الأربعاء، 13 يناير 2016

الإسلام المُعولَم، و الإسلام الجاهز

الإسلام المُعولَم، و الإسلام الجاهز


   كتبه الشيخ خالد بن تونس.
نشرتهShaphirNews  يوم 12 01 2016.

    بعد سنة واحدة من الهجمات الأولى، التي هزت المجتمع الفرنسي، ما الذي يمكننا أن نتعلمه من هذه الأحداث المميتة، و ما هي عواقبها؟ أي تبليغ ينبغي أن نعززه و ننادي به، من أجل بناء مجتمع أفضل؟ التحديث على Saphirnews ، مع الشيخ خالد بن تونس، المؤسس، و الرئيس الفخري للجمعية الدولية الصوفية العلاوية (AISA) ، و المؤسس و الرئيس الفخري للكشافة الإسلامية الفرنسية (SMF)، صاحب عدة تآليف، نذكر منها على الخصوص، كتاب "علاج النفس"، الصادر سنة 2009.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
   أيهما يمكنه، أن يساعد العالم الإسلامي، على إعادة إيجاد السلام، و إيجاد وحدته من خلال تنوع التيارات الذي تميزه، و يميزه القبول والتسامح والحوار مع الديانات الأخرى، هل هي رسالة تقليدية، حية وعالمية، تُذًكر كل كائن بالمبدأ الأساسي للتوحيد، و تدعوه لبناء دائرة الأخوة الإنسانية، في ظل الاحترام المتبادل بين الاختلافات، أو هي إسلاموية منطوية على نفسها، و عصبية، وغير قادرة على التكيف مع العصر؟

    من طرف إلى آخر على سطح الكوكب، تحظى إسلاموية غامضة،  برواج إعلامي رهيب، فهي تستخدم نفس الكلمات، و نفس الأفكار، ونفس الزي، لتقدم لشباب، يشعر بالضيق، نوع من إسلام جاهز، و تغريه بزخارف النساء، كمكافأة سماوية. إننا نشهد عملية سطو حقيقية، بعد خمسة عشر قرنا من التاريخ، و يوجد أمامنا ديانة  مهيأة و معيارية، جاهزة للإستعمال.

    على الرغم من ذلك، فمنذ ظهوره، أراد الإسلام و رسالته احترام الاختلافات. كيف يمكننا أن نفهم الانقسامات الضاربة بين الفرعين، هذين النهجين لنفس الدين؟ منذ البداية، أكد النبي صلى الله عليه و سلم، المساواة المطلقة بين جميع الناس "الناس سواسية كأسنان المشط" (1). لقد استجاب بكل تأكيد، لتوقع، و لرغبة ملحة في التغيير، و لأمل جديد للبشرية.

الكشف عن جذور الشعور بالضيق للمجتمعات الإسلامية
    يعمل الإسلام على التخويف اليوم، من خلال الموقف غير المسؤول، و غير الإنساني للبعض. بالنظر إلى جرائم القتل في باريس، في يناير ونوفمبر 2015، و تفجير متحف باردو بتونس، وعمليات القتل اليومية في أفريقيا وسوريا والعراق وأماكن أخرى، و تفككٍ للدول كـ (ليبيا، و اليمن، و الصومال، الخ .)، يخلي مكانه للفوضى، تقوم الإسلاموية المتطرفة، بإثارة الضمائر و التسلط عليها، بسبب التعرض المفرط، التي هي فيه محل تجربة، و كذا باحتلالها كل الساحة الإعلامية.

    لكي نفهمها بشكل أفضل، يجب علينا أن نكشف جذورها و تاريخها، و نفهم الشعور بالضيق الذي يلاحق المجتمعات الإسلامية، و الذي من خلاله يتزايد انتشارها.

    منذ الصدمة النفطية الأولى لعام 1973، و الدعم المالي الهائل الذي أسفر عنها، استفادت الملكيات النفطية في الخليج، أمام العالم، أنها ممثلة الإسلام، تريده "سني أرثوذكسي"، يعني بالنسبة لهم، السلفي. تقدم الوهابية نفسها أنها عقيدة نقية، في مواجهة إسلام شعبي و صوفي، و بالتالي هو منحرف في نظرهم. أصبحت الرابطة الإسلامية، ومقرها مكة المكرمة، أداة للدعاية، و دعوة حارة، في جميع أنحاء العالم.

   تم القيام بمجهود كبير للتحديث، باستثمارات ضخمة، من قِبل السلطات السعودية. إنها تستخدم الحج أيضا لترسم لنفسها صورة حداثة. يصبح كل حاج، شاهد معجب بهذا النظام الذي،هو في نظرهم، أصبح قادرا على أسلمة الحداثة. في الصحيفة السعودية "اليوم" بالدمام، تحت عنوان "الحج، تجارة حالمة"، ذُكرت في البريد الدولي (رقم 1252 من 30 أكتوبر إلى 5 نوفمبر 2014)، قارنت نادية بيشن، الدور الاقتصادي للحج، مع متنزه ديزني لاند، في ولاية كاليفورنيا. وفقا لها، "ينبغي تطوير صناعة السياحة الدينية واستغلال كل الفرص". تستمد الحركات الإسلامية المحافظة، نموذج نجاحهم من نغمات شريعة، أعيد تطويرها، وفق معايير المجتمع الاستهلاكي الغربي.

وهم عظمة الماضي
    بالتلاعب بالتاريخ، يستشهد خطاب الإسلاميين، كمثال، على العصر الذهبي للإسلام، مع  وجود الخلافة، على أنها مركز القرار السياسي، الذي وحد العالم الإسلامي. وبالتالي مطالبتهم اليوم، بإنشاء دولة إسلامية، يحكمها خليفة جديد، لاستعادة عظمة الماضي.

    هذه الآراء الساذجة، وهذه الخطب المتكررة والمناقشات العقيمة، و ما ينجم عنها، يتم إدخالها تدريجيا إلى المساجد والمدارس والجامعات. 45000 إمام من جميع الجنسيات، تخرجوا بالفعل لنشر هذه العقيدة. يقوم بخدمة هذا التعليم الديني، الأدوات الحديثة مثل الإنترنت، والشبكات الاجتماعية، و الدعاية، و أما عن منهجه و محتواه، الجاف، المتكرر، فإنه يحصر نفسه، بالرجوع إلى أفكار ماض أسطوري.

بناء عالم أكثر عدلا و أخوة
    في كل مكان، و على قواعد هذا الإسلام المهيأ، لا يعدو الأمر أنه صحوة إسلامية، و إعادة أسلمة جديدة، مستوردة مباشرة من البقاع المقدسة. و عندها، فمَن يمكنه مناقشة هذه الشرعية، دون أن ينكر إيمانه أو يجازف بحياته؟ لأنه، مع مرور الوقت، يتطرف الخطاب ، ويدعو علنا، ​​إلى استخدام العنف. وصلنا إلى إسلام معياري، و نموذج فريد، لا يعترف و لا يتسامح إلا مع نفسه. إنه يقوض و يعتدي على أتباع الديانات الأخرى، في حين يقول القرآن "لا إكراه في الدين"، سورة البقرة، الآية 256.

    إن الحصيلة قاتمة. تعد بمئات الآلاف من القتلى، والدمار، والاقتصادات المتأثرة، و إرهاب دولي متعلق بالإسلام، و حطام بشري و مالي هائل. من المستفيد من الجريمة؟

    لتمنحنا هذه السنة الجديدة 2016 البصيرة و النور، لبناء عالم أكثر عدلا و أخوة، و تزدهر فيها المناقشة وليس الصراع، و نضع في تآزر، علومنا، و أصولنا، و معرفتنا، لصالح إنسانية، تعيش في معاناة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). جاء برواية "الناس كأسنان المشط و يتفاضلون بالعافية...". أخرجه ابن عدي و ابن الخطيب البغدادي في تاريخه، و يعد حديثا ضعيفا.

حديث الروح

حديث الروح

    أجرى الشي خالد بن تونس لقاءا إذاعيا حصريا، مع إذاعة Arabel.fm، ببروكسيل نهاية شهر ديسمبر الماضي، على هامش الإحتفال المتميز بمولدي سيدينا محمد و عيسى عليهما الصلاة و السلام، اللذين اقترنا ميلاداهما هذه السنة، بكنيسة بيغيناك، إليكموه منصوصا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الصحفي: السلام عليكم يا شيخ.
 الشيخ خالد بن تونس: و عليكم السلام.

 الصحفي: مرحبا بك في حديث الروح.
الشيخ خالد بن تونس: الله يبارك.

 الصحفي: برنامجي ثنائي اللغة، بالفرنسية و شيئا ما بالعربية، و له آلاف المستمعين.
الشيخ خالد بن تونس: بسم الله، على بركة الله.

الصحفي: كيف نصل الكلام بموضوع المرأة؟ يقال "كمُل من النساء بعدد ما كمل من الرجال". من ناحية الكمال البشري. لماذا لا نرى هذا، كما قلت سابقا، في أرض الواقع؟
الشيخ خالد بن تونس: هي مسألة قوة.

الصحفي: آه، جيد. مسألة سلطة؟
الشيخ خالد بن تونس: أقول أنها قوة أكثر من أنها سلطة. أظن أن في المجتمع الإسلامي، في وقت ما تغلب فيه الذَكر، و أصبح حامي المرأة و المدافع عنها، و هي أصبحت شيئا فشيئا طابو (1)، هذه التربية سائدة منذ أمد، ليس فقط في العالم الإسلامي. لنأخذ مثال الإستعمار في المغرب، و أذكر دولا أخرى كتونس، و على كل حال، في الجزائر تلقت النساء تربية، تجتنبن بموجبها التواصل مع المستعِمر، خوفا من أن ينتهز الفرصة، في مكان ما، و يغير المجتمع من خلال المرأة، لأننا نعلم بالتحديد، أن المرأة هي عصب المجتمع، و هي الناقلة، ناقلة الحياة و القيم، و هي المدرسة الأولى، نحاول حمايتها بكل الوسائل، حتى تتمكن من نقل قيمنا و ثقافتنا عبر الأجيال. مرة أخرى، نحن أمام مجموعة من الحيل، فلا تحل بحماية المرأة، و لكن بتعليمها، فبالمعرفة تصبح قوية، و ليس بالجهل، و بمنعها من مزاولة الدراسة و دخول الجامعة، و حرمانها من ولوج مناصب مهمة، تزول مخاوفنا على خسارة قيمنا. بل بالعكس، نعلمها و هي صغيرة. لنأخذ على سبيل المثال، جدي الأول الشيخ أحمد ابن مصطفى العلاوي، كان له بنت، وصل به الأمر (2) حتى قام بتعليمها السباحة، و كان يربطها بحبل، و هي في سن الثامنة، و عندما كان يكتب كتاب أو قصيدة شعرية، فالشخص الأول الذي كان يعرض عليه تلك الأشعار الباطنية، كانت هي، و سنها لا يتجاوز 14 سنة، ليرى تفاعلها. كان يحدث هذا في بداية القرن العشرين. نحن في حيزان مقارنة برجال بلغوا تحقيقا روحيا، و رأوا أن مضادة الشر لا تكون بالإنغلاق، بل بالعكس، تكون بالتربية و المعرفة، اللذين يقويان شخصية الشخص، سواء كان رجل أو إمرأة. تختلج المجتمع مفاهيم تقلل من شأن المرأة، بدعوى أنها ضعيفة. المرأة ليست ضعيفة، هذا خطأ جسيم لو اعتبرت كذلك، فهي تعتبر المجتمع نفسه، و هي التي تقوم بولادته، و بها تزدان عباقرته.  بتربيتها تكون لها الإمكانية بأن تنقل في الآن نفسه، القيم الأخلاقية و القيم الروحية و الثقافية للأجيال، بشكل أفضل بكثير، من امرأة تقبع في الجهل و تعيش في وهم، و إلا سيبقى العالم بالنسبة لنا لغز.

الصحفي: فاقد الشيئ لا يعطيه (3).
الشيخ خالد بن تونس: بارك الله فيك.

الصحفي: على المستوى الروحي، يقول الصوفية أن المرأة هي مظهر من مظاهر الجمال الإلهي، و اختارها الله لتخلق.
الشيخ خالد بن تونس: تماما. لأن مفهوم المحبة الإلهية لا يمكن فهمه، إلا بالمحبة التي نحملها لتلك الأنثى. لا يصل الرجل إلى التحقيق إلا إذا أحس بفقدان المحبة و وجود ذلك النقص، و الشعور بالنقصان هو سعي وراء توأم الروح، و انطلاقا من هنا يكتشف الأفق الشاسع للمحبة الإلهية. كل الرجال الروحانيون كان لهم نساء لعبن دورا معتبرا في حياتهم. أتكلم مثلا عن ابن عربي (4) صاحب كتاب الفتوحات المكية الشهير، الذي كتبه بمكة، و تحت تأثير امرأة. إنها الحقيقة، كان الرسول صلى الله عليه و سلم يحب رفقة النساء..

الصحفي: حبب إلي من دنياكم ثلاث. (5)
الشيخ خالد بن تونس: ثلاث. "حبب إلي من دنياكم ثلاث"، هذا رائع، انظروا أين يضع المرأة. توجد المرأة في الوسط، بين كنه الطِيب، و هو عطر الوردة، و عطر الياسمين، أي ما هو جوهري في الوردة، و بين، في الجهة الأخرى، "و جعلت قرة عيني في الصلاة". المرأة كائنة في الوسط. أصبحت محبة المرأة الواسطة، التي ننتقل بها من كنه الأشياء، إلى المحبة الإلهية، و المحيط الإلهي، الذي يغطس فيه ذلك العطش الشديد للنفس البشرية. إن الروحانيات و المعرفة و غيرهما، كلها كلمات أنثوية، و كذا ليلى الشهيرة، التي نتكلم عنها.

الصحفي: دنوت من حي ليلى (6).
الشيخ خالد بن تونس: دنوت من حي ليلى. أصبحت حي و مدينة. للعلم، يوجد فينا هذا الجانب الأنثوي، إذا لم نستجب له، فسترافق أعمالنا دائما بالقسوة و العنف.

الصحفي: تقول لي أن من تعصب للذكورية، أناس يكرهون أنفسهم، و جزء من كيانهم؟
الشيخ خالد بن تونس: أشفق عليهم، ليسوا سعداء، ماداموا ينكرون ما يمنحهم الحياة.

الصحفي: سيدي، شيخي. التصوف هو القلب النابض للإسلام، و لكن لا يسمع به هنا، لدى المجتمع الإسلامي. هناك جهل تام بالتصوف. هل هو ناتج عن غزو و اعتداء الأفكار الأخرى للإسلام، كالسلفية و الوهابية و غيرهما، أو أن الصوفيين لا يقومون بعمل تسويقي؟
الشيخ خالد بن تونس: أظن أنه الإثنين. أولا لنتكلم عن الإعلام، في أي وسيلة منه اليوم في الغرب يمنحوننا الكلمة؟ لايوجد. قليلون جدا. أنا آسف.

الصحفي: هل هو مُتعمد؟
الشيخ خالد بن تونس: لا أذهب إلى هذا الحد. منذ فترة قصيرة، كنا باليونسكو، و لقاء جمع 1200 شخص للإحتفال بمئوية المنهج الصوفي العلاوي...

الصحفي: ما شاء الله.
الشيخ خالد بن تونس: حضرت شخصيات كبيرة، و وزراء و سفراء و ممثلي مفوضيات 196 بلد، كانوا هناك. دعونا الصحافة. نعم، لبت الدعوة، الصحافة الباكستانية و الجزائرية و الأندونيسية. غابت الصحافة الفرنسية، هذا محيّر (7). لماذا الصحافة بالغرب لا تعطينا أي أهمية، زعما، أننا بالنسبة لهم، أناس طبيعيين، و الصحافة لا تخوض في الأمور الطبيعية. إن الصحافة لا تتكلم إلا عن هذا الإسلام المرهق، و هنا، بشكل ما، فنحن نلعب بالنار، لأنه الأكثر مبيعا بالنسبة لهم، و الأكثر الإثارة.

الصحفي: من ناحية، يوجد تناقض. توجد الآن مخططات عسكرية و سياسات، لمنع الشباب من التوجه إلى سوريا للقتال، و من ناحية أخرى، توجد هذه الفلسفة المهدِئة، التي هي قلب الإسلام، نحن عاجزين عن تبليغها للشباب.
الشيخ خالد بن تونس: إطلاقا. قلت في تدخلي، ما دمنا لم نستطيع الحصول هنا بأوروبا على مواضع و معاهد، و أماكن للتربية، فأين نستطيع تعليم إسلام الأنوار، و إسلام الأنسية و الإنفتاح، فنحن نتعرض دائما لنفس الأشياء، تمكين لإيديولوجيات غير مؤهلة، كي تخدم مصالح دولة، لأن في الخلف، توجد دائما مصالح دولة، تقود إلى الكارثة.
    أما اليوم عندما نرى حالة العالم الإسلامي، فدول بأكملها تختفي، في ليبيا لم تعد توجد دولة، و كذلك في سوريا و العراق، و اليمن و الصومال، لا توجد بهما دولة كذلك، و إلى متى؟ حتى في أفغانسان لا توجد دولة، فقط تزييف. إلى متى هذا العناد و الإصرار في هذا الطريق، الذي هو طريق الفوضى؟ أين يذهب بنا هذا النظام، و من يستفيد منه؟ إلا تجار السلاح. هل تستفيد منه الإنسانية؟ 500000 عبروا البحر الأبيض المتوسط، و غدا قد تعبره 500000 أخرى. أين نتجه بهذه اللامعقولية، و الإنكار أن الإنسانية واحدة. يقول عليه الصلاة و السلام "كلكم من آدم و آدم من تراب". لماذا لا نعد إلى جوهر الإسلام؟ لماذا لا نذكر الوصية التي قالها في آخر رسالته؟

الصحفي: الرسالة الأخيرة.
الشيخ خالد بن تونس: الرسالة الأخيرة. قال صلى الله عليه و سلم "أفشوا السلام و أطعموا الطعام و صِلوا الأرحام و صَلوا بالليل و الناس نيام تدخلون الجنة بسلام". أقل شيئ، لنكون منتجي السلام، و السلام لا يعني غياب الحرب. السلام من أجلك باطنيا، و الحقيقة تكمن في إيجاد الطمأنينة و القرارات الصحيحة، إذ لا نستطيع اتخاذ قرارات عندما نكون مضطربين. يبدأ السلام بنفْس الإنسان، و هو حالة كينونة، تتجسد في العائلة و الأقرباء. السلام بين الرجل و المرأة، و بين الزوجين. السلام بين الأباء و الأبناء، و بين الجيران. السلام بين المواطنين، فنحن هم الجهات الفاعلة في الحرب أو السلام. نعم، إننا بأوروبا، و لا توجد لدينا حرب، و لكن لدينا شيئ آخر من الحرب..

الصحفي: لا نتكلم عنه كثيرا.
الشيخ خالد بن تونس: لا نتكلم عنه، هذا الجنون الإستهلاكي. هل تعلم أن الإدمان على الكحول و التدخين و الإنتحارات هي أكثر خرابا من الحروب. على سبيل المثال، يقال لنا اليوم، أن العنف موجود بالشرق الأوسط. هذا غير صحيح. إن العنف اليوم، و بحسب إحصائيات الأمم المتحدة، موجود بأمريكا اللاتنية، و هذا ما لا يقولونه، و لدينا انطباع أن كل شيئ يأتي من الشرق الأوسط. و مثال آخر، فلا يقال لنا أن بين القرنين الثالث عشر و الواحد و العشرين، انخفض العنف بنسبة 40 %. إذن، إن الإنسانية تتقدم، و لدينا انطباع، أنها تتوجه نحو مجتمع يعيش أكثر فأكثر في شعور بالضيق. لماذا؟ يكيف الناس تحت طائل الخوف، و ليس عن طريق السعادة، و ذلك يفيد أقلية. إن التمويل و الإستهلاك الزائد يسبب أضرارا مريعة، بيئية و بشرية، يسبب تصحرا للقلوب. يوجد تصحر الأرض، و تصحر القلوب، مَن يتكلم عنه؟ إذن، هي العودة إلى جوهر الإنسان، المتصف بالكرم و المحبة و الأخوة، و يعيش في تقاسم، و يعمل على ربط الصِلات.

الصحفي: بالتمام. سيدي بقي سؤالان بسيطان للإنهاء.
أولا، لابد لتصحر القلوب من شيخ، له مداد يداوي به النفوس. عندما نتكلم عن شيخ صوفي، على العموم، يتبادر إلى الذهن، دوما شخص، بزي تقليدي، يضع على رأسه عمامة، و لديه لحية كبيرة، و في عنقه مسبحة، و أنت لديك مظهر آخر. أنت تحضر لعمل القلوب، هنا بأوروبا و بالعالم. 
الشيخ خالد بن تونس: أعتقد أن لكل عصر تكيفه. نعم لدينا اليوم شيوخ، هم في الآن نفسه، في الشكل و في المضمون، لديهم اعتراف، و لكن هذا تخيلي. إن الذي نقلوه إلينا، سواء الذي جاءنا من النبي صلى الله عليه و سلم حتى أيامنا هذه، هو التوحيد الإلهي، و يعني كذلك الوحدة الآدمية. العائلة البشرية. إن الله أكبر، من أن أن ينتمي إلى مجتمع واحد أو دين واحد. نقول الله أكبر من أي شيئ، كيف يريدون أن يكون منتميا؟ هذا هراء. إن العودة إلى التوحيد هو العودة إلى وحدة النفس. "تتنزل عليهم الملائكة" (8)، تنزل في قلب الإنسان و ضميره و فكره و عقله، و عليه، يصبح الإنسان منتجا لهذه السكينة، و هي تنتقل بالأعمال الرحيمة (الرحمة)، و لهذا كلما يذكر الله سبحانه و تعالى الإيمان، يكون مقرونا بالعمل الصالح. قال "الذين آمنوا و عملوا الصالحات". (9)، و قال أيضا "من عمل صالحا من ذكر أو أنثى و هو مؤمن". (10)، و أيضا "ذرة من خير يره" (11). يوجد هذا المفهوم للإيمان مقرون بالعمل.

الصحفي: السؤال الأخير، سيدي. شكرا لتخصيصنا من وقتك، و المستمعين المعربين و المفرنسين، سعداء لسماعك.
الشيخ خالد بن تونس: الله يجازيهم.

الصحفي: سيدي خالد، هل يوجه التصوف أحيانا في البلدان العربية، من طرف الدول؟ لقد رأينا، على سبيل المثال، ما حدث للطريقة التيجانية، بين الجزائر و المغرب، يسود توتر بين البلدين. هل لا ترى نفس الشيئ بالنسبة للطريقة العلاوية؟
الشيخ خالد بن تونس: أنا أقول دائما، أنا هنا، استعملوني، لا أطلب سوى ذلك، قوموا بالتلاعب بي، من أجل أن تتركوا الرسالة تمر. لا إله إلا الله، و إلا سنوطد لانسداد. "الله غالب"، إنه المجتمع البشري، و الثنائية و القوة و عمى النفوس، و لكن على الأقل اتركونا ننقل إلى أبناءنا رسالة التوحيد، ربما غدا.. نحن نزرع الأمل، و على الله السبيل، و على الله الكمال.

الصحفي: رسالة أخيرة بالعربية.
الشيخ خالد بن تونس: أتمنى للمسلمين، لخاصتهم و عامتهم، أن يكتشفوا روح الإسلام و معانيه، و المعرفة التي يكتنزها. إن كل هذا محصور في معرفة النفس، و تأديبها و تربيتها و نقاوة أخلاقها. إنما الدين أخلاق. بلا أخلاق لا يكون المجتمع مسلما، يكون ربما مسلما بالإرث، و بالشكليات، و لن يحصل أبدا على الأمانة..

الصحفي: "قالت الأعراب آمنا" (12).
الشيخ خالد بن تونس: "قل لم تؤمنوا و لكن قولوا أسلمنا و لما يدخل الإيمان في قلوبكم". من قال دخول جزم بالخروج، و ليس لأحد الضمان في الحياة، بأن يبقى دائما مؤمنا. الأمر بيد الله. القلوب بيد الله. أرجوه أن يعفو عنا، و أن يرحمنا و يحفظنا في العاقبة إن شاء الله، نحن و جميع الأمة الإسلامية، و أن يشفع فينا، و يرحمنا برحمته الواسعة.

الصحفي: بارك الله فيك سيدي. اليوم كنا مع حديث الروح، بمعنى الكلمة.
الشيخ خالد بن تونس: الله يبارك فيك.

 الصحفي: بارك الله فيكم، و زادكم رسوخا في العلم و المعرفة.
الشيخ خالد بن تونس: أجمعين إن شاء الله، و بحول الله و قوته.

الصحفي: شكرا جزيلا.  
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1). طابو: مُحرم و  محظور، و كذا إطلاق على المرأة إسم الحُرمة.
(2). بالنظر إلى تلك الأوضاع، فتعليم بنت عربية السباحة في ذلك العصر كان يعتبر طفرة، و أمر ينظر إليه بعين الريبة، لتفشي عقلية و عصبية تحظر ظهور النساء في مواطن يقصدها الرجال أو الإختلاط بهم، و قد يراها البعض تشبّه بعوائد المستعمر، ناسين تعليم الرسول صلى الله عليه و سلم، الذي يأمر فيه تعليم الأبناء السباحة.
(3). مَثلٌ عربي.
(4). ابن عربي (1164- 1240)، ولد بمرسية بالأندلس، و انتقل عبر المغرب و المشرق، توفي بدمشق، و له عدة مؤلفانت، منها كتابي الفتوحات المكية و فصوص الحكم.
(5). إشارة إلى الحديث النبوي، الذي أخرجه الترمذي عن أنس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال "حبب إلي من الدنيا الطيب و النساء، وجعلت قرة عيني في الصلاة". 
(6). و هو مطلع قصيدة للشيخ العلاوي.
      دنوت من حي ليلى     لما سمعت نداها
      يا له من صوت يحلو     أود أن لا يتناها
(7). جرى اللقاء يومي 28 و 29 سبتمبر 2015 بدار اليونسكو، بالعاصمة الفرنسية باريس.
(8). سورة فصلت، الآية 30.
(9). قال تعالى "الذين آمنوا و عملوا الصالحات لهم مغفرة و أجر عظيم". سورة المائدة، الآية 9.
(10). سورة النحل، الآية 97.
(11). سورة الزلزلة، الآية 7.

(12). قال الله تعالى "قالت الأعراب آمنا قل لم تؤمنوا ولكن قولوا أسلمنا ولما يدخل الإيمان في قلوبكم". سورة الحجرات، الآية 14. 

ضد العنف، و العيش معا

ضد العنف، و مع العيش معا

كتبه الشيخ خالد بن تونس.
 فيShaphirNews  يوم 21 09 2015.

  
  يبدو أن العنف أصبح الرد الوحيد للمشاكل التي يعاني منها مجتمعنا. إنه مدعوم باستخدام الخوف، والرواج الإعلامي الرهيب، و الرعب، و رفض الآخر والانعزالية. اللعان و الأحكام المسبقة، المصاغة لفائدة البعض، ضد البعض، و الصمت المتواطئ من البعض، و التلاعب السياسي أو الأيديولوجي، كلها تقوم بتوليد المزيد، من الفوضى والاضطراب والارتباك.

    كيف يكون الرد على تحدي من هذا النوع، دون التجرؤ على استياء بعض الذين يستفيدون؟ التشكيك في الأفكار المسبقة التي تَقسِم العالم بين الخير والشر، أمر لا مفر منه. من أجل العيش و الإزدهار، يحتاج المجتمع إلى رؤية مشتركة، إلى قاسم مشترك، يقوم بالتوحيد من خلال، الناقل المثالي للمعنى والتماسك. بحيث يصبح كل شخص عضوا في نفس الجسد، مدركا أن كل شيئ، إذا عمل من أجل الصالح العام، هو يعمل لمصلحته الخاصة.

    العيش معا هو الخيار الطوعي لمجتمع، يتقاسم مصير مشترك. أما بالنسبة للطائفية، فلا يمكنها إلا أن تؤدي إلى الانقسام والتشرذم. ماذا يعني أن يكون المرء مسلما اليوم؟ مواطن على الهامش أو مواطن كامل الحقوق؟ المستقبل يعتمد على رد كل واحد منا. بما في ذلك الإرادة السياسية. هناك حاجة ملحة للعمل عندما لا يعثر بعض من شبابنا على سبب للأمل ويختار التطرف المدمر،  و يكون فريسة سهلة لتجار الجنة.

    تصبح تربية مقرونة بالتسامح و التعايش، الأساس لمجتمع الحرية والمساواة والإخاء. فهي تُعلم أن جميع البشر، على الرغم من اختلافاتهم، يُكَوِنون حقيقة فريدة من نوعها. هذا التحلي بالوعي، يسمح لنا بنشر السلام والكرم، و خلق صلة، و ضمان تحصين الإنسانية فينا. عند ذلك، يصبح احترام جميع أشكال الحياة مبدأ مقدسا.

    الأصولية (1) هي شر حضارة عديمة الثقافة. فهي تخدر الوعي من قِبل انعكاس للقيم. و تكيف الأفكار بالتخويف والشعور بالذنب. الأصولية هي ضد أي تفكير نقدي، و كل تفكير منطقي، و كل روحانية تغذي و تسمو بالضمير. إنها تضفي الشرعية على قبضتها و سلطتها، بدعوى العودة إلى المنابع. تستخدم كل وسائل الحداثة، لفرض الفكر العقيم والمميت، بدلا من تعزيز حرية و مسؤولية  جميع الناس.

    ندوة "الإسلام الروحي والتحديات المعاصرة"، المنعقد يومي 28 و 29 سبتمبر 2015 بدار اليونسكو، في باريس من قبل AISA المنظمة غير الحكومية الدولية، يدعو إلى إلزامية إصلاح للإسلام، و يقترح نظرة أخرى، حول التراث الروحي لهذا التقليد، الذي هو اليوم موضوع تجاهل خطير. كما أعطى الإسلام، ميلاد تقليد روحي و كوني، لا يزال حيا إلى أيامنا. هذه طريقة الحكمة، تذكرنا بمبادئ المحبة و قدسية الحياة، و تطمح إلى إحلال السلام  الباطني، و الأخوة بين جميع الكائنات.
ـــــــــــــــــــــــــــ
(1). الأصولية: نزعة عند بعض أتباع عقيدة أو دين، إلى التمسك بالمبادئ الأصلية، و محاربة أي تغيير أو تجديد.