الأخوة في الميراث، رسالة معاصرة

رسالة معاصرة

     عن أنس بن مالك رضى الله عنه :أن رجلا سأل النبي صلى الله عليه وسلم عن الساعة ، فقال : متى الساعة ؟ قال :ماذا أعددت لها  . قال : لا شيء ، إلا أني أحب الله و رسوله صلى الله عليه وسلم ، فقال :أنت مع من أحببت.     

    إن الساعة آتية، و لن يفر أحد من قانون الحياة و الموت، حتى الكون. « كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام ». القرآن الكريم. بلى، إن من إختار المحبة، بإمكانه الوصول إلى المطلق.

    تُكوِّن الولادة و الموت هذا الزوج الغير قابل للإنفصال، الذي يجعل من الوجود هذه الحياة  نفسها. بكم من الموتات النفسية يجب أن نمر، حتى يكون بمقدورنا الإقتحام كما ينبغي موتنا الحسي؟

    سمّى القرآن علامات الساعة، سواءا كانت كبيرة أم صغيرة « بعلم الساعة »، الذي يحمل معرفة تُوضّح الإضطرابات التي تحدث فجأة. فهذه العلامات سواءا كانت على مستوى حياتنا أو على المستوى الكوني، تُنبئنا دائما بالتحولات التي ستطرأ. بأي شكل يمكننا فهم هذا أو ذاك الحدث، و نأخذ منه العبرة، التي نحن بحاجة إليها للوصول إلى التحقيق؟ كيف نتحضر لها؟ كيف نتعلم؟ هذا ما يبدو لي أساسي اليوم.

   
نبؤة
 
    جاء في الأثر الإسلامي، أن الرسول صلى الله عليه و سلم، إلتقى عند المعراج بالعديد من الرسل. و سأل كل واحد منهم، إن كان يعلم آوان الساعة. كما جاء في الأثر، أجابه فقط سيدنا عيسى، بأنه لا يعلم متى الساعة، و لكنه يعلم أشراطها. فسيدنا عيسى عليه السلام الشاهد على العلامات المنذرة. إنقطاع المطر، جدب الأرض، أدخنة، إضطرابات إجتماعية، حرب في العراق و الشام، بنايات عالية، الفساد،...

    هذه بعض العلامات التي ذكرها الرسول صلى الله عليه و سلم (*):

    خطب النبي صلى الله عليه و سلم أصحابه يوماً و الشمس على رءوس الجبال فقال: « إنه لم يبق من الدنيا فيما مضى منها إلا كما بقي من يومكم هذا فيما مضى منه ».

    عن أبي هريرة  قال: قال رسول صلى الله عليه و سلم: « إنها ستأتي على الناس سنون خداعة، يصدق فيها الكاذب و يكذب فيها الصادق، و يؤتمن فيها الخائن و يخوَّن فيها الأمين، و ينطق فيها الرويبضة » قيل: و ما الرويبضة ؟ قال: « السفيه يتكلّم في أمر العامة ».
    
     عن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه و سلم: « إن بين يدي الساعة : تسليم الخاصة، وفشوُّ التجارة حتي تعين المرأة زوجها على التجارة، و قطع الأرحام، و فشوُّ القلم، وظهور شهادة الزور، وكتمان شهادة الحق ».رواه البخاري، و أحمد، و الحاكم و صححه.  و معني تسليم الخاصة : أي لا ينتشر السلام بين العامة ولا يسلم الواحد إلا على خاصته. و معني فشو القلم : كثرة الكتبة مع قلة العلم و الدين.  
  
      و ورد في البخاري حديث: « لا تقوم الساعة حتى تخرج نار من أرض الحجاز تضيء أعناق الإبل ببصرى ». كناية عن نيران آبار النفط في الصحاري.

    في رواية لمسلم، جاء في حديث: « و أن ترى الحفاة العراة العالة رعاء الشاء يتطاولون في البنيان ».

    كما في الصحيحين لما قال النبي صلى الله عليه وسلم لجبريل : « و سأخبرك عن أشراطها : إذا ولدت الأمة ربتها ». و معناه أن يكثر العقوق في الأولاد فيعامل الولد أمَّه معاملة السيد أَمَتِه من الإهانة والسب.
   
    و عن حذيفة و علي رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم قال :« إن من أعلام الساعة و أشراطها : أن يكتفي الرجال بالرجال، و النساء بالنساء ». رواه الطبراني عن ابن مسعود أيضاً .و هو كناية عن : كثرة الفاحشة في الرجال، و كثرة السِّحاق في النساء .
   
    أوضحت عشرات الأحاديث إضطرابات تلك الأوقات، عندما يخرج المسيح الدجال- و يسمى كذلك « الأعور »- الذي يبدل الحق بالباطل، و الصدق بالكذب، و الأمانة بالخيانة. و بقلبه للقيم، يعطي نظرة ناقصة عن الحقيقة. يجرّ إلى الشقاء كل من فتن به. يحيي الموتى، يزيد في ثروات و أملاك أتباعه، ينتج فاكهة و خضر و حيوانات كبيرة....

    عندها يظهر سيدنا عيسى مرة أخرى، لإقامة العدل و إقرار الحق « ». هي كثير من المجازات تشهد لعالم عاد إلى منهج الشريعة، بتناغم و استقرار.

    كيف لا نربط بين هذه التنبؤات من القرن السابع الميلادي، و الفوضى التي يعيشها عالمنا المعاصر، في نهاية القرن العشرين، و بداية القرن الواحد و العشرين الذي عرف تشرنوبيل، و تسونامي، و الزلازل، و الأزمة المالية، و التعشير الصناعي، و عدم الإستقرار الإقتصادي و الإجتماعي....؟

    منذ قرون، إذا لم نقل آلاف السنين، نحن نجني ما زرعنا. لا يعي الإنسان الدرس جيدا، فالثغرات ما زالت قائمة، و تزداد بدون توقف. الحروب تتكرر، رغم الإقرار بالفشل. مهما كان المخرج، و الآلام التي تسببها، فالإنسانية مستمرة بلا كلل في تدهورها. شعب مظلوم يصبح بدوره ظالما. كل شعب يختبره بدوره. تبرر الصراعات باسم الإيديولوجية، أو سياسة التوسع الإقليمي، أو محاربة الإرهاب...، بدون التفكير في أي و سيلة أشرف من الأسلحة، و الدماء، لإزالة هذه الصعوبات.

    على مستوى الضمير أو النضج، نستطيع القول بأننا ما زلنا في عصر ما قبل التاريخ. حقا، نحن قادرون على الإنتصارات التكنولوجية، و لكن قلبنا يبقى عاجزا قطعا. لم نتعلم بعد، أن ما نربحه بمصائب الآخرين، فإننا نخسره، لأن كل دمعة، عاجلا أو آجلا، ستأتي و تطالب بحقها. 


وضعية مقلقة

    من المؤكد أن الأرض قد دخلت طورا جديدا. بهذا الخصوص، فإن التقرير السري للبنتاغون حول التحول الإقليمي يوجب الإعتبار(1). لم يعد يسمح تدهور النظام البيئي، بأن نتساءل عن حقيقة الإنقلابات القادمة، و لكن عن مدى إستحقاقها. 
 
    ربما هذه الكوارث هي فرصتنا الكبيرة. ألن ترغم أخيرا العالم السياسي و المالي على التحرك؟ أصبحت شركات التأمين تتأمن فيما بينها، لأنها شاعرة بخطورة الوضعية. إذا لم يكن النظام البيئي ضمن إهتماماتها، فإن التكلفة المالية و ترديها، هي في المقام الأول.

    إن المسؤولين عن الحالة الكارثية للعالم اليوم، واعين أن من فائدتهم، هم ملزمين على تغيير طريقة تشغيلهم. عالم الغد غير مسقر، و خطير للغاية. التوتر الدولي المرتبط بالإرهاب هو نتيجة السياسة، التي إنتهجتها الدول الواثقة من هيمنتها، سواءا كانت على المستوى الإستراتيجي أو المالي. إن النظام السياسي، و الإقتصادي، و الإجتماعي مثلما هو عليه، لا يشتغل، فإنه يعتمد على تسلسل إداري تقنوقراطي(2) مُسيطِر على أصحاب قرار خاضعين لقاعدة مُرغِمة للإمتثال. الأزمة المالية هي أكبر برهان مشهود. أضاع رجال السياسة جانبا من مصداقيتهم التي كانت لهم. إنطلقت إضطرابات غير مسبوقة. كيف سيكون مثلا، صدم ظهور الصين و نموها المفرط على الإقتصاد العالمي؟ جسيم قطعا.

    فلأنها حاولت تجربة النمو اللامتناهي، فإن العصرنة سائرة نحو دمارها. لأن قسم من الإنسانية، إختار الظهور بدل الكينونة، فقد خاطرت بفنائها. لم يسلم أي قطاع. الطب، المعمار، الفلاحة، الثقافة، كل ما كان يمثل سابقا العقل السليم، العقل العطوف، حُوِّل حرفيا عن هدفه الأول الذي كان خدمة الحياة و ليس إستعبادها.
    أنتمي إلى الذين يسافرون عبر العالم، منتقلين من قارة إلى أخرى، أين ألتقي بالكثير من الناس من مختلف الثقافات و التقاليد، سواء كانوا من  رجال الدين، أو علميين و جامعيين و باحثين.

    في 2005، جمع مؤتمر بطوكيو ألف و سبعمائة منهم، جاءوا من جامعات العالم كلها، لدراسة الوضع، حاضر ومستقبل الديانات. حددت كل التدخلات أهمية مخرج مشترك، هو الإنسانية. إنسانية تصبو إلى روحانية كونية بعيدة عن العقائد و العِقالات.

    في نفس السنة حضرت بجوهانسبورغ، بجنوب أفريقيا، لقاء إثنين و أربعين دولة أفريقية، الذين بتنوعهم الديني، - البودي، و المسيحي( البروتستاني و الكاثوليكي)، و المسلم، و الهندوسي – توصلوا إلى نفس النتيجة. لن تنقد أفريقية إلا بالرجوع إلى الشعور الشامل الذي يربط الرجال و النساء بنفس الوثب الأخوي. فقط طاقة الإيمان و الروحانية يمكن أن يطور هذه القارة، بعيدا عن الصراعات الإثنية أو المصالح السياسية و المالية.
   
    يبدو أن ملايين الناس يصبون إلى تغيير عميق. التجارة المنصفة في إنتشار، و رأت العديد من جمعيات التبادل، النور في عدد من دول مثل فرنسا أو سويسرا، أين يمكن مبادلة ساعة من المعلوماتية بساعة طبخ. بيّن صبر للآراء أُجري بالولايات المتحدة و أروبا، أن السكان مستعدين بأن يقبظوا أموالا أقل حتى يعيشوا بتناغم مع الطبيعة. هل سنكون ناضجين لذلك؟ أو هل يجب إنتظار كوارث أخرى كي تحركنا؟ و هل سنترك أبناءنا و أحفادنا يتحصلون على هذه الشجاعة التي لم تكن لنا؟

    يبدو لي أنه قد قامت نهضة شعور عالمي. ملايين الناس تصبو إلى تغيير، حتى و لو أن العديد من العراقيل تمنعهم من التعبير و التواصل. أُجريت عمليات صبر الآراء بالولايات المتحدة و المجتمع الأروبي، تقوي هذا الكلام. يريد معاصرونا تغيير عميق، حتى و لو أن القليل منهم ما زال يجرؤ على قول ذلك. و لكن عاجلا أو آجلا، ستظهر الحقيقة، و يكتشف الناس بعضهم بعضا من قارة إلى أخرى، و من بادية إلى أخرى. سيتححقون يوما أن أفكارهم متقاربة، و رغبتهم في التغيير تُسبِّق الأشياء. ينبثق هذا الشعور الجديد القادمِ، من الدائرةِ. و ليس فقط من قمة تقرر و قاعدة تنفذ، و لكن بصلة جديدة قائمة بين الناس على شعور مشترك، مُوحِّد، و مسؤول، مرموز بصورة الدائرة. يتوجه من محيط الدائرة كل واحد نحو مركز مشغول بالحياة نفسها. هو مركز التبادل بين كل الناس، و كل واحد منا يمكنه الإستمداد منه حسبما قدمت يداه.
 
    يتزايد الشعور كلما تضاعفت الكوارث. هذه ليست أدنى مفارقات عصرنا. إنه يخصّ جماعة صغيرة، و ستصبح مجتمعا، قبل أن تمس العديد من الأشخاص عبر العالم، و تفرض تغييرا في طريقة الأدلة.
    
    هكذا تحمل كل الكوارث معها بذرة مستقبل جديد. قال أبي: « إصبر و صابر عساه يحلى غدا ما هو مرّ اليوم... ».

    إن الساعة هي كذلك إعلان عن ميلاد جديد. إننا نغوص في الليل و الفجر لم يحن بعد. و لكن كلما و لجنا سواد الظلمات، كلما إقترب النور. إذن لماذا نخافها؟ أ ليس بالعكس، يجب حثها بسرعة لأنها حاملة بأمل محتم؟ يعد تسونامي الذي حدث سنة 2004 واحدا من أكبر الكوارث الطبيعية في التاريخ. فقد أحدث حماسة دولية غير مسبوقة. لأول مرة تفوق الهبات الإحتياجات.

    يعلم جيدا، الرجال و النساء الذين يمارسون روحانية صحيحة، أن عصر سعادة سيخلف الفوضى الحالية للعالم المعاصر. فعلى الإنسانية أن تحوز هذا الأمل الجنوني، و تسميه بكامل وعيها. حقا هو قادم، و لكن يجب أن يبنى.


بناء المستقبل

    قال الشيخ عدة بن تونس: « لا تسأل المرء عن دينه، بل إسئله عن أي حقيقة يبحث ». أي حقيقة تبحثون؟ و عن أي حقيقة نبحث؟

    إن عاد الإنسان إلى الحكمة، سيُنار به القسم الإلهي. نحن ما زلنا  بعيدين عن ما يمكن أن نكون. حقول كاملة من الشعور ما زالت مجهولة لدينا، يمكنها أن توصلنا إلى إتصال جديد، و سمو أكبر.

    على كل واحد منا أن يتحوّل، و ينفتح أكثر ليتلقى المحبة الإلهية، التي يحملها ملايير الناس معهم، بدون أن يتجرأوا على إبدائها. تحصلت على هذه المحبة عن طريق التقليد، و الطريق الذي أسلكه.

    كيف سيكون إنسان الغد؟ هل ذاك الذي برشده، سيجد التوازن بين العقلانية و الروحانية، وبين العقل و الحدس؟ الأولى تسمح بالنظام، فبفضلها أمشي على الطريق تبعا للبروزات التي تظهر لي. هو مسار حياة. الثانية مرتبطة بالمحبة، بها لا أمشي، بل أطير، ما دامت متعلقة بمجال الروح، أي باللامرئي. يحترم العقل قواعد الحياة، و الحدس يتجاوزها.

    ألا يتواجد التناغم في التزاوج البارع بين الإثنين، ما  دام الإنزواء في واحدة هو إقصاء للأخرى، و العكس صحيح؟  

    نقرأ على جبهية معبد دلفيس: « إعرف نفسك بنفسك، تعرف الكون و الآلهة ». فمعرفة النفس هي الوسيلة الوحيدة للإجابة على الإضطرابات القادمة.

    نحن على عتبة مستقبل شبيه بوحش ضار، ينقض على كل ما يجده، مستقبل مليئ بالوضعيات الغير متوقعة. يضرب هذا الوحش مرة بواسطة الدين، و مرة بواسطة العلم، و مرة بواسطة العالم الإقتصادي أو السياسي. ستستعمل كل الأسلحة. مَن لم يتحضر لهذا المستقبل سيضيع، و يُنسى، وتفوته الأحداث. يصبح عبدا للآخرين. في الحقيقة، نحن سائرون نحو عالم خطير جدا. ستظهر جماعات كالتي ظهرت اليوم(3)، لا تخاف الموت. ستنتقل بؤر التوتر في كل مكان، بدون ما يمكن التنبؤ بها، أو حتى فهمها، لأنهم لن يطالبوا بشيئ.

    و صلت نفس الإنسان إلى درجة أصبح لا يتواجد شيئ عداها. تألّه الإنسان(4). لقد دخلنا عصر الإنحطاط، بحيث أُفرغت كل القيم الإنسانية من معناها، و عُوضت بسعر السوق الموحّد. الأزمة الحقيقية لم تبدأ بعد. زلزال قادم. كل ماهو من الثوابت سيتزعزع. هذه القيم التي كنا نعتقدها أبدية تنهار كقصر من أوراق مبتذل.

    لا أؤمن بالثورات السابقة، و لكن بشعور جديد يسكن الناس، بتنوعهم الثقافي، و العقائدي، و الفلسفي، و الجنسي، و الديني. لا نستطيع تغيير الأشياء، إلا بتغيير عالمنا الداخلي. على كل واحد و واحدة منا من الآن و صاعدا، أن يعي بإمكانياته، و إلتزاماته العميقة، و مسؤولياته. في عالم يشهد تحولات كثيرة حيث الأزمات متعددة، طاقوية، و بيئية، و مالية، و غذائية، و روحية، ولّدت ‏قلقا واضطرابا، فمن واجبنا التفكير في مشروع إنساني جديد مميز بتضامن حقيقي. كيف نعيش غدا في الأرض بتسعة ملايير إنسان؟ هذا ثقل لم تحمله الأرض من قبل. ماذا سيكون بالنسبة للماء و الطاقة و الغذاء؟ لا يتعين أي شخص إلا بعلاقته بالمجتمع الإنساني، في إنفتاح و تقبل للآخر. يجب أن نرجع إلى روح الوحدة، و التكافل بين الروح و العقل، و الإنتقال من ثقافة « الأنا » الفردية و الأنانية إلى ثقافة « النحن » التي توحّد و تجمع.

    الآخر، ألا يكون أحسن حليف لي ليساعدني على أن أكون أنا بالذات؟ قال الشيخ العلاوي: « إذا لم تجد الله في الإنسانية، لن تجده في جهة أخرى ». لا يكمن المشكل أبدا في الآخر، و لكن في جهل أنفسنا، و الحال أن الوصول إلى معرفة النفس هو الوصول إلى معرفة الله.

    أين المسلمون المتمسكون بنور الرسول صلى الله عليه و سلم، القادرين على الترفق بمخلوقاته، و يقبلون كل الديانات، و كل الشعوب، بدون تفريق في الجنس، و يستقبلونهم بلطافة كمخلوقات ربانية توجب الإحترام؟
    
    أثناء أحد اللقاءات البيدينية بجنوب أفريقيا، التي ذكرتها، افتتح الحوار من طرف بودي. بدا جانبا من المجلس مضادا. و البودية تتواجد أصلا قبل الإسلام. شاركت عدة نساء بهذا اللقاء، و ذهبنا معا لأداء صلاة الجمعة. قبل الوصول إلى المسجد توقفت الحافلات، و طُلب من النساء النزول للوضوء. ثم غادرت الحافلات. كان ذهولي كبيرا، لقد تمت الصلاة بدونهن، لماذا لا تستطيع النساء أن تصلي مع الرجال، و قد كنا مجتمعين في الملتقى؟ بأي حق نمنع الرجال و النساء بأن يصلوا جنبا إلى جنب، ماداموا يطوفون حول الكعبة معا؟

    ما هو  مستقبل نساؤنا؟ أؤكد لكم أننا نسيئ إلى نسائنا و ننتقصهن، و لا نعطيهن مكانتهن الحقيقية. ما دامت تهان، فإنها تقوم هي بدورها باحتقارنا. ستبقى مسألة المرأة في المجتمع الإسلامي بدون حل، إذا رفضنا إعتبار دورها الثمين و الحقيقي، و لم نرد إليها حقها و كرامتها. إن الرجل و المرأة موحدين بسر رباني. لا يستطيع الأول أن يبلغ الكمال إلا بوجود الثاني، و العكس صحيح. يقال أن المرأة خلقت من الضلع الأيسر للرجل، هنالك أين يسكن القلب. هذا رمز بائن.

    مسألة المرأة هي واحدة من المسائل التي يجب أن تؤخذ بعين الإعتبار، ليست من إحداث المجتمعات الإسلامية فقط، بل كل المجتمعات، حتى الغربية منها. إذا  كانت تنعم بكل الحريات، فإنها تبقى مادة تجارية، جسمها ليس سوى منتوج دعاية لخدمة التسويق. إذا كانت العصرنة قد حررت المرأة، فإنها لم تحل مسألة مكانتها الحقيقية. هل ستبقى موضوع رغبات و استيهامات الذكور، أم تعود أرض الإستقرار و الخصوبة من أجل طمأنينة النفوس؟
    
    مستقبل الإسلام هو بالخصوص، بين يدي المرأة المسلمة. هي من يمكنها أن ترقي المجتمع أو تسبب إنحطاطه. إني أدعوها إلى طلب الحقوق التي منحها لها الله و رسوله، و سلبها إياها مجتمع مسلم متخلف. أشجعها أن تعرف بنفسها تاريخ و وضع المرأة عبر النصوص، بدون أن تنتظر أن يكون الرجل من يعلمها. لقد ولى زمن إعتبار المرأة ككائن أدنى، و نطلبها بتحمل أثقل الأعباء في حضن المجتمعات الشرقية أو الغربية. إذا بنينا مسجدا، و لم نخصص مكانا للمرأة، فلن يبقى هذا مسجدا حقيقيا.

    أنا مسجل في حقيقة و الغير (الآخر) كذلك. أحيانا تتكامل حقائقنا، و أحيانا تكون متباعدة حسب مصالح كل شخص. كم من مرة يكون الغير نقيض ما أنا عليه، و يشارك في وجودي. كل كائن هو مثل حرف من حروف الأبجدية. لا يكون لها معنى إلا بربطها كي تعرب الكلمة، أي المعرفة و المحبة. عندما أقبل أن أعيد إرتباطي بالآخر، أصبح حقيقة مفكرة. إذن فمن الواضح أن العوائق ضرورية بمأنها مكملة. إذا طبق مبدأ مثل هذا على العالم، يسمح للمجتمع بأن يبنى. يُكمِّل تبايني تباين الآخر، و يصبح إمكانية للتصرف. لا ترفض خاصيتي خاصية الآخر، و لكن تزيد فيها، و كل شخص يغتني بالتباين الذي للآخر، و يغذي تقليد الأخوة الآدمية العزيزة على الصوفية، و الكفيلة للحوار. إنه واجبنا كآدميين أن نُدوّم هذه الثقافة، و الذاكرة، و الروحانية التي نُقلت إلينا، و نحن الكفيلين لها و مُبلغيها.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(*). ذكر الشيخ خالد بن تونس، ثمانية أحاديث للرسول صلى الله عليه و سلم، إختارها من كتاب "علامات القيامة"، ترجمة دومنيك بينو، دار ألف، 1992. لم نقف على كل الأحاديث التي أختيرت بالضبط، فذكرنا روايات مشابهة.
(1). بيتر شوارتز و دوغ روندل، التقرير السري للبنتاغون حول التحول الإقليمي، أليا، باريس، 2006.
(2). التقنوقراطية: نظام يمارس سلطته القائمة على دراسات نظرية معمقة للنشاط الإقتصادي، من غير أن يولي العوامل الإنسانية أهمية كافية. و كذلك، غالبا ما يمنح للفنيين نفوذا على حساب الحياة السياسية.
(3). الهجمات الإرهابية ببومباي في نوفمبر 2008، هي مثال ضارب.
(4). عدّ نفسه إله.