الخميس، 2 مايو 2019

الزاوية والتصوف وليس السياسة

الزاوية والتصوف وليس السياسة


جريدةLe Quotidien d’oran  ، في 13 03 2007.



    

    أكد الشيخ خالد بن تونس، شيخ الطريقة العلاوية بالأمس، أن روح التصوف يُعلّم في الزوايا. وقال أنها روح، "بعيدة عن التطرف المادي أو الديني".

     أراد الشيخ الذي نزل ضيفًا على مكتبة العالم الثالث، أن يشرح ماهية الصوفية والتصوف، أمام جمهور منتبه جدًا. إن هذا "الإسلام"، المُدرس في الزوايا، والذي يعتبره الفقهاء الملتزمين، مختلفًا ومميزًا إلى حد ما، تعرض في فترة معينة في الجزائر، ما بعد الاستقلال، إلى القمع، وحتى أنه حورب من طرف سلطة تلك الفترة. في بداية التسعينيات، واجهت عقول "قدمت" من خارج البلد، تتخذ وتمارس الإسلام السياسي والتطرف والأصولية، وفقًا لمعتقدات بعضهم بعضا. يجب أن نتذكر أنه منذ انتخابه رئيسًا للجمهورية عام 1995، سعى اليامين زروال "لمعرفة المزيد عن هذا الجانب من الإسلام، الذي أجبر على العيش عمليًا مختبئًا. كانت مهمة زروال الطواف بدول، مثل اليمن وسلطنة عمان وإندونيسيا وماليزيا، حيث عندهم، يسمح إسلام الخوارج أو الصوفي – وبصورة جيدة- للمجتمعات بالعيش في وئام. كان هدف السلطة في ذلك الوقت استعادة الأمور، عن طريق استبدال الإسلام الوهابي، الذي غزا أحيائنا ومناطقنا، بالذي هو أكثر "تساهلاً وأكثر مرونة".

    مع تعلق الآمال، فتح الشيخ خالد بن تونس باب المناقشة، مصرا على عدم التفرقة بين إسلام وإسلام آخر. وأوضح المتحدث "أن التصوف هو كما عرفه النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أن المسلم الحق، من سلم الناس من لسانه ويده". وذكر في هذاالسياق، أن "السلفية ولدت في باريس في عام 1890، عند نشأة العروة الوثقى، وكان يهدف مفكروها الانفتاح على العالم. اليوم، قلبنا الأمور، وتلاعبنا بالتاريخ، ودمرنا ثقافتنا الروحية". شرح الشيخ أفكاره من خلال اثنين من كتبه، الذَين وقّع عليها بالأمس لأتباعه وقرائه.

     شدد الشيخ بن تونس كثيرا على مبدأ التوحيد، الذي يرتكز عليه الإسلام، ويمثل جوهره. إنه يريد أن يرسخه المجتمع في كيانه، في "هذه الجزائر التي تبحث عن ضالتها...". وهذا التحدي، لا يريده أن يكون هو العولمة، لأنه يقول أن "هذه العولمة، تعتمد على المادي، بدون اللامادي، إنها أسوأ الحالات، التي تجد فيها البشرية نفسها. ستفقد الفضائل والخصال والتربية والدراية". إنه يعتقد أن "المادي يدعونا إلى نزاع دائم". ويعترف في هذا الشأن أن "الغرب يمثل مشكلة بالنسبة لنا، ولكن نحن أيضًا، نمثل مشكلة بالنسبة للغرب. وهو التحدي الذي يواجهه كلاهما".

    إن التوحيد بالنسبة إليه، هو العلاج المثالي لحل أزمة البشرية. ويقول إن التوحيد هو "إضفاء الطابع الإنساني على الإسلام، من خلال خلق هذه العلاقة، من الحي إلى الحي، إلى الرحيم". ثم طرح "علاقة قدسية الحياة، التي من أجلها، جعل الله خليفة -الإنسان-، ليس بمعنى التسلسل الهرمي، ولكن لتسيير شؤون الأرض بالرحمة، التي تدعونا إلى ذلك السمو بالذات، للنظر إلى العالم وفهمه بتناغم". إنه يدعو إلى إنشاء "فراغات محايدة، تعوض الأنظمة الهرمية، حيث يوجد دائمًا قادة، وقاعدة عليها التنفيذ. نظام لبلوغه، ينبغي المشي على رؤوس أو أقدام الآخرين". أطلق الشيخ على هذه المساحات إسم "دائرة الفضائل والجود، التي هي أسلوب إدارة، معروف في الولايات المتحدة، ولكن عندنا، لا نعرف ما الذي يعنيه". إنها الدائرة، التي يريدها الشيخ "أن تكون لكل واحد منا، مسلمًا وغير مسلم، عندما يتواجد في أي نقطة، يكون فيها، هو الأول والآخر".

    يدعو الشيخ إلى التصوف، وهذا يعني "تعليم تيقظ، يسمح بنظرة إلى العالم، بطريقة أخرى، تجعلنا مستعدين لأي احتمال، وهذا من الضروري، للتصدي للتحديات والتهديدات". ويتأسف بمرارة، لأن "العالم الإسلامي يجد اليوم نفسه، متمزق بين سني وشيعي. وهذا أمر مؤسف". ويؤكد على الحاجة للإعتبار فقط بـ "هذا الطريق الوسط، بالرجوع إلى القرآن، من غير تطرف مادي أو روحي، طريق تسمح للأمة بالتعبير عن نفسها، بالتحلي بالحكمة". أو ما يصفه أنه إسلاما أكثر انفتاحًا، أو إسلام الوسطية، لأنه، كما يقول "نحن أهل السنة والجماعة، بآراء مختلفة. ولكن ينبغي أن لا تتواجد أصواتا مهيمنة أو متطرفة، ويجب ألا نسكت أصوات الآخرين، مما يخلق تنافرًا بين السلطة والمجتمع، وبين المجتمع نفسه".

    يستمد الشيخ مراجعه من القرآن. وقال، إن الله قد أمكن الناس من خلال الوحي والإلهام، من أن يكونوا قادرين على تصور المدينة، بينما يصلونها بالسماء، وهي علاقة تسمح لنا بالحفاظ على الأمل، ونقول أن الغد سيكون أفضل، بينما نسعى في التدبير في أنفسنا". وذكّر قائلا "لا تفعل بالآخر، ما لا تريد أن يفعل بك"، مدعيا أن التصوف، هذه الثقافة المحمدية، تدعونا إلى الغيرية، لأننا لا نتعرف حقيقة، إلا إذا قبلنا علاقة الغيرية بالآخر، سواء كان صديق أو عدو. هذا الأخير، يمكن أن يساعدك على التشكيك في أمورك، لأنه يلاحظ أخطاءك، تلك الجوانب المظلمة من أنفسنا، التي نريد إخفائها". ولم يتوانى في الإشارة إلى أن "دول أرادت إدارة مجتمعاتها من خلال الشريعة. ما الذي تغير"؟ "بالنسبة له، "إن الذين نجحوا، لم يضعوا في دستورهم الإسلام كدين للدولة، بل الإيمان". وإندونيسيا هي المثال، لأن هذه هي الدولة "التي تمكنت من لمّ الشمل بالإيمان، 227 مليون نسمة". وقال "لسنا إندونيسيا، فمؤسساتنا قواقع فارغة، لأنها تشتغل بدون روحانية". بعد كل هذا، وعلى سؤال، حول هل يجب علينا في هذه الحالة أن نغير دستورنا؟ رد الشيخ بن تونس ببساطة "أنا لا أمارس السياسة".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق