الخميس، 11 يناير 2018

مذاكرة الشيخ خالد بن تونس بمناسبة العام الجديد

 مذاكرة الشيخ خالد بن تونس
بمناسبة العام الجديد


    بسم الله الرحمن الرحيم
  
    اللهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم، ولا حول ولا قوة، إلا بالله العلي العظيم.

    إخواني أخواتي الأعزاء. إخواننا في الله. الحمد لله والشكر لله على نعمته. اللهم أنت السلام ومنك السلام، وإليك يعود السلام، سلّمنا في هذه الليلة المباركة، سلّمنا في حياتنا ومماتنا، ويوم لقاك. اللهم رب احفظنا من كل بلاء، واجعلنا همزة وصل بين عبادك.


  الصورة: الجمع الروحي بمدينة كان ليلة 01 01 2018، حيث ألقى الشيخ خالد بن تونس مذاكرته.

  سيداتي سادتي، بعد بضع دقائق، حسب ما أخبروني، ستودعنا سنة 2017. سنة تركت لنا الكثير من الأشياء، أخبار سارة وأخبار سيئة، أخبار تسعدنا، وأخرى تزعجنا أو جرحتنا. لنتعلم الدرس من السنة الفائتة، وندعو ونأمل أن تكون السنة المقبلة، بالنسبة لنا جميعا، سنة سلام و نور، سنة تتحقق فيها الأخوة، وكل الرجال و النساء، وكل الكائنات، تجد طريق الأخوة و طريق القلب، هذه المضغة الكائنة في كل كائن، كمون الزبد في اللبن. يمتحننا الله سبحانه وتعالى بمخضنا، كما يمخض اللبن، حتى يُستخرج الزبد، الذي هو جوهر الكائن. نتكلم كثيرا عن الروحانية، ومازال لحد اليوم، نخلط بين الروحانية والدين، وكل دين سبقته الروحانية. سبق موسى عليه السلام الديانة اليهودية، وعيسى عليه السلام سبق الديانة المسيحية، والرسول محمد صلى الله عليه و سلم، سبق الإسلام، وجميع الأنبياء والرسل، تذوقوا في الأول نبع الروحانية، ثم أرادوا تبليغها للناس....

    علينا أن نبحث عن هذا النبع الكائن فينا، ونحاول تذوقه، حتى تهتدي حياتنا إلى المعنى، كقطرة الماء التي تركت في يوم من الأيام البحر المحيط، ورحلت رحلة طويلة، لكي تجده من جديد، فإنها لا تعلم تاريخ عودتها، نحو هذا المحيط، ولا تدري مسارها، و لا حتى أنه سيكتب لها في يوم من الأيام الوصول. على ما يبدو، تتواجد في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، ونصف الكرة الأرضية الشمالي، مياه قابعة هناك، منذ آلاف القرون، لازالت لحد اليوم، تنتظر لحظة بلوغ المحيط.

    ليكن في علمنا، أن هذه السنة الجديدة، نحن ندخلها بأمل وتوكل، حيث نعِد أنفسنا، أننا نكون ضمن الذين يزرعون الأمل، ويزرعون المحبة والأخوة. هو رهان، يستطيع أي واحد منا أن يدخله طوعا، بنفسه، بدون ما يتعرض للإرغام من طرف أيٍ كان. لا ترغمه عقيدة ولا دين وإله. يتعلق الأمر بينه وبين ضميره. يقوم به كل واحد منا بوعي تام. هل أنا قادر على توصيل المحبة والحياة والأمل والطيبة والعطف والإحسان؟ عالمنا بحاجة إلى نور وهداية، والإشارة التي منحت لنا في سنة الرحمة 2017، في الثامن من ديسمبر منه، وتتوافق مع أسبوع ميلاد النبي صلى الله عليه وسلم، بالنسبة للمسلمين؛ هي إشارة جلية، لأولئك ولللواتي يتمتعون بموهبة الرؤية..  حيث يتصرفون باستقلالية تامة، ويعملون بإيثار، لا ينتظرون مقابل، ويزرعون بدون انتظار موسم الجني. وعلى كل واحد وواحدة أن يتنمنى الأمنية، في أن تكون سنة 2018 للإنسلانية، سنة المصالحة، سنة الطيبة، وسنة تحلي جديد بالوعي، ولنجعل من هذا 16 مايو 2018، لحظة يقظة لنا جميعا، ويكون بمقدور أبنائنا أن يتكلموا عنه في مدارسنا، ويكون بمقدورنا عرضه في بلدياتنا و مؤسساتنا و برلماناتنا. هو يوم بشكل ما مقدس، تتآخى فيه الإنسانية. لنبدأ بـ 24 ساعة، ونرى بعدها، لنبدأ على الأقل بيوم واحد، ونرى هذا اليوم، إن هو عِيشَ بصدق، بلا مقابل وكلية، في العيش معا، داخل الرابطة الخفية، التي تجمعنا جميعا، ضمن ذلك الأصل، ومحيط الحي، و سنجد في كياننا، ومن خلالنا، طريق العودة نحو الجوهر.

    أريد في هذه اللحظة المهيبة، شكر الدول التي شرفتنا بمنحنا ثقتها، وشكرِ أيضا الأمين العام للأمم المتحدة ومساعديه، وضعوا ثقتهم فينا، منذ شهر جويلية، من هذه السنة، وشجعونا على المضي قدما، كما أشكر على الخصوص بلادنا وحكومته، التي تكفلت بهذا القرار، ومساعدتنا على حمله، حتى تم تقريره وتشريعه، والشكر موصول لجميع الدول والرعاة، وأذكر على الخصوص فرنسا، التي أعطت ديبلوماسيتها لمسة، بدون إحداث ضجة أو إثارة، وساعدتنا على الوصول إلى الموعد النهائي، وهذه النتيجة، والشكر لكل الدول الفقيرة و الصغيرة، التي منها من كان في الطليعة، سواء دول أمريكا اللاتنية، وهذا أمر لم أكن أنتظره، أو دول آسيا، وأيضا الدول الأوروبية 28، جميعها أوفت بضمانتها.

    أود أن أذكر لكم شهادة ديبلوماسي، لا أكشف عن إسمه و إسم بلده. في الختام، عندما تم تبني القرار، تقدم إلي وقال، يا شيخ، بدأت هذه، بإنسان واحد، كان وحده، ولكنه عرف كيف يتقاسمها مع جماعة، فأما الآن، جميع الدول مشتركة، تحملها معه. هي شهادة و الله شهيد. ربما سيشاهدها يوما ما، ويسمع هذه الكلمات و يرى الصور، ويؤكدها بنفسه.

    توجد أحلام قد تحققت، وهذا أمر لم أبح به للكثيرين. في صغري، قرأت أحد كتب الشيخ العلاوي، وهو كتاب الأبحاث العلاوية في الفلسفة الإسلامية، ووصلتُ عند مبحثه، الذي يصف فيه الشيخ العلاوي الإنسلانية(1)، بنعتها جسد واحد، وكل إنسان هو عضو فيها، يربطها خيط هو أشرف منه، وأننا بحاجة إلى جميع الأعضاء بدون إستثناء، من أجل تجسيد هذا الجسد المسمى الإنسانية. بقي هذا التساؤل يختلج وجداني، بدون إجابة، وهل حقا سيأتي يوما، ويحدث حقا ما قام به هذا الرجل، منذ أكثر من قرن، ويصير حقيقة واقعة. والله شهيد. أثناء جلسة الجمعية العامة، عندما كان ممثلي الدول، يلقون كلمتهم الواحد تلو الآخر، عادت تلك الصورة، فقمت بهز رأسي، كأني أروح وأجيئ، لقد كنت بالأمم المتحدة، في نيويورك، وكنت  في مكان آخر، أرى من خلاله هؤلاء الأشخاص، الذين يتقدمون إلى المنصة، ويشهدون البلد تلو الآخر، أن العيش معا أمر ضروري، وهو ثرات مشترك يجمعنا، وآخرين قالوا أن العيش معا والسلام، مندرجين في مستقبل الإنسانية، إلخ... كل بلد في لغته كان يشهد. كنت أرى أعضاء جسد، كخلايا وأجزاء تتجمع وتُلم. كنت مذهولا. وعندما ظهرت النتائج، وضرب رئيس الأمم المتحدة بمطرقته، من على المنصة، عمت الفرحة، وخاصة لدى الدبلوماسيين الجزائريين الذين كانوا بجانبي. شعرنا بفخر التتويج بنتيجة عظيمة، وحصول إجماع، كانوا يتبادلون القبل، ولكنني لم أكن فرحان، كان ينقصني شيئ، رأيت هذه الصورة، ولكن ينقصني شيئ ما، وهذا الشيئ مازال ينقصني لحد الآن، إنه التحلي بالوعي. قمنا بخطوة وتنقصنا أخرى. إنه حقا، التحلي بالوعي لدى أبنائنا، وأن هذه الحقيقة هي الحق، وليس فقط اقتراع أو قرار جمعية، ولكنها الحقيقة التي ينبغي أن نورثها للأجيال الآتية، لأبنائنا، نترك لهو وجهة، وغرض بائن، ونظرة لإنسانية، مع ضعفها وجنونها وكل ما يتخللها، هي واحدة، و سيأتي يوما وتتحقق النظرة، ستصبح شخصا معنويا (إعتباريا)، وقانونيا وسياسيا وروحيا، ونتائجها ستكون كبيرة، سينظر الصيني و الأمريكي والروسي واليهودي والعربي والمسيحي والبودي، ينظرون إلى بعضهم البعض، بعيون إنسانية متوحدة، وستحدث تطورات وفوائد هائلة، وازدهار هائل، لا يؤذى عندها أحد ولا ينسى، عندما يسكن هذا الوعي ضمائر الناس.

    هيا نعمل و ندعو حتى يصبح يوما ما حقيقة مجسدة. في سنة 2014، عندما أطلقنا الفكرة، قلت ربما لن أرى في حياتي، يوما دوليا للعيش معا في سلام، سميناها آنذاك يوما عالميا، والله سبحانه وتعالى أذن لي في رؤية هذا اليوم، وأذن، لقد كنا ثلاثة آلاف، وقررنا مباشرة هذا الإجراء، ازاء الأمم المتحدة. لم نكن متأكدين من أي شيئ. من كنا حتى يسمع صوتنا؟ ورغم ذلك فقد سُمع. نحن اليوم أمام تحدي. هل نستمر(2)؟ هيا لنستمر، ونحفر أعمق، وربما الكنز موجود فينا، وذو قيمة كبيرة، وله سعة في الحجم. يكفي وجود بعض الإيمان، وبعض الأمل، وبعض التضامن، وبعض الأخوة، وربما يأتي اليوم، ونقول ما كان يبدو لنا غريبا، أصبح حقيقة، وليتم تقاسم هذا الحلم.

شكرا لكم جميعا، لضيوفنا وأصدقائنا، نتشرف بحضورهم، في نهاية هذه السنة، ونبدأها معكم بالذكر.

ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). نص المبحث الثامن من الأبحاث العلاوية في الفلسفة الإسلامية "إن الإنسان متّحد الحقيقة وإن تعددت أفراده، فهي لا تعمل إلا لما به قوام الإنسان، وعليه فالإنسان إذن ليس بمتعدد، قال جل ذكره 'مَا خَلْقُكُمْ وَلا بَعْثُكُمْ إِلا كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ'، وبهذا يتضح كون الفرد في المجتمع الإنساني هو بمنزلة العضو في البدن، والأعضاء البدنية تختلف باختلاف منافعها، وكيفما كان العضو لا يستغنى عنه بعدمه أو بوجود ما هو أشرف منه ".
(2). توجه بسؤاله إلى الذين حضروا معه السهرة الروحية، فسمع ردودهم بالإيجاب.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق