الأحد، 19 مايو 2019

لنتوقف عن اللعب بهويات قاتلة


الشيخ خالد بن تونس، الباعث لليوم الدولي للعيش معا

 "لنتوقف عن اللعب بهويات قاتلة"


reporters.dz، في 18 02 2019.
ليلى زعيمي.

مراسلون: أنت المرشد الروحي السادس والأربعون للطريقة الصوفية العلاوية، لأكثر من 40 عامًا. أنت إذن لديك عدة آلاف من المريدين. كيف تعيش تجربة الزعيم الروحي هذه؟

الشيخ خالد بن تونس: 40 عامًا بالفعل! نعم، هي في الآن نفسه قليلة وكثيرة. كثيرة بالنسبة لرجل، شاءت الأقدار الإلهية أن يولد في هذا البلد، وفي الوقت نفسه يكون الشاهد، رغما عنه، على أحداث سعيدة وتعيسة، مرَّ بها. في الواقع، لقد قضيت طفولتي في جو من اللطف، حيث تُعلم القيم والفضائل بكل صرامة وانفتاح، مما جعلني شخصا، اليوم، لا يحكم على إخوانه، بل يحاول فهمهم. وأنا بعيون الطفل، رأيت وشعرت بألم ومعاناة أهلي أثناء حرب التحرير. رأيت على بعد أمتار قليلة مني، أناس تقتل، معظمهم أبرياء. كان من دواعي سروري أن أعيش فرحة يوم 5 يوليو 1962، وشرف أن أكون أول طفل يتم اختياره، لرفع العلم الوطني للجزائر المستقلة. مثل الكثير من الشباب، في ذلك الوقت، حلمت بالحرية، واكتشاف العالم، بدءًا بعبور الطرق الجبلية المضطربة لمنطقة القبائل، العزيزة عليّ، وعبور التيطري، والتوجه مباشرة نحو الجنوب، ذلك الأفق اللانهائي. مندهش، مفتون، بتنوع بلدي، من كرم سكانه، والعظمة والكنوز الطبيعية التي تحويها أراضيه. 40 سنة! قليلة، لمعرفة وإدراك ما هي حقيقة شيخ، ذلك السيد المتعقل، الحكيم، الإنسان المتحقق روحيا، القادر على تقديم المشورة، وتوجيه أولئك الذين يأتون إليه. أعرف حدودي جيدًا، بما يكفي لعدم الوقوع في هذه الغطرسة المتبجحة.
مراسلون: كيف ترى اليوم دور الزوايا (المراكز الروحية)؟ بمعنى آخر، هل ما زالت هذه المراكز الروحية لها تأثير على المجتمع، وخاصة "جيل الشباب"؟
الشيخ خالد بن تونس: في عالم في أوج تحوره، يعمه الشك وعدم اليقين، وأصبحت الكراهية والتعصب أمرًا عاديا، والعنف والريبة أمرا شائعًا، وإدارة العالم موبوءة بالفساد المتجلي في الإثراء الفاحش، والسلب والتبذير التي يهدد بقاء الإنسان، وجميع النظم الإيكولوجية؛ فأي طريق نختار؟ أي طريق نتبعه؟ أي أمل ينتظره إنسان القرن الحادي والعشرين؟ يخبرنا الدين أن كل طفل يولد، دون تكييف ثقافي أو ديني أو فلسفي، بل على الفطرة، الخالصة من كل التغييرات. مثل صفحة فارغة من كتاب، تدرج ذاكرته وفقًا للسانه، والأخلاق والعادات، وحقيقة البيئة التي ينمو فيها. إن تربية الوالدين والمجتمع، من سيجعله، وفقًا للمعايير التي تمنحها إياه ثقافته، الشخص البالغ الذي سيصبح. هذا هو الدور التربوي والفكري والروحي، الذي تقوم به الزوايا في المجتمع. تُعد المراهق لإدارة باستقامة وشرف حياته، وعلاقاته مع أقرانه، إنها تربية الفتوة.
    إذا اختفت هذه الأماكن، الزوايا، كما يأمل البعض، فما الذي سيحل محلها؟ تقوم بدور الوساطة. طريقة هامة للتنظيم في مجتمعنا التقليدي، لتهدئة النزاعات وإدارتها، في بيئة محايدة وخارجة عن السلطة. لتختفي إذن، إذا لم تعد إلى أصلها، لتثقيف وتغذية الضمائر، بإسلام روحي وحر ومسؤول. أما بالنسبة للأجيال الشابة، التي تركت لمصيرها، بسبب إهمالنا، فإنها تبحث الآن، عن نموذج يلبي توقعاتها، في الحرية والكرامة والعدالة، وتطمح أن تكون محبوبة، حتى تحب وطنها بشكل أفضل. فمن خلال خطاب مكون من صيغ فارغة، وفتاوى قديمة، سلوك عفا عليه الزمن، يوصم دينهم، ابتعد أطفالنا عن التراث الروحي لأسلافهم. هل حقا نطرح مسألة هوية الجزائري؟ ما هي؟ عربي، بربري، مسلم، قومي، إسلامي أم عالمي؟ لماذا لا نضطلع بتاريخنا الألفي في كليته، ونبحث عن الذي يوحدنا، ويبني مجتمع العيش معا في سلام ونعمل معا، دون طابوهات أو تحامل؟
مراسلون: الشيخ بن تونس، "أنت تعمل من أجل نقل ثقافة السلام والعيش معًا، من خلال روحانية عالمية، تنير رؤيتنا، وتصالح الأسرة البشرية"، وفقًا لما قرأناه على غلاف كتابك "الإسلام والغرب، الدعوة للعيش معا". أين أنت في هذا المشروع العالمي؟

الشيخ خالد بن تونس: الكبرياء عيب أرفضه، لكني يمكنني أن أعترف اليوم، بأني فخور جدًا بأن بلدي، بعد كفاح شاق، تمكن من توحيد يوم 8 ديسمبر 2017، جوق الأمم. نعم، اعتمدت 193 دولة، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الـ 72، بالإجماع القرار A / 72/130، الذي يعلن يوم 16 مايو، اليوم الدولي للعيش معاً في سلام. حقيقة نادرة في هذه الأيام. لنكن واقعيين. دعونا ننظر حولنا إلى حالة العالم. لنبدأ بالدول المجاورة، ليبيا، تشاد، النيجر، مالي، نيجيريا، السودان... أما بالنسبة للشرق الأوسط، فإن دول بأكملها تختفي. ويستمر هذا الإعصار يجر في طريقه بلدان أخرى في المنطقة، حتى آسيا. إن أوروبا، التي اعتقدنا أنها متحدة بشكل نهائي، تكتسحها القومية الشعبية، التي تضعفها أكثر فأكثر، متناسين كارثة الحربين العالميتين اللتين فجرتاها. للخلف بالكامل! نعود إلى سنوات الحرب الباردة، واقتسام العالم من قبل الأقوياء. ونحن، في كل هذا؟ إلى أين يذهب بلدنا؟ هل سنعود إلى العقد المأساوي؟ نتقاتل فيما بيننا؟ أو نتوجه بحكمة وتعقل، نبحث عن العلاجات السلمية، للحفاظ على الأرض والناس، من كارثة معلنة؟ نعم، لقد مر بلدنا بالعديد من المصاعب، لقد كان محتلا، خاضعا، بددت ثرواته. تمكن دائما من النهوض. مرارا وتكرارا، بعدما ساور اليأس، منحته العناية الإلهية فرصة، لكي يبعث.

    نفس هذا البلد روحية ومتمردة وغير خاضعة. فبمحبة، تعطي كل شيء، دون حساب. متهورة وكريمة، تغفر لمن أساء إليها. شيء واحد يثورها: الظلم. يا إلهي، كم هو جميل هذا الشعب، رجال ونساء، الذين يتجولون بالملايين، دون أن تسكب دماء أطفالهم، مرة أخرى في هذه الأرض المقدسة، الجزائر، والتي يقول شبابها بصوت عال وواضح "من الآن فصاعدًا، لن نهاجر، سنبقى". العدالة نعم! تسوية الحسابات، لا! يخبرنا الصوت المنبعث من وراء القبور، لأولئك الذين ضحوا بحياتهم، أن هذه الأرض ستعيش أخيرًا، وتعرف السلام. أما بالنسبة لليوم الدولي للعيش معاً في سلام، فمن حدث، يصبح كل يوم انطلاقة. مثال للإقتداء، في العديد من البلدان. ما عليكم سوى زيارة الموقع http://16mai.org، لمعرفة تأثير ذلك. أكتب هذا النص، من مدينة قرطبة التاريخية، حيث يتم تمثيل أكثر من 40 دولة، بواسطة شباب من 20 جنسية، في إطار "المنتدى الأول لقرطبة، المنتدى العالمي الأول للتعايش"، في الفترة من 15 إلى 17 مايو 2019هذه الأرض الأسطورية للأندلس، الشاهدة فيما سبق، في أوروبا القرون الوسطى، أن رجالا ونساءا من جميع المعتقدات، تركوا لنا ذكرى لحظة تاريخية، تطارد حتى اليوم ذاكرتنا، بين الأسطورة و الحقيقة، حين عرف المجتمع البشري، كيفية بناء العيش معا والعمل معا، سابق لأوانه، مآله إلى الزوال، إلى الأبد. كبذرة مزروعة، تنبت من جديد، وتنبض فيها الحياة. أما بالنسبة لسعادة السيد جون أورورك، الذي أشكره كثيرًا، قال "... هذا العام، أردنا أن نقيم صلة بين احتفالنا بيوم أوروبا، والاحتفال باليوم الدولي للعيش معاً في سلام، الذي سيعقد للمرة الثانية، في ظرف أسبوع بالضبط، 16 مايو..."(1). أما بالنسبة لمرصد الأخوة في فرنسا، فهذا ما يقول "بناءا على مبادرة من مختبر الأخوة، تقترح أكثر من 100 شخصية، أن يجعل من يوم 16 مايو (اليوم الدولي للعيش معًا)، يومًا فرنسيًا للأخوة. أن يكون يومًا وطنيًا للعمل والتوعية والتثمين والإنجازات الملموسة، للعمل مع بعضنا البعض، ونتشارك، كلما كان ذلك ممكنًا، مع منسيي الأخوة، الذين لديهم الكثير ليكشفوه لنا، عن إنسانيتنا". 

مراسلون: لقد عملت أيضًا من أجل المساواة بين الرجل والمرأة، للمضي قدماً نحو السلام. خطوة ليست شائعة جدًا من جانب الدينيين، الذي يلقون خطابًا عدائيًا ضد المرأة وتحررها في مجتمعنا. ما هو تعليقك على هذا؟

الشيخ خالد بن تونس: شكرا للدينيين. هل هم سواء؟ هل دين يضطهد نصف مجتمعه، يكون صحيحا؟ عندما نعلم حب النبي صلى الله عليه وسلم للنساء، وحنوه، ووصياه عليهن في خطبة الوداع الأخيرة بعرفات، وعندما قال "حبب إلي من دنياكم ثلاث، الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة". وضع المرأة بين الجوهر، بين مستخلص الوردة، وتسامي العبودية.

    بالصلاة. أي براعة! كره النساء، النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهو الذي يعقد جلسات خاصة لتعليم المرأة. وهل قمع المرأة بقدر ما قال "خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء"! يتحدث عن السيدة عائشة. من بكى وهو يحتضن مرضعته حليمة، ووضع بردته أرضا، لتجلس عليها هي. من ذهب إلى حد الزواج من نساء من أصل يهودي، لتعزيز السلام بين المجتمعات؟ آه، كم نحن بعيدون عن هذه الثقافة المحمدية الأنثوية! وكم هو جهلنا وارتباكنا كبير، حول مكانة المرأة في الإسلام! التسامح هو قبول الآخر.
مراسلون: ما هي الرسالة التي ترغب في توجيهها للاحتفال بالذكرى السنوية الثانية للعيش معاً في سلام هذا العام، حيث نشهد استمرار التيارات والخطابات الجهوية "الحزبوية" و "الدوارية"، إن أمكن قول ذلك... متى سنفهم أن ذلك التنوع ثروة؟

الشيخ خالد بن تونس: دعونا نتوقف عن اللعب مع الهويات القاتلة. لنستبدل "أنا، نفسي" بـ "نحن، معًا". دعنا ننتقل من ثقافة الأنا النرجسية الحصرية إلى ثقافة نحن الجامعة.

    يصبح بلدي بلدنا، ومنطقتي منطقتنا، وجواري جوارنا، وأرضي أرضنا، وسمائي سماؤنا، وإلهي إلهنا... العيش معًا في سلام هو حالة كينونة، جودة وفضيلة تحررنا من عوائقنا العنصرية والقبلية والمجتمعية، ليفتح أنفسنا على الاستمتاع بوجود الآخر، من خلال تآزر المعرفة والعلوم والإخاء.

    ماذا يقول رسول الإسلام؟ "افشوا السلام واطعموا الطعام وصِلوا الأرحام وصَلوا بالليل والناس نيام". إذا كنا نريد حقًا بناء مجتمعنا، لنقم بخطوة خارج أنفسنا، نحو الآخر. ونضحي بهذا "أنا"، الذي يخنقنا ويفقرنا. يقول القرآن الكريم "ألم نشرح صدرك"؟ سورة الشرح، الآية 1. أم أنها فقط من أجل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأما بالنسبة لنا، فنحن نتفوق في الإنغلاق، ثتائي القفل، إذا لزم الأمر. جدران أعلى بشكل متزايد، وأبواب حديد مزدوجة، وأسلاك شائكة على أسطحنا. وأما بالنسبة إلى قلوبنا، فإن الله وحده يعلم في أي حالة من الإنغلاق هي.
مراسلون: هل تعتقد أن الحركة الشعبية الحالية، سيكون لها تأثير إيجابي على القيم الإنسانية الجزائرية، مثل التسامح وقبول الآخر؟ إذا كان الجواب نعم، كيف؟

الشيخ خالد بن تونس: لا تسألني هذا السؤال. اسأل العالم الذي ينظر بالعدسة المكبرة عما يفعله هذا الشعب الجزائري، وينتظر فقط الفرصة غير المتوقعة، ليرى ما الخطأ الذي يمكن أن يدخل إصبعه الصغير، وسوف تجد إجابتك.
مراسلون: أظهر طلاب جامعة الجزائر 2، مؤخرًا، سلوكا عدم تسامح تجاه الذين لا يصومون. ما تعليقك على هذا الحادث؟

الشيخ خالد بن تونس: يعود شهر رمضان المبارك، كل عام لزيارة ضمائرنا وتجربتها. وإذا تحدث، فماذا 
يخبرنا؟ لماذا تصومون؟ هذا في رأيي، هو السؤال الذي يطرح نفسه.

    عندما ننسى أن الصيام، يأتي ليعلمنا البحث عن نقص، ليس فقط نقص الطعام الذي يختبر أبداننا، بل قلة المعنى الروحي لحياتنا. لماذا نولد؟ لماذا نعيش؟ لماذا نموت؟ إذا علمنا أطفالنا أن يتساءلوا عن أركان وقواعد الإسلام، فليس الصوم فقط، الذي سيكون موضع التساؤل، بل القواعد الخمسة التي تبنيه... "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". سورة البقرة، الآية 256. أما بالنسبة لأولئك الذين، من خلال تصرفاتهم، يريدون الإستفزاز، ما الذي يخفونه وراء هذا الموقف؟ إذا لم يطيقوا الصيام، فلماذا لا يأكلون في منازلهم؟ وإذا كانت مشكلة الإيمان، فهم أحرار في اختيار طريقهم، يكونون صادقين، ويقولون ذلك علانية. أما بالنسبة للرقابة، لم نصل بعد، الحمد لله، في بلد توجد فيه شرطة دينية عقابية لخلاص الجميع. دعونا نعطي معنى لسلوكنا عندما يتعلق الأمر بالعلاقة، بيننا وبين المطلق. الله سبحانه وتعالى هو القاضي الوحيد لمخلوقاته. "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما". سورة الفرقان، الآية 63.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). خطاب سفير الاتحاد الأوروبي جون أوركي، بمناسبة يوم أوروبا يوم 12 مايو 2019 في الجزائر العاصمة. 



ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق