الأحد، 5 مايو 2019

ديباجة الشيخ خالد بن تونس

بذور من النور


     في الأخير نذيل بحثنا أو ما جمع حول هذه الذكرى، ونسمه أولا بملخص أو مقتطف من مقالة مركزة، لصاحبها الباحث السويسري في العلوم الإجتماعية، السيد باتريك هيني، الذي قدم نعتا توضيحيا، لما يمكن أن ينضخ به احتفال الطريقة العلاوية، وذلك ينم عن مستواه الفكري وتحليله المعمق والثاقب، ونختمها بالديباجة الرائعة للأستاذ الهمام السيد خالد بن تونس، شيخ الطريقة العلاوية، التي ضمها كتاب "بذور من النور"، الذي جمع جميع محاضرات المؤتمر، وما قدم بالعربية، جعل له ملخص بالفرنسية، وما ألقي بالفرنسية، قدم معه ملخص بالعربية.


مئوية الطريقة العلاوية
إصلاح ما بعد الحداثة للإسلام
هل من الممكن؟


باتريك هيني. نوفمبر 2009.

    وإدراكًا منه للبعد الجذري لإصلاحه، يعلم الشيخ بن تونس جيدًا، أن الرسالة لن تمر بدون عمل تدريبي معمق، مخصص للأجيال الشابة. هذا ما فعله خلال التسعينيات، حيث أنشأ مجموعات تأهيل في دوائر خلواتية، لعدة أيام، لتلقي تعليم الشيخ، حول موضوعاته الرئيسية في التعبئة، كتربية التيقظ والمواطنة وغيرها. إن إنشاء منظمة شبابية، مثل الكشافة الإسلامية الفرنسية، يندرج في نفس المنظور.

    في الواقع، على الرغم من لحظة الانفتاح السياسي الموجودة اتجاهه، ووجود أولوية مواتية في الأوساط العلمانية، وفي الغرب، يبدو أن الطرقية تكافح من أجل الظهور فائزة، على المشهد، بعد سنوات من القمع السياسي (الإصلاحي والحداثي – خلال 1960-1980)، والمادي (الإسلامي - في التسعينيات): أظهرت دراسة استقصائية لمجموعة من الباحثين من جامعة وهران، أن 1٪ فقط، من الطلاب في جامعة وهران اليوم، يعلنون إنتمائهم إلى طريقة صوفية، وما زال 90٪ منهم، يرون الصوفية كحركة راسخة متأصلة في الخرافات والدروشة.

    بالإضافة إلى ذلك، كانت الذكرى المئوية، مناسبة لاستئناف الاتصال، مع وقع الضربة القوية التاريخية، لهجمات الحركة الإصلاحية الجزائرية، ضد الطرقية بشكل عام، والطريقة العلاوية على الخصوص: جمعية علماء المسلمين الجزائريين. ذهب خالد بن تونس بالفعل إلى حد تسليم الكتاب الذي نُشر بمناسبة الذكرى المئوية لحميد بن باديس، نجل الشيخ عبد الحميد بن باديس، مؤسس جمعية العلماء، الذين قابلت قافلة الأمل عدة ممثلين منهم، في مناسبات عدة، بينما كانت تجول في الجزائر، ربيع سنة 2009.

     بعد سنوات من الضغط (من الدولة الحديثة والحركة الإصلاحية)، التي استمرت من الاستقلال حتى أواخر الثمانينات، وسنوات الرصاص (كانت تقاد الحرب الأهلية بشكل رئيسي، من طرف جماعات تسيطر عليها السلفية، مناهضة للتصوف)؛ فالتصوف اليوم تم إعادة تأهيله. إنه يشكل ورقة، لا يتردد النظام الحالي في لعبها. لا شك أن خالد بن تونس يركب أمواج الرياح السياسية، المواتية أكثر من أي وقت مضى للصوفية. لكنه يعرف أيضًا أن السياسة ليست هي كل شيئ، وأن التحدي الذي يواجهه يكمن بشكل جيد في الديني: كيفية التغلب على العصبية الدينية، شرط لا غنى عنه، لمشروع إصلاحه، مع ضمان مقبولية كلمته؟ وهنا، فإن الوضع أكثر صعوبة بكثير.


كتاب بذور من النور، الذي حوى جميع محاضرات المئوية، مع ملخصات بالفرنسية والعربية، اتباعا للغة الملقاة.



ديباجة الشيخ خالد بن تونس

   الشيخ خالد بن تونس

     ديباجته لكتاب "بذور من النور"، مواريث الشيخ العلاوي، مئوية الطريقة الصوفية العلاوية 1909-2009.

     أمام التحديات الكبرى التي تواجهها الإنسانية، وإزاء المشكلات الكونية التي تعترضنا، ها هي الطريقة العلاوية، بمناسبة إحياء مائوية تأسيسها، وعن طريق محاضرات وورشات، تقوم بالعمل على إيجاد حلول جذرية.

    إن أزمة الأنظمة التي نعيشها حاليا، تضعنا أمام مسؤوليتنا، ومن هنا تَوَجّب علينا العمل على تحقيق أخوة كونية شاملة. تلك هي فكرتنا عن المجتمع، الذي يحتاج إليه أبناؤنا من أجل مستقبلهم. فهل يعد ذلك مثالية مسرفة؟ الواقع أن كل مشروع إنساني ـ في منطلقه ـ مثالي؛ بيد أنه يكفي أن يتحمس له عشرة أفراد، عشرون، مائة، أو ألف... حتى يصبح حقيقة ملموسة.

    نجدنا اليوم سعداء أن نقدم لقرائنا أعمال المؤتمر الدولي، الذي جرت أشغاله بمستغانم من 24 إلى 31 يوليو 2009. هذه المدونة التي نستهدف بنشرها إبلاغ شهادتنا للتاريخ، ساعد في إنجازها عدد من الشخصيات، والباحثين والجامعيين. وإن الموضوعات المعالجة، بالإضافة إلى النقاشات العميقة التي دارت في أجواء أخوية طيلة السبعة أيام، كل ذلك، ترك أثاره الإستثنائية على الملتقى.

    إنني أؤكد ـ وبكل تواضع ـ أننا قضينا لحظات، خلال عدة أيام، صحبة ما يربو عن الستة آلاف شخص، قدِموا من شتى مناطق المعمورة، تستعصي على الوصف، بالنظر إلى كثافة روحانيتها وشفافيتها، ذات الأثر البالغ، الذي ترك ندبته، على قلوب وضمائر جميع من حضر.

    فالبرغم العوائق والترددات وضعف الإمكانات التي صادفتنا، في بلد لم يضمد جراحه بعد، استطاع المنظمون وآلاف المتطوعين أن يرفعوا التحدي، بجهود لم تعرف الكلل ليل ونهار، حرصا على راحة المشاركين، وسهرا على حسن سيرة التظاهرة. لأصحاب هذا الإنجاز ـ جهود الخفاء المخلصين ـ، أرفع شكري وتهاني.

    حقا كانت رسالة هذا المؤتمر "زرع الأمل"، وكان المؤتمر في مستوى الرسالة التي حملها.

    ظل الإنفعال باديا على جميع الوجوه، بدءا بسكان مدينة مستغانم، الذين كانوا يلقون، مع طالعة كل يوم جديد، إخوة لهم وأخوات من العالم أجمع، ببشاشة وسعادة، مبدين العرفان والمحبة.


أربعة أماكن رمزية كانت مسرحا للأحداث

    أولا، الزاوية الأم بمستغانم، في حيّ تجديت، حيث أضرحة الشيوخ ومسجد "الشيخ العلاوي". مفتوحة للزائرين طيلة فترات اليوم، ظلت الزاوية تستقبل الوفود الضخمة، في جو يطبعه الخشوع ونسمات القرب. تلك كانت دعوة إلى الرجوع إلى الأصل، وتوقيف الزمن، من خلال الإستمتاع باللحظة الراهنة، ساعة فيها، يحس المرء أنه مأخوذ بتلاوة مائة مقرئ، طيلة الأيام السبعة، متصلة، للذكر الحكيم. ما كان يخفى على أحد حرارة الإستقبال، ورائحة الشاي بالنعناع، ودفقات البخور الذي كان يعطر الجو، مصاحبا لزائري الشيوخ في أضرحتهم. لحظات مواتية، للتأمل في التعاليم التي تركوها، ولاكتشاف جديد المعارض المقدمة، بموادها المختلفة، من مخطوطات نادرة وأشياء ثمينة.

    ثانيا، جامعة "عبد الحميد ابن باديس" بمستغانم، بقاعات محاضراتها، بأروقتها وساحاتها الفسيحة. هذه الأمكنة، التي تكرم السيد محمد صديقي، رئيس الجامعة، بوضعها تحت تصرف جمعية الشيخ العلاوي، احتضنت المحاضرات ومختلف الورشات والمعارض. هناك نُصبت خيام وقرى العالم، من الجزائر إلى المغرب، الكل في أجواء احتفالية، نافست فيها المشروبات والأطعمة والألبسة التقليدية والمصنوعات اليدوية.

    ثالثا، ملعب الرائد فراج، حيث حمل شعلة الأمل المتوسطية، مئات من شباب الكشافة الإسلامية، القادمين من أوروبا، ومن ليبيا ومن تونس، ومن الجزائر ومن المغرب، للإيذان بانطلاق هذا الحدث الفريد من نوعه. توالت على المنصة اثنتا عشرة فرقة جزائرية وأجنبية، خلال السهرات الموسيقية والفلكلورية.

    أخيرا، الدبدابة، وادي الحدائق، مقر مؤسسة "جنة العارف"، المخصصة رأسا لاستقبال وإيواء الشخصيات. هناك أقيم حفل اختتام المئوية الرائعة، بتنظيم جمع روحي في الهواء الطلق.

    كان الإلتزام في مستوى التحدي المتمثل في تقديم الدليل القاطع، على أن التصوف لا يزال في صلب اهتمامات المجتمعات الإسلامية المعاصرة، وعلى أن أصوله الكونية لا تزال تنبض بالحياة. لقد تجلت هذه الروحانية للجميع، لتؤكد مبادئه وأخلاقياته، في عالم متحول تدب فيه الصراعات وضياع العدل. إن إرساء الحوار، بعيدا عن المحرم وعن الأفكار المسبقة، وإن استرجاع معنى الأخوة الخليقة ببناء مستقبل الإنسانية، هو "أمل" هذا المؤتمر. هل كان ذلك مؤسسا؟ وحده الزمن كفيل بالإجابة.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    باتريك هيني باحث سويسري في العلوم الاجتماعية، حائز على جائزة أفضل أطروحة عن العالم العربي، باللغة الفرنسية عام 2001، عمل في مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية (سيداج) بالقاهرة، ومُنتَدَب عن وزارة البحث العلمي الفرنسية، ومَرصَد الأديان بسويسرا، تعلّم اللغة العربية وتعرّف على الإسلاميين، قضى وقت طويل مُتنقلاً في البلاد العربية، وأقام في مصر لفترة طويلة، ومن ثم إندونيسيا وتركيا .له كتاب "إسلام السوق"، صدر سنة 2005 بالفرنسية، وصدرت ترجمته العربية سنة 2015.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق