السبت، 30 نوفمبر 2019

إرث السلام

 إرث السلام


شيخ الطريقة الصوفية العلاوية هو واحد من ضيوف صالون كتابات وروحانيات(1)، الذي سيجري نهاية هذا الأسبوع في باريس.

ميليني لو بريول، جريدة La croix، في 27 11 2019






    يشعر خالد بن تونس بالقلق إزاء العواقب البيئية لـ "جشع" الإنسان.
    ما يقرب من خمسة وأربعين عامًا يعمل الشيخ خالد بن تونس بلا كلل، لإرساء إنسانية متصالحة. وذلك من خلال إنشاء حركات شبابية (الكشافة الإسلامية الفرنسية)، وتقرير أيام دولية للأمم المتحدة (مثل يوم "العيش معاً في سلام"، كل 16 مايو)، أو عن طريق إصدار كتب، وغالبا عند ألبين ميشيل، كتب لا يريد أن يقدمها بشكل خاص للجمهور.

    لماذا وافق على القيام بذلك يوم السبت، في الأول من ديسمبر، في كلية برناند، في معرض الكتاب كتابات وروحانيات(1)؟ "إن المنظمين أصدقاء"، كما يقول هذا الفرنسي الجزائري(2) المهذب، الذي تجري عبارة "الأخوة" و"الإنسانية" على لسانه، جري السحاب. مرة أخرى، سيغادر هذا المسافر الكبير، الذي يبلغ من العمر 70 عامًا منطقة نيس الخلفية، حيث يقضي معظم العام مع زوجته... عندما لا يكون في الجزائر، عدة أشهر في العام.

حكيم أو شاهد بسيط؟
    هذا الصالون الباريسي لم يدعوه فقط لتقديم كتبه، ولكن أيضًا للمشاركة، مع ماريون مولر كولارد وفاليري زناتي، في "أنشودة الأرض"، غير منشورة. سيقرأ كل واحد من الثلاثة نصًا مكتوبًا خصيصًا لهذه المناسبة، يتناول الأزمة البيئية حرفيًا وشخصيًا(3).
    "أصبح المستقبل مظلما"، يرثي الشيخ الصوفي، الذي ينشغل بالآثار البيئية لـ "جشع" الإنسان، الذي أراد أن "يتأله" بمعونة التكنولوجيا. "لكن الإنسان نسي أن لديه ضمير، ينبغي  تنميته. بتجاهله نبع الحكمة هذا، أطلق العنان لقوى، أعاثت في الأرض فسادا".
    من خلال خطبه السلمية ومثله العليا الراسخة، فإن خالد بن تونس رجل حكيم، في عالم لم يعد فيه للحكمة مكان. جعلته الفكرة يبتسم، ولكنه صحح "أنا شاهد على زماني، هذا كل شيء". شاهد متورط في سباق العالم، يرفض العيش منعزلا في جزيرة أو على جبل. لأن "الروحانية النخبوية"، كما يسميها، لم تجد لها صدى إلى مسمعه.

ابن والده
    تلقى هذا الناشئ في مستغانم (الجزائر) الروحانية كميراث. هو نجل الشيخ الحاج المهدي بن تونس، شيخ الطريقة الصوفية العلاوية المهمة، التي تتمركز اليوم في المغرب العربي وأوروبا وأمريكا الشمالية، إذ قضى خالد شبابه في حرم زاوية، يقطنها 130 شخصا، أسرة موسعة وأقرباء الجماعة.
    سرعان ما تجلب الحرب الجزائرية العنف إلى هذا العالم في زمن سابق، حيث "تم اقتسام كل شيء". في حالتين، تم محاصرة الزاوية وتفتيشها، والطفل البالغ من العمر 9 سنوات شارف على الموت، أثناء مظاهرة(4). إذا ما اختار خالد بن تونس لاحقًا مناهضة العنف، فهذا "عن علم".

    تشبه بقية مسيرته مشوار ولي العهد، استحكمت فيه مقتضيات التاج. في أوائل سبعينيات القرن العشرين، كان أب في ريعان الشباب، عمل على ازدهار تجارته في الملابس الجاهزة، في فرنسا المصممة على إنهاء التراث الأبوي. حتى ذلك اليوم من عام 1975، عندما توفي والده فجأة، في مستغانم. يقول اليوم "عندما عدت لحضور الجنازة، اعتقدت أنني سأغادر فوراً، ولن أطأ قدمًا في الجزائر".

عندما "يلوث التدين قلب الإنسان"
    لكن "الحكماء" قرروا خلاف ذلك، رأوا أن خالد يجب أن يخلف أبيه على رأس الطريقة. "لقد رفضت لأكثر من عام. تخيلوا هؤلاء الحكماء ذوي 80 عامًا، الذين يمثلون لي أسوة إنسانية، يأتونني ويقبلون يدي، كان الأمر صعبًا". وينتهي به المطاف إلى تقبل الأمر، للمساهمة في الحفاظ على التراث الروحي الذي يستودعه. "في ذلك الوقت، كانت الروحانية محظورة في الجزائر: كان هناك حديث عن الإنسان الجديد، الذي تحرر أخيرًا من التسامي".
    بعد أربعة وأربعين عامًا، تغير المشهد الديني في المغرب العربي والشرق الأوسط. لقد زرع الإسلاميون "فوضى في سوريا وليبيا وأفغانستان. غالبًا ما يتم استجوابه، مثله مثل الزعماء المسلمين الآخرين، حول أعمال هؤلاء الناس الذين يرتدون السواد، يردد الفرنسي الجزائري(2) أنه ينبغي علينا "تجديد الإسلام"، لمحاربة هذا "التدين الذي يلوث قلب الإنسان".
    ألا ينفد منه الصبر والطاقة، بعد كل هذه سنوات من الجهود من أجل سلام، الذي لا يزال يبدو بعيد المنال؟ "أنا لا أيأس"، هكذا حسم هذا المدافع القوي عن التربية للسلام لصالح صغار السن. وبعد لحظة أضاف "ما يقلقني هو أن الوقت يمر، وأن الأمور لا تتم".

نبذة سريعة:
1949: الميلاد في مستغانم (الجزائر).
1954-1962: أثناء حرب الجزائر، كان يعيش مع أسرته في الزاوية في مستغانم.
1968: ذهب لدراسة القانون والتاريخ في باريس، قبل أن ينشئ مؤسسة للملابس الجاهزة مع زوجته.
1975: بعد وفاة والده المفاجئة، أصبح الشيخ 46 للطريقة الصوفية العلاوية.
1986: شارك في اجتماعات أسيزي (إيطاليا) بدعوة من يوحنا بولس الثاني.
1990: أسس الكشافة الإسلامية الفرنسية، والتي يراها "مدرسة المواطنة". هو الآن رئيسها الشرفي.
2001: أسس الجمعية الدولية الصوفية العلاوية (AISA) في درانسي، وهي منظمة دولية غير حكومية معترف بها من قبل الأمم المتحدة في عام 2014.
2017: تبنت الجمعية العامة للأمم المتحدة قرارًا يعلن يوم 16 مايو "اليوم الدولي للعيش معاً في سلام"، وهو مبادرة من AISA.
2018: شارك في وهران في تطويب رهبان تيبحرين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). ستنظم معرض الكتاب "كتابات وروحانيات" جمعية كتابات وروحانيات، التي تأسست سنة 1977، بالشراكة مع عدة مؤسسات، في كلية البرناديين بباريس، يوم الفاتح من ديسمبر 2019. أثير في هذه المناسبة التساؤل التالي، كيف تستمد التقاليد الروحية العظيمة من مصادرها للاحتفال بالأرض والناس ورعايتهم؟ سيشهد هذا المعرض، الذي سيقام هذا العام تحت شعار "أنشودة الأرض"، حضور كتاب وشعراء وروائيين، سيكونون مائة كاتب يهودي ومسيحي ومسلم وبوذي، مع أعمالهم الأخيرة، التي تعني الروحانية الأنسية.
(2). لا يمتلك الشيخ خالد بن تونس سوى جنسيته الجزائرية، وقد أكد ذلك في كتابه "إرث الأخوة". فهو جزائري المولد وغالبية نشأته في فرنسا.
(3). سيكون للشيخ خالد بن تونس إن شاء الله تدخلا، في "أنشودة الأرض"، معية ماريون مولر كولارد وفاليري زناتي، في القاعة الكبيرة.
(4). ذكر الشيخ خالد بن تونس هذه الحادثة، في كتابه "إرث الأخوة"، الصادر سنة 2009، بمناسبة إحتفال مئوية الطريقة العلاوية، حيث قال ""في سنة 1960، كانت كل المدينة  في إضراب لحضور جنازة سبعة أفراد من عائلات كبيرة بمستغانم، ماتوا تحت التعذيب من بينهم صديق وفي لأبي. تصدى الحرس المتنقل و جنود الإقليم للحشد. أطلقوا النار في الهواء. إنهم أطفال الكولون الذين يقومون بخدمتهم العسكرية بالتعاون... أطلقوا النار ليس فقط في الهواء بل مباشرة في الحشود. في هلع، نادى محمد بلعروسي، حلاق، الأطفال ليتسلقوا فوق ظهره بسرعة لبلوغ حائط المقبرة لحمايتهم. لقد كنت منهم. تمسكت به، و بالكاد عبرت إلى الجهة الأخرى، قُتل. إنه يرقد أمامي، أعرف أنه حتى مماتي سأحتفظ بصورة هذا الرجل الذي أنقذ يومها حياتي".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق