سفيها. و في يوم التلقين و هو الذي يطبع بداية التعلم، كان يتم ربط حزام قطني حول خصر الفتى، و هو رمز للهشاشة و الصفاء الذي يشار إليه. بينما ترمز العقدة المربوطة حول الخصر إلى العهد الذي يجب ألا ينقضه أبدا. المرحلة الثانية هي مرحلة الفتوة الروحية، فكان المرور من فتوة المحاربة ذات الوجه العسكري إلى فتوة أخلاقية و روحية. و كان من خلالها يتم ربط حزام من الجلد حول خصر الفتى، رمزا للمتانة و الليونة. و ابتداء من هذا الحين كان يبدأ مسار التلقين الروحي الفعلي، نحو ما يسمى في الإسلام بـ "الجهاد الأكبر". ذلك الجهاد المتمثل  في أمر النفس بالمعروف و نهيها عن المنكر، سواء تعلق الأمر بالجسد أو بالفكر، في السلوك كما في الأفكار و في العلاقات مع الغير كما في العلاقة مع الله. و هناك أخيرا المرحلة الثالثة، و هي مرحلة النضج و الحكمة، المرموز إليها بحزام من الصوف و هي كلمة يقال أنها أصل كلمة التصوف.(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). جاء في كتاب أخبار مكة، الذي يحكي تاريخها قبل مجيئ الإسلام، عن محمد ابن إسحاق بن بشار المتوفي سنة 115 للهجرة، و غيره قال: خلت مكة في وقت من الأوقات حتى كان لا يطوف بالبيت أحد، و كان يجيئ من بلد بعيد رجل صوفي يطوف بالبيت ثم ينصرف. اهـ. هذا مما يشهد أن كلمة صوفي، كلمة قديمة تطلق على الزاهد المتعبد، من ذوي الفضل و الصلاح. 

                                                                                   من "التصوف الإرث المشترك".