الاثنين، 7 يناير 2019

تربية السلام للسلام من أجل السلام

تربية السلام للسلام من أجل السلام




   تواصل ليومين، المؤتمر الدولي "الأندلس، أرض العيش معا في سلام، بين الخيال والحقيقة"، في فندق لاس قافيوتاس في مدينة مرسية، الواقعة في الجنوب الإسباني. وبمناسبة الذكرى 800 لميلاد سيدي أبو العباس المرسي (12191281)، من مواليد هذه المدينة، وهو أحد مشائخ الطريقة الشاذلية، ويعتبر شيخها الثاني، بعد مؤسسها، أبو الحسن الشاذلي (11961258)، انعقد المؤتمر مع نهاية العام، وصادف يومي 30 و 31 ديسمبر 2018، ونشطه أساتذة، وتمحورت مشاركات الفاعلين حول أساسيات العيش معا، وسلطت إحدى المحاضرات، الضوء على الشيخ أبي العباس المرسي.

    ألقى الشيخ خالد بن تونس محاضرة في الصدد، وركز على "العيش معا، من الحدث إلى الإنطلاقة"، سطر فيها رؤية، كا قال "نوعا ما سريعة، وفقط لإعطائكم فكرة عن ما يحدث حول تربية التيقظ، والإهتمام الذي توليه اليوم بعض الدول والمنظمات والجامعات". كان يدور محور تدخله، حول مقاربة تربية التيقظ، ومناحيها الفلسفية وأطُرها البيداغوجية. أشار تعليمه بالمناسبة، إلى تعلم بيدغوجية السلام بالسلام، من أجل السلام، لتحقيق السلام، في العالم و المخلوقات كافة.

    قدّم الشيخ خالد بن تونس في تدخله مقاربة لتربية اليقظة، وشرح بعض النقاط المفصلية الواجب اتباعها، لتمكينها في الفرد والمجتمع. جاء في كلمته "مادام أن الحروب تبدأ في عقول الناس، ففي عقول الناس، تنبغي أن تؤسس دفاعات السلام، وهذا يتفق مع ما قيل في الصبيحة. ما يعنيه، أنه من الواجب، العمل على مستوى الضمائر. وفي الضمائر تظهر فكرة الحرب أو السلام". وركز على الطفولة، فقال "إن الأطفال الذين يتم تلقينهم مبكرا بأدوات، كالألعاب واللُعَب، وهي كثيرة اليوم، تمتاز بمظاهر الصراع والحروب والعنف". وأشار أنه بواسطتها يمكن استخلاص سبيلين "يمكن القول أن الألعاب يمكنها بشكل ما، أن تحصنهم ضد الحروب، إذا تسلحوا ببعد النظر، ويمكن أن تحفز فيهم الرغبة في القتال، والرغبة في الفوز، وخاصة أننا في المجال التربوي، نعمل ما في وسعنا، بصفتنا أباء، كي يكون أبنائنا هم الأفاضل، وندفعهم نحو ذلك، وبالنسبة للكثير منا، هذا أمر عادي بأن يكون أبنائنا هم الأفاضل. ولكننا ندفعهم مبكرا نحو الأفضلية في الحياة العملية والإجتماعية، وليس على مستوى الأخلاق والقيم، التي تنبني بها شخصياتهم في كليتها. نقوم بالتكوين إلا الجزء المرئي والظاهر. إنه أمر في غاية البراءة، لا أدينه. تكمن المشكلة، إذا لم يتم مرافقته، ونقول لهم أن كل ما تقومون به من خير أو شر، يجب أن تربطوه بالجهة الأخرى. لماذا تكون الأول؟ ليس لتخدم نفسك، بل لتخدم. وهذا يغير كل شيئ. أو هل لتحصل على تشريفات أو يحصل على مداخيل وفيرة أو أن يكون في أعلى السلم الإجتماعي؟ أو أن يخدم بشكل أفضل، المجتمع الإنساني الذي ينتمي إليه. هنا يكمن الفرق. إذن علينا مراجعة تصرفاتنا في هذا المستوى".

    واصل الشيخ خالد بن تونس في درسه، في إعطاء تحليلات توضيحية، فأفاد "يوجد في تربية السلام، عدة طرق لرؤية هذه التربية. كيف ندرّس للسلام؟ وهذا ما نحن بصدد القيام به".

    أضاف "في المستوى الأول للتربية للسلام، لا نتوقف عند تربية السلام، بل ينبغي أن يكون هذا السلام حيوي ونشط. فهذه التربية للسلام، ينبغي أن تقودنا آليا نحو "لماذا؟"  لأن "ربِّ" على السلام يبدو أمرا عاديا وبتلك البساطة. ليس عاديا إذا انتقلنا إلى المستوى الثاني. عندما نكون في السلام، لا نعير له قيمة. مجتمع في سلام لا يقدر السلام، إلا إذا جاء اليوم وأصبح في موضع الشك. عندها تدرك قيمة السلام". وأوضح مجالات كمون السلام، فأشار إلى "السلام الإجتماعي والسلام السياسي والسلام الإثني والسلام الديني. تكلمنا سابقا عن الطب. نعم طب السلام، وكذلك السلام الإقتصادي. يجب أن تبرز العلاقة بين التربية للسلام من أجل السلام. للرجوع إلى الفكرة الثالثة، ربّوا للسلام من أجل السلام، ولماذا؟ يجب أن تكون هذه المراحل متتابِعة". وكان الشيخ في محاضرته يسأل المستمعين، إذا كانوا يعون ما يقول، لغور المعنى.

     كانت مداخلة الشيخ تستقصي تحليلات عميقة في تربية السلام للسلام من أجل السلام، وهي مقاربة علمية، وضّح معاني النقاط الأولى منها، ومر مرور الكرام في ذكر بعض النقاط، وأشار أنها جاءت في ثلاثين نقطة أو أكثر، يمكن لدارسها تقصي معانيها، ويضعها حيز التنفيذ.

     استمر الشيخ في تبيين معاني بيداغوجية هذه التربية فقال "تقتضي تربية السلام وجود إلتزام وتحوّل للفرد. ونحن لا نقوم إلا بهذا، منذ تواجدنا في هذا المكان". وألحّ على "تغيير مواقفنا وسلوكاتنا ورؤيتنا عن أنفسنا ورؤيتنا حول الإنساني". وطرح التساؤل "ماهو الإنساني، وما هي الإنسانية؟ هل الإنسانية فكرة مجردة وفلسفية منتهية، أو على العكس، مفهوم حي وقانوني وسياسي؟ هذا مختلف تماما". وقرأ على الحاضرين فحوى إحدى النقاط المعتبرة، فقال "التربية من أجل السلام، هي عملية اكتساب القيم وتطوير المعرفة، بالمواقف والسلوكيات اللازمة للعيش في وئام، من خلال العيش معا في سلام مع الذات والآخرين، وحتى مع الوسط الطبيعي".

    وروى الشيخ للحاضرين مجريات لقاء، كان قد حضره في الآونة الأخيرة في هولندا، شهده ذوي الإختصاص وجامعيين، تدارسوا فيه كيفية تهيئة مدينة جديدة. فكروا في كل شيئ، ولكنهم لم يفكروا في العصفور والنملة. وقال "لو لاحظنا حشرة ودورها في تجانس الحي. مثلا النحلة تلقح، وبدونها لا نحصل على ثمار. فمجرد حشرة، ودورها الجبار، في نقل اللقاح من شجرة إلى أخرى، إذا لم ندخلها في تفكيرنا في مدن الغد وفي العيش معا، وإذا لم ندرج الحي معنا، وإذا تمادى الإنسان في الإستحواذ على الفضاءات إلا من أجل نفسه، فبعد كل شيئ ، سنبقى مفترسين، رغم كل الإبتكارات والتقنيات التي يمكننا إختراعها. إضافة إلى ذلك، فالنحلة تعطينا العسل، مضاد حيوي طبيعي...".

    عرج الشيخ في حديثه على حفل تطويب المسيحيين الذي جرى يوم 08 ديسمبر 2018، بمدينة وهرن، وقال عن العمل "هذا أفضل من مائة ألف خطاب. كُسّر طابو ودُفع بالأفكار إلى الأمام". ولم يفوت ذكر النكسة، التي منعت عشرات الشباب من الجزائر والمغرب، من حضور هذا اللقاء الأخوي، وأقامت جدار فصل بين ضفتي البحر الابيض المتوسط، في الحقيقة حاولت هدم بعض مباني العيش معا، والتشهير بالهوة القائمة بين الشرق والغرب. "شباب كان ينبغي أن يشاركوا في المؤتمر الدولي، حرموا من التأشيرات، في حين منحت لآبائهم"(1). وتضيف نفس النشرية "الأسوأ هو تأكيدات السفير، التي صيغت خلال تطويب الشهداء الكاثوليك في وهران في 8 ديسمبر 2018، الذي وعد بالتدخل شخصيا للحصول على هذه التأشيرات الشهيرة. لم يكن هذا هو الحال لأن خدماته القنصلية كانت شديدة للغاية. يوضح هذا الموقف للسفير بعبارات لا لبس فيها، أن إسلام السلام غير مرحب به في إسبانيا، البلد الذي كان في يوم من الأيام، أرضًا للعيش معًا"(1). المسألة أكبر من السفير، فحتى في المغرب حدث نفس الأمر، فتعرضت طريق الشيخ خالد بن تونس للكثير من العقبات، في بلده الجزائر، وفي فرنسا بعد تقريبا كل عمل ناجح، تفجع الأمة الفرنسية بفاجعة إسلاموية، مما يؤدي إلى تدارك مختلف المتطلبات، وحتى في المغرب، الأمر سيان، لا يختص بأمة دون أخرى.

    بعدما ألقى كلمته، أجاب الشيخ خالد بن تونس عن بعض الأسئلة، وشهدت الجموع بعد نهاية المؤتمر، إقامة جمع روحي، يجرى كل سنة في أوروبا، تتخلله مذاكرة الشيخ المنتظرة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). نشرية Algerie 1، في 06 01 2019.
   

   


هناك تعليق واحد:

  1. Il ne faut pas s'étonner à ce que ce grand chantier qu'est le vivre endemble en paix soit pilonné par ceux ( personnes physiques et morales ) que la paix derange et n'arrange pas leurs intérêts.
    Les guerres payent bien (en numéraire) . ce n'est pas le cas de la paix. Et c'est justement, très tôt dans la vie de l'être humain que ça doit commencer....à commencer par banir ces monstrueux jeu vidéo qui éduquent à la ''culture '' de la violence et la haine , a des enfants innocents .En fin, tout est a revoir , à commencer par changer les mentalités d'abords, ensuite l'enseignement

    ردحذف