السبت، 21 يوليو 2018

كلمة الشيخ خالد بن تونس في افتتاح ملتقى الرياضيات والعيش معا

كلمة الشيخ خالد بن تونس
في افتتاح ملتقى الرياضيات والعيش معا

    بعد بسم الله الرحمن الرحيم، والصلاة والسلام على النبي الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

    معالي الوزير، السيد الوالي، ضيوفنا الكرام، وجميع الحضور، وعلى الخصوص، الذين أتونا من مكان بعيد، أذكر منهم بعض السفراء، الذين شرفونا بقدومهم إلى هذا الحفل الكريم.

    سيداتي سادتي، الجمع الكريم، أصحاب السعادة. نحن سعداء، لاستقبالكم عند افتتاح هذا الملتقى الفريد. إنه فرصة إستثنائية، من أجل إنشاء علاقات بين مختلف دول العالم، بهدف تضافر جهودنا، وتبادل وتقاسم العلوم والتجارب، بغية ترقية مجتمع العيش معا والعمل معا، الذي نحن في حاجة ماسة إليه.

    تجري فعاليات هذا الملتقى، تحت الرعاية السامية لرئيس الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية، السيد عبد العزيز بوتفليقة، الذي نثني عليه، لما قدمه لنا من تشجيع منذ البداية، وساعدنا معنويا، حتى يجري هذا اللقاء. لنا كل الشرف، أن يكون من بيننا، الأستاذ طاهر حجار، وزير التعليم العالي والبحث العلمي، الذي قدِم من أجل افتتاحه. نشكر السيد (جيل ألدو)، رئيس اللجنة الدولية لدراسة وتحسين وتعليم الرياضيات، وكذا أعضائها الذين استجابوا لدعوتنا. هذا الملتقى، الذي يجري تحت عنوان الرياضيات والعيش معا: عملية إجتماعية ومبدأ التعليم، يدعونا إلى التساؤل، عن العلاقة بين الرياضيات والعيش معا. قال الرياضي الفرنسي الكبير، في القرن التاسع عشر، السيد هنري بوانكاري(1) "العمل بالرياضيات معناه، إعطاء نفس الإسم، لشيئين مختلفين". كيف لا يمكن طرح هذا السؤال، والرياضيات تشغل اليوم وتنظم حياتنا بشكل يومي. إنها حاضرة ومتواجدة عندما يستعمل أحدنا هاتفه النقال، أو يرسل رسالة أو يطلع عبر لوحته الإلكترونية، أو جهاز حاسوبه، وعندما يستعمل نظام تحديد المواقع العالمي لسيارته (GPS)، للإتصال عبر الأقمار الإصطناعية، من أجل تحديد مسلكه، وغير ذلك. وأيضا في طائراتنا وبواخرنا، وفي نظام المالية والتجارة الدولية، وفي دراسة المناخ والطب  والرمز الشريطي والمصانع، وفي المدن والمنازل، وفي شبكة التواصل الإجتماعي، وأكثر من ذلك. لكون الرياضيات شديدة الحضور في حياتنا، فهي لا ترى.

    بين الرياضيات والإنسان تاريخ طويل، بدأ مع عد أولى الخطوات، التي قام بها الإنسان، واكتشاف العالم، واستمرت عبر مختلف الحضارات: الصينية، والهندية، وبلاد ما بين النهرين، والمصرية، واليونانية، والرومانية، والعربية الإسلامية، والهندية الأمريكية، والحضارة الغربية، جميعها قدمت مساهماتها، حتى تستفيد منها اليوم جميع البشرية، ويتجلى ذلك في التطور الكبير للتكنولوجيات، والنمو التصاعدي الخارق. لم تبقى الرياضيات في الحقيقة، سوى علم، جاء ليشرح ويفسر، ومن ثم التفاعل مع العالم، على شكل خط أفقي، ينطلق من المبدأ، نحو اللانهاية، ونحو اللامعرف. كيف نصالح هذا العلم المجرد ذو المتطلبات الكثيرة، والأكثر عقلانية، حيث أن الأسس، هي الحجج، واستخدام المنطق، وتبادل الأدلة، ومراجعة النظراء(2)؛ مع العيش معا في سلام، مثلما وصفه السيد هنري بوانكاري، بأنه معادلة رياضية. وهو تحدي هذا الملتقى. أما بالنسبة للعيش معا، فإنه حلم ورهان، بل هو أعز ما عند الإنسان، وإنه خلق حياة، ورؤية تُوحِد وتصالح، وبيداغوجية الغيرية، مادام أن الأشياء محتواة في أضدادها، ومادام أن العناصر، هي نتيجة تسلسل المسببات والظواهر، وتتجاسر وتجيز لطبيعة الإنسان، أن تنتهز وتدرك، ما يعرّفه كَونه إنسان. إذا واصلنا أعمالنا ضد الطبيعة، وإخضاعها لنزواتنا، فماهي الروابط والعلاقات، التي تجمع الأعضاء، الذين يُشكّلون ويُكونون هذه الإنسانية؟ ألم يحن الوقت، كي ننشئ تقاطع بين أفقية العالم، وعمودية الفضائل الإنسانية. أليس الفن والموسيقى والشعر، وهندسة البناء، واللغة العالمية، وتشارك المعارف، أليس كلها مرتبطة بالرياضيات، وألا تدعوننا جميع هذه التواصلات، من خلال هذا الملتقى، إلى البحث في بيداغوجية العيش معا، عن طريق الدقة والضبط، والحجج المقدمة والإقناع، التي تفضي إلى الرؤية، وإيجاد الإلهام، بغية إثبات نموذج العيش معا والعمل، كما قال ديكارت، في القواعد الذهبية لتوجيه العقل(3) "لا يوجد علم إلا بوجود الحدس و الإستدلال". وعندها يفتح لنا أفق جديد، من أجل بناء المستقبل، الواحد مع الآخر، وليس الواحد ضد الآخر.

    شكرا لكل الذين واللواتي ساهموا في جعل هذه اللحظة وهذا اللقاء، لحظة تقاسم وتبادل. كما تعلمون أكتب خطبا ولا أحترمها. أريد على الخصوص، الطلب من الرياضيين الحاضرين معنا، مساعدتنا على نشر هذه الرسالة، رسالة العيش معا في سلام، وستكون حججهم، حسبما أرى، أكبر من حججنا، لست رياضيا، ولكنني أوجه إليهم هذه الكلمة: ساعدونا على نشر رسالة السلام والأمل هذه، كونوا من الذين يحملون من خلال هذا اللقاء، الحوار إلى جامعاتكم. توجد أكثر من 25 جامعة، من الأركان الأربعة للعالم، ممثلة معنا اليوم. أتمنى أن عند عودتكم، تعطونها دفعة في أماكن عيشكم، وأماكن عملكم، وتعطون ديناميكية للعيش معا، ووجه جديد، وتعملون على ترقية هذه الفكرة الجديدة، لكي ترى النور، يوما ما.
    شكرا جزيلا، والسلام عليكم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). جوليس هنري بوانكاريه (1854 1912). هو أحد أمهر العلماء الفرنسيين في مجال الرياضيات  والفيزياء النظرية..
 (2). مراجعة الأقران أو مراجعة النظراء، بالانجليزية "peer review"، والفرنسية "evaluation par les paires"، هي عملية تقييم عمل أو نشاط، يقوم بها شخص ذو اختصاص وكفاءة، في مجال العمل أو النشاط. وعادة ما تقوم مهنة ما، أو جمعية اختصاص، في جعل مراجعة الأقران، في صلب عمليات التقييم التي تقوم بها، من أجل التأكد من الجودة ومصداقية أعمالها أو منشوراتها. في مجال الأكاديمي، يتبع أسلوب مراجعة الأقران، لاتخاذ قرار في مدى صحة ومصداقية رسالة أكاديمية، لنشرها. (المصدر: ويكيبيديا).
(3). رينيه ديكارت (15961650). هو رياضي وفيلسوف وفيزيائي.

الدورة الـ 70 لمؤتمر اللجنة الدولية لدراسة وتحسين وتعليم الرياضيات بالجزائر

الدورة الـ 70 لمؤتمر
اللجنة الدولية لدراسة وتحسين وتعليم الرياضيات بالجزائر

    "في ديناميات اعتماد اليوم الدولي للعيش معا في سلام، من طرف الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الـ 72، في 8 ديسمبر عام 2017، بدا موضوع مؤتمر هذا العام 'الرياضيات والعيش معا، عملية اجتماعية ومبدأ تربوي' أمرا بديهيا. في الواقع، إن تعليم الرياضيات قاعدة مشتركة لجميع المجتمعات، عبر الزمان والمكان، ومن الضروري الآن، إشراك المجال العلمي في تطوير 'مجتمع العيش معا في سلام'، من خلال مساهمته في الجوانب التربوية، عن طريق دمج البعد الإنساني والاجتماعي. هذا الموضوع هو سمة رائعة من هذه الطبعة السبعين، بالتزامن مع الذكرى الأربعين لجامعة مستغانم".(1)


فعاليات المؤتمر
   جرت من 15 إلى 19 جويلية 2018، بجامعة مستغانم، الدورة الـ 70 لمؤتمر اللجنة الدولية لدراسة وتحسين وتعليم الرياضيات، تحت عنوان "الرياضيات والعيش معا، عملية اجتماعية ومبدأ تربوي"، وشارك في تنظيمه إضافة إلى تلك اللجنة الدولية الموسومة، كل من المؤسسة المتوسطية للتنمية المستدامة "جنة العارف"، والمنظمة الدولية، غير الحكومية "عيسى"، وجامعة مستغانم، وعرف مشاركة باحثين و مختصين قدموا من أكثر من 20 دولة، بحثوا وناقشوا موضوعات شتى، تعني الرياضيات، وتدارسوا معها، بُعد فلسفة العيش معا. اتنظم إلى المؤتمر باحثين جزائريين، مثلوا عدة مؤسسات جامعية، وأيضا ميّزنا حضور 116 مفتش تربوي، تابع لوزارة التربية الوطنية.
    عقد هذا المؤتمر لأول مرة في الجزائر، ولم يخرج في الأربعين سنة الأخيرة تنظيمه، من أوروبا وأمريكا الشمالية. من جهته أكد الشيخ خالد بن تونس، الرئيس الشرفي للمؤسسة المتوسطية للتنمية المستدامة، جنة العارف، أن العلاقة التي تربط الرياضيات، بمبادرة العيش في سلام، التي أطلقتها الجزائر، ولاقت ترحيبا دوليا، هو أن الرياضيات علم يدقق الأمور ولا يقبل الشكوك، وهي مبنية على الفكر والتجربة.
    العيش معا هو العمل، ومنه كيفية إعادة التفكير في تعليم الرياضيات، من أجل عيش معا أفضل؟ تمفصلت محاضرات هذا الملتقى، حول أربعة محاور، وهي، الرياضيات والتعليم المستدام، الرياضيات والطبقات المتعددة الثقافات، الرياضيات والنظم الأخرى، وإعادة التفكير في تاريخ الرياضيات.

اللجنة الدولية لدراسة وتحسين وتعليم الرياضيات
    تم إنشاء اللجنة الدولية لدراسة وتحسين وتعليم الرياضيات (CAEAEM في عام 1950، بعد الحرب العالمية الثانية مباشرة، من قبل علماء الرياضيات وعلماء النفس والمدرسين، من العديد من البلدان الأوروبية التي دمرتها الحرب، وكلها تواجه صعوبات كبيرة في تدريس الرياضيات، وإعادة بناء المجتمع، وحتى بناء دول بأكملها، وبدت الحاجة الملحة، واتضح النقص الفادح في المدرسين، والمواد، ومعاناة العديد من اللاجئين والنازحين، والتكفل بالأيتام. قررت شخصيات عدة حينها، واجتمعت معا، لإعادة التفكير في تدريس الرياضيات في ضوء هذه الأحداث. ويقع مقرها بمدينة تورينو الإيطالية.


    منذ البداية ، حاول مؤسسو اللجنة الدولية لدراسة وتحسين وتعليم الرياضيات، إعادة تأسيس العيش معًا، من خلال العمل مع المعلمين الألمان والرياضيين، وفي عام 1953 تم عقد اجتماع اللجنة في ألمانيا في مدينة كالو.

 العلاقة بين الرياضيات والعيش معا
    "وتعتبر هذه التجربة، حسب الرئيس الشرفي للمؤسسة المتوسطية للتنمية المستدامة، جنة العارف، أسلوبا لانفتاح الجزائر على مختلف الشعب التعليمية، والاطلاع على الطرق والمناهج الموجودة عند الآخر، وهذا يتم عن طريق تبادل الآراء ووجهات النظر". وتضيف " وقال 'من هذا المنطلق، سنطرح السؤال، هل الرياضيات تدعم فكرة العيش في سلام، وهذا هو بيت القصيد في الملتقى المرتقب، والمطروح للنقاش من قبل خبراء ومختصين، من مختلف دول العالم''.(2)

    وفي كلمته في افتتاح المؤتمر، قال الشيخ خالد بن تونس، مشيرا إلى الرياضيات "كيف نصالح هذا العلم المجرد ذو المتطلبات الكثيرة، والأكثر عقلانية، حيث أن الأسس، هي الحجج، واستخدام المنطق، وتبادل الأدلة، ومراجعة النظراء؛ مع العيش معا في سلام، مثلما وصفه السيد هنري بوانكاري، العالم الرياضي، بأنه معادلة رياضية. وهو تحدي هذا الملتقى. أما بالنسبة للعيش معا، فإنه حلم ورهان، بل هو أعز ما عند الإنسان، وإنه خلق حياة، ورؤية تُوحِد وتصالح، وبيداغوجية الغيرية، مادام أن الأشياء محتواة في أضدادها، ومادام أن العناصر، هي نتيجة تسلسل المسببات والظواهر".

العمل على إنشاء أول أكاديمية للسلام في العالم بالجزائر
    قال الشيخ خالد بن تونس ''إن الهدف من مثل هذه التظاهرات، هو إدخال ثقافة السلام في المجتمع الجزائري، وتكون قاعدة لبنيان المجتمع الجزائري، سواء في المدرسة أو الجامعة، وحتى في العائلات، ولمَ لا العمل على الوصول إلى إنشاء أكاديمية للسلام في الجزائر."(1)

    وأضاف الشيخ خالد بن تونس، أن الهدف من هذا اللقاء، هو خلق ديناميكية مشتركة، بين التلميذ ومادة الرياضيات، وإلغاء حاجز الخوف، الذي ينتاب بعض التلاميذ، من هذه المادة، مشيرا إلى أن العيش في سلام وعلاقته بالرياضيات، يقودنا بالتأكيد إلى العودة إلى الحضارة الإسلامية المزدهرة، وكانت الرياضيات في القرن التاسع ميلادي، تسمى في المغرب العربي بـ "علم الغُبار"، وهي الجزئيات التي باتت معروفة اليوم في العالم كله.
ــــــــــــــــــــــــــــ
(1). موقع جنة العارف، في .. 07 2018.
(2). إذاعة الجزائر، في 14 07 2018.

الجمعة، 6 يوليو 2018

لقاء بجنيف

لقاء بجنيف


    تم الإفتتاح يوم "الإثنين بمقر الأمم المتحدة بجنيف، المؤتمر العالمي حول 'الأديان والمعتقدات ونظم القيم الأخرى: تضافر الجهود من أجل تعزيز حقوق المواطنة المتساوية'، ويهدف إلى تعزيز المزيد من التفاهم والتسامح المتبادلين، فضلًا عن الشروع في تنظيم حوار منظم، هدفه الحدّ من المحن، الّتي تعاني منها الأقليات والشعوب المتنقلين، في جميع أنحاء العالم، والحدّ من الشواغل الّتي تؤرّقهم، وذلك من خلال تعزيز نموذج لحقوق المواطنة الشاملة والمتساوية"(1) .جاء تنظيم اللقاء من طرف مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، وهو ذو مركز استشاري خاص، لدى المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتحدة(2).

    كان الشيخ خالد بن تونس من المدعووين إلى هذه الندوة، التي جرت يوم 25 06 2018، بمكتب الأمم المتحدة بمدينة جنيف السويسرية. ألقى مداخلة موجزة إرتجالية، لخص فيها، بعض مضامين رسالته والمشاريع السارية المفعول، وبدأ قوله "أتمنى أن أكون مبشرا، لشيئ ما، سيحاول أن يحملنا إلى الأمام، ويعطينا الطاقة اللازمة، لأنني أرى في هذا المجلس المشرف، وجود العديد من الكفاءات، والعديد من النوايا، تنضخ بالإنسانية والروحانية، من أجل أن يجد الإنسان، مفاتيح تسمح لنا، بأن نخوض هذا الرهان.. لا نعلم إذا كنا سنفوز به، ولكنه رهان عظيم، في أن نتغلب على اللاإنسانية". وأكد في كلمته على أهمية السلام، مشيراً إلى أن "'السلام ينبغي أن يكون وسيلة لتحويل ضمائرنا، من أجل إضفاء الطابع الإنساني، على العالم الذي نعيش فيه ومواءمته. لا نحظى بمستقبل، ما لم نصبح، نحن المتدينين وغير المتدينين والمؤمنين وغير المؤمنين، جميعا شهودا وحملة السلام'. وشدد على ضرورة البدء في التعليم من أجل السلام، في وقت مبكر، وفي سن مبكرة جدا، بالتأكيد مجددا، على أهمية التعليم لبناء مستقبل مسالم"(3).

كلمة الشيخ خالد بن تونس
    سيداتي سادتي، سيدي الرئيس والمنظمون. أشكر صديقي، فخامته السفير، الجزائري(4)، لدعوته إياي إلى هذا اللقاء. أتمنى أن أكون مبشرا، لشيئ ما، سيحاول أن يحملنا إلى الأمام، ويعطينا الطاقة اللازمة، لأنني أرى في هذا المجلس المشرف، وجود العديد من الكفاءات، والعديد من النوايا، تنضخ بالإنسانية والروحانية، من أجل أن يجد الإنسان، مفاتيح تسمح لنا، بأن نخوض هذا الرهان. فلأنه رهان. لا نعلم إذا كنا سنفوز به، ولكنه رهان عظيم، في أن نتغلب على اللاإنسانية. وتتغلب إنسانيتنا على لاإنسانيتنا.

    أنا آسف، كنت قد حررت نصا، ولكن أعتقد، أني لن أقرأ نصي، وسأتوجه صوب ما أرى أنه يمكنه، أن يشجعني، ويساعد كل من يرغب في التقدم. سأتكلم أولا، عن اليوم الدولي للعيش معا في سلام، الذي صودق عليه، في السنة الماضية، في الثامن من ديسمبر، ليحتفل بـ 16 مايو من كل سنة، عبر العالم. هذا اليوم، ننشد أن يكون يوم الجميع، من أجل أن نجتمع بدون أن نتشابه، من أجل محاولة بناء مستقبلنا، مع بعضنا البعض، وليس ضد بعضنا البعض.

    أريد على الخصوص، الكلام عن الأجيال المقبلة، لأنني أرى، أننا لم نتكلم عن شيئ أساسي، وهو الشبيبة، فهي غائبة هنا. لم نتكلم عن الشباب، وهم رأسمالنا، فلهم سنترك عالم الغد. أعتقد هنا، أن كل ما قيل اليوم، ومنذ بعض الوقت، يقودنا إلى التفكير، أن الثقافة عاملا رئيسيا، في هذا التحوّل للضمائر، نحو عالم جديد، نحو التغيّر. إن العالم القديم، في طور الممات، وجميعنا شهود، وإذا أتممنا بهذا الشكل، فإننا نتجه جميعنا نحو الخراب والدمار. لا يستطيع أي بلد اليوم، الخروج من الورطة.

    هل تعلمون كم يكلفنا العنف والنزاعات في العالم؟ تكلف، حسب الأمين العام للأمم المتحدة، السيد بان كي مون، الذي قال، في سنة 2016 بإسطنبول، في القمة الأولى للعمل الإنساني؛ أن العنف والنزاعات، تكلف الإنسانية، 14300 بليار دولار، ما نسبته 13،4 %من الإقتصاد العالمي. مبلغ ضخم. إذن ما الذي نكرسه للسلام، وهاهي الميزانية المخصصة للسلام؟ إن الدول بكاملها، تخصص ميزانية للأمم المتحدة فقط، للتصدي لكل ما ذكرناه. يوجد أكثر من 65 مليون لاجئ، ونزاعات تتزايد باستمرار، بدل أن تتقلص، ففي عام 2007، كان يوجد 4 نزاعات كبيرة في العالم، وفي عام 2014، وصل الأمر إلى إحصاء 11 نزاعا، وكم بلغنا اليوم؟ وغذا كم ستبلغ؟ إذن سنقوم بعدّ نزاعات ومصائب العالم، وكوارث العالم، محاولين دائما الحد منها، وسنحاول وضع ضمادة على جرح، هو في اتساع مستمر، ورقعته تزداد. ينبغي علينا تغيير الثقافة، والإنتقال من ثقافة "الأنا" - أنا الأمريكي، أنا الروسي، أنا العربي، أنا اليهودي، أنا الأفريقي، أنا الصيني- إلى شيئ آخر، إلى "النحن"، ضمير جديد، فنحن بحاجة إلى ضمير جديد، ضمير يكلمنا، كونه جسد، وجميع الدول أعضاءه. علينا أن نتخيل هذه الإنسانية، كحقيقة جديدة، تشكل جسدا، وكل واحد منا هو خلية.

    إذا ما قمت بحمل ما سمعته هنا، إلى المئات والألاف من الشباب الكشفي، ما الذي يمكنني أن أقوله لهم عن لقاء اليوم؟ بكل صدق. أقول لهم يوجد 65 مليون نازح، وأننا نتجه صوب الكارثة، أو أقول لهم أن أباءكم وأسلافكم، هم بصدد العمل، من أجل عالم ملؤه الأمل، عالم تجديد، عالم سلام. ولكن للسلام ثمن، وهذا الثمن، عاجلا أو آجلا يجب تسديده. إذن، فبواسطة ثقافة السلام، ينبغي علينا جميعا، وضع طاقاتنا من أجل ترسيخ تربية للسلام في مدارسنا، وهذا هو الأمر الأول، لا توجد طريقة أخرى. نعم يمكن، وأنا مسرور لما سمعته في التو، عن القرآن والدراسات والمبادرات المتخذة... ينبغي علينا العمل على ثقافة السلام، وتقريرها في المدارس. هذا هو الأمر الأول، والأمر الثاني، هو لماذا توجد أكاديميات الحروب، وأكاديمية البلياردو، وأكاديميات لكل ما تريدونه، إلا أكاديمية السلام(5)، لا وجود لها، لماذا؟ هل السلام لا يستحق. لماذا لا توجد كراسي في أكبر جامعات العالم(6)، تعني ثقافة العيش معا. لماذا؟ ولا بلد تجرأ لحد اليوم، لفتح كرسي، يتكلم عن حقوق الإنسان، ونعلم اليوم، أن الضرر قد استوطن العمق. ينبغي أن يكون السلام، بالنسبة لنا، واقعا محسوسا وملموسا، في حياتنا اليومية، ويصبح حالة من الكينونة. نحن نبني العالم في الأفقية، نقوم بإضافة أكثر، إلى كل ما أنشأناه، على سبيل المثال، من القوانين والمراسيم، وكل ما تريدونه، نضيف شيئ آخر، ونبني العالم في الأفقية، ونحن مدعوون للتوجه نحو العمودية، والعمودية هي القيم، وهذه القيم، في التعليم يمكن الحصول عليها. إذن ينبغي، من فضلكم، الخروج بهذا الأمل، أن من هاهنا، يمكن لطاقة جديدة أن تسكننا، من أجل بناء ثقافة السلام معا، بدون تمييز، بصفتنا آدميين. فالآدمي هو المركزي، وليس المسلم، وليس المسيحي، وليس اليهودي، وليس البوذي، وليس الهندوسي. إنه الإنسان، "ولقد كرمنا بني آدم". سورة الإسراء، الآية 70. بدون إستثناء. لنعد إلى هذا المبدأ الأول "كلكم من آدم وآدم من تراب"(7). شكرا جزيلا.

بغية السلام (8)
    نظم مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، بالتعاون مع اللجنة الدولية الكاثوليكية للهجرة، والمجلس المسكوني للكنائس، ومنتدى الفكر العربي، والمجلس العالمي للقادة الدينيين، وجمعية "جسور نحو أرضية مشتركة" من الولايات المتحدة، والمركز الأوروبي للسلام والتنمية، نظموا مؤتمرا عالميًا حول "الأديان والمعتقدات وأنظمة القيم: تظافر الجهود من أجل تعزيز حقوق المواطنة المتساوية للجميع"، في 25 يونيو 2018، في مكتب الأمم المتحدة في جنيف.

    وقد عقد المؤتمر العالمي، تحت رعاية صاحب السمو الملكي، الأمير الحسن بن طلال، من المملكة الأردنية الهاشمية، واستضاف أكثر من 35 قائد من القادة الدينيين والسياسيين والعلمانيين، قدموا من المناطق الرئيسية في العالم.

    وأعاد الشيخ خالد بن تونس، رئيس الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، التأكيد على أهمية السلام، مشيراً إلى أن "السلام ينبغي أن يكون وسيلة لتحويل ضمائرنا، من أجل إضفاء الطابع الإنساني، على العالم الذي نعيش فيه ومواءمته. لا نحظى بمستقبل، ما لم نصبح، نحن المتدينين وغير المتدينين والمؤمنين وغير المؤمنين، جميعا شهودا وحملة السلام". وشدد على ضرورة البدء في التعليم من أجل السلام، في وقت مبكر، وفي سن مبكرة جدا، بالتأكيد مجددا، على أهمية التعليم لبناء مستقبل مسالم.

    في هذا الإتجاه، قال الشيخ بن تونس، الذي هو أيضا صاحب مبادرة اليوم الدولي للعيش معا في سلام "قمنا بإنشاء أكاديميات عسكرية، ولكن ليس أكاديميات السلام. نقوم بتدريس فن الحرب، والاستراتيجية العسكرية، ولكن هل نقوم بتدريس السلام"؟

    واختتم كلمته، بالتشديد على أهمية الاعتراف، بأهمية العيش معا في سلام، على المستوى العالمي. وأشار إلى أن "السلام ليس مجرد غياب الحرب. هو واقع حساس، يؤثر على الآخرين والبيئة على السواء. إنه في قلب التفكير والعمل والتأمل.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). جريدة الخبر، في 24 06 2018.
(2). مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، منظمة غير حكومية، لا تستهدف الربح المادّي، تعمل بالتعاون مع المفوّضيّة السّامية لحقوق الإنسان، ومجلس حقوق الإنسان، التابعين للأمم المتحدة، من أجل تعزيز حقوق الإنسان، عن طريق الحوار العالمي. والمركز مستقل لا ارتباط له بأي حكومة أو أيديولوجية سياسية أو مصالح اقتصادية. ويهدف إلى توجيه البحث والتوعية العامة، وبناء القدرات، وتعزيز الحوار العالمي.
(3). موقع مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، في 28 06 2018.
(4). هو ادريس الجزائري، السفير الجزائري الأسبق لدى الأمم المتحدة، والمدير التنفيذي الحالي، لمركز جنيف، لتعزيز حقوق الإنسان والحوار العالمي، ويعتبر "المحرك الرئيسي" لهذا الحدث العالمي، المخطط له لأكثر من عام، وقام بجولة في العواصم الأوروبية والآسيوية والأمريكية اللاتينية والأفريقية، للترويج لهذه الفكرة الطموحة، من التقارب الروحي، بين الديانتين الإبراهيمية، الإسلام والمسيحية، دون نسيان المعتقدات والأنظمة الأخرى.
(5). تعود أصول تسمية أكاديمية، إلى مدرسة فلسفية أسسها أفلاطون، في مكان يدعى أكاديميا، بالقرب من أثينا، مستوحاة من إسم بطل إغريقي يسمى أكاديموس. و حديثا في العالم الغربي، والأوساط العلمية، يستخدم مصطلح الأكاديمية، عادة لوصف مجموعة مؤسسات التعليم العالي، أو ما يعرف أيضاً باسم الجامعة.

    ظلت كلمة أكاديمية، ترادف مصطلح جامعة علمية، وترتبط بكلمة العلم، وتعتبر معقله، من حيث المدارسة والتكوين.
    عبر الأزمنة، بدأ ظهور مؤسسات، تهتم بمختلف أشكال الحياة، لها هدف تعليمي، فبرزت أكاديميات وطنية، وهي عبارة عن منظمات، تعمل عادة ً بتمويل ودعم من الدولة، وتقوم بتنسيق الأنشطة البحثية ومعايير الفروع الأكاديمية، وينحصر مجال عملها في الإطار القطري. ثم ظهرت الحاجة إلى تأسيس أكاديميات دولية، ويزخر العالم بأنواع منها، تهتم بشتى متطلبات الحياة. من هذا الإطار اقترح الشيخ خالد بن تونس، تأسيس أكاديمية للسلام، التي يفتقد العالم إلى واحدة من هذا القبيل، تهتم بالسلم، وتعلم أسسه وتروج لتدابيره، وتفشي محاسنه. يرى الشيخ خالد بن تونس، في دُور السلام التي بدأ بتشييدها، عبر الأنحاء العالم، أنها العرى التي تشكل أكاديمية السلام، التي يصبو إلى تأسيسها.  
 (6). إن كرسي الجامعة أو الأستاذية، هو في الأصل، مركز تعليم جامعي دائم، يمنح لشخص ما؛ أستاذ أو أستاذ في جامعة أو مدرسة كبيرة، لتدريس موضوع يخضع لدورة تدريبية. أما اليوم، هناك ما يسمى بالكراسي "الدولية"، المسمى "كرسي اليونسكو" أو "الكراسي الأوروبية".
    تساعد الكراسي الجامعية، منظمة اليونسكو في تنفيذ برنامجها. قد ينشأ الكرسي الجامعي، ضمن إحدى كليات الجامعة، من خلال تعزيز أي برنامج تعليمي، وإعطائه بعد دولي. وتم تأسيس كراسي اليونسكو، داخل الجامعات، كجزء من برنامج "توأمة الجامعات والكراسي الجامعية لليونسكو"، الذي يُختصر باللغة الإنجليزية بـ "UNITWINالذي تم إطلاقه في عام 1992. ويهدف هذا البرنامج إلى تعزيز البحث والتدريب والتطوير، في جميع مجالات اختصاص اليونسكو، مع تعزيز التعاون بين الشمال والجنوب، والتعاون فيما بين بلدان الجنوب. المستفيدون الرئيسيون من هذا البرنامج، هم مؤسسات التعليم العالي، في البلدان النامية، والبلدان التي تمر بمرحلة انتقالية.
    تم تأسيس عدد من كراسي اليونسكو، على مر السنين، على مجموعة متنوعة من الموضوعات الثقافية، مثل حماية التراث الثقافي المادي و اللامادي، والسياحة المستدامة، وعلم الآثار، وإدارة المخاطر للتراث الحضري، وعلم الآثار، والحفاظ المعماري، وغيرها من المجالات.
(7). أخرجه أبو داوود وأحمد والبيهقي وابن البزار، بألفاظ مختلفة متقاربة.
(8). منشورة مركز جنيف لحقوق الإنسان والحوار العالمي، بتاريخ 28 06 2018، تحت عنوان "الشيخ خالد بن تونس: ينبغي أن يكون السلام وسيلة لأنسنة ومناغمة العالم الذي نعيش فيه".