الأربعاء، 4 سبتمبر 2019

العيش معا في السلام: التحديات والتوقعات

العيش معا في السلام: التحديات والتوقعات

    في سنة 2015، اجتمع أكثر من عشرين رئيس بلدية، من مناطق شتى من العالم بمدينة مونتريال الكندية، وعبروا عن احتياجهم لتبادل التجارب حول التحديات المتعلقة حول التماسك الإجتماعي، وسلامة المجتمعات، في سياق العولمة. خلصت نتائج مشاوراتهم إلى إعلان نداء مونتريال حول العيش معا، وإلتزام لخلق أفضل السياسات  للحياة الحضرية. وفي تلك القمة تم تأسيس المرصد الدولي لرؤساء بلديات العيش معا، وهو مرصد يضم عدد من رؤساء بلديات العالم.

    إحتضنت الطبعة الثانية مدينة دوسلدورف الألمانية، وجرت القمة من 30 أوت إلى 01 سبتمبر 2019، وضمت 28 رئيس بلدية، جاءوا من مناطق شتى من العالم، لمناقشة القضايا الرئيسية المرتبطة بالعيش معًا في المدن. وكما قال رئيس بلدية دوسلدورف "دعي ممثلي العالم بأسره، لإيجاد حلول محلية لمشاكل عالمية".

      شارك الشيخ خالد بن تونس في القمة، ومثله بشكل رسمي في هذا المؤتمر السيد توفيق حرتيت، عضو مجلس إدارة المنظمة غير الحكومية عيسى، الذي قرأ خطابه الرسمي أمام المؤتمر. وإليكم الكلمة.

ـــــــــــــــــــــــــــ

    بعد ما مرت خمسين سنة على السير على سطح القمر، فقد حان الوقت ليسير الواحد نحو الآخر. لقد حان الوقت لمصالحة الأسرة البشرية. لاتخاذ خطوة في الاتجاه الحقيقي:

 -  اتجاه أخوة عالمية حقيقية، حيث يجد كل فرد، من الإناث والذكور، مكانه بشكل كامل في المجتمع البشري.

 -  اتجاه سلام دائم مع نفسه وجيرانه، القريبين أو البعيدين، وكذلك مع الأرض التي تحملنا وتغذينا. ومن الملح اليوم، أن تنهض البشرية وتعلن رفضها وتبدي رعبها، لجميع أولئك الذين لأسباب سياسية أو اقتصادية، يدعمون ويغذون الصراعات المدمرة في العالم. من الضروري أن ندرك أن مصيرنا يرتبط بحماية جميع المخلوقات على كوكبنا، وهذا يجبرنا على العمل من خلال تعزيز روابط العيش معا.

كيف ؟
    عن طريق تحويل هذا المفهوم إلى أفعال، بحيث يصبح حقيقة مشتركة ومنشورة ومُدرَّسة. وبالتالي، سيتم ابتكار العيش معاً في سلام يوميا، يستوحى من تجارب الآخرين، بتجربة أعمال جديدة ومشاريع جديدة. إنها طريقة أخرى لرؤية العالم وتصوره. وإنه نداء إلى الجميع، من الإناث والذكور، مواطني العالم، والزعماء السياسيين والدينيين، والدول، والمؤسسات الدولية، على أن تختار من باب التغيير وإلى الأبد، في أي مكان وفي أي زمان، السلام والكرامة لكل إنسان، ولكل كائن حي. وإن البديل أمر ممكن إذا شارك الجميع، وإذا الجميع تصرف بصدق.


ما هو العيش معا

 -مهمة للتحديات العالمية، وضرورة بالنسبة لنا وللأجيال القادمة.
 -القيام بمواءمة أرصدتنا وسلطاتنا ومعرفتنا وتحصيلنا وإراداتنا.
 -الاستثمار سويًا في مشروع: بناء دار السلام، الذي أسسه، هي في المقام الأول ثقافة السلام.
 -تعزيز إشراك المواطنين في مدننا وبلداننا، ورؤية مشتركة لوحدة المصير، وتمكين مؤسساتنا من الانضمام إلى حركة معترف بها محليا ووطنيا ودوليا.
 - العمل بالتآزر من خلال إجراءات ملموسة، من أجل انشراح الجميع، مع الاحترام المتبادل للاختلافات.
- الاستثمار في التنمية المستدامة، من خلال اقتصاد تضامني، يأخذ في الاعتبار احتياجات المحرومين، من أجل رفاه الجميع.


تحديات العيش معا في سلام

    تتمثل تحديات العيش معا في سلام فيما يلي:

- تعزيز القيم الأساسية التي يطمح إليها جزء كبير من البشرية، وهي التعددية والإنصاف والعدالة وقدسية الحياة واحترام البيئة والحفاظ على الأنواع.
- إن منع التطرف والإرهاب اللذين يرتعان على أرضية الظلم واللامساواة، يعني التعامل مع هذه الأقضية برؤية أخرى، غير النهج الأمني.
- إعطاء روح للعولمة، وضمان الحفاظ على جوهر الكائن: فضائله وجوده. وإن مستقبله يعتمد عليه.
- توفير تعليم يحافظ على ثراء التنوع الثقافي للروابط الاجتماعية، من أجل "عيش معا أفضل"، يصالح بين مجموع الحي.
- تجنب الصراعات باللجوء إلى الوساطة الوقائية والتصالحية.


أتيحت فرصة: اليوم الدولي للعيش معاً في سلام

    في الثامن من ديسمبر سنة 2017، اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة، اليوم الدولي للعيش معاً في سلام، بإجماع 193 دولة عضو، من خلال قرارها  A/RES/72/130. يتم الإحتفال بهدا اليوم، الذي صدر بناءا على مبادرة من الشيخ خالد بن تونس، الرئيس الشرفي للجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المنظمة غير الحكومية الدولية، المسماة عيسى؛ في 16 مايو من كل سنة.


معنى هذا اليوم

    لا، ليس هذا يوم دولي آخر ينظم إلى تعداد الأيام الدولية. إنما هو فرصة حقيقية، في عالم يمر بأزمة، فيتّحد ويبني مجتمع العيش معا والعمل معا.

    يمثل اليوم الدولي للعيش معاً في سلام، لحظة لمّ الشمل ولقاء، حيث "نجتمع معاً دون أن نتشابه"، لحظة فرح ومشاركة ثراء اختلافاتنا. وبالفعل، فإن الرغبة في فرض المثل العليا وقيم حضارة واحدة وقوة واحدة على بقية العالم، يؤدي بنا إلى حصول خراب جميع الثقافات، فلأن الثقافات، بحكم تعريفها، تحمل في طياتها شهادة وإرث جميع جوانب تنوع الحضارة الإنسانية، منذ فجر الإنسانية إلى أيامنا هذه. وإن الرغبة في معارضتها أو الحد منها، يؤدي بنا إلى الإنكار أنها على مر التاريخ، خصبت بعضها البعض. بل على العكس من ذلك، ينبغي الإضطلاع بكل شيئ،  حتى تتبقى لنا، ونقوم بتبيين أن تنوعها العقدي والثقافي والفلسفي والذِواقي والمعماري والروحي، ليس سوى جوانب متعددة لبشرية واحدة وجمعاء. وإن إنكار ذلك هو الموت المحتم لقيم الأجداد، التي تفتقت بها عبقرية الإنسان.


أهداف اليوم الدولي للعيش معا في سلام

إن من أهداف اليوم الدولي للعيش معا في سلام، ما يلي:

- تسمية عاصمة للعيش معا في سلام، في كل سنة أو سنتين، كما كانت قرطبة في إسبانيا،
 في صيف 2019، وتشجيع انضمام المدن إلى المرصد الدولي لرؤساء بلديات العيش معاً.
-  خلق حافز لحركة مُوحِدة معترف بها دوليا.
-  إنشاء دُور السلام، تلك أماكن الحوار، والوساطة وتعلم الحكمة، تكون في خدمة المصلحة العامة.
- الإدخال في المناهج الدراسية "التربية للسلام"، في التعليم الابتدائي والثانوي والجامعي، بحلول عام 2030.
- تعزيز حقوق الطبيعة، من أجل تغيير الوعي نحو حماية البيئة.
- تعريف وتطبيق قرار الأمم المتحدة A/RES/72/130 على جميع شعوب البلدان الموقعة عليه.
- إشراك وسائل الإعلام الوطنية والدولية، وكذا الشبكات الاجتماعية، في نشر رسالة اليوم الدولي للعيش معاً في سلام.
- دعوة الدول إلى عقد مؤتمر دولي، لوضع سياسات تفضي إلى العيش معا والسلام، بين جميع مواطني العالم، في السنوات القليلة المقبلة، بالنظر إلى إلحاح الوضع.


الدعم الدولي لليوم الدولي للعيش معا في سلام

مقتطف من إعلان الأمم المتحدة:

1-    تعلن يوم 16 أيار / مايو يوما دوليا للعيش معاً في سلام.
2-    تؤكد أن اليوم الدولي للعيش معاً في سلام، يشكل وسيلة لتعبئة جهود المجتمع الدولي بانتظام، لترويج السلام والتسامح والشمول والتفاهم والتضامن، وفرصة للجميع للإعراب عن الرغبة في العيش والعمل معا، متحدين وسط مظاهر الاختلافات والتنوع، من أجل بناء عالم مستدام، قوامه السلام والتضامن والوئام.
3-    تدعو جميع الدول الأعضاء، ومؤسسات منظومة الأمم المتحدة، وغيرها من المنظمات الدولية والإقليمية والمجتمع المدني، بما يشمل المنظمات غير الحكومية والأفراد، إلى الاحتفال باليوم الدولي للعيش معا في سلام، وفقا للثقافة السائدة أو غيرها من الظروف أو الأعراف في مجتمعاتها المحلية أو الوطنية أو الإقليمية، بطرق منها التثقيف والاضطلاع بأنشطة، بهدف توعية الجمهور.

مقتطف من الاجتماع الوزاري لدول عدم الانحياز- 21 يوليو 2019

    شدد الاجتماع الوزاري، للمكتب التنسيقي لحركة دول عدم الانحياز، الذي يجمع 120 دولة، في كاراكاس، في يوليو 2019؛ على الأهمية التي توليها الدول الأعضاء في المنظمة، لتعزيز العيش معا:

    "رحب الوزراء باعتماد قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 72/130، المؤرخ في 8 ديسمبر 2017 الذي قدمته الجزائر، والذي يعلن يوم 16 مايو / أيار، اليوم الدولي للعيش معاً في سلام، والذي يهدف إلى تعزيز السلام والتسامح والشمول والتفاهم والتضامن.

    ينبغي للدول الأعضاء في حركة عدم الانحياز، أن تواصل تعزيز المصالحة من أجل المساهمة في السلام والتنمية المستدامة، ولا سيما عن طريق العمل مع المجتمعات المحلية والزعماء الدينيين والجهات الفاعلة الأخرى ذات الصلة، من خلال إجراءات المصالحة وأعمال الخدمة، وتشجيع المغفرة والرحمة بين الأفراد".

    من بين التأييدات العديدة لليوم الدولي للعيش معا في سلام، ما أبداه البابا، وإنه مقتسم على الشبكات الاجتماعية، حيث "يرحب بالمبادرة، التي تسمح ببناء الجسور بين الناس، داخل احترام اختلافاتهم، وتعزز ظهور إخاء عالمي حقيقي وحضارة المحبة".


مرصد رؤساء بلديات العيش معا

     في 16 مايو الفائت، كان المرصد في قلب الاحتفالات باليوم الدولي للعيش معا في سلام، لا سيما من خلال حدث تم تنظيمه في اليونسكو.

    نشكر رئيس بلدية مدينة دوسلدورف، على استضافته هذه السنة للقمة الدولية الثانية لرؤساء بلديات العيش معاً، وكذا جميع أعضاء المرصد على الجهود الرامية إلى تعزيز العيش معا، واليوم الدولي للعيش معا في سلام، ونهنئ جميع رؤساء بلديات المدن الموقعة على إعلان دوسلدورف.


مقتطف من إعلان دوسلدورف، حرر من قبل أعضاء المرصد - 31 أغسطس 2019

    جاء التأكيد على "القيام بتعزيز اليوم الدولي للعيش معاً في سلام، الذي ينعقد كل 16 مايو. سيخصص المرصد الدولي لرؤساء البلديات حول العيش معاً ، بالتعاون مع منظمي هذا اليوم الدولي، عاصمة للعيش معاً، مدينة تُسمي كل عام، لاستضافة النشاط الرئيسي لاحتفالات اليوم العالمي".


الشيخ خالد بن تونس
الرئيس الشرفي للجمعية الدولية الصوفية العلاوية.