الأربعاء، 10 يناير 2018

إعطاء روح للعيش معا، المستقبل المشترك

إعطاء روح للعيش معا، المستقبل المشترك

    في إطار المؤتمر السنوي، الذي تنظمه الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المنظمة غير الحكومية، عيسى، أعطي الموعد هذه المرة، بمنتجع ميموزا روسور، بمدينة كان الفرنسية، الذي شهد مجريات ندوة دولية، يومي 30 و 31 ديسمبر 2017، عنوانها "العيش معا و مصالحة العائلة البشرية".
    في عشية يوم 31 ديسمبر، وخلال مناقشات المائدة المستديرة، التي جمعت عدة شخصيات، ألقى الشيخ خالد بن تونس كلمة مفيدة و مهمة، مفادها "إعطاء روح للعيش معا، المستقبل المشترك".

ــــــــــــــــــــــــ
    شكرا لجميع الذين حضروا، وأيضا للغائبين، الذين يشاهدوننا من خلال تكنولوجيا الإتصالات، عبر العالم، فهم ألوف، على كل حال. أريد أن أحمد الله وأشكره، الذي جعلنا أهلا لزراعة هذا الأمل، في قلب كل كائن، بدون إقصاء جنس أو دين أو بلد، وتسخيره بشكل ما، كي يستنبت. إذا كان بأيدينا اليوم البذرة، فلا شيئ يضمن لنا، أن هذه البذرة ستعطي ثمارا. فإن العمل، هو العمل الذي ينتظرنا جميعا، بدون إستثناء، إذا كنا نرغب في ترك شهادة، في إقامتنا القصيرة، التي نسميها الحياة الأرضية.

    تكلمنا اليوم كثيرا عن التصوف، ولا أريد أن أخوض في الذي شرحه، جميع الذين سبقوني، أشكرهم، لقد قدّموا ما في وسعهم، لوصف هذا التقليد وهذه الثقافة، ووصف تعليم الكرامة الإنسانية، والعلاقة بالآخر، وعلى الخصوص شعيرة الإحسان.

    سأبدأ بالكلام عن الرأسمال، الذي أعطيه عناية خاصة، إنهم أبناءنا وأحفادنا. بالنسبة لي، فإن الإنسانية تتلاحق، من جيل إلى جيل، وإن فشل جيل سيحدث تصعيدا، في الأجيال التي تجيئ بعدنا. إننا نتحمل مسؤولية أخلاقية وروحية، ودينية - لذوي الإيمان-، وتقع علينا مسؤولية، على الخصوص، حيال الأجيال اللاحقة. قال صهر النبي صلى الله عليه و سلم، علي ابن أبي طالب، رضي الله عنه "لا تؤدبوا أولادكم بأخلاقكم، لأنهم خلقوا لزمان غير زمانكم" . فنحن لحد الآن، لم نتكلم سوى عن زماننا، وتكلمنا قليلا عن زمانهم والذي ينتظرهم. كيف نُعدّهم لعالم، هو اليوم بدون حدود، وبدون نهايات؟ عالم معولم مكوكب، نسميه القرية العالمية، عالم يضيق، وتتعرض فيه الحياة نفسها، بالنسبة للكثير من الأنواع، للتهديد.

    في اليوم الأول شاهدوا فيلما، شهدناه معا، فيلما لا يدعو إلى التفاؤل، و يدعو إلى التشاؤم، وفي هذا نحن نتحمل المسؤولية، في هذا التبليغ، وإن إنسانية تغيب فيها المناصحة و التبليغ، فهي ميتة أصلا. نعم، بصفتنا أناس وكائنات، نستطيع الإستمرار، ولكن بدون إنسانية. سنكون أكثر فأكثر عديمي الإنسانية، وسيتغلب اللاإنساني على الإنساني، الكائن بين جوانحنا. حان الوقت، بالإرتكاز على الحِكم، سواء كانت صوفية أو هندية أو مسيحية أو يهودية أو علمانية؛ من أجل التمكن من تثقيف، إنسانية قادرة أن تُمرَر، متحلية بقيم، للأجيال المقبلة.

    تنتابني فكرة. ليس بتسلقنا قمم الهمالايا، يكون باستطاعتنا القيام به، بالشكل الذي نقوم به اليوم. لقد صعدنا بقوة، ونحن مسرورين بذلك، لأننا حققنا لحظة تواصل وإخاء و إنسانية. يوجد من بيننا حضور من أكثر من 14 بلدا. هذا رائع. ولكن كم عددنا؟ إذا احتسبنا ذلك، مقارنة بالرغبة الكبيرة، وتوقعات الإنسانية؛ فنحن نرتقي قمة، ونتكلم مع أنفسنا، لا يسمعنا أحد.

    إني أدعوكم أن تقوموا بالعكس، النزول من العلو، الذي هو مبجل وسخي و شريف، يقربنا من السماء. النزول إلى النقطة الصفر. فمن ذا الذي سيقبل؟ وكيف نتخلص من كل هذه الأشياء التي تكسونا؟ تكلمنا عن المناقب و المزايا، ولكن كم من شاب في العالم يفهم هذه اللغة؟ فهم يمثلون أكثر من 50% من الإنسانية، ويقدر عددنا بسبعة ملايير ونصف المليار نسمة. من سيفهم رسالتنا، إذا رفعناه إلى هذا المستوى، ولم نرجعه إلى المستوى الصفر؟ ولماذا المستوى الصفر، فالأمر بسيط، إن المستوى الصفر، يتلقى كل السيول وكل الوديان و الأنهار وكل المجاري، الجارية في العالم بإسره. هل نحن قادرون على ذلك؟ هل نحن قادرون على التواجد في الصفر، والإنطلاق نحو الواحد. فهذه هي المسألة. لا يتقبل أي واحد أن يتقمص هذا الدور. أن يكون خادما لإنسانية، تعيش اليوم قطيعة، من ناحية المعنى، وربما غدا يتأزم الوضع أكثر. لا أريد أن أوقع في التشاؤم، ولكن يكفي فقط، النظر والإستماع وفتح العينين، لنرى أن العالم، يتغير بسرعة هائلة، وأننا نعيش لحظات تسارع وتكسر في المجتمعات، بين الغني و الفقير، وبين الذين يملكون التكنولوجيا، والذين هم محرومون منها، وبين الذين يموتون، فلأنهم يسرفون في الأكل، وبين الذين لا يجدون ما يسدون به رمقهم، وغير ذلك.

    ويجعل هذا التفاوت، نخبة في القمة الهرمية، تمتلك الأصول والسلطات، وتوزع الثروات. إذن بأي سحر، وأي فلسفة، وأي دين، وأي روحانية، سنرجع إلى نقطة الدائرة؟ والتي هي نقطة الصفر، حتى نربي ونعلم ونوقظ شبيبتنا، كي لا تقع في نفس الخطأ، الذي وقعنا فيه. الخطأ الذي تتسبب فيه جميع النفوس. لقد تعلمنا في مدارس، قيل لنا فيها، يجب الذهاب نحو القمة، وإذا أردتم النجاح، ينبغي أن تكونوا في الأعلى، لأن في الأسفل سيداس عليكم. جميعنا يذيّل مهنيته، بمدارسنا الكبرى وجامعاتنا الكبيرة، وجميع سياسيونا وقادتنا و معلمينا وكتابنا و علمائنا، تخرجوا من تلك مدرسة الفكر. وليفوز الأفضل منكم. ليس هذا المنهج الذي سيدفعنا للذهاب في ذلك الإتجاه. لا توجد جامعة تدرس السلام، أو تدرس أبنائنا طريقة إدارة النزاعات. تكلمنا عن هذه الإنسانية، وعن هذا التنوع، نحن سعداء أننا نعيشها، ونتقاسم لحظات مثل هذه، أين يتواجد المسلمين و المسيحيين، وآخرين، وبوذيين كانوا معنا، ويهودا. نحن سعداء بهذا. هل سنفضّ كل هذا، لنصل إلى نتيجة إيجابية؟ تعرية الناس و خلعهم من إنتماءاتهم المتبادَلة. لا. ولكن ما العمل؟

    وهنا نحن مجبورون على طرح السؤال. لقد حان الوقت، حيث ينبغي لنا، أن نقوم بوثبة نوعية، خاصتها التعليم، ومرة أخرى، تكون تربية اليقظة، التي تستجوب الإنسان، وتغذي ضميره، حتى يتمكن من مواجهة التحديات، التي تنتظره. لا أملك الحل، لسوء الحظ، ولكني أعتقد أن المبادرة المتَخَذة رمزيا، وتجعل من هذا اليوم، 16 مايو من كل سنة، يوما دوليا للعيش معا، ربما هي مفتاح، سيمكننا من فتح باب، وطريق جديد، وتفكير جديد، وسلوك جديد. إن الذي يستوجب علينا، هو إعطاء روحا وجسدا للعيش معا، بواسطة التعليم، لا أرى شيئا آخر، لا أرى حلا آخر، غير تربية اليقظة، وإلا سنضيّع وقتنا في تمجيد أنفسنا، وتلقون علينا الورود - إن شئتم-. ولكن الوقت يستعجلنا، وبالنسبة لجيلنا، فأي يوم يمر، فهو لن يرجع، وأي شهر يمر، فهو لن يعود، وأي سنة تمر، فهي سنة ناقصة، وجميعنا تغمره السعادة و السرور، للإحتفال بآخر يوم من سنة 2017، ولكنها سنة ناقصة لجيلنا. إذن ينبغي علينا أن نكون أكثر يقظة، لأننا سنفتقد إلى الطاقة والذكاء والصحة، التي سنستخدمها، في ما نرغب بذله. هنا تتمثل العجلة.

    وقع بعض التضليل. سألني أحدهم بالأمس وقال، لماذا 16 مايو؟ فقلت له، هبط من السماء. نحن اقترحنا تاريخ آخر، وكان يظهر لنا أنه أحسن تاريخ، وهو 21 سبتمبر، وشرّعنا فيه جائزة الأمير عبد القادر، وتمنح كل سنتين. ولكن من أين جاء 16 مايو؟ حتى أنا شخصيا حاولت الإستفسار، وقالت لي السلطات العليا للأمم المتحدة، لقد جاء إثر نقاش، بين الدول التي قالت أن هذا اليوم ذو أهمية كبيرة، ينبغي إيجاد تاريخ يلائم نصف الكرة الأرضية الشمالي والجنوبي، فهو يحتفل به خارجا، في الهواء الطلق، ويتناسب الموسم. 16 مايو هو بداية الخريف في نصف الكرة الأرضية الجنوبي، والربيع في نصف الكرة الأرضية الشمالي. و 16 مايو 2018، هي ذكرى تأسيس عصبة الأمم بجنيف(). مرّ قرن بالضبط. لقد كانت أول محاولة لمصالحة دول العالم، وفشلت. وهذه إشارة. في 16 مايو أنشئت عصبة الأمم، وهي الهيأة العالمية، التي حاولت بعد الحرب العالمية الأولى، تجنيب الإنسانية ذلك العذاب الفظيع، العديم الجدوى، ولكنها لم تنجح. إنها ومضة وإشارة، وآخرين رأوا شيئا آخر، أن 16 مايو هو عيد النور في عدة تقاليد، وهذه أيضا إشارة وومضة ونور أرسل إلينا، لا أذكر لكم كل ما يمثله 16 مايو في التاريخ، وعلى الشباب أن يقوموا بأبحاث، وسيجدون ربما، أكثر ما وجدته.

    وللعودة إلى أنفسنا، ينبغي أن يُجعل من 16 مايو، ما قاله في التو، محمد، حتى وإن لم تستطع القيام بأي شيئ، قم بإيقاد شمعة. لمن لا يستطيع أن يتقدم أو يتأخر، يوقد شمعة في بيته، ويقول بمناسبة اليوم الدولي للعيش معا، أوقِد شمعة، أو يقول أنه يوم النور، أوقِد بمناسبته شمعة، حتى نتواجد في الطور، للذي نسميه الإله – بالنسبة للبعض- هذا الخالق الذي يدعونا باستمرار و يستهدينا بإشارات. أستطيع أن أصف الصعوبة التي اكتنفت هذا اليوم، في ثلاث كلمات. عندما كنا في الأمم المتحدة، استقبلتنا أغلب الدول، وقالوا، إنهم صوفية ويحلمون، روحانيون كباقي الروحانيين، يعيشون في سذاجة، ويتغنون بالحب، ويدعون إلى المسامحة والرأفة (وصف نظرة بعض وفود الدول، وقالها بتهكم، حتى يضفي بعض المرح، ويبرز النظرة الإحتقارية التي كانت). ولكن في 8 ديسمبر، كانت جميع الدول حاضرة بالجلسة، بدون إستثناء. لم تغب أي دولة. لماذا؟ أمر غريب.

    نعم، فلأننا قمنا بعمل كبير، طرقنا العديد من الأبواب، ومحمد سعى في كل الإتجاهات. كل هذا كلام معسول. ما الذي كنا نقوم به في نيويورك. وجد محمد مقهى، وسماها مقهى الشيخ. إني أكشِف أسرارا، ومن وقت لآخر نتناول فيها وجبة جيدة، ونرتشف فنجان قهوة جيد، ليس طوال اليوم، ولكن هناك كنا نتواعد ونتكلم. ربما كانت هناك استماعات. هل تعلمون أن اليوم، أينما تذهبون يستمع إليكم، ربما ذلك الروحاني الذي كان يتتبع خطواتنا، و ينصت إلينا، ليرى إذا كنا حقا جادين أم لا. ولكن الحمد لله و الشكر لله، كانت النتيجة رائعة، ليست رائعة لأننا نحن من حققها، و لكن الأروع أن الإنسانية موجودة، وهذا اليوم حُمل في قلب الآلاف والآلاف من الناس.

    سأروي لكم قصة إمرأة عجوز. أثناء مؤتمر الأنوثة، و عندما قررنا هذا اليوم، جاءت هذه المرأة تزورني، وكان لديها منديل قديم ونقي، جمعت فيه قطع نقدية، لا أعرف كم كان المبلغ، ولكنها قطع دنانير كبيرة، وليست ذات قيمة كبيرة، ولكن بالنسبة لها، هو كل ما تملك، أعطتني ما نسميه عندنا الكموسة، وهي منديل محزوم، بداخله مائتي أو ثلاث مائة أو أربع مائة قطعة، لا أعلم العدد، لم أحسبها، ما زالت كما هي، لم أمسها، وقالت لي هذه مساهمتي في اليوم الدولي للعيش معا (ختم رواية القصة بابتهاج ملحوظ، ثم عاد وقال بجدية)، هل هي دعوات هؤلاء، وهؤلاء المساكين، الذين يحملون هذا المثل، ومس قلوبهم، ويحملونه أمام المحكمة الربانية؛ واستمع إليهم. هذا كل شيئ. أما نحن، فكنا الأعضاء الذين قادوا شيئ ما، يسير بنفسه. كانت تجري وكنا نجري وراءها. وليس العكس. معنا اليوم أصدقائنا البلغاريين، لم أقلها سوى بالأمس، لم أرويها لأحد. لما ذهبنا رؤية الوفد البلغاري، تكلمنا مع المسؤولة السامية والدبلوماسية التي استقبلتنا، وقدمنا لها وثائق. وفي الأخير قلت لها، إسمعي، إن الذي نقوم به ليس من أجلنا، قالت إذن لمن؟ قلت لها، عن ظهر قلب، من أجل الذي تحملينه في بطنك. حدث لها تغيير، لم تعد الدبلوماسية التي كانت، أصبحت الأم التي فهمت، لمن تتوجه هذه المبادرة، وسالت الدموع من عينيها. كنا قد تحصلنا عليها، لا أعلم إن كان بإمكاننا فعل شيئ آخر. هل كنا أذكياء أو دبلوماسيين. مطلقا. محمد معتاد أما أنا فلا. كنا قد دخلنا، ولا أسمي بلدا، وخرجنا من هناك، و الذين كانوا يرافقونني، كادوا يبكون، فلأنهم أجابونا، لا لمبادرتكم، فهي عديمة، وخاصة أنها تصدر من صوفية، ولن يكتب لها النجاح أبدا. أما أنا، فخرجت من هناك مقتنعا أن الأمر سينجح، لأن بالذات، بلد مثل هذا قام برفضها. لم يفهموا شيئا، لم يفهموا شيئا في قضايا الساعة، ولم يفهموا شيئا في احتياجات الإنسانية، ولا توقعات شخصية و إنسانية اليوم، ومازالوا يعيشون في حلم، وليس نحن من يعش حلما، فهم الذين يعيشونه، حلم القوة والمال والسلطة. نحن نمشي خطوة بخطوة، مع الضعفاء، مع الذين يمشون هونا، ونجح الأمر. مرة أخرى، فإن جُهدنا لا يمثل شيئا، في تحقيق هذا الحدث أو الظهور. فهنا، على كل واحد منا أن يقرر. فأما إن كنا هنا، للإحتفال بـحدث، فمرحى، قد انتصرنا، وأما إذا كان ظهور، فعلينا أن نفعل كل شيئ.

    شكرا جزيلا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
().عصبة الأمم، هي إحدى المنظمات الدولية السابقة، التي تأسست عقب مؤتمر باريس للسلام، عام  1919، الذي أنهى الحرب العالمية الأولى، التي دمّرت أنحاء كثيرة من العالم وأوروبا خصوصًا. كانت هذه المنظمة سلفًا للأمم المتحدة، وهي أوّل منظمة أمن دولية، هدفت إلى الحفاظ على السلام العالمي. كانت أهداف العصبة الرئيسية، تتمثل في منع قيام الحرب، عبر ضمان الأمن المشترك بين الدول، والحد من انتشار الأسلحة، وتسوية المنازعات الدولية، عبر إجراء المفاوضات والتحكيم الدولي، كما ورد في ميثاقها. أنهيت مهمتها رسميا سنة 1946، عقب نهاية الحرب العالمية الثانية.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق