الجمعة، 1 أبريل 2016

لقاء الشيخ خالد بن تونس بحركة الفوكولاري

لقاء الشيخ خالد بن تونس
 بحركة الفوكولاري


    قام الشيخ خالد بن تونس بزيارة لمسيحيي حركة الفوكولاري (1) بروما، العاصمة الإيطالية، حيث كان في استقباله رئيسة الطائفة السيدة ماريا فوتشي، و نائبها. و أثناءها خص مضيفيه بمقابلة، حورته خلالها فيكتوريا غوميز، المسؤولة بالنيابة عن العلاقات مع الصحافة بحركة الفوكولاري.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

مقابلة الشيخ خالد
روكا دي بابا (روما)، 26/02/2016

    أنت الزعيم الروحي لآلاف الأشخاص، موزعين في أنحاء العالم، وعملك واسع جدا. لقد أسستَ الكشافة الإسلامية في فرنسا، و كنت قد أنشأت جمعية أرض أوروبا، و إنك صاحب مبادرة المحادثات الدولية لإسلام السلام. أسست الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، معترف بها من قبل الأمم المتحدة، و قد بدأتَ حملة تعبئة عالمية، حتى تعترف الأمم المتحدة باليوم العالمي للعيش معا، و نظمتم مؤتمرا دوليا حول المرأة، "الكلمة للنساء"، و العديد من المبادرات، التي لديها نطاق واسع، و غير عادية. على ماذا تعمل في هذا الوقت؟

    بكل إخلاص، للإجابة بسرعة عن هذا السؤال، إني أعمل على أن أزداد هداية، أهتدي شخصيا إلى هذه الرؤية، لعالم أكثر أخوية، عالم أكثر انسجاما، عالم أكثر عدلا، حتى أستطيع أن أرى دائرة الأخوة، قبل أن أغادر هذه الأرض، وبالتالي رؤية الحلم الذي يحمله الكثير من البشر، يتحقق. أنا لا أعرف إذا ما كنت سأراه، ولكن على الأقل، أنا مقتنع أني شاركت فيه.

    نحن بصدد عيش فترة تكشف الكثير من التناقضات، يتجلى فيها عدم تواجد التماسك الاجتماعي، و الإخاء بين الشعوب، و يبدو أن الفرد لا يجد مكانه. على العكس تماما، أنت تعتقد ذلك. أين تجد الأمل؟

    من الميراث الذي تحصلت عليه، من ذلك الثراء للإرث الروحي الذي تلقيته من أجدادي، تلك الروحانية التي تعطي الأولوية، لتصور ذلك الجسد، الذي تكون فيه الأخوة هي الأساس، أعني، كما لو كنتُ أرى نفسي، و أرى من أين جئت، و أرى خيطا واحدا غير مقطوع، هو خيط وحيد، و من خلاله، أرى جميع ما انتقل إلينا، بواسطة الرسل، إبتداءا بآدم و نوح و ابراهيم و موسى و سليمان و عيسى و محمد، عليهم الصلاة و السلام، و كل حكماء الإنسانية. كيف تمكنوا من نقل هذا الشعور، هذه القوة و هذا النور الذي يتذبذب أحيانا، و يزداد أحيانا أخرى، و لكنه ظل دائما هو نفسه، ثابتا. من هنا أغرفُ هذه الأخوة في أحلك الأوقات، و عندما تتجاوزنا الظروف، و في اللحظات التي نشعر فيها أن الأحداث السلبية التي تتعرض لها الإنسانية، قد طغت، ثمة دائما هذا الأمل الذي لا يزول أبدا، ينقص و لكنه لا ينقضي أبدا، هذا ما يربطني في الآن نفسه، بالماضي، و لكنه أيضا، ينير المستقبل.
    سيمنحني هذا إمكانية تجاوز تقلبات الزمن. عندما يصبح الزمن زمنا غير مضمون، زمن عاصفة أو تحتجب فيه الشمس، يبقى دائما أمل، أن الغيوم ستنقشع، و أن الشمس ستعود، فهي أبدية، و ما الغيوم إلا عابرة. ستحصل الثقة، و هذا ما سيسمح لها من خلالي، أن تمس العديد من الناس، فعندما يروننا نزرع الأمل، ينتهي بهم المطاف إلى تصديق ذلك. أجتمع أحيانا بسياسيين، و أناس في السياسة، و أناس في الإقتصاد، يصفون لنا عالما، يتجه نحو صعوبات و مشاكل مستعصية، و نحو حروب. أقول لهم ما قال لنا مشائحنا "إذا أعلِن أن يوم القيامة هو في الغد، ما الذي ستقومون به؟"، استمروا في الغرس و الزرع، لا داعي للذعر. افعلوا ما يتعين علينا القيام به. اغرسوا و ازرعوا المحبة و الأمل و الأخوة، مهما حصل، حتى لو كان يوم القيامة في الغد، مادامت توجد دقيقة واحدة، قوموا باستغلالها. ربما غدا سيكون يوما آخر، عالم آخر. ثابروا.

    تاريخ علاقتك بحركة الفوكولاري له جذور قديمة، لقد تعرفت على كيارا لوبيك في حوالي سنوات الثمانينات، و كان لديك الفرصة للعمل مع مختلف مبادرات حركة الفوكولاري في فرنسا. اليوم، جئت إلى هنا للتعرف على المركز الدولي للفوكولاري، و اجتمعت بماريا فوتشي. وفقا لكم، ماهي النقاط المشتركة لمُثلكم الخاصة بكم؟

    أظن أن التاريخ و الزمن، هو من خصّب هذه العلاقة و الصلة، و اللقاء اليوم، هو أيضا ثمرة الماضي. ظلت الصداقة مستمرة، ربما لا نرى بعضنا البعض كثيرا، و لكن علاقة الصداقة استمرت و بقت. وجودي اليوم بالمركز الدولي و اجتماعي بماريا فوتشي، و بنائب الرئيس، يؤكدون هذه الإستمرارية. هل ناقشنا هذا الصباح، هذه الثقة التي نضعها في بعضنا البعض، و مشروع إعطاء نظرة أكثر أخوية لعالم من حولنا، يتعرض لزلزال، و تفكك، و يخضع للعديد من المحن. كيف بصفتنا، حركات روحية لديانة، هي مسيحية و أيضا مسلمة، تستطيع العمل و تستطيع المساهمة، لإعطاء شهادتها، و تقديم المشورة، لأولئك الذين يرغبون في الاستماع إليها. نحن لا ندعي تغيير العالم، و لسنا نزعم أن لنا فخر تغيير العالم لوحدنا، و لكن على الأقل، هي حقيقة أن بين الديانات المختلفة، و لكنها الروحية، من يملكون الروحانية، و يعيشون روحانيتهم، عندهم بالتأكيد روابط ينبغي توطيدها و تعزيزها، للبناء معا و السير معا، نحو مستقبل مشترك، يُبنى بالواحد مع الآخر، و ليس الواحد ضد الآخر.

    في هذا الالتزام المشترك، ما هي الآفاق المستقبلية التي ترونها، من أجل أن نبني معا الأخوة الشاملة؟ هل هناك بالفعل مشاريع؟

    إذن مشاريع. لدينا مشروع نقوم به على مستوى الأمم المتحدة، لم يفصل فيه بعد، هو أن نضع داخل الجمعية العامة ، مشروعا يحمل ثقافة السلام ، ثم نقوم بإضفاء الطابع الرسمي لها، بيوم عالمي. هو في حد ذاته، مشروع على ما أعتقد، سيتردد صداه. يوجد اليوم دول مهتمة بالمشروع. أتكلم على سبيل المثال عن أفريقيا الشمالية، لدينا دول مثل الجزائر و تونس، و دول مهتمة بهذه التظاهرة للعيش معا. إنهم يريدون العيش معا. لدينا بلد مثل أندونيسيا، البلد الإسلامي الأول في العالم، و كذا السنيغال، أو حتى بلد مثل لبنان، الذين يريدون جعله ملموسا. ثمة أيضا بلدان أوروبية. حظيت رسالتنا بترحيب جيد في الأمم المتحدة، على سبيل المثال، من قبل الوفد الفرنسي، و من قبل الوفود الأخرى في الأمم المتحدة، و لكننا لم نفز بعد. يبنغي تحقيق هذا المشروع. و المشاريع الأخرى تترتب على ذلك بالضرورة. سوف تفرض علينا. حُلمي هو، يوجد لدينا أكاديميات، العلوم و الرياضيات و الموسيقى و الفلسفة و الحربية، و لكن لا يوجد لدينا أكاديمية للسلام. لماذا؟ لا يكون الإلتزام روحيا، إذا لم نتمكن من التحرك و القول، أننا بجاجة للسلام، و بحاجة لتعليمه و توفيره. ليس السلام شيئ ينزل وحده من السماء، إنه شيئ يُعمل له، و يُجنى و يُزرع. من أجل هذا، يجب إعطائه المكانة التي يستحقها. ليس السلام غياب للنزاع. السلام هو حالة كينونة، حالة شعور، و نظرة للعالم، و سلوك. ثمة السلام الإقتصادي، ثمة السلام الإجتماعي، ثمة السلام السياسي. إذن، إن كل شيئ معني بالسلام. علم البيئة هو شكل من أشكال السلام مع الطبيعة، كيف يتم الرجوع إليه، و احترام المخلوقات، و القيام بالاحترام الواجب نحو جميع الخليقة؟ كل هذا يتطلب عمل عميق، و إنشاء أكاديمية له، هو من الجدارة بمكان. يُعلّم الناس في أكاديميات الحروب، كيف تشن الحروب، حسنا، ينبغي تعليم الناس كيفية تحقيق السلام. و هذا مشروع أحفظه عن ظهر قلب.

    كيف نربط السلام بالفن، كيف نربط السلام بالهندسة المعمارية؟ هل نستطيع الحصول على معمار سلام؟ يعني أن مهندسينا سيقومون بتخيل منازل، يستطيع فيها إنسان الغد، أن يعيش في وئام مع بيئته. كيف يستطيع الفنانون التعبير عن هذا السلام، من خلال الفن و الموسيقى و النحت، و لغة الجسد؟ هل يمكن أن ينقل السلام بواسطة الفن للأجيال المقبلة؟ كيف يمكن من خلال إقتصاد، إقتصاد تضامني، خلق تبادل للمعارف، و توزيع الثروات بصورة عادلة، بين الدول و بين الناس. هاهي، لدينا ورشة مهيبة. هذه الأكاديمية، هي عمل ملموس، ينبغي أن تُرافق بإجراءات أخرى في جميع المجالات. ثمة تجديد العالم من أجل إعادة ترفيه العالم و القول "ثمة شيئ يبنغي القيام به، ألا و هو البناء". ثمة إعادة ترفيه العالم. لنلزم شبابنا، الذين يذهب اليوم بعضهم للقيام بالحرب، يجب أن نقول لهم، تعالوا، و التمسوا السلام. مثلما تقومون بالحرب، قوموا بالسلام، بنفس الطريقة، ابنوا.  بالحماسة التي تمتلكونها، كافحوا من أجل السلام، من أجل بناء السلام بواسطة الإقتصاد، و الإجتماعي، و السياسي، و أعتقد أن روحانيتنا، هذه الطاقة الروحية، من شأنها أن تغذي هذا الضمير، و تقود كل هذا بعيدا، و تجعل جميع الناس يشاركون.


هل استطعت أن تتبادل هذه الأفكار و هذه المشاريع مع ماريا فوتشي؟

    مع خالص التقدير، نعم، أعتقد أن هذا سيقودنا إلى تعميقها أكثر في اللقاءات. انطلقنا معا على مدى سنوات طويلة من التفكير و العمل، من أجل ترسيخ هذا المثل الأعلى، و إعطائه حقيقة زمنية.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). رأت هذه الحركة الضوء عام 1943 علي يد كيارا لوبيك (1920-2008) بإيطاليا، و يتميز أفرادها بالإنفتاح على بقية الطوائف، و الديانات الأخرى