الثلاثاء، 11 أبريل 2017

الحوار و دوره

الحوار و دوره


بسم الله الرحمن الرحيم

    شارك الشيخ خالد بن تونس بمستغانم، يوم 14 أكتوبر 2016، في مؤتمر دولي، من تنظيم مخبر حوار الحضارات والتنوع الثقافي و فلسفة السلم، في دورته الرابعة، عنوانه "الحوار و دوره في التنمية و السلم"، جرى على مدى يومي 14 و 15 أكتوبر، بجامعة عبد الحميد ابن باديس. قدم الشيخ خالد بن تونس في محاضرته كلمة وجيزة، بيّن من خلالها بعض مناحي الحوار التي تعلقت بالإنسان. ألقى الشيخ خالد بن تونس، كلمة وجيزة، قليلة المباني غزيرة المعاني، شدت الحضور بميزتها، و قد ساق فيها من كل مثل، و خاصة ذكره أن الحوار الذي عنى الإنسان، سبق خلقته، و كان بين الله عز و جل و ملائكته الكرام.  و في الأخير، تجدون على الهامش، بيان "صحيفة المدينة"، الذي أبرمها نبينا صلى الله عليه و سلم، لما دخل المدينة المنورة، و أيضا، بنود وردت في حلف عقده مع مسيحيي نجران.

قال قدس الله سره.

   اللهم صل و سلم على سيدنا و مولانا محمد، المبعوث رحمة للعالمين.

    نعم، إنني مسرور، بهذه المشاركة، في هذا الملتقى الدولي. و أرحب بضيوفنا، و أهل العراق، على الخصوص، و كافة الضيوف. و مستغانم، ترحب بكم، و تتمنى لكم، إن شاء الله، أن تكونوا معنا، في هذا اللقاء المبارك، محفوفون بمحبة و مودة، في حوار مبني قبل كل شيئ على التعارف، و إنه ثقافة تدعو كل واحد منا، أن يسعى في بنيان مجتمع، و أيضا هو فكر يسعى في الخير و التمتع و السلم، لجميع المخلوقات. مداخلتي، هي ليست مداخلة بالمعنى الخاص، و لكنها مشاركة، و أنا أريد أن تَستمد من الحضور القيِّم، و بصفتي ممثل، مؤسسة جنة العارف، التي تسعى منذ سنين، في أن يكون في بلدنا، و خاصة لدى المجتمع المدني، مكانا للحوار السلمي، و التعايش فيما بين بني الإنسان.

    بدأ أول حوار، قبل نشأة الإنسان. فإذا رجعنا إلى كتاب الله و سنة رسوله، نجد أن القرآن، هو نفسه، خطابا و كلاما موجها من الحق عز و جل إلى المخلوقات. عرّفنا القرآن الكريم، أنه لما أراد الله سبحانه و تعالى، أن يجعل خليفة في الأرض، قال للملائكة، إني جاعل في الأرض خليفة. عندها تساءلت الملائكة، عن هذا المخلوق، و مهمته الجديدة، و انطلق بذلك أول حوار عنى الإنسان، و كان قبل نشأته. لماذا يجعل الله سبحانه و تعالى، خليفة في الأرض؟ و هذا الخليفة، ليس في نظر الملائكة، مؤهلا لذلك. جرى الحوار، و كان بين الحق و الملائكة. في ذلك الحوار تكلمت الملائكة، و نادت الحق، و قالوا، أتجعل فيها من يفسد فيها و يسفك الدماء؟ أي هل للإنسان القدرة، و هل هو مؤهل ليكون خليفة في الأرض. و لكنها قدرة الله، و إرادة الله عز و جل، أراد أن يمتحن الإنسان، و أعطاه المسؤولية، مسؤولية الأمانة، التي عرضها على السماوات و الأرض و الجبال، فأبَين أن يحملنها و حملها الإنسان(1). هي قضية المسؤولية. كان الحوار في العالم الأزلي، قبل نشأة الإنسان. و نبه الله سبحانه و تعالى الإنسان، في كتابه الكريم، بهذه الحقبة "هل أتى على الإنسان حين من الدهر لم يكن شيئا مذكورا"(2). سبقت في تاريخ نشأة الكون، العديد من المخلوقات، و كان الإنسان في سلسلة الحياة، هو آخر مخلوق في الكون، و قد أعطاه الحق عز و جل، القدرة و الكلام و العقل، و حرية التصرف. و في حياته الأرضية، جرى الحوار فيما بينهما، بواسطة النبوة و الرسالة.

    و لم ينسى الشيخ، بأن يذكر بذلك الميثاق الأزلي، الذي تم إبرامه، حيث قال: قبل نشأة الإنسان، نادى الله سبحانه و تعالى، الأرواح، و سألها بقوله "ألست بربكم، قالوا بلى"(3). كان الجواب من طرف الأرواح، قبل الأشباح، في العالم الأزلي، أي قبل نشأة الإنسان. أكدا الخطاب و الجواب، أن الإنسان اعترف، بأن له خالق. و بقي بينهما اتصال و حوار، لم ينقطع إلى يومنا هذا. إنه تواصل معنوي و نفسي و ديني و فكري و فلسفي و علمي. و على كل حال بنيت الحياة و نشأت عن طريق الحوار.

    الحياة تنشأ على الحوار المبني بين طرفين، و لكن هذا الحوار لا يكون حوارا، إلا إذا مبنيا على خطاب، بين السائل و المسؤول، و بين الباحث و طالب العلم و العالِم، و بين الذكر و الأنثى، و ما بين طرفين، لهما وجود، و لهما صلة، و تبادل و تخاطب مستدام، هدفه تحقيق الإستقرار، و حصول المعرفة، و نوال أنوار التحقيق، كلّها، تزيد الإنسان كرامة و علما و معرفة في نفسه، و في الكون، و فيما بين المجتمع الإنساني.

    لا يبنى الحوار، إلا إذا كان السمع موجودا، أي السمع بمعنى الفهم. يقول التعبير اللغوي الشائع "إسمعوا و عوا"(4). فهو الوعي، و ليس السمع فقط، و لكن بالوعي، يكون الفهم. قالت الجن "ربنا إنا سمعنا مناديا ينادي للإيمان أن آمنوا"(5). لمّا كان السمع، حصل الإيمان. إن الإيمان مبني على السمع، أي الحوار المفهوم، حتى يدرك الإنسان معنى الإيمان، و يستطيع بعدها أن يتوب. "سمعنا و أطعنا"(6). لا تكون الطاعة، إلا بعد السمع، و من بعد سماع الخطاب. يجري الحوار بين العبد و مولاه، عن طريق الرسائل الإلهية، و بواسطة الرسالات السماوية. أخبر الله سبحانه وتعالى، عن من جرى عليهم هذا الوصف، قولهم "سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير"(6).

    يستطيع الإنسان أن يكتسب حقيقة توجهه في حياته، مُسطرا هدفا معروفا و معقولا، و مُتحليا بشعور و فهم، سيؤديان به، في آخر المطاف، إلى ما فيه المصلحة لنفسه و لغيره. إذا عرفنا مكانة الحوار، فعندها سيصير حوارا مبنيا على إرادة، لكسب حقائق، كانت غائبة عنا، و ندركها، تفضي إلى تقصي مفهوم معنى الحياة. و إلا سنعيش كحيوان، نملك سمعا و بصرا و نطقا، و لكن العقل عندنا مفقود، لأننا لا نعرف قِبلة، و ليس لنا هدف و لا طمع و لا رجاء، في مصيرنا في الحياة الدنيا، و لا قصد معلوم و معروف، نسعى إليه. و إنما هو عمل صالح، يكون لنا في ديننا و دنيانا و آخرتنا. فإذا لم نعطي حق لهذا الحوار، فسيصير الكلام، كلاما يدور بأنانية، بفرض فكرنا و عقيدتنا على الآخر، و ليس حوارا، و إنما  هو يدخل في معنى الإكراه. قال تعالى "لا إكراه في الدين"(7).

    إن الحوار عندنا في الإسلام بائن، و له دلائل، و حتى الجدال عندنا، له قواعد. "و جادلهم بالتي هي أحسن"(8). في المجتمع الإنساني، أسس الجدال مع عدوك على قاعدة، و له فهم، و حتى لو دخلنا في جدال مع غيرنا، نعمل بِـفَجادلهم بالتي هي أحسن، لا بالتي هي أخشن. هذه هي تربية القرآن، في التصرف مع بعضنا البعض، حتى يكون المجتمع الإنساني، قائما على قاعدة إيجابية، إنسانية و أخلاقية، تؤدي بنا إلى مرتبة عالية، من التمعن و التفكر و العمل و المشاركة، في بنيان مجتمع مزدهر.

    بطبيعة الحال، فإن فينا، نحن بني الإنسان، يوجد من يصيب، و يوجد من يخطئ، و فينا من يؤمن، و فينا من يجحد أو يكفر بنعمة الله. يكون الحوار، حتى من كفر بهذه النعمة، لقوله تعالى "قل يأيها الكافرون لا أعبد ما تعبدون و لا أنتم عابدون ما أعبد و لا أنا عابد ما عبدتم لكم دينكم و لي دين"(9). ترك لهم الإختيار. لكم دينكم و لي دين. و قوله "وَقُلْ الْحَقّ مِنْ رَبّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ"(10). أي الإختيار بيد الإنسان، و يَبني في الحوار و يَسعى له، من أجل أن يُقرب و يرحم بعضه بعضا.

    قال الله تعالى "و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين"(11). إنما هو ذلك الحوار الإسلامي المحمدي، المبني على الرحمة، و ليس على الإكراه و التعالي بين الناس، و الصراع فيما بينهم. الرحمة فيما بيننا. جاء في أحاديثه صلى الله عليه و سلم "الخلق عيال الله أقربكم إلى الله أرحمكم"(12)، ارحم ترحم، و قوله أيضا "الراحمون يرحمهم الرحمان"(13). أي أن الرحمة عمّت الخطاب و الحوار، و قد دعا أن يكون، هو المركز الأساسي في المجتمع الإنساني، و الدليل على هذا هو حلف المدينة المنورة(14)، إذ لما دخل النبي صلى الله عليه و سلم المدينة، أعطى لكل أهل المدينة، مسلمين و مهاجرين و أنصار، و حتى لقبائل بني إسرائيل، التي كانت موجودة، في المدينة المنورة، أعطاهم حق من المساواة، في الكلام و المشاركة و الأمن و السلم، فيما بين المجتمع. و لما أتى مسيحيو أهل نجران، المدينة المنورة، تكلم معهم، و نشأ عندها حلف(15)، عقده فيما بينهم و بين أهل نجران، و هذا ما يدل، على رغبة النبي صلى الله عليه و سلم، في أن يسود المجتمع الإسلامي في عهده وفاق، رغم اختلاف المشارب، و اختلاف الأديان و العقائد.

    قال الله تعالى "يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر و أنثى و جعلناكم شعوبا و قبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم إن الله عليم خبير"(16). إنه التعارف الذي يسبق في الحوار. علينا أن نجعله و نُبينه بِنيَة، أن نتعارف فيما بيننا، و عند التعارف تحدث الصلة و التَقرب، و تعم المنفعة الجميع، و السلام عليكم، و أشكركم، و أطلب المسامحة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). الآية "إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا". الآية 72 من سورة الأحزاب.
(2). الآية 76 من سورة الإنسان.
(3). "وَإِذْ أَخَذَ رَبُّكَ مِنْ بَنِي آدَمَ مِنْ ظُهُورِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَأَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ أَلَسْتُ بِرَبِّكُمْ قَالُوا بَلَى شَهِدْنَا أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ * أَوْ تَقُولُوا إِنَّمَا أَشْرَكَ آبَاؤُنَا مِنْ قَبْلُ وَكُنَّا ذُرِّيَّةً مِنْ بَعْدِهِمْ أَفَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ الْمُبْطِلُونَ". سورة الأعراف، الآية 172. 
(4). السمع و الوعي.
(5). "رَّبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلْإِيمَانِ أَنْ آمِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا". سورة آل عمران الآية 193. و في سورة الجن، الآية 13، جاء التنزيل فيهم "وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدَى آمَنَّا بِهِ فَمَن يُؤْمِن بِرَبِّهِ فَلا يَخَافُ بَخْسًا وَلا رَهَقًا".
(6). "و قالوا سمعنا و أطعنا غفرانك ربنا و إليك المصير". الآية 285 من سورة البقرة.
(7). "لا إكراه في الدين". سورة البقرة، الآية 256.
(8). الآية 125 من سورة النحل.
(9). سورة الكافرون.
(10). سورة الكهف، الآية 29.
(11). سورة الأنبياء، الآية 107.
(12). قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "الخلقُ كُلُّهم عِيالُ الله عزَّ وجلَّ، فأَحَبُّ خلقِه إليه أنفعُهم لعِيالِه". أخرجه الطبراني و البيهقي و ابن أبي الدنيا و غيرهم.
(13). قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "الرَّاحِمُونَ يَرْحَمُهُمُ الرَّحْمَنُ ارْحَمُوا أَهْلَ الْأَرْضِ يَرْحَمُكُمْ أَهْلُ السَّمَاءِ". و في رواية "يرحمكم من في السماء". رواه أبو داوود و أحمد و غيرهما.
(14). هذا هو نص وثيقة "صحيفة المدينة"، كما جاء في السيرة النبوية لابن هشام.
قال ابن إسحاق: وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتابا بين المهاجرين والأنصار، وادع فيه يهود، وعاهدهم وأقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم واشترط عليهم.
 بسم الله الرحمن الرحيم هذا كتاب من محمد النبي صلى الله عليه وسلم، بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب، ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، أنهم أمة واحدة من دون الناس.
المهاجرون من قريش على ربعتهم يتعاقلون بينهم وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، كل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو ساعدة على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو الحارث على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو جشم على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو النجار على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو عمرو بن عوف على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو النبيت على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وبنو الأوس على ربعتهم يتعاقلون معاقلهم الأولى، وكل طائفة منهم تفدي عانيها بالمعروف والقسط بين المؤمنين.
وإن المؤمنين لا يتركون مفرحا (أي المثقل بالدين وكثرة العيال) بينهم أن يعطوه بالمعروف في فداء أو عقل.
وأن لا يحالف مؤمن مولى مؤمن دونه.
وإن المؤمنين المتقين على من بغى منهم أو ابتغى دسيعة (كبيرة) ظلم أو إثم أو عدوان أو فساد بين المؤمنين، وإن أيديهم عليه جميعا، ولو كان ولد أحدهم.
ولا يقتل مؤمن مؤمنا في كافر ولا ينصر كافرا على مؤمن، وإن ذمة الله واحدة يجير عليهم أدناهم، وإن المؤمنين بعضهم موالي بعض دون الناس.
وإنه من تبعنا من يهود فإن له النصر والأسوة غير مظلومين ولا متناصرين عليهم.
وإن سلم المؤمنين واحدة لا يسالم مؤمن دون مؤمن في قتال في سبيل الله إلا على سواء وعدل بينهم.
وإن كل غازية غزت معنا يعقب بعضها بعضا.
وإن المؤمنين يبئ بعضهم على بعض بما نال دماءهم في سبيل الله.
وإن المؤمنين المتقين على أحسن هدى وأقومه، وإنه لا يجير مشرك مالا لقريش ولا نفسها، ولا يحول دونه على مؤمن.
وإنه من اعتبط مؤمنا قتلا عن بينة فإنه قود به إلا أن يرضى ولي المقتول، وإن المؤمنين عليه كافة ولا يحل لهم إلا قيام عليه.
وإنه لا يحل لمؤمن أقر بما في هذه الصحيفة وآمن بالله واليوم الآخر أن ينصر محدثا (مجرما) ولا يؤويه وأنه من نصره أو آواه فإن عليه لعنة الله وغضبه يوم القيامة ولا يؤخذ منه صرف ولا عدل.
وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد صلى الله عليه وسلم.
وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
وإن يهود بني عوف أمة مع المؤمنين، لليهود دينهم وللمسلمين دينهم مواليهم وأنفسهم إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ (أي لا يهلكإلا نفسه وأهل بيته.
وإن ليهود بني النجار مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الحارث مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ساعدة مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني جشم مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني الأوس مثل ما ليهود بني عوف، وإن ليهود بني ثعلبة مثل ما ليهود بني عوف، إلا من ظلم وأثم فإنه لا يوتغ إلا نفسه وأهل بيته.
وإن جفنة بطن من ثعلبة كأنفسهم، وإن لبني الشطيبة مثل ما ليهود بني عوف وإن البر دون الإثم.
وإن موالي ثعلبة كأنفسهم، وإن بطانة يهود كأنفسهم، وإنه لا يخرج منهم أحد إلا بإذن محمد صلى الله عليه وسلم، وإنه لا ينحجز على ثأر جرح، وإنه من فتك فبنفسه فتك وأهل بيته إلا من ظلم، وإن الله على أبر هذا.
وإن على اليهود نفقتهم وعلى المسلمين نفقتهم، وإن بينهم النصر على من حارب أهل هذه الصحيفة، وإن بينهم النصح والنصيحة والبر دون الإثم، وإنه لم يأثم امرؤ بحليفه وإن النصر للمظلوم.
وإن اليهود ينفقون مع المؤمنين ما داموا محاربين.
وإن يثرب حرام جوفها لأهل هذه الصحيفة.
وإن الجار كالنفس غير مضار ولا آثم.
وإنه لا تجار حرمة إلا بإذن أهلها.
وإنه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده فإن مرده إلى الله عز وجل وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن الله على أتقى ما في هذه الصحيفة وأبره وإنه لا تجار قريش ولا من نصرها.
وإن بينهم النصر على من دهم يثرب، وإذا دعوا إلى صلح يصالحونه ويلبسونه فإنهم يصالحونه ويلبسونه، وإنهم إذا دعوا إلى مثل ذلك فإنه لهم على المؤمنين إلا من حارب في الدين.
على كل أناس حصتهم من جانبهم الذي قبلهم.
وإن يهود الأوس مواليهم وأنفسهم على مثل ما لأهل هذه الصحيفة، مع البر المحض من أهل هذه الصحيفة.
قال ابن إسحاق:
وإن البر دون الإثم لا يكسب كاسب إلا على نفسه.
وإن الله على أصدق ما في هذه الصحيفة وأبره، وإنه لا يحول هذا الكتاب دون ظالم وآثم.
وإنه من خرج آمن ومن قعد آمن بالمدينة، إلا من ظلم أو أثم.
وإن الله جار لمن بر واتقى، ومحمد رسول الله صلى الله عليه وسلم.
(15). كان لنصارى نجران بعد اللقاء الأول، الذي صلوا أثناءه في مسجده صلى الله عليه و سلم، عدة لقاءات، و كذا مراسلات. تقع مدينة نجران حاليا، في جنوب المملكة السعودية.
    هذا نص وثيقة نصارى نجران، كما ورد في كتاب "مجموعة الوثائق السياسية للعهد النبوى والخلافة الراشدة"، جمعها محمد حميد الله. طبع دار النفائسبيروت، الطبعة السادسة، سنة 1987.
    وقد ورد في مقدمة العهد "هذا كتاب أمانٍ من الله ورسوله، إلى الذين أوتوا الكتاب من النصارى، من كان منهم على دين نجران، وإن على شىء من نحل النصرانية، كتبه لهم محمد بن عبد الله، رسول الله إلى الناس كافة، ذمة لهم من الله ورسوله... إنه عهد عهده إلى المسلمين من بعده. عليهم أن يعوه ويعرفوه ويؤمنوا به ويحفظوه لهم، ليس لأحد من الولاة، ولا لذي شيعة من السلطان وغيره نقضه، ولا تعديه إلى غيره، ولا حمل مؤونة من المؤمنين، سوى الشروط المشروطة فى هذا الكتاب. فمن حفظه ورعاه ووفّى بما فيه، فهو على العهد المستقيم والوفاء بذمة رسول الله. ومن نكثه وخالفه إلى غيره وبدله فعليه وزره، وقد خان أمان الله، ونكث عهده وعصاه، وخالف رسوله، وهو عند الله من الكاذبين".
ينص العهد فيما ينص علي:
أولا- أن أحمى جانبهمأى النصارى- وأذبّ عنهم وعن كنائسهم وبيعهم وبيوت صلواتهم ومواضع الرهبان ومواطن السياح حيث كانوا من جبل أو واد أو مغار أو عمران أو سهل أو رمل
ثانيا- أن أحرس دينهم وملتهم أين كانوا، من بر أو بحر، شرقا وغربا، بما أحفظ به نفسى وخاصتى، وأهل الإسلام من ملتي.
ثالثا- أن أدخلهم فى ذمتى وميثاقى وأمانى، من كل أذى ومكروه أو مئونة أو تبعة. وأن أكون من ورائهم، ذابا عنهم كل عدو يريدنى وإياهم بسوء، بنفسى وأعوانى وأتباعى وأهل ملتي.
رابعا- أن أعزل عنهم الأذى فى المؤن التى حملها أهل الجهاد من الغارة والخراج، إلا ما طابت به أنفسهم. وليس عليهم إجبار ولا إكراه على شىء من ذلك.
خامسا- لا تغيير لأسقف عن أسقفيته، ولا راهب عن رهبانيته، ولا سائح عن سياحته، ولا هدم بيت من بيوت بيعهم، ولا إدخال شىء من بنائهم فى شىء من أبنية المساجد، ولا منازل المسلمين. فمن فعل ذلك فقد نكث عهد الله وخالف رسوله وحال عن ذمة الله.
سادسا- ألا يحمل الرهبان والأساقفة، ولا من تعبد منهم، أو لبس الصوف، أو توحد فى الجبال والمواضع المعتزلة عن الأمصار شيئا من الجزية أو الخراج.
سابعا- لا يجبر أحد ممن كان على ملة النصرانية كرها على الإسلام، "وَلَا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ". ويخفض لهم جناح الرحمة ويكف عنهم الأذى حيث كانوا من البلاد.
ثامنا- إن أجرم واحد من النصارى أو جنى جناية، فعلى المسلمين نصره والمنع والذب عنه والغرم عن جريرته، والدخول فى الصلح بينه وبين من جنى عليه. فإما مُنّ عليه، أو يفادى به.
تاسعا- لا يرفضوا ولا يخذلوا ولا يتركوا هملا، لأنى أعطيتهم عهد الله على أن لهم ما للمسلمين وعليهم ما على المسلمين.
عاشرا- على المسلمين ما عليهم بالعهد الذى استوجبوا حق الذمام، والذب عن الحرمة، واستوجبوا أن يذب عنهم كل مكروه، حتى يكونوا للمسلمين شركاء فيما لهم، وفيما عليهم.
إلى هنا انتهى الاقتباس من بنود الوثيقة. 
(16). سورة الحجرات، الآية 13.
   
   

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق