الأحد، 5 مايو 2019

رجوع إلى الذكرى المئوية للطريقة العلاوية

رجوع إلى الذكرى المئوية للطريقة العلاوية


     كان للكاتب كمال داوود، الصحفي المثير للجدل، بأرائه و مقالاته الجريئة، المعادية أحيانا للدين، ورغم ذلك، شارك في إحدى ورشات فعاليات ملتقى المئوية، وكتب مقالا مميزا، لما احتواه من إفادة، عنوانه "لقاء مع التصوف"، "عودة إلى الذكرى المئوية الدولية للزاوية العلاوية بمستغانم: وراء الكواليس، وفتاوى وشائعات".


كمال داوود، لـجريدة "Le Quotidien d’Oran"، في شهر أوت 2010.


    في انعكاس مثير للفضول، إنها الزاوية، التي تجد نفسها اليوم في مقدمة النقاش الوطني حول الإسلام الجزائري، بدعم غير متوقع من النخب، حتى العلمانية. رجوع إلى الذكرى المئوية للطريقة العلاوية، التي نظمت في مستغانم. إنها ملاقاة دولية صوفية، ولكن ليس فقط: لإعادة استخدام التعبير السائد للصحف، أن المؤتمر الدولي لمستغانم قد نجح: وليس فقط لذكر الاحتفال بالذكرى المئوية لطريقة معينة، والقيام بتكفل استثنائي لـ 5000 ضيف، ولكن أيضا لإثارة نقاش وطني حول الدين، الذي تأخر كثيرا، وجاء بعد الموت السياسي للجبهة الإسلامية للإنقاذ، والانحراف المسلح للإسلاموية، وتعاقدها الخارجي مع إرهاب القاعدة في المغرب العربي.

    سواء بسبب الممارسة المتطرفة والعنيفة أو عملية التطهير التي تولتها "الدولة" أو "الإدارة"، فقد ابتعدت ممارسة الإسلام بشكل متناقض، عن تفكير النخب الوطنية، وتجاهلتها الصحف، إلا في حالات وقوع جرائم، وتنتهك الحريات المدنية، وتتلقفها السجلات الشعبوية، وتكون ملجأ للفئات الاجتماعية الأكثر حرمانًا. سوف تمنع صدمة التسعينيات أي نقاش خارج الثنائية التالية، الفتوى والهجمة، لعدة سنوات قادمة. إن مئوية الزاوية العلاوية، التي نُظر إليها في الأول على أنها ذكرى هامشية، سرعان ما تلقت اهتمامًا "وطنيًا"، بسبب حجم دعوتها، لنخبة دولية من المفكرين والصوفيين والإعلاميين الأجانب والشيوخ، وأكاديميين مشهورين ومحبي الطبيعة والبيئة، المناهضين للعولمة، أو أصحاب الفكر الحر.

    حقق المؤتمر الذي نظم من 24 إلى 31 يوليو نجاحا، في التكفل الإستثنائي بأكثر من 5000 مدعو، من بينهم 2000 أجنبي. في سجل الدعوات، كانت هذه هي المرة الأولى، التي تنجح فيها مدينة وزاوية، وتتسبب في مجيئ شيوخ من الأزهر، وعلماء من إندونيسيا وماليزيا، وأكاديميين غربيين مهتمين بالمسألة الدينية والتصوف، ودينيين معروفين من الطرق الصوفية الأخرى من العالم، وجيش من المتعاطفين من البلدان المغاربية والأوروبية. بعيدا عن الصورة المبتذلة، التي حبست الزوايا في الممارسة "المحلية" لدين تمارسه الطوائف، وتدينهم لتعاونهم المفترض مع المحتلين الفرنسيين، أو بسبب الوظيفة الاجتماعية الرجعية للإسلام الجزائري والمغاربي، على العموم؛ فإن برنامج المداخلات أدهش أكثر من مُراجِع من مراجعي الحسابات، الزائرين.

    وسوف تشمل مراكز الاهتمام، المحاصيل البديلة، وتغير المناخ، ومعالجة النفايات، والبيئة، وابن عربي، و"التنمية المستدامة لجزر المحيط الهندي"، والعولمة، والدين وإنتاج المعنى، وتكنولوجيا المعلومات والإتصالات الجديدة... الخ. سوف توهم طبيعة المحاضرات المتوهجة، بوجود خليط غير متجانس، بحسب المنظمين، في أروقة قاعة "محمد بن شهيدة"، في جامعة خروبة، حيث أقيم المؤتمر. بشكل عام، كان الأمر يتعلق بأربعة مجالات رئيسية للمعالجة: التصوف العالمي (الشامل)، إسلام العولمة، الإعلام وتكنولوجيا المعلومات، التنمية البديلة. ومع ذلك، سيكون من الصعب إرفاق جميع المحاضرات في فهرس مقيد واحد، مادام أن تنوع الموضوعات المعالجة كان كبيرا.

    إنه الدليل أيضا، على الأخذ بالانتقائية، إذ لا توجد إشارة في التقليد، ولا في الصورة التي لدينا عن الزوايا الجزائرية، بحيث أن الضيوف كانوا يمثلون ليس فقط التيارات الأكثر تنوعا، ولكن أيضا 37 جنسية مدعوة للمشاركة. نجد بنفس القدر مستشاري الشركات، وصوفيين من إيران، والمدير العام للإذاعة الدينية بفلسطين، والسيد آلان غريش، نائب مدير "لوموند ديبلوماتيك"،"Le Monde Diplomatique"، وقادمة من جامعة أوتاوا، وعالِم الاجتماع عن البيئة، ورئيس تحرير إذاعة "فرانس انتر"، والمدير العام لوكالة الأنباء الجزائرية، وبروفيسور عن جامعة طوكيو، والمندوب الإقليمي للجنة الدولية للصليب الأحمر، ومقرر خاص للأمم المتحدة، وأئمة فرنسيين، وجامعيين من جامعة جورج تاون الأمريكية، من المغرب، واسطنبول، وتونس، والأزهر، والمدير العام لمعهد العالم العربي، ودينين كاثوليكيين. أساسا، كان من الضروري الإستماع إلى المحاضرين لترى، كيف ستمحو عندك ليس فقط صورة المحاضرات "الدينية" المملة، المعتادة في الجزائر، أو الصورة المعتادة لوَعْدة بزاوية، تخصص للإطناب ببعض التشريفات لشيوخ وزعماء مستغرقين. لأول مرة، وفقا للمشاركين، يؤخذ بعين الإعتبار عمل تأسيسي حقيقي، لحوار وطني ودولي، عن الإسلام وممارسته. والمثير للدهشة، كانت الوصاية من زاوية، وليس بواسطة موارد كبيرة لدولة. بالنسبة للكثيرين، كان يستلزم بعض الموارد، مقارنة بالأحداث الجماهيرية الأخرى، لتصحيح صورة الجزائر، ولكن على الخصوص، الجلسة العلنية القليلة الإهتمام، لهذه الزاوية المتميزة، لجلب الإهتمام لحلقة النقاش العالمية هذه، وضمان تنقل ونوعية التدخلات، مع تكفل استثنائي، في مدينة جزائرية متوسطة.

   مَن هذه الزاوية التي عملت أفضل من الدولة؟ بالنسبة لمؤيديها، لا تخفي زاوية الطريقة الدرقاوية الشاذلية أي شيء: لقد تم تجديدها بشكل ما، منذ بداية القرن الماضي، في عام 1909، من قبل الشيخ العلاوي، وارث الشيخ الوزيدي. فإن الرجل، وفقًا لشيخ الطريقة الحالي، عدلان خالد بن تونس، الذي إلتقينا به على انفراد، "كان لديه رؤية حديثة وعالمية جدًا لمهمته". سوف يخبرنا برحلة رجل، اضطلع بمهمته بإطلاق مطبعته، لضمان طباعة ونشر جريدته "البلاغ الجزائري"، وانشغل بإخراج الإسلام من الممارسات الإستبعادية، لضمان تقبل المعتقدات الأخرى، حتى في تلك الفترة من الاحتلال الاستعماري الشديد. قال لنا الشيخ بن تونس "رجل كان يعلم أن النقاش والتحدي لم يكن في الفرار والإنكار، واللجوء إلى إهانة 'الكافر'، ولكن في الحوار الحضري، وتناول القضايا الأساسية، التي تفيد أكثر الإنسانية. رؤية تعمل على إنقاذ الإنساني فينا، حتى لا نتحول إلى حيوانات".

   وفقًا لعلم الأنساب، فإن هذا الرجل، الذي رسخ السمعة الكبيرة للزاوية في العالم، هو "أول شيخ صوفي يدخل هذا التعليم في الغرب". إنه من مواليد عام 1869 وتوفي في عام 1934، وسيرثه الشيخ الحاج عدة بن تونس، "أول من أنشأ جمعية للحوار بين الأديان في عام 1948 في الجزائر". وفقًا للصورة المقدمة له في الزاوية، فقد كان أيضًا شاعرًا وكاتبًا. عند وفاته في عام 1952، سيتم حمل راية الجيل الثالث من قبل ابنه الشيخ محمد المهدي، "الذي تحمل هذا العبء الثقيل"، خلال سنوات الحرب التحرير. يقول المنشور الموزع "بعد الاستقلال، بذل كل ما في وسعه، للحفاظ على هذا التراث الثقافي والروحي، في مواجهة لاوعي سلطة مطلقة". لنلقي نظرة مباشرة على تلك سنوات الرصاص، التي كرست وأضفت الطابع الرسمي على وضع الزاوية شبه الحرْكي وواصلت محاكمتهم، وإدانتهم بالوقوف ضد قوميتهم، في زمن الثورات الاشتراكية. ستكون البومدينية شديدة مع الزوايا، وستكرس هذا الحكم "العلماني" لدى النخب الفكرية. ستأتي الدراما الثانية مع هذا الحكم، على العكس، بفرض ارتباطها مع السلطة في زمن الشاذلية المنتصرة. ويقال، إن الزاوية العلاوية كانت مقصد الباحثين عن عمل رفيع المستوى، والباحثين عن الحماية في وقت ما.

    عند وفاة الشيخ، ستكون الزاوية من نصيب خالد بن تونس، وهو الآن في سن الستين، وسيشهد نوعًا من التجديد العالمي في مهامه، في وقت العولمة المفرطة، واشتباكات الحضارات المفترَضة. بعد تلقينات مبدئية على يد والده، سيواصل الشيخ بن تونس دراسته للقانون والتاريخ في فرنسا. منذ هذا الجيل، أصبح رأسمال "شبكة" الطريقة هائلا بالفعل: الشيخ خالد بن تونس هو شيخ الطريقة العلاوية. وهو رئيس ومؤسس لعدة جمعيات، مقرها في أوروبا والمغرب الكبير، من بينها: الجمعية الدولية الصوفية العلاوية "عيسى"؛ والكشافة الإسلامية الفرنسية؛ واتحاد الكشافة الإسلامية في أوروبا؛ وجمعية الشيخ العلاوي للتربية والثقافة الصوفية الجزائرية، وجمعية الشيخ العلاوي لإحياء التراث الصوفي المغربية؛ والمؤسسة المتوسطية للتنمية المستدامة "جنة العارف" بالجزائر؛ جمعية علاج النفس بأوروبا؛ وأحباب الإسلام - أوروبا، وجمعية أراضي أوروبا. السيرة الذاتية طويلة. يوحي ذلك إلى "جهاز" مرن عالمي للغاية، مع التعاطف في أفضل عجلات النخبة الغربية أو العالمية، وقدرة على التأثير مهمة للغاية. والشيخ بن تونس، عضو مؤسس لمجلس العقيدة الإسلامية في فرنسا، وهو المهندس المدعو بالفعل، من طرف العديد من الهيآت الأخرى، من هذا القبيل، في البلدان الحساسة لإدارة الإسلام، مثل ألمانيا أو اليابان.

    مئوية تحولت إلى ندوة حول مستقبل الإسلام في الجزائر: من وجهة نظر التنظيم اللوجستي، كانت الذكرى المئوية ناجحة ولسبب وجيه: كان كل شيء في أيدي المتخصصين "المستورَدين" في أعقاب الشيخ. من التكفل عند الإتصالات، إلى خدمة الشاي، أوضح البعض "كل شيء تحت السيطرة"، بلهجة مغربية قوية أو خاصة الفرنسية المغربية والفرنسية الجزائرية. بالإضافة إلى سلسلة المحاضرات المثيرة للإعجاب، قدمت الزاوية وجبات عشاء لكبار الشخصيات، ووسائل المواصلات، وعروض عامة في ملعب المدينة، وتوزيع الوثائق حول الشعائر الممارسة في مقر الزاوية في المدينة القديمة، حيث سيتم استقبال الشيخ، خلال احتفال "مغاربي" مثير للإعجاب، للمبتدئ والبسيط. لم تتمكن الندوة من رعاية 5000 ضيف فقط، ولكن قبل كل شيء، تمكنت من تمهيد السبيل لنقاش حقيقي، حول الممارسة الدينية في الجزائر. ممارسة أخذت كرهينة في فترة ما بعد العقد التسعين، في دائرة الإسلاموية الشعبية أو تلك المؤسساتية للدولة. الغريب، بعد أيام قليلة من افتتاح المؤتمر، فإن جميع الصحف تقريبًا، أو على الأقل أهم الصحف ستصطف خلف الشيخ بن تونس، للدفاع عن رؤيته للإسلام، التي تُعتبر رؤية حديثة، معادية للإسلاموية ومتسامحة جدا. إنه أفضل انتقام، من هؤلاء النُخب الذين في أعقاب البومدينية، كانوا يرمون الزوايا بالأوساط الرجعية ودوائر الجمود القومي. سيتذكر الجميع فجأة مسألة الدين في الجزائر، ويكتشف أنها جزء من المستقبل، بقدر ما هي صورة الجزائر. زاوية نجحت فيما فشلت أخريات. إن التعبير البسيط للشيخ "انتهى إسلام الذي يجوز"، سوف يتحول إلى شعار، مع دعم للجدل القائم حول كتابه الشهير "التصوف الإرث المشترك"، الصادر عن دار زكي بوزيد. "كتاب جيد"، سيصبح من خلال الاستخدام الذكي للانتهاك، الكتاب البارز للذكرى المئوية، وسيتسبب في جدل كبير، مع تأثير فعل المنشطات على المبيعات.

    "للعودة إلى الجدل الدائر حول كتابي، فليست الصور والرسوم المتعلقة بالرسول صلى الله عليه وسلم التي تزعج، بل هي صور تدمير الذاكرة الإسلامية، التي عرضت منها صورًا مزعجة. لماذا تم تدمير قبر سيدتنا خديجة؟ وبيت الرسول صلى الله عليه وسلم حيث عاش معها؟ لماذا لقي نفس المصير، قبر السيدة فاطمة؟ جزء كامل من تاريخنا تم إزالته وتغييبه، بغباوة".
 
    صورة تثير عشرة آلاف كلمة: فإنه معروض في باحة قاعة "بن شهيدة"، الكتاب الذي انتهى به الأمر إلى تشكيل أيضًا قطبًا للجاذبية. السبب؟ نوع من الفتوى غير الرسمية للمجلس الإسلامي الأعلى، نوع من الغضب من أجل "النبي" صلى الله عليه وسلم. أثناء تصفح الكتاب، يمكن للمرء أن يجد بالفعل، بعض نسخ من المنمنمات الشعبية، وصور لأثار تاريخ الإسلام وأيقونات ناذرة، نجت من موجة الثقافة الوهابية وتزمتها. المنشور عبارة عن كتاب جميل للصالون، ولا "يستلزمه" الجدل، الذي سيكون موضوعه. سيكون التأثير الأول للمناقشة، هو الإظهار وبفضول، المجلس الإسلامي الأعلى، ورجال الدين الرسميين الجزائريين، بالوجه السيئ، وزيادة المبيعات، ولكن أيضًا، لتأكيد حالة المعارضة للزاوية. عندما إلتقيناه في قاعة عرض ملحقة، خلال الأعمال، شاركنا الشيخ بن تونس تحليله، وقال فيما يخص رد فعل المجلس الإسلامي الأعلى "إنه مستوى يؤسفني". "أرى أننا ما زلنا في الجدل. جدل غير إيجابي. أقول إن النقد جيد، وكل إنسان له الحق في إعطاء وجهة نظره، ولكن كيف يمكن للمرء أن يقدم وجهة نظره حول شيء لا يعرفه؟ إدانة كتاب حتى قبل قراءته؟ هذا شيء لا يصدق بالنسبة لي. أنا أُلامُ لأنني نقلت منمنمات عن النبي صلى الله عليه وسلم التي هي ميراثنا. الصور الشعبية التي كانت مرئية منذ وقت قريب في منازل وبيوت الجميع، دون أن تسبب أي جدال". لن ينتهي الجدل بسرعة كبيرة، وسرعان ما تشكل الفتوى المزيفة، مخاطر الفتنة إلى درجة فرض فيها، نوع من الضبط الشديد، وجهته أعلى السلطات في البلاد إلى قادة المجلس الإسلامي الأعلى. وهذا ما أكده لنا مصدر سياسي وثيق. ومع ذلك، سيكون "الكتاب" محفزًا جيدًا للجدل الديني في الجزائر وحرياته في الممارسة، مع نوع من الدعوة في نهاية المطاف، إلى إسلام مغاربي وعالمي ومتسامح. شيئ لم يسبق له مثيل في الصحف الجزائرية، المعتادة على المحاكمات الشديدة للدين، لمدة عقدين. ومع ذلك، سيكون عرض الكتاب أكثر تواضعا استراتيجيا: "هذا الكتاب ليس موسوعة للتصوف، ولا تاريخ شامل للإسلام، ولكنه تذكير بالمفاهيم الأساسية، التي تبني أسس تأصيلها في هذا الثرات الرائع الأدبي والفلسفي والروحي والأيقوني".

    ومع ذلك، فإن الانقسام بين التقليديين ونظرة الزاوية، سيكون ملاحظا. سيكون الجميع قد لاحظ غياب السلطات المحلية المعروفة، وحتى "سلطات الجامعة" في هذا المؤتمر. أجاب أحد الرجال الأساسيين في تنظيم هذا القاء، بحزن "لا يوجد أكاديميون مشهورون، ولا مسؤولون من وزارة الشؤون الدينية المدعوين، وقليل من المنتخبين، وحتى قليل من الهيئات العلمية الوطنية". ووفقًا للتسريبات، فقد تطلب الأمر، تدخلًا مباشرًا من الرئاسة، للسماح بدخول جامعة الخروبة، بعد منع وُجه للزاوية من طرف الوزارة الوصية. في مستغانم، سيعطي اللقاء انطباعًا، بأنه تم التسامح معه وقبوله، وعدم تشجيعه و "إفادته". كان الانزعاج ملحوظا. قال الشيخ بن تونس للصحفيين القلائل الذين قابلوه باستفاضة، خلال هذا المؤتمر، حيث كان متجاوبا كثيرا "أشعر بالحزن لرؤيتي، رغم بذل الكثير من الجهد في هذه الذكرى المئوية، حتى يتمكن بلدي من الاستفادة منها، والاستفادة من هذه الوجوه البارزة (...) الذين قدموا من جميع أنحاء العالم، والذين تمت دعوتهم، تحت رعاية رئيس الجمهورية نفسه، في واحدة من جامعاتنا، لنرى أنه لا يوجد عميد، فكر في المجيء للقاء عمداء آخرين (...)، من السلك الدبلوماسي لدينا، للاستفادة من هذا الحدث وتشريف البلاد، ولا حتى حضور رئيس الجامعة. أسأل نفسي السؤال: لماذا هذا الرفض؟ حتى لو لم نكن صوفية أو لا نحب التصوف، ينبغي علينا على الأقل، أن ندرك شيئًا واحدًا: إن الذي فعلناه، نفعله من أجل البلد، لمجتمعنا العلمي والفكري".

    (كنتُ أنوي أن أبتر هذه الفقرة من المقالة، ولكن قلت من المفيد أن يرى القراء مختلف الأراء، وحتى الشكوك والتوهمات، التي بودر بها الشيخ خالد بن تونس. في هذه الفقرة، يعرج الكاتب إلى موضوع يحتك فيه بالصراع السياسي الجزائري المغربي، كما وصفها بنفسه "هي شائعات تصيب أي حدث جزائري مهم، يخفيها تقليد وطني، بانعدام الثقة". في الحقيقة، كانت إقامة المحاضرين في ثلاث مواقع رئيسية، فقد كان مركز وادي الحائق، الذي خصص لكبريات الشخصيات، الذين إلتصقوا بالشيخ خالد بن تونس، وشوهدوا معه في جميع تنقلاته، وتم توزيع مهام الخدمات على عدة مناطق، من أحياء الإقامة الجامعية والفنادق و بعض البيوت. في الحي الجامعي لشمومة نزل به الأوروبيين، وفي حي خروبة، كانت استضافة أهل الجزائر، وفي مركز وادي الحدائق، أبقي للخدمة فيه، على الخصوص القادمين من المغرب، وتلقى الجميع تدريبا إحترافيا، أطرهم فيه محترفين دوليين، فعلى سبيل المثال في مجال الخدمة المطعمية، تلقى العديد من الشباب في الجزائر تدريبا على يد خبير فرنسي في هذا الفن. من البديهي على الصحفيين الذين زاروا إلا مركز وادي الحدائق، أن تنقصهم المعلومات عن بقية الأقاليم، ويقدموا تحليلات خاطئة. كما طرح تساؤلات نوعية، تثير نوع من التريث، وواجهها الشيخ بصراحة وعبر عن رأيه بشكل صريح، كالمطالبات السياسية التي يتعرضون لها. في مخاض مقاله، نوّه الكاتب بإلالتفاف الإعلامي بالطريقة العلاوية، ونبه بالجمود الذي عرفته وسائل الإعلام تجاه التصوف وأهله، لعشرات السنين، وعانى التراث الروحي من التهميش، بعد حملات التشويه والإدانة المفتعلة). (كان هذا تعليق صاحب المدونة). 
  
    العلاوية ليست شعبة مغربية! إن الشائعات المتعلقة بنوع من التسخير المغربي في هذا المؤتمر، ستؤثر أيضًا على عمل هذا المؤتمر، أو على الأقل شائعات "تصيب" أي حدث جزائري مهم، من تقليد وطني، بانعدام الثقة. سيكون لدى المغاربة البالغ عددهم 300 أو نحو ذلك، المدعوين لحضور الاجتماع، ولجودة الخدمات ولفن الطهو، ما يكفي كدليل على نوع من الهبوط المغربي. لم يكن التأطير مغربي على وجه الحصر، وأجابنا أحد المنظمين "هناك الكثير من الفرنسيين المغاربة، مثل الجزائريين، ومن الأوروبيين من الذين تحولوا إلى التصوف ... إلخ". لقد استحضر آخرون التأثير "المغربي" المزعوم على الشيخ كدليل نهائي على هذا "التسوية" الإقليمية. أجابنا مرة أخرى أحد الموكلين بالإتصالات "أولاً، علينا أن نفرق بين العلاوي والعلاوية المسماة باسم مؤسس طريقتنا. لا شيء يربطها بالعائلة المالكة العلاوية المغربية". مع ذلك، سيكون للتجانس تأثيره، حتى عشية عيد العرش، الذكرى السياسية لمحمد السادس في المغرب، الذي صادف نفس الأسبوع، الذي انعقدت فيه الندوة. في المساء، في مكان رائع من الزاوية، عند المدخل الجنوبي لمستغانم، بين أعمدة الإنارة والإضاءات والخيمة، والمشروبات وتقديمات النوادل للضيوف كبار الشخصيات، قالت صحفية من الجزائر العاصمة "لا نرى مستغانميا ولا منظماتهم ولا جمعياتهم، ولا شيء يفسر النزوح الجماعي للقنوات التلفزيونية الفرنسية الأكثر مشاهدة، ومصلحة وكالة الصحافة الفرنسية". الإجابة إذن نتلقاها من فم الشيخ، ونحصل عليها منه أيضًا. بالنسبة له، فإن هذا النوع من المحاكمات، التي يراد إجبار الزاوية، على اتخاذ موقف "كان موجودًا دائما".

    ختم الشيخ بن تونس "لا يمكن للمرء أن يصحح، في غضون بضع سنوات، كل التعليم المقدم في مدارسنا وفي جامعاتنا، وهو تعليم زيّف التاريخ. من أهدر إرث الزوايا في الجزائر. تواجدت الزوايا منذ قرون. إنها أسس ثقافتنا، وهم الذين قاموا بحماية شخصية وتراث هذا البلد. منذ الاستقلال وحتى اليوم، في تصعيد، شيئًا فشيئًا، حاولنا قلب التاريخ تمامًا، وجعل من الزوايا أماكن 'للخائنين'، وطُرق الخرافات والمتخلفين، وغيرذلك... وطبعا، إنها نخبة بأكملها، تجد نفسها اليوم في مناصب المسؤولية والقرار، وبينها وبين تاريخها بَون، وتفتقر إلى جزء منه. إنها إزالة جزء من دماغ الجزائر بشكل ما. جزء من الثقافة الجزائرية للأجداد. ليس الصوفي ذلك الرجل الذي يرتدي الخرق، ويعيش على التسول ويأكل الكسكسي ويرقص الحضرة. اليوم، بمناسبة الذكرى المئوية، يمكنك التعرف على أشخاص من المستوى العلمي والفكري وحتى السياسي، الذين كانوا يعملون لسنوات، في بيئة أكثر عالمية. إنه التصوف المفتاح السحري للإسلام في الغرب. فمن خلال هذا التصوف، جاءت النخبة الغربية إلى الإسلام وتهتم به". تم إعطاء الموعد التالي، وسينظم في ... سويسرا! في الشاغل الكبير من هذه العالمية، التي يطلق عليها العلاويون "الأخوة الآدمية". كلمة غريبة في وقت التطرف، المقصي الحصري للآخر والذات.


كمال داوود، لـجريدة "Le Quotidien d’Oran"، في شهر أوت 2010.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق