الخميس، 31 مايو 2018

رحلته الرمضانية إلى كندا

رحلته الرمضانية إلى كندا


وصول الشيخ خالد بن تونس إلى كندا
    كما كان مقرر، حط الشيخ خالد بن تونس في كندا، البلد الذي سانده مساندة مميزة، في تحقيق أبعاد اليوم الدولي للعيش معا، فهذا البلد كان السباق، إلى غرس قيم العيش معا، في أوساط شعبه، الشعب الكندي المتعدد الأعراق، وبلد الهجرة المتواصلة، سيحيي مظاهر العيش معا في سلام، على مدار السنة، إذ خصص في ميزانيته، 50 مليون دولار من أجل الحدث، وهي خصلة ومبادرة جريئة، لفتت انتباه الناس، وابتهج الشيخ خالد بن تونس بها، وخصها بأنواع التشكرات، و جزيل الإمتنان.

   الشيخ خالد بن تونس، وعن يمينه المحامي بن خليفة وعن شماله السيد دونالد جان


    "بالفعل، قد وعدت Médiamosaïque، بإحضار الشيخ خالد بن تونس إلى منتريال، الرجل الذي تم تكريس أعماله، لصالح العيش معا، من قبل 193، على سطح كوكب الأرض.

    الشيخ خالد بن تونس، المتواجد حاليا بالفندق، محاط بحاشيته المقربة، التي تنقلت معه، سيقلد داخل 24 ساعة القادمة، بـ"الزنبقة الدولية للعيش معا في سلام"، في إطار الطبعة السادسة، لحفل زنابق التنوع."(1)

    كانت مناسبة الزيارة، تسليم وكالة الصحافة الكيبكية Mediamosaique، الشيخ خالد بن تونس، الجائزة الكبرى "الزنبقة الدولية للعيش معا في سلام"، بحيث وقع الإختيار عليه، وجرت الإحتفالية يوم 28 05 2018، بمسرح سان جايمس بمنتريال بكندا. كانت هذه النسخة السادسة للحدث، وعقدت تحت الرئاسة الشرفية، لرئيسة بلدية منتريال السيدة فاليري بلانت، وحضور وزير العلاقات الدولية والفرنكفونية لكيبيك، السيد كريستين سانت بيير. وأشرف على الجائزة الكبرى لموزراييك، (حفل زنابق التنوع) المدير العام لهذه الوكالة، السيد دونالد جان، وكان الشيخ خالد بن تونس، أحد أوائل الذين تسلموا هذه الجائزة هذا العام.



المحاورة
    كما شكر الشيخ خالد بن  تونس على إثرها، كل كندا و سكان منتريال و مقاطعة كيبيك، على هذا التمييز.
    ولم يفلت السيد دونالد جان المناسبة، بدون أن ينال حظوة، و يختص بالمحاورة التالية، مع الشيخ خالد بن تونس، فقد عظمه كثيرا، ووصفه بأوصاف، مثل كونه أب العيش معا في سلام، وغير ذلك من الأوصاف، التي تنم عن التقدير الهائل، الذي يكنّه الكنديين للشيخ خالد بن تونس، وقد بدا ذلك واضحا، مثلما تم بثه، في شبكات التواصل الإجتماعي.

دونالد جان: ... أنت أب، اليوم الشهير للعيش معا في سلام، وتضطلع بمهمة نبيلة للغاية. كيف اضطلعت بهذه المهمة، الشيخ خالد بن تونس؟
الشيخ خالد بن تونس:أولا، أنت تقول عني أني الأب، ولكن للحصول على ولد، ينبغي تواجد إمرأة (ضحك في القاعة). من هي الأم؟ لماذا لا نتكلم عن الأمهات، ونتكلم فقط عن الأباء؟ فلهذا اليوم أم، وأمه هي المؤتمر الدولي للأنوثة، المنعقد في أكتوبر 2014. (تصفيق حار). هذه المبادرة هي قبل كل شيئ، مبادرة النساء، فكنت سوى الحامل. هذا كل شيئ.

دونالد جان: أنت الحامل؟ لم تعد النساء هن الحوامل؟ لدينا الشرف الكبير لحضورك معنا، ونشكر المحامي بن خليفة ومكتبه، الذين منحوا لنا هذا الإمتياز الهائل. والآن نريد سماع رسالتك، التي تخص السلام. كيف تُعرّف السلام، وماهي رسالة الشيخ خالد بن تونس؟
الشيخ خالد بن تونس: بالنسبة لي. رأيت السلام، دوما كحالة كينونة. يبدأ السلام بالفرد وبنا وبالشخص. أن يكون في نفسك شيئ ما، يطمئنك ويمنحك الثقة في نفسك، ويسمح لك أن ترى قريبك كجزء منك، وتنظر إليه كمرآة، تعكس تلك الحقيقة التي تكتنفك. يسمح لي الآخر أن أعرف من أنا. ليس السلام فقط، عبارة عن غياب النزاعات أو الحروب، فالسلام شيئ يمكن جنيه، مثلما نقطف الورود، ونحصد الزرع. والسلام يجنى في الضمائر، ولسوء الحظ، لم نستثمر بالشكل الكافي في السلام. لا توجد مدارس سلام، ولا أثر لجامعات السلام، ولا وجود لأكاديمية السلام، رغم أنه توجد أكاديميات، من كل نوع، لدينا أكاديميات الحروب، وقد حان الوقت، كي تتغير نظرتنا حول السلام، ويكون باستطاعتنا الإستثمار في السلام.
    في كل عام، تنفق 13400 دولار، في العنف وفي الحروب، ومقارنة بهذا، ما الذي ننفقه عن السلام؟ حان الوقت في (إطار ما يحويه مضمون) هذا اليوم، بأن يلتزم كل واحد وواحدة، بعكس هذا النظام، الذي يقودنا جميعا، صوب الجدار. لا ندع الشك يساورنا، فهذا هو الطريق الذي ينبغي أن نختاره، نختاره لأنفسنا ولأطفالنا وأحفادنا، ونبني المستقبل، الواحد مع الآخر، وليس الواحد ضد الآخر.

دونالد جان: الشيخ خالد بن تونس، أنت معلم روحي صوفي، ونظرا لقرار الأمم المتحدة، الذي صوت عليه بالتوافق والإجماع، أريد أن أقرأ مقتطف منه. "تدعو جميع الدول الأعضاء، إلى مواصلة تعزيز المصالحة، من أجل المساعدة على ضمان تحقيق السلام والتنمية المستدامة، بطرق تشـــمل العمل مع المجتمعات المحلية، والقيادات الدينية وغير ذلك، من الجهات الفاعلة ذات الصلة، من خلال اتخاذ تدابير المصالحة، والإضطلاع بأعمال الخدمة، والتشجيع على العفو والتراحم بين الأفراد".(2) ما هو العفو والتراحم، برأيك؟
الشيخ خالد بن تونس: العفو والتراحم. ينبغي اليوم طرح السؤال. ورثنا من الماضي، الحروب والنزاعات والأحكام المسبقة والمظالم. هل سنعيش مع هذا، ونمرره إلى الأجيال القادمة؟ أو بدفعة واحدة، نختار طريقة أخرى لرؤية هذا المستقبل، بدون نسيان الماضي، مع الإعتبار أن ماضينا، نشأ على أعاصير وعنف، فعليه، فهو ينبغي أن يدفعنا إلى التوجه، نحو التحلي بضمير جديد، وهذا الضمير يجب أن يؤسَس على التراحم فيما بيننا. جميعنا ارتكب أخطاءا، ولا يمكن لبلد أن يدعي، أنه لم يخطئ في حق أقرانه، ولا يمكنه لأي إنسان، ولا لأي تقليد. كيف نصل اليوم إلى تحقيق، مصالحة العائلة البشرية، ونحن نُكون عائلة. ينبغي علينا أن نرى الإنسانية مثل جسد، كل شعب فيه وكل بلد، هو عضو لا يتجزأ من الجسد، ولا وجود لعضو، هو أشرف من الآخر.
    ينبغي أن ندرّس هذه النظرة، من خلال ثقافة السلام. ومن دواعي فخري، أقول لكم، أنه بفضل هذا اليوم، أصدرت وزيرة التربية الجزائرية، مرسوما ينص على تضمين ثقافة السلام، البرامج المدرسية، للسنة القادمة (تصفيق). وقرر النقابيون، إقامة تكوينا، سموه تكوين العيش معا. إذا كان بإمكان هذا اليوم تغيير العقليات، وإذا كان بإمكان هذا اليوم مساعدتنا، على أن نجعل من السلام، آلية يفشى من خلالها ويلقّن، ومنهجا تغذى به الضمائر؛ في هذه الحال، نعم، فالعالم سيتغير، وتبقى هذه مهمة كل واحد منكم.

دونالد جان: ولننهي. ننتقل إليك الشيخ خالد بن تونس. مادمت أظهرت هذا، فهذا يعني، أن العيش معا ليس خياليا، هو شيئ يمكن أن يجسد، وضيوفك الكنديين والمنترياليين، وجميع الناس، الموجودين في القاعة، مارسوا هذا العيش معا. هل هذه هي الرسالة؟
الشيخ خالد بن تونس: أعتقد أنني وسط جمهور، يفهم ما أقول. عندما أطلقت الفكرة، بدت كأنها خيالية طوباوية، واليوم لم تعد خيالا، أصبحت حقيقة. أشكر الدبلوماسية الكندية، وأيضا الدبلوماسية الجزائرية، وكذا الدبلوماسية الفرنسية والبلغارية، وبعض دول أمريكا الجنوبية، فهم منذ البداية، قاموا بتشجيعينا على المضي قدما، و ساهموا في التمويلات، كما أشكر السيد كريتيان، الموجود هنا، هذا الصديق جاء إلى الجزائر، ليتسلم جائزة الأمير عبد القادر للعيش معا والمعايشة، وقد تم إنشاء رابطة، بين الجزائر العاصمة ومنتريال، من خلال المرصد الدولي لرؤساء بلديات العيش معا. في هذا البلد، أنتم محظوظون، لاستثماركم في العيش معا، قبل آخرين. أقول خطوتم خطوة، أكثر من البقية، وعليكم أكثر من أي وقت مضى، جعل هذا الأمر ممكنا، لكم جميعا، وتعليمه لأبنائكم، وتكونون في طليعة هذا اليوم الشهير، للعيش معا، وتقولون، انظروا إليه، إنه موجود ويعمل، وأكثر من ذلك، فهو يسمح لنا بالعيش أفضل. أنتم مجتمعات مختلفة، فيكم اليهود والكاثوليك والبروتستانت والهنود الأمريكيين، والمسلمين والبوذيين والهندوس، فبها تثبتون للعالم بأسره، أن هذا ممكنا، وأن لهذا الجسد حقيقة، ولا يتعلق الأمر بمجرد عاطفة نابعة، أو فلسفة مجردة. نحن هنا في ميدان الحياة اليومية والممارسة. امضوا، ولتعاش هذه الحياة، على مستوى الدولة والمنطقة والمقاطعة، وليس داخل مختبر، كائن في مكان ما، بإحدى الجامعات، بل تمارس في الشارع والمدينة، وفي أحضان العائلات، وكذا المدارس. بصدق، لا يمكنني سوى تهنئتكم، وتهنئة كندا، وتهنئة كيبيك، على هذا العمل، الذي قمتم به.
أعراق والمعتقدات وبلد الهجرة المستمرةأ

سنُحدِث ظهورا جديدا   
    مساء يوم 30 مايو، كان الشيخ خالد بن تونس في ضيافة UniAction، وهي هيئة غير ربحية، تتمثل مهمتها، في زيادة الوعي بالقضايا الاجتماعية المختلفة، مثل الفقر، والحصول على التعليم والصحة. ألقى الشيخ خلال اللقاء محاضرة، عنونها "الروحانية والعيش معا في سلام"، ومن جهتها روجت هذه الهيئة قبلا، لهذا اللقاء منادية "قابلوا الشيخ خالد بن تونس، الباعث لليوم الدولي للعيش معا في سلام، الذي تبنته بالإجماع الدول 193 الأعضاء، في الأمم المتحدة."

    عندما اعتلى منصة الخطابة، طُلب منه أن يروي لهم، كيف جاء تقرير اليوم الدولي للعيش معا في سلام. فقال مبتدئا في كلامه وحاسما في بيانه ومبلجا في حجته "إنها المرة الألف، التي أسرد فيها هذه القصة". و بصراحة، رغم ما تكرر من ذكر هذه الرواية، إلا أنني أجد في كل مرة، عناصر جديدة، يذكرها الشيخ، تتمم ما استفيد منه، وتزيد في الأمر دراية. فقال "كان عمري بين 15 و16 سنة، وكان هناك أستاذ يدرسنا الفلسفة، وقعت بين يديه مخطوطات، تعود إلى جدي الأول، وقرأ علينا نصا، وهذا النص، هو حقا سريالي. وطرحت دوما السؤال، هل ما أقرّه منذ قرن، هو حقيقة، و يمكن أن يرى يوما ما النور". وبقي هذا التساؤل يختلج فكر الشيخ خالد بن تونس "هل سنصل يوما إلى هذا الإدراك؟" ثم أفاض الشيخ في تبيان سيرورة العمل، في التنقل بالمشروع من مرحلة إلى مرحلة، والصعاب التي اعترضته، والعقبات التي أعاقته. ثم ظهرت الكرامة "رأيت بأم عيني، كيف انتقل الأمر من الرفض إلى البداهة. بأي معجزة؟ فأنا أقول، فلكوننا جميعا، نحمله في أنفسنا، كنا فقط بحاجة، إلى مهرج وبهلوان ومجنون، يقوم بهزنا".

    ثم طرح الشيخ خالد بن تونس السؤال المهم "هاهو اليوم موجود، فما الذي سنفعل به؟" أخبرنا الشيخ بخطوته القادمة، فقال "لكوني عنيد، فالدول التي قالت نعم، بالإجماع، لن أتركها هكذا". وأضاف "عندما ننتهي من هذا الحدَث، سنُحدِث ظهورا جديدا، كتابة صفحة جديدة من التاريخ، من تاريخنا".

    أما عن تحديات هذا اليوم، فأعرب الشيخ عن انشغاله الكبير، عن "أي عالم سنترك بعدنا، للأجيال القادمة"؟ وذكر أن "العنف والحروب تكلف 13% من الإقتصاد العالمي، و تقدر ميزانيتها بـ 13400 مليار دولار سنويا". أوضح الشيخ أن "الخطوة الأولى، التي نقوم بها، هي تدريس ثقافة السلام لأبناءنا في المدارس، فإذا لم يتم إدراج ثقافة السلام، فعملنا لا يساوي شيئ. أنا مقتنع، أنه السبيل الذي ينبغي أن نسكله بادئا".

    "هل تسائلتم لماذا تنهضون غدا"(3)؟ في الحقيقة كان هذا هو موضوع لقاء، جرى في سويسرا، منذ أيام قليلة، أجاد الشيخ في الإجابة عن مضمونه، وعاد وطرحه في خطبته هذه. فرد عنه "من هنا تبدأ الروحانية. قوموا بإزعاج أنفسكم. قوموا بإزعاجها". ثم أشار "نشعر بهذا الخيط اللامرئي، الذي يربطنا ويجعل منا إنسانية. فهذا يُغير كل شيئ، حتى ولولا تفهمون ما أقول، فستشعرون بشيئ في داخلكم".

    وعرج في كلامه، إلى الأفقية وما كلفت الإنسان، وجرته إلى نسيان نفسه، "فنحن نقوم بإضافة شيئ إلى شيئ موجود"، منبها إلى ضررها، لعدم تدارك الإنسان الإستقامة، التي لابد أن ترافقها، إذ صرح "لنرجع إلى ماهو أساسي، نحو هذه الإستقامة، وإن هذه الإستقامة، تقودنا نحو هذه الإنسانية الموحَدة، تلك الأخوة المتبادَلة، ونحو العدالة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). موقع mediamosaique.com، في 27 05 2018.
(2). هو البند 3، من توصيات الجمعية العامة للأمم المتحدة، في قرارها الذي أسس، اليوم الدولي للعيش معا في سلام، وصودق عليه، بإجماع الدول 193 العضوة في الأمم المتحدة، بإجماع الأصوات، وتوافق الأراء. للعلم جاءت توصيات القرار في سبعة بنود.
(3). شارك الشيخ خالد بن تونس، يوم 26 05 2018، في "مهرجان كِتاب للعيش"، في "كريت بيرارد"، المعروفة بـ "دار الكنيسة والبلد"، وهو مكان للترحاب والحياة الروحية، الواقع في بلدة "بييدو" في مقاطعة "فود" السويسرية. لهذه الكنيسة توجه إنجيلي إصلاحي.
    في هذا المهرجان، طُرح عليه السؤال، "لماذا أنهض غدا؟"، فقال "أنا لم أطرح حتى هذا التساؤل، ولو أجبت عليه بشكل مباشر، فأسبب فضيحة". وضرب مثلا "قطرة الماء الموجودة في قمة جبال الألب، وتنفلت من الجليد، وتسلك طريقها نحو المحيط، لا تطرح أسئلة، فهي جزء من الكل. ونحن جزء من الكل". وأوضح "ننهض لنكون شهود، بأننا موجودين، والإنسانية موجودة، وللإنسان مصير ومسار، وقسرا هذا المسار يختلف، من شخص لآخر". واستفسر مشيرا، "أنا في الأفقية مع الآخرين، وفي العلاقات التي تربطني بهم، فأما عن الإستقامة، ماهي علاقتي بها؟ وهي التي تصلني بالذي لا يوصف، الذي يسميه البعض الإله، وآخرين يمنحونه إسم آخر، لا يهم..". وخَلُص إلى أن "السلام يفيد في تحويل طاقة العنف التي تسكننا، إلى طاقة مولدة للسلام والرحمة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق