الثلاثاء، 12 نوفمبر 2019

إيجاد السلام

إيجاد السلام






مقابلة مع الشيخ بن تونس
الصحيفة الأسبوعية NEW EUROPE، في 11 11 2019.


    تقابل الشيخ خالد بن تونس، رئيس الجمعية الدولية الصوفية، وهي منظمة غير حكومية إسلامية، تروج للحوار بين الأديان والتعايش؛ مع New Europe ، لمناقشة القضايا البيدينية  في أوروبا، والمجتمع بشكل عام.

الصحيفة : ما رأيك في التصوف، وما يمكن أن يفعله لأوروبا اليوم؟

الشيخ بن تونس: منذ نشأته، كان التصوف، طوال تاريخ الإسلام لمدة 14 قرنا، وخاصة في أوقات الأزمات، موردا هاما في الحفاظ على الرسالة الروحانية والعالمية للإسلام المحمدي. خلال المناقشات التي دارت حول الأفكار والمدارس الفكرية التي ولدت خلال هذه الفترة، لطالما أدهش التصوف بالكتابات وتعليم معلميه، وبجوهر الرسالة النبوية، والأخوة الإنسانية، واحترام الغير، والطابع المحرم للحياة.. هذا يعني أن الدين هو، قبل كل شيء، وسيلة لتربية وإيقاظ الضمير الإنساني للعلاقات والسلوكات الذي تميز علاقاتنا مع بعضنا البعض، ومع أنفسنا، والإلهي، وأن جوهر الرسالة الدينية يحذر من اتباع تعاليم أو عقائد بغير هدى، بل يدعو الإنسان لفعل الخير. يتم تعريف الإسلام بمقام الإحسان.

    في الواقع، يرتكز الإسلام على ثلاثة أركان. في الركن الأول، يدير الإسلام الشعائر، والركن الثاني هو الإيمان، قناعة شخصية عميقة وباطنية، لا يمكن الحكم عليها من قبل الآخرين، وفي الثالث، نجد مقام الإحسان، وهو تتويج لسلوكنا وأفعالنا ومشاعرنا. وتتوجه نظرتنا نحو عالم موحد. وكذلك يؤدي إلى السلام الباطني للنفس، و الاعتراف بالآخر كمخلوق مراد، وإرادة إلهية. يدعونا هذا الاستشعار بالقيم النبيلة والعالمية، إلى العدل والمساواة والكرامة، واحترام الفرد، والمصالحة مع أنفسنا، ومع مجموع العائلة البشرية، على اختلافاتها. لخص رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا في كلمات، قائلا "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه". يفهم الأخ هنا، أي إنسان من صلب آدم عليه السلام، فقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلكم من آدم وآدم من تراب". وعندما سئل عن أحب الأديان عند الله، قال "أَحَبُّ الدِّينِ إِلَى اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ السَّمْحَةُ".

    في أوروبا، فإن هذه الرؤية المجهولة للإسلام، التي يريدها التصوف أن تُفهم وتُكتشف.


الصحيفة: لقد شاركت في العديد من الاجتماعات بين الأديان طوال حياتك. ما هو الدور الذي تنسبه لهذه اللقاءات، وما رأيك في الذي قد يجلبه البيديني للعالم اليوم؟

الشيخ بن تونس: إذا فكرنا عوضا عن الدين اليوم في العالم، نجد أن ثلاثة أرباع السكان، إن لم يكن أكثر، يمتلكون معتقدا. وهكذا يصبح الدين عاملاً حاسماً في البحث عن السلام والمصالحة بين الأسرة البشرية. إن تقويض هذا العامل أو تجاهله في رؤية عالمية للأخوة الشاملة، هو ترك الباب مفتوحًا لأولئك الذين، لغرض أو لأيديولوجية، يتلاعبون به. تبين لنا هذه الملاحظة البسيطة، الحاجة إلى رعاية وتعزيز الحوار بين الأديان، من خلال تعليم ثقافة السلام.

    مثال على ذلك، مأساة رهبان تيبحرين، الذين قتلوا في الجزائر خلال العقد الأسود من التسعينات. بفضل الرابطة الأخوية، والتي استمرت، نتيجة العلاقات الإسلامية المسيحية، التي تم الحفاظ عليها في هذا البلد، فقد تم تطويبهم في مدينة وهران، في 8 ديسمبر 2018. كانت هذه هي المرة الأولى في دول العالم العربي والإسلامي، وبحضور السلطات الدينية المسيحية والإسلامية، وممثلين سياسيين ودبلوماسيين للعديد من الدول، وأهاليهم، وأصدقائهم وحشد كبير من الجمهور.

    إنها علامة واضحة بالنسبة لي، على الحاجة إلى المثابرة ومواصلة الحوار بين الأديان والمحافظة عليه، لأنه من خلال ذلك، سنكون قادرين على إزالة العقبات بين المجتمعات الدينية، وبناء مجتمع العيش معا في سلام.


الصحيفة: ما الذي تراه أن يفعله المسلمين في أوروبا ليتفاعلوا مع بروز الإسلاموفوبيا؟
الشيخ بن تونس: يتميز عالم اليوم بانشقاقات حضارية وانقسامات دينية. إنه يواجه صراعات مدمرة، تغذيها شكوكا قديمة، وانعدام الثقة دائم. بالإضافة إلى التسبب في معاناة بشرية كبيرة وخسائر اقتصادية هائلة، تشكل هذه النزاعات عقبات خطيرة، أمام تعزيز العلاقات الودية والتعاون بين البلدان والمناطق والمجتمعات. يتم تأجيج هذه النزاعات، و هي بدورها تؤجج كره الأجانب والتعصب والعنف والعنصرية والإقصاء، فضلاً عن التمييز العرقي أو الديني أو اللغوي. كل هذه التصرفات مبنية على الرفض، والانفصال عن الآخر.
    من هذا المنظور، جاء الكفاح ضد آفة معاداة الإسلام، وكافة أنواع الكراهية التي يغذيها الخوف والجهل، والتي يبقى عليها بمهارة، من كلا الجانبين، من طرف كل أولئك الذين يريدون، إلى أقصى حد، الاستفادة منها سياسياً.
    من واجب المسلمين الأوروبيين، ومن مصلحتهم الترويج لإسلام الانفتاح، والتماسك الاجتماعي والمواطنة المثالية. بما أنهم يعيشون في بلدان ديمقراطية، تضمن احترام حقوق ومعتقدات الجميع، ينبغي على المسلمين أن يعيدوا اكتشاف ثراء التراث الروحي للإسلام، ويقومون بتعريفه لأطفالهم، من أجل الحد من تهميشهم، وممارساتهم الانتحارية المتقوقعة. مثل هذه الأساليب الانعزالية، لا تقوم سوى بتعزيز الصورة النمطية لأولئك الذين يرون في الإسلام، في أسوأ الأحوال، أنه يمثل خطرا على المجتمع، وعلى أي حال، أنه يتعارض مع قوانين وتقاليد البلدان المضيفة. ينبغي أن يجنبوا أطفالهم الوقوع في فخ الحركات الجهادية المسلحة، التي تفرض على الناس اعتناق الإسلام، وهو ما تسعى لتبرزه، قراءة مختزلة لتاريخه. منظور ضيق ومحدود لما هو الإسلام. يجب أن يصبحوا الصلات المتقدمة بين الشرق والغرب، حتى ترسى أسس عالم تبادل وسلام وازدهار، ضمن احترام الاختلافات.
الصحيفة: رأت أوروبا أن مشهدها الديني تغير بالكامل في العقود الأخيرة. هل ترى أنها جيد أم سيئ؟
الشيخ بن تونس: نحن نعيش في عصر التغييرات العميقة، ونواجه تحديات، وتحديات كبيرة لها مستقبل، لا يسبر غوره. هذا التحول يتجاوز بكثير الإطار الأوروبي ومشهده الديني. في الواقع نحن نشهد حركة تدفقات الهجرة عالمية، والتي للأسف، مع مرور الوقت والحالة الراهنة لعدم المساواة في إدارة الشؤون العالمية بين الشمال والجنوب، فهي إلا في ازدياد.
    نحن جميعا مدعوون إلى تحلي بوعي جديد، وهو إعطاء روح لهذه القرية المعولمة. والإنتقال من ثقافة "أنا" إلى ثقافة "نحن"، بالترويج للعيش معاً، ونعتبر هذه المسألة فرصة للتغيير الإيجابي.
    فمن خلال الإرادة السياسية لأوروبا ديمقراطية، التي تستند إلى حقوق الإنسان العالمية، يمكن لكل تركيبة دينية أن تحصل على اعترافًا مدنيًا (لمواطنيها)، و(تجد) طريقا مواتيا، بعيدًا عن المناقشات العقيمة والديماغوجية. لأن العيش معًا أمر حتمي، قائم على القيم العالمية للمحبة والرحمة والعدالة والتضامن، حتى تحرز أعمالنا نتائج وروابط إنسانية بناءة في حضن المجتمع.
الصحيفة: ماذا ستكون رسالتك للشباب الأوروبيين اليوم والغد؟

الشيخ بن تونس: إنني قلق من العبء الثقيل الذي نفرضه على الأجيال الجديدة، ولاوعي القوى السياسية فيما يتعلق بالمشاكل الحتمية والتحديات المتعددة التي يخلقها الإحتباس الحراري للكوكب، وانقراض الأنواع المبرمج، وعدم الاستقرار السياسي، والأزمات الاقتصادية والمالية، وانفجار في معضلة اللامساواة والفقر، والتلاعب بالمعلومات، وأخيراً تزايد كراهية الأجانب، وتجاهل العنف.
     كيف نعالج كل هذه المشاكل، التي تخلق مناخًا من الشك واليأس بين شبابنا، وتحبطه وتغيم آفاق مستقبله؟
    ما الذي يُقترح عليهم اليوم؟ هل يجب أن يؤمنوا ويثقوا بوعود عالم بروميثيوسي(1)، حيث سيتم حل كل شيء، عن طريق الحلول التكنولوجية؟
    أم هل يتعين عليهم الاستثمار في عالم تحكمه أخلاقية عالمية، يكون فيها معنى القيم الإنسانية النبيلة أساس علاقاتهم، وفي الختام، تُبنى دار السلام والحياة، من خلال الجمال والكرامة والحكمة؟

     "العيش وبناء المستقبل في تآزر، الواحد مع الآخر وليس الواحد ضد الآخر".
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). بروميثيوس هو شخصية أسطورية يونانية، ويعني إسمه بعيد النظر، فقد أراد أن يضع البشرية على قدم المساواة مع الآلهة. أعطى بروميثيوس، وهو من نسل آلهة تيتان، البشر العديد من العطايا والهبات التي سرقها من آلهة الأوليمبوس (مستقر الآلهة)، هيفاستوس وأثينا وغيرهم، فأعطاهم فنون العمارة والبناء، والنجارة، واستخراج المعادن، وعلم الفلك، وتحديد الفصول، والأرقام والحروف الهجائيه، كما علمهم كيفية استئناس حيوانات ابيمثيوس وركوبها والإبحار بالسفن، كما أعطاهم موهبة التداوى والشفاء.
     وتمكن بروميثيوس من سرقة النّيران المقدسة من أوليمبوس، وأعطاها للبشريّة. و مع ظهور النار بدأ سيل من الإختراعات والتقدم البشري. وفي وقت قصير كان الفن والحضارة والثقافة تغزو الأرض المحيطة بأوليمبوس. ومع هذا التغير اختلفت نظرة الأوليمبوس إلى البشر الفانين، وزاد إعجابهم بهم، فهم ليسوا مجرد حيوانات همجية، بل هم عاقلون ولهم القدرة على الأبداع والإبتكار. تعرض بعدها للعقوبة الأبدية من طرف زيوس، لم يتخلص منها إلا بعد عدة أجيال، عندما حرره هرقل.




هناك تعليق واحد:

  1. الله يحفظك يا شيخنا و الله ينصرك و يقويك و يسترك يا شيخنا الفاضل و الحبيب و السلام يا شيخنا

    ردحذف