الخميس، 9 يناير 2020

نهضة الشيخ خالد بن تونس بالتراث الإسلامي


نهضة الشيخ خالد بن تونس
 بالتراث الإسلامي


    نظمت الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المنظمة الدولية غير الحكومية "عيسى"، مؤتمرها السنوي، الذي يصادف نهاية السنة بمدينة الحمامات التونسية، وتم اختيار موضوع "التراث الإسلامي، معنى وجوهر"، مشروع عمل، اجتمع على القيام به أكثر من 500 مشارك، جاءوا من مناطق شتى من العالم، تحدوهم همة الشيخ خالد بن تونس، الذي جعل هذا الملتقى لبنة محورية لإطلاق مشروع، أقل ما يقال عنه، أنه أراده الشيخ أن ينهض بالتراث الإسلامي، وينقب عن ألائه، ويستخرج كنزه المدفون.  أطلق على هذا المشروع إسم أحد، وقد طرح تساءل عن سبب التسمية، فأجاب الشيخ خالد بن تونس:

    كل شيء يبدأ بالواحد، حتى ملايير الملايير، ما هي إلا واحد ينضاف إلى بعضه البعض. إن التوحيد مبدأ أساسي. هل الإنسانية واحدة؟ فالقرآن يقول نعم. "وخلقناكم من نفس واحدة". إن الإنسانية واحدة، مما يعنيه وجود جسد واحد، والجميع شعوبا وأمم، رغم إختلافاتهم وثقافاتهم وغير ذلك، ليسوا سوى أعضاء لهذا الجسد. وهذا هو السبب في  اختيار إسم أحد.



    جرى الملتقى في الفترة الممتدة بين 27 12 2019 و 01 01 2020، بمدينة الحمامات التونسية، وكان عبارة عن ملتقى ومؤتمر، خصص الملتقى للشبيبة، التي خاضت تجربة تجسيد مباني المشروع، فقد انتظمت في ورش عمل، وتدارست موضوعات مقترحة، رافقهم في دراساتهم أساتذة، وقدّموا نتائج أعمالهم في جلسات علنية، التي تدخل ضمن المؤتمر المقرر، الذي شارك فيه عموم الحاضرين.




إهتمام الشيخ خالد بن تونس بالشباب

   لازم الشيخ خالد بن تونس الشباب في عملهم، وإنه لشديد الحرص على توجيه جهودهم، وإمدادهم بنصائح عملية، وتعليمات إجرائية، يتخذونها في بحوثهم. تتبع الباحثين المبتدئين وقدم النصائح اللازمة، ورسم لهم النهج السليم لإقنفاء الأثر الصحيح والضفر بالبرهان العلمي الساطع. فالمهم، في إحدى الورشات، وهي ورشة الأماكن المقدسة، وفي عرض الشباب العلني أمام الجمهور، أين قدموا نموذج مكة المكرمة موضع بحث، كان للشيخ خالد بن تونس تدخل وجّه فيه الباحثين، وقدم إيضاحات مهمة جدا.

    قام الشيخ، وصرح، يوجد المعنى والجوهر. الجوهر إيماني. أعطيتمونا النظرة الإيمانية، التي جاء بها القرآن الكريم، وجاءت بها السنة والحديث. فهذه آثار وليست دليل.

   أريد أن أوضح بعض الشيء، بصفتي باحثا. أما عن الشباب، فإنهم يقومون بالبحث، وجمع المعلومات حسب المراتب. - وقدم اعتذارا، وقال، ليس في يوم أو يومين، وليست مدة الملتقى سيضفرون بالنتائج، فلديهم الوقت أمامهم-. إن الذي أطلبه منهم هو التمييز بين ما هو تاريخي وما هو من قبيل الأثار، وإن الذي نُقل إلينا، يبقى بدون دليل تاريخي، لأنه شيء بعيد الأمد.

    إن القيام ببحث حول تاريخ مكة المكرمة أو المدينة المنورة يتطلب أبحاث أثرية، وتحقيق على صعيد علمي. لا ينبغي الخلط بين مجال الإيمان، الذي هو إنساني، وليس للعقلانية فيه مكان. لا يثبت العلم بواسطة الإيمان. فالعلم شيء والإيمان شيء آخر. والبحث العلمي والقضية الإيمانية شيآن متميزان. يجب إيقاع التمييز، وإلا سيندرج تحت وقع الأسطورة، ونجعل من الأسطورة حقيقة تاريخية، وهنا يقع الخلط.

    في كلامه حذر الشباب من الخلط الذي يقعون فيه، ورأى فيهم عدم الإقتناع بما تحصلوا عليه، ولا يصدقونه، وأدرج الشيخ، قد تكون المعلومات المتحصلة، مأخوذة من الإسرائيليات، أو نقلت عن العرب العاربة، ليست أخبار علمية ثابتة.

    وأخبر الشيخ خالد بن تونس، بأن البحث الأثري سمح به فقط في السنوات الأخيرة في الجزيرة العربية، ويخص فقط منطقة الشمال، مثل مدائن صالح. للأسف فالكثير من التراث الإسلامي وما قبل الإسلامي في مكة المكرمة قد طمس. كيف يمكننا أن نثبت؟ يتطلب العلم وجود الدليل الأثري، وهذا الدليل دمر عن قصد منذ سنوات.

    إن مكة وضواحيها ما تزال مجهولة الأثر، لم تطأها بعثة بحث أثري، وهذا مجال لا يمكننا مسه، بدعوى أن لو سمحنا بالتنقيب، ربما تثار شكوك حول أسطورة التاريخ.

    إن البحث الذي ستخوضونه، سِيروا فيه بعقلانية واتخاذ دليل وحجة، بإثبات، وتوفر معلومات، واعلموا أن المسائل الإيمانية شيء، والمسائل العلمية شيء آخر.

    إن الخطأ الذي يقع فيه الكثير من المسلمين هو إثبات كلام الله بإنجازات العلوم الحديثة، وهذا خطأ، لأن العلم يتبدل ويتغير حسب الإكتشافات. إن اتخاذ العلم الحديث معيارا لكلام الله هو خطأ نرتكبه.

    حاليا، من حيث توصّل العلم، فإن الإنسان القديم، أول ما تواجد على سطح الأرض، ظهر بأفريقيا، وارتحل منها عبر باب المندب، وسكن اليمن وعمّر الجزيرة العربية. كانت وقتها الأرض قريبة، والبحر الأحمر به المد والجزر. هذا إثبات علمي. هذا هو العلم، وغدا، ربما نجد مسألة أخرى أو كلام آخر، يثبت أو ينفي ما قبله.

    ثم حرص الشيخ خالد بن تونس على التنبيه بوجود أناس مميزين، ذكرهم الله سبحانه وتعالى بقوله "إن في ذلك لآيات لأولي الألباب". وقال "الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض". عندما ذكر الكعبة المشرفة، قال ليست عندهم سوى رمز، ونخص بالذكر في المقام الأول، طواف الملائكة حول العرش والبيت المعمور. لا يتصور الإنسان أن الله عز وجل محتاج إلى بيت، فالإنسان هو الذي بحاجة إلى بيت، كرمز للتوحيد. كل ما خلق الله تعالى من الذرة إلى أعظم الكواكب، ونجد منها ما يكبر الأرض بملايين المرات، وتعد هذه الكواكب والنجوم بملايير الملايير، كلها تطوف ليلا ونهارا، وقرونا من الزمن، منذ بداية الخلق إلى يومنا هذا، والطواف لا يتوقف، ولا رمشة عين. وكل ما هو كائن في الكون أو الأكوان يطوف. لن تجدوا أبدا الحضرة الإلهية في مختبر أو تحت مجهر. إن الكعبة هي نوع من التذكير بالخلق الأول. وإن الخلق بحاجة إلى شاهد أن للوجود وجود.

    حذر الشيخ خالد بن تونس من الإيمان العاطفي الذي قد يوقع في الكارثة. وضرب مثلا، بالفقهاء الدينيين الذين يزعمون أن الأرض مسطحة، هؤلاء علماء، ولهم تقدير، واختصاص شأنهم ديني، ويتدخلون في علوم أخرى، لا دراية لهم بها. من هنا يأتي الضرر. إن الذي يعنيه هو منع الأطفال من تعلم التكنولوجيات، وصدهم عن حياة زمانهم، والإطلاع على معارف وعلوم عصرهم..

    ثم خاض الشيخ في وصف العماء الذي ذكره الصفوة الأوائل، وقال أنها المادة السوداء المكتشفة في العصر الحديث. وتساءل كيف أنه تواجد أناس علموا بوجود المواد السوداء قبل القرن الواحد والعشرين. هل هذا هو السؤال الوجيه؟ وبأي وسيلة؟ أراد أن يلفت أنه يوجد أهل البصيرة، الذين خصهم الله بعلمه وفضلهم. وأضاف، إن الإنسان مع كل تكنولوجياته ومعارفه وصل أخيرا إلى الإدراك أن الكون مكون من 98 % من المادة السوداء، وباقي المجرات والشموس والنجوم العظيمة والكواكب، تمثل النسبة الباقية. فهم صفوة الصفوة أو مجانين الله، تكلموا عن العماء منذ قرون.





في رحاب إذاعة تونس

    خص الشيخ خالد بن تونس إذاعة تونس، القناة الدولية بحديث صحفي جرى أيام المؤتمر، وبت في بداية العام الجديد، يوم 03 01 2020.

    في حديثه أوضح الشيخ خالد بن تونس، أن الحقائق لازالت مدفونة تحت التراب، مشيرا إلى تحديات ومسعى المشروع، قال أنه سيجري بحث أثري، ينزع التراب، ويكتشف تحته كنز مخفي، وهذا الكنز لابد لنا أن ننطلق إليه، لكي نستطيع أن نغذي ضمير أبنائنا وبناتنا، حتى يبنون المستقبل معا، وإن الحضارة الإسلامية من الحضارة الإنسانية، واليوم نرى كيف أن حضارة وثقافة الإسلام مشوهة تماما. لنغير شيئ ما في الصورة التي نراها عن الإسلام، وهي معروفة عند الجميع.. ويستدعي الأمر تسخير الشباب، وإيجاد له وتوفير كيفية علمية بيداغوجية. ونبدأ من بداية البداية، نقوم برحلة أو سفر، سموها كما تريدون، نسأل التاريخ، ونسمع من الرجال الذين كانوا السبب في علو شأنه.

    وأضاف، إن الروحانية غير معروفة عندنا في أيامنا، ولا ننسى أن رسالة الإسلام هي قبل كل شيء رسالة روحية، وتتوجه إلى مَن؟ تتوجه إلى الروح، وتتوجه إلى نفس الإنسانية، وتغذي الضمير. كانت رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأول روحية، وتتمحور في الأصل حول التوحيد.

    وأردف، عندما نتكلم اليوم عن الإسلام نتكلم عن إسلام سياسي، إسلام إيديولوجي، ولا نتكلم سوى قليلا عن هذا الإسلام الروحي، وهو العمود الفقري، الذي سمح لهذه الحضارة بالتواجد، منحها صفوة رجالها، من كبار الشعراء والروحانيين، وكبار الفقهاء، ممن أسسوا لهذا الفكر.

    وفي رده عن سؤال الصحفية، هل يمكن أن يكون التصوف هو الحل؟ قال، لا أعتقد ذلك، يمكنه الإسهام في إيجاد الحل. وأضاف، لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم "أي الأديان أحب إليك؟ قال: الحنيفية السمحة". رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما. لماذا لم يقل الإسلام؟ لهذا نطلب من شبابنا مراجعة التاريخ، كلمات ولآلئ مثل هذه توطد وتعزز، وفي هذا الإنفتاح نتفهم الآخر، والمسلمون لا يفهمون هذه الرسالة التي يحملونها. إنها تحمل رسالة الوساطة، قال تعالى "وجعلناكم أمة وسطا". يتمثل دوره في تقريب ومصالحة بين شخصين يتواجدان في المعارضة، وخلق صلات بين الأشخاص في العائلة الإنسانية، سواء كان هذا الإنسان ينتمي إلى ديني أو من دين آخر.. وفقدنا ذلك مع مرور الوقت. لا تدوم أي حضارة. أسست الحضارة الإسلامية جزء من الحضارة الإنسانية... أصبح اليوم ينظر إلى الدين الإسلامي من طرف باقي العالم كدين عنف، وهو ليس كذلك.

    وخلص، نريد ونتمنى أن يفهم أبنائنا هذه الرسالة العالمية للسلام، ويعيشون معا، في الكنف المقاسمة والكرامة، وإنه الرجوع إلى الإنساني..

    قالت الصحفية، لإنهاء هذا الحوار الشيخ بن تونس، لا تفصلنا سوى أيام عن سنة 2020، وهذه المحاورة ستبث في أوائل سنة 2020. نود سماع تمنياتك لهذه الإنسانية، التي تعاني متاعب كثيرة للبقاء متوحدة، وعلى الخصوص الشباب الحزين جدا. ماذا يمكن أن تقول لهذه الشبيبة؟

    فأجاب، إن نضالي كما قدمتموني في البداية، أنني مؤسس الكشافة الإسلامية، الكشافة الإسلامية الفرنسية والكشافة الإسلامية الأوروبية. كانت الشبيبة دائما شغلي الشاغل. أقيم هذا الملتقى من أجل الشباب. إذن أدعو كل هؤلاء الشباب إلى هذا السفر نحو الذاكرة والإرث وتراث الماضي، وسيَرون أن فكرة الجهاد فكرة نبيلة. إن المعنى العميق للجهاد هو الجهد، واستعمال جهد، وليس الإعتداء على حياة أيّ كان. لا نجد الحل من ذلك الجانب، إنما الحل في التحلي بإدراك. ينبغي إعداد شبابنا للحياة وليس للموت. فهي مكتوبة على شبابنا، عاجلا أو آجلا، كل واحد منا سيرحل. ولكن ما الذي سيتركه بعده للإزدهار، وما الذي سيتركه بعد موته، نجده كائنا عند أهله، وعند الناس، والإنسانية. وما أعطاها من الشيء الكثير، وليس القليل، بل الكثير، في العلوم  والمعارف، في الخير والإخاء والعدالة. جهادنا هو قبل كل شيء ضد الجهل. إذا أراد شبابنا أن يبنوا مستقبلهم، فليبنوه مع الغير، وليس ضده، ولبنائه ينبغي العودة نحو المعرفة والتمكين من العلوم. وحسب رأيي أول ما ينبغي معرفته من العلوم، هو من أين جئنا؟ لمعرفة إلى أين نريد الذهاب. أي دعوتهم إلى إعادة قراءة تاريخهم وعيشه، ولكن ليس من خلال أي إيديولوجية مهما كانت، أو أي حزب مهما كان. 



أثناء إلقاء مذاكرته بالجمع الروحي

تمنياته

     بمناسبة حلول السنة الجيدة، بعث الشيخ خالد بن تونس بتمنياته قائلا "نتمنى أن تكون سنة 2020، بالنسبة لكل شبيبة العالم، سنة لبناء مستقبلهم، الواحد مع الآخر، وليس الواحد ضد الآخر. مع أطيب التمنيات للجميع". وفي مذاكرته الختامية، خص الشباب بتشكر خاص فقال "شكرا جزيلا، شكرا للمقاديم، وشكرا لشبابنا، الذين لمدة ثلاثة أيام، حققوا معجزة، جاءوا إلى تونس، ولم يروا منها شيئا. يأتي الشباب إلى هنا للتجول والخروج. فكلنا مررنا بهذا. ونحن حجزناهم هنا أمام الحواسيب من الصباح إلى المساء، وضغطنا عليهم. أتمنى أن يسامحونا. كانوا في القمة. الحمد لله. أثبتوا أن بإمكانهم أن يضطلعوا بهذه المهمة. لقد عقدوا التحدي.. أشكرهم جزيلا، وأتمنى لهم سنة سعيدة. ولتكون سنة 2020، سنة الشباب. آمين والحمد لله رب العلمين".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق