الأحد، 20 ديسمبر 2020

الأديان في مواجهة الأزمة العالمية 2

الأديان في مواجهة الأزمة العالمية

هل هي مشكلة أم حل (2)

 

    جرى يوم الخميس 10 ديسمبر ملتقى إفتراضي عبر الأنترنيت، نظمه منتدى 104، وهو فضاء ثقافي وروحي، يقع مقره في قلب باريس، ويهدف إلى إعادة الشأن الروحي إلى قلب الإنسان والجماعات والمجتمعات.

    انضم الشيخ خالد بن تونس إلى اللقاء، رفقة مجموعة من رجال الدين والمختصين في الشأن الديني، فقد شاركت فيرونيك فرانكو، مؤلفة كتاب "معًا نحو السلام"، الذي ضمن شهادات حول السلام، من ضمنها شهادة الشيخ خالد بن تونس، وتفاعل في الحوار كل من الحاخام غابريال هغاي، والقس البروتستاني الفرنسي بيير لاكوست، الذي خدم مدة زمنية معينة في بيروت، والقس والأسقف جان بول فيسكو، أسقف وهران. نشط اللقاء السيد فريدريك روشي.

    درس اللقاء موضوع الأديان ودورها في مواجهة هذه الجائحة التي تلم بالإنسانية قاطبة، وكذا الأزمة المتعددة الجوانب، حيث يشك الكثيرون في تأثير الأديان وأهميتها. حتى أن البعض يعتقد أنهم هم الذين يولدون الصراعات والحروب. هذا ما هو رائج. ماذا يمكن أن نرجو منها، ونتوقع منهم؟ ما هي الأدوار التي يمكن أن يلعبوها بشكل منفصل وجماعي؟ ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبوه في بناء العالم الآتي، وتحقيق الصالح العام الشامل؟

 

    تواصل اللقاء بمداخلات الضيوف الخمسة، وردا على سؤال المنشط، الذي أشار إلى كلمة عميد جامعة روما، الذي طالب بإنشاء أمة الديانات، تسهر على خدمة الإنسانية، وتساءل هل هذا المشروع يبدو لكم اليوم واقعي، وهل يمكن تحقيق تقارب؟ قال الحاخام غبريال هغاي "إن أحد مشاكل هذه المبادرات هو أن ليس لها أي صدى في الإعلام، الذي لا يتكلم عن الأشياء التي على ما يرام والأخوية، التي  تقدر نسبتها بـ 99.9 % و 0.1 % الذي ليست على ما يرام، تمثل 100 % من الأخبار الذي يقترحها". وقدم مثالا عن لقاءات دولية تقرحها إحدى المنظمات "كنا في واحدة منها في أثيوبيا، وترأسها الإتحاد الأفريقي ورئيس الجمهورية الأثيوبية ورئيس الكنيسة الأثيوبية، وقمنا بواحدة أخرى في الهند، وفي العاصمة نيو دلهي حضينا باستقبال في القصر الرئاسي، وفي هذه الدول تصدرت أخبارنا الصحف.. في حين، في الإعلام الغربي لم يكتب أي سطر في أي مكان. هذه المبادرات موجودة، والجمهور في أوروبا لا يدركها".   

     من جهته أوضح الشيخ خالد بن تونس:

    نعم، ينبغي النظر إلى الأشياء، بعد استراق التأمل. للديانات ثقلها على الشؤون السياسية والإقتصادية في العالم. لا ننسى أننا اليوم نعيش في عالم مالي. فالمالية تدير العالم وتقوده، والديانات تقريبا رهينة في قبضة السياسة والمالية، والسيد غبريال أشار إلى شيء مهم، فالزعيم الديني نطاقه ضيق جدا إعلاميا، وصوته لا يصل بعيدا. إذن ما يجب علينا فعله أولا، هو أن يكون فيما بيننا، أن نكون ضميرا واحدا، لأن الزمن يعمل من أجل هذا الضمير. للعودة إلى ما قالت فيروني إنها التربية لثقافة السلام. وهذا شيء أساسي. إن هذا المشروع الذي بصدد الإنجاز بألميريا والإتصالات التي قمنا بها مع مختلف الجامعات، فيوجد تفاؤل، حتى من الناحية الإقتصادية. ليس بعيدا، بل اليوم كنت في محادثة مع صديق، الذي هو عميد أول جامعة من أجل إقتصاد السلام. أنتم ترون أن الأمور تتقدم. هل نستطيع أن نتخيل أن الإقتصاد يدمج هذه الأسوة، التي هي السلام، والنظر إلى الإقتصاد بنظرة أخرى. إن إقتصاد السلام يعني إقتصاد الطبيعة. لا يوجد اليوم الكثير من الطلبة، ولكن يوجد جامعة تدرّس هذا، وتدرّس أكثر من هذا، فهي تدمج مع اقتصاد السلام اقتصاد الطبيعة. يوجد وراءها النبتة والعصفور والحشرة والهواء الذي ننشقه والفيروس. كل هذا هو من سلسلة الحي. لماذا هذا الفيروس فجأة خرج وأصبح عدوا؟ لأننا تسببنا في إزعاج في ناحية ما، وقد يكون صديقا، جاء ليوقظنا. لا نعلم، فالزمن كفيل بالإجابة. جاء ليوقظنا لما نحن عليه. نحن في سلسلة الحي.

     وسأله المنشط: هل نستطيع أن نعرف، في أي بلد أنشئت كلية السلام؟

     وأجاب الشيخ خالد بن تونس: بفرنسا، بغرونوبل. هذا هائل. حاول الأمريكيون القيام بشيء ما، ولم يتهيأ الأمر لحد الآن، والكنديون كانوا متقدمين في هذا المشروع، ولكنه تحقق في فرنسا. تدعمها الكثير من الشركات، إلى الإضافة إلى "كاك 40". أنتم ترون أن هذه الأفكار بدأت تثير الإعجاب. يوجد أمل، والفضل يعود، بعض الشيء، للسيد الفيروس هذا، الذي زارنا.

    وأضاف المنشط سؤاله: هل تعطَى الكلمة في العالم، وفرنسا، وبلدك، وهل كلامك مسموع؟

     فأجاب الشيخ خالد بن تونس: اليوم، إنني أحاول أن أكون عمليا، أن أكون في الميدان. سواء أعطونني الكلمة أو لا، فهذا الأمر لا يؤثر في. لأني بالتجربة رأيت أنه ينبغي التواجد في الميدان، وينبغي التصرف في الميدان، وربما اجعلهم يتناسونك، وبالضبط الصحافة والإعلام، لأنهم بإمكانهم أن يرفعونك أو يقومون بتدميرك. نحن نعيش في عالم المظاهر، وإذا ذهبتم إلى عالم المظاهر، ستخضعون للتلاعب، وإذا تصرفتم، بالعكس، لا أقول في السرية، ولكن في الميدان، في المكان الذي هم بحاجة إليك، كتقديم نصيحة.. سأذكر لكم مثال محدد، فعندما جرت قمة باريس للبيئة(1)، أعلن عن تفويض، وكنا 60 أو 80 شخصية، تم إختيارنا في العالم، تمثل جميع الديانات، دعينا من طرف رئيس الجمهورية الفرنسية آنذاك، وكان نيكولا إيلو المكلف بالقمة، وطًلب منا تقديم رأينا في كيفية علاج هذه الوضعية البيئية، في الإحتباس الحراري، وكل الإشكالية التي تعيشها الإنسانية اليوم.

    أطلقنا أمنية، وهي إذا بدأنا النظر إلى كل الأماكن الحُرم والمقدسة لكل دين. القدس وروما ومكة وباليراس، الأماكن المقدسة المعروفة، التي يأتيها ملايين الحجاج. وإذا بدأنا مشروع مدني، هدفه بيئي، فلنخفض نسبة ثاني أوكسيد الكربون في تلك الأماكن، ولنهيئ طريقة العيش، وطريقة المرور في المدن، لتصبح مدنا رائدة، وعندما يأتونها، ستتشكل عندهم نظرة أخرى، ويجعلونها أسوة، مادام أنها هي التي يعزونها أكثر، وإنها بالنسبة لهم قبلة، ويحجون إليها. إذا أخذتم مدينة مثل لورد، وستموِنًون المدينة، حتى تصبح بيئية، وتعطي المثال لمدينة بيئية، سيكون لها وقع على جميع من يأتي حاجا إلى هذا المكان. إذا فعلتموه في مكة، حيث يحج إليها حاليا، أكثر من 3 ملايين شخص، ولكن على مدار العام فعدة ملايين يزورنها.

    توجد أفكار مثل هذه، ونحن الدينيون وقّعنا على هذا المشروع، ووجدت اقتراحات أخرى، وأمنحكم رؤى أخرى. لم يتحرك أي شيء، ورغم ذلك فإنه مشروع جلي.

    تدخل المنشط وطلب من المحاضرين هل يمكن "أن تعطوننا نصوص مقدسة من دياناتكم تغذينا في هذه الأزمة، آية أو جملة، تغذي دعاءنا وصلاتنا. والسؤال الأخير في إيجاز، ما الذي ننتظره من الديانات في أيامنا هذه. سؤال الختام في بضع كلمات".

    لما أسند المنشط الكلمة للشيخ خالد بن تونس، تدخل الحاخام هغاي، الذي كان قد قال كلمته مع باقي المتدخلين قائلا "إن الأواخر هم الأوائل".

    قال الشيخ خالد بن تونس: نعم، ينبغي رؤيته بهذا الشكل، ينبغي رؤيته أنه بداية بدون نهاية، وأن علاقة الصداقة هذه، وعلاقة الأخوة هذه، تدعوننا من أعماق أنفسنا، وخصوصا في هذا الوقت. سأكمل بنكتة، فيوجد تعاليم بروح الدعابة. في يوم من الأيام، جاء أحد الصوفية متأخرا إلى صلاة الجمعة، وعندما دخل وجد أن الجميع يبكي، وتساءل ما الذي حدث؟ اعتقد أنه حدثت كارثة، ما الذي حدث حتى كل من في المسجد يبكي؟ فأجابه الناس، لو كنت هنا لعلمت مثلنا ما الذي حدث. لقد وعظنا الإمام موعظة عن أهوال القيامة وآخر الزمان – لقد بالغ الإمام في التهويل، حتى اهتز الناس، وأصابهم الذعر وأقعدهم-، ولكنه تنفس الصعداء متأوها، فإلتفتوا إليه، وأنت ما الذي تراه؟ هل تعلمون للقيامة قيامتين، الأولى عندما تتوفى زوجتي، والثانية عندما أموت أنا. وذكرهم بقيامتهم، فلكل منا قيامته. الأمر لا يستحق الإنشغال بيوم القيامة. وعن الحياة، ما الذي يمكننا فعله؟ كيف يمكننا مد يد المساعدة؟ ماذا يمكننا أن نقدم؟ كيف نساهم في هذا الخير المشترك، وكيف نشكر من أعطانا الحياة؟ وبماذا؟ كيف نفعل ذلك بابتسامة وكلمة وبقطعة خبز، وبتخفيف المعاناة التي من حولنا، فأحيانا بابتسامة يمكننا إنقاذ شخص من محنة يتواجد فيها. يمكننا أن نعطيه الملايين، ويبقى دائما يعيش محنته، لأنها داخلية وعميقة. فأحيانا بابتسامة أو بكلمة يمكن أن نخفف عنه، ويمكنننا أن نفتح له طريق الأمل.

    إن هذا اللقاء، أتمناه أن يَكًون لنا ذلك الإنفتاح نحو الأمل، حتى ولو أن الأوقات القادمة ستكون أكثر صعوبة، لا يجب الإستسلام، بل يجب الإستمرار، على شرط، فإنه إذا أرجعنا كل هذا إلى حقيقة تتجاوزنا، الذي يعني النقطة الصفر. إذا أراد الدينيون والروحانيون وأهل الله رجالا ونساءا أن يقدموا مساعدة للعالم، ينبغي أن يتموضعوا في النقطة الصفر. الذي يعنيه الموقف الأكثر هونا، حتى يتمكنوا من أن يقدموا ما عليهم أن يقدموه. بهذا يصبح المحيط قويا، لأنه يقع في الموقف الصفر، والكل يصب فيه. إنها لحظة، وإنه ممر. إن الإنسانية مثل مشاهد فيلم، وهذه حلقة منه، وهي ما هي عليه، ينبغي تقبلها، ولكن الإنسانية ستستمر، وستتواجد آمال أخرى.

    كيف نساهم خاصة مع الشباب؟ كيف نترك لهم خريطة طريق، حتى يتمكنوا من المساهمة في توسيع وبناء دائرة الأخوة والصداقة، التي شعرنا بها اليوم جميعا، هنا جميعا، في هذه اللحظة، وتمت مشاركتها.

    شكرا لكم جميعا.. إلى اللقاء جميعا.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). انعقد مؤتمر باريس بشأن تغير المناخ لعام 2015 في الفترة الممتدة من 30 نوفمبر إلى 12 ديسمبر 2015 في لو بورجيه في فرنسا. إنه المؤتمر الحادي والعشرون للأطراف، ومن هنا جاءت تسميته (COP21) في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية بشأن تغير المناخ (UNFCCC). جمعت هذه القمة 195 دولة.

   خرج المؤتمرون بإتفاقية عرفت باسم اتفاق باريس أو "كوب 21"، وهو أول اتفاق عالمي بشأن المناخ. جاء هذا الاتفاق عقب المفاوضات التي عقدت أثناء المؤتمر. يهدف الاتفاق إلى احتواءالاحترار العالمي لأقل من 2 درجات وسيسعى لحده في 1.5 درجة.

 

 

 

  

الأديان في مواجهة الأزمة العالمية

 

الأديان في مواجهة الأزمة العالمية

هل هي مشكلة أم حل؟

 

    جرى يوم الخميس 10 ديسمبر ملتقى إفتراضي عبر الأنترنيت، نظمه منتدى 104، وهو فضاء ثقافي وروحي، يقع مقره في قلب باريس، ويهدف إلى إعادة الشأن الروحي إلى قلب الإنسان والجماعات والمجتمعات.

    انضم الشيخ خالد بن تونس إلى اللقاء، رفقة مجموعة من رجال الدين والمختصين في الشأن الديني، فقد شاركت فيرونيك فرانكو، مؤلفة كتاب "معًا نحو السلام"، الذي ضمن شهادات حول السلام، من ضمنها شهادة الشيخ خالد بن تونس، وتفاعل في الحوار كل من الحاخام غابريال هغاي، والقس البروتستاني الفرنسي بيير لاكوست، الذي خدم مدة زمنية معينة في بيروت، والقس والأسقف جان بول فيسكو، أسقف وهران. نشط اللقاء السيد فريدريك روشي.




    درس اللقاء موضوع الأديان ودورها في مواجهة هذه الجائحة التي تلم بالإنسانية قاطبة، وكذا الأزمة المتعددة الجوانب، حيث يشك الكثيرون في تأثير الأديان وأهميتها. حتى أن البعض يعتقد أنهم هم الذين يولدون الصراعات والحروب. هذا ما هو رائج. ماذا يمكن أن نرجو منها، ونتوقع منهم؟ ما هي الأدوار التي يمكن أن يلعبوها بشكل منفصل وجماعي؟ ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبوه في بناء العالم الآتي، وتحقيق الصالح العام الشامل؟

    طرح السيد فريدريك روشي السؤال حول "الأزمة الصحية التي لم تكن منتظرة وغير مبرمجة، وأتساءل عن الكيفية التي عشتم بها هذه الأزمة، حيثما توجدون. كيف تمر بكم الأزمة، وكيف تعيشونها في مجتمعكم"؟

    عبر السادة والسيدة الحضور عن آرائهم، وكلٌ أبدى تفسيرا بما جادت به قريحته. من جهته قال الحاخام بيير هغاي "بصفتنا رجال الدين، يتمثل دورنا أولا في تقديم تفسير، لأن لكل شيء معنى، فكلما طرأ طارئ، فلذلك معنى وتعليما، وكثيرا من أتباعنا تساءلوا عن المعنى والدرس، وأنا أعتقد أن السباق الجنوني مع العصرنة، وبدون تفكير لسعي المجتمعات، فقد جاءت هذه الأزمة لتضع حدا لهذا السباق الجنوني.. إنه امتحان، وصدمة امتحان أتت لتوقظنا.. وهذا بمثابة اقتراح لخلوة للإنسانية فرضها الله تعالى، وكمؤمن نسمي هذا أصغر جند الله، فيما سبق بعث الله بعوضة لإمبراطور روماني، وهنا ظهر كائن أصغر وهو فيروس ليوقف الإنسانية عن سباقها الجنوني، وبطريقة ما يقوم بتنبيهنا".

    توجه المنشط للشيخ خالد بن تونس قائلا "ماهي قراءتكم للأحداث، وكيف تواجهون الأزمة أو كيف تتخطونها"؟

    قال الشيخ خالد بن تونس "في البداية أشكركم على جمعنا، وقد قلت لكَ سابقا أن هذا النور يهدينا لبعضنا البعض. بالنسبة لي كان الأمر استثنائيا بما يكفي، منذ أكثر من سنة دخلت في حلقة من الإمتحانات، من خلال مرض زوجتي، وقد توفيت، في فترة كانت الجائحة قد عمت العالم، والإنسانية جمعاء مسها الأمر، وما أستخلصته في هذا الإمتحان، إن كان يمكن تسميته إمتحان بالنسبة للجميع، وهو تذكر محدوديتنا. وهل أدرك إنسان القرن الواحد والعشرين ماهيته وأن الزمن محدود؟ ما هو استثمارنا فيما يوفر سكينتنا، ويكون أيضا بالنسبة للغير وكل الغير لحظة سلام؟ كيف يمكن مشاركة الجميع، وكيف ننشر هذه الرسالة التي تعزز الصلات بين الناس، مهما اختلفت أجناسهم ودياناتهم ومشاربهم؟  كيف يمكن كسب قلوب الجميع؟ حتى يستطيع كل واحد أن يقول أنا جزء من هذه النفس الشاملة، التي هي الإنسانية.

    هل للإنسانية معنى بالنسبة لنا؟ وإذا كان لها معنى، فما هو جوهرها؟ معنىَ وجوهر. هذا يمنح عمقا. حقا أنها أصابت الجميع، بما فيهم الأقوياء ورؤساء الدول وشخصيات، والفقراء والأغنياء، مست الجميع، ونحن على متن نفس السفينة. أي إدراك تم؟ لما جاءت تدعوننا؟ لتبين هشاشتنا، وفي نفس الوقت لتذكرنا، جاءت كرحمة وتيقظ. وأقول أكثر من ذلك، أنها ثورة ضمير، حتى نستطيع أن نقدم أفضل ما لدينا، ونتقاسمه مع الغير، وأرى أن الدائرة يمكن أن تشرح ذلك. هذه الدائرة هي النفس البشرية، دائرة الرحمة ودائرة الأخوة ودائرة العلم والمعرفة. ماذا نفعل حتى بطريقة ما، تتمكن كل نقطة أن تصل إلى الوحدة، التي هي المركز نفسه. واتجاه الدائرة هو الحركة. إن الوقت يداهمنا. إن العصرنة والتكنولوجية، والنفس النرجسية وحبها للسلطة والمال والظهور وغيره، كل ذلك، أتاه اليوم فيروس بسيط، نعم حقا كان هنا قبلنا، لأن الفيروسات تواجدت قبل الإنسان، كما هو عليه الآن، ونقصد به الإنسان البيولوجي. جاء يسألنا عن هذا، ويذكرنا بحقيقة المحدودية. ماذا سنفعل بهذه الهبة التي أعطيت لنا، التي هي الحياة؟ هل سنستخدمها ضد الغير، لنشر الفتنة ونشر الموت وزرع اليأس وبث الظلم؟ أو على العكس، سنقوم بما بوسعنا، وكل واحد بين أحضان ذويه، في أمته، حيثما يتواجد، وفيما يمثل، في عمله، مهما امتلك من سلطة، ولو كانت ضئيلة، نقوم ببناء دار السلام هذه، بناء حقيقة هذه الإنسانية، التي تتصالح مع نفسها، التي أصبحت تعي نفسها، مهما كان الشخص، إذا كان مستعدا للمساهمة، وجلب لبنته، سواء كانت كبيرة أو صغيرة، لبناء دائرة التوحيد، التي تجمعنا حول أسوة. هذا العالم التي نعيش فيه، هو عالم يقبع فقط في الأفقية. نقطع سباق جنوني، يسخّر أدوات أكثر فأكثر، والمزيد من التقنيات والمعارف، ولكن فيما يفيدنا كل هذا، إذا لم توجد صلة بالأفقية، صلة بالقيم وبالقيم الإنسانية؟.

    ثم أسندت له الكلمة مرة ثانية، بعدما عبر بقية المتدخلين عن آراءهم، فقال:

   أنا سعيد لمشاركة هذه اللحظة، وأرى كل الثراء، وشعور كل لون الذي يصنع قوس قزح هذا، لأننا كلٌ  في لونه سيعطي لقوس قزح هذا، للشمولية هذه لونه الخاص، وذلك ما يبرز الإمكانية الهائلة للألوهية، الإمكانية الهائلة للحكمة. للعودة إلى الديانات، فما مصير الديانات اليوم؟ حقا ينبغي طرح هذا السؤال. هل هي ديانات وراثية، ورثناها عن آباءنا، أو أنها ديانات إيديولوجية، أصبحت وسيلة وكإيديولوجية سياسية، للحصول على السلطة، وللسيطرة على الغير وإخضاعه للمراقبة والسيطرة عليه.؟

    عندما جاءت كل ديانة جلبت معها شعائر وجلبت ثقافة، وبطريقة ما تقوم بتوجيهنا نحو الروحانية، نحو الإحسان. لأنه، ما هي الروحانية إذا لم تكن سوى الإحسان. لا يختص الإحسان بمعارفنا والقريب، والذي يشبهنا، وينتمي إلى طائفتنا أو يعتنق ديننا أو الذي هو من بلدنا، بل يختص بالإنسانية، الوجه الآخر لله تعالى. عندما أراه، فهو يؤكد حقيقتي، فمن خلاله أجد نفسي، لأنني أتواجد أمام شخص يشكل لي مشكلة حول هويتي. لا أستطيع الإجابة على هذا التساؤل بدون الغير. وبالعودة إلى هذا الفيروس، فقد مس ماذا؟ لقد مسّ النفَس، التنفس، الجزء الأكثر أساسا في الإنسان، إنه تنفسنا. أصبح الناس عاجزين عن التنفس، فهو يمس الرئتين، وإنه نفَس الحياة. حان الوقت بأن نتعلم التنفس بشكل آخر، والإنتقال من ثقافة النفس النرجسية، من أنا إلى نحن... ربما أننا لا نتعارف بالقدر الكافي، وعندما نتعارف، والحمد لله، نكتشف أننا إخوة، وأننا من نفس العائلة. ففي هذا الشأن تعتبر الديانات نوعا ما متأخرة. أثبت العلم حاليا، أننا جميعا منحدرين من نفس السلالة، ولا وجود لفوقية بشرية. جميعنا بشر، نحن حرْف نفس الأبجدية، يوجد الألف والباء ويوجد الياء، وإذا أسقطنا حرفا من الأبجدية لا نستطيع الكتابة، وإذا نسينا نوتة صولفيج لا نستطيع تأليف موسيقى، نحن مثل المسبحة، كلٌ يلمع بنوره، كلٌ يلمع بما حواه من لمعان. من يكون هو في نفسه؟ ماذا الذي سيقدمه لنا؟ سيقدم الليونة أو القساوة أو المعرفة أو يمنحنا الأمل؟ كلٌ وما أعطى. بماذا يرتبط حرفه؟ لأن في ربط الحروف تنكشف الحقائق. لكي نقول كلمة يجب تجميع حروف الميم والحاء والباء والتاء. لتحديد وإعطاء معنى لشيء ما.

    ثم توجه المنشط بسؤال آخر للجميع "أريد أن أسألكم جميعكم حول هذه الأزمة وما تسببه، حيث أنتم وفي مجتمعاتكم، الذي ترونه وما تسمعون. كنا سابقا قد تكلمنا عن سمو الضمائر، وعن أحسن الطرق لتخطي هذه الإمتحانات. هل في رأيكم في هذه الأزمة التي تدوم منذ سنة وستدوم، هل برزت عندكم أمور، حيث تتواجدون في العلاقات بين الأشخاص وفي العلاقات مع السلطات، في هذا البعد، الذي هو أفقي وعمودي"؟

    كان رد الشيخ خالد بن تونس كما يلي:

    أستطيع أن أتكلم عن أشياء ملموسة. طوال هذه السنة ولد مشروعا هائلا، لم أكن أنتظره على الإطلاق، وأعطى حركية. وما هو هذا المشروع؟

    ثم أخذ الشيخ يشرح في كيفية بداية فكرة مشروع إقامة دار السلام في معرض البستنة، المزمع إقامته عام 2022 في مدينة ألميريا الهولندية، الذي سيدوم ستة أشهر.

    هل تعلمون أن كل أربع سنوات يقام معرض عالمي في بلد ما، كان مرة في اليابان، ومرة أخرى في كندا، وفي سنة 2022 ستحتضنه هولندا، وشاءت الصدف أن في هذا المعرض الدولي الذي يعني المستقبل، ومدن المستقبل، وكيفية بناء مدينة الغد بيئيا، إن شئتم، مع طاقات جديدة، ومع طريقة أخرى للتنقل والعيش وغير ذلك.. منذ سنتين جرى سباق المدن، وتمت دعوتي إلى هولندا، حيث ألقيتُ محاضرة بمدينة أمستردام، وبمساهمة عدة جامعات، أجرت مسابقة، ودعيتٌ لأعطي وجهة نظري، كيف أرى مدن المستقبل؟ تذكرونني وهذه المحاضرة، واقترحوا علي المشاركة في هذا المعرض. وقلت كيف يمكننا أن نشارك في هذا المعرض؟ قالوا لي لكم مكانكم، إن أردتم المشاركة، نحن مستعدين لمنحكم أحد الأجنحة. ستشارك 60 دولة، ومنحوني قطعة أرض صغيرة في هذا الفضاء، وهذا المشروع هو جناح دار السلام.

    تخيلوا معرض دولي، حيث ستتواجد الصين والولايات المتحدة وفرنسا وألمانيا وأندونيسيا والقرية الأفريقية، هي 60 دولة، ستأتي وتجلب معها تكنولوجيات المستقبل ومعمار المستقبل وآلات المستقبل، ونحن سنذهب لبناء جناح السلام. انظروا إلى الصدفة إذا يمكننا أن نسميها الصدفة، وجرى طوال العام عمل دؤوب لدراسة ووضع تخطيطات لبناء جناح السلام، وهذا ضمن معمار، حتى رسالة ثقافة السلام، ورسالة تربية السلام، تجد مكانها في قلب معرض التكنولوجيا المتقدمة. وهذا لأقول لكم كيف مكنت الصدفة فعليا. ففي كل أسبوع وأحيانا عدة مرات في الأسبوع نتواصل مع المنظمين والمعماريين الذين يعملون، ومنسقي الحدائق والمعارض، ونتصل بالعديد من معارفنا، وتوجد مرسيليا، ومتحفها سيشارك، وتوجد جامعات، والألمان سيشاركون معنا على مستوى ثقافة السلام، وأربع جامعات بهولندا شريكة معنا، وجامعة سرجي بونتواز الفرنسية ستشارك. والأمر لا يتوقف عند هذا الحد.

                                                                                             يتبع..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

    يقول منظمو المعرض:

    ابتداءً من ربيع عام 2022، سيُقام المعرض الدولي السابع للبستنة فلورياد إكسبو 2022 في ألمير. تحت شعار "تنمية المدن الخضراء"، وسيركز المعرض على مدينة المستقبل الخضراء، ولمدة ستة أشهر. سيكون موقع Floriade بمثابة مختبر حي، مع معارض ملهمة من قبل البلدان والمدن والشركات المبتكرة. ولكن أيضًا مع عوامل الجذب المثيرة للإعجاب، والكثير من الفن والثقافة، ومجموعة فريدة من الأشجار والشجيرات والزهور.

    "تنمية المدن الخضراء". هذا هو موضوع معرض Floriade Expo 2022. وهو موضوع ذو أهمية كبيرة، أكثر من أي وقت مضى. في هذه اللحظة، يبلغ عدد سكان الأرض 7 مليارات نسمة. يعيش أكثر من 50 في المائة من هؤلاء السكان في المدن. بحلول عام 2050، سيبلغ هذا الرقم حوالي 70 في المائة. لكي تظل المدن آمنة وصحية وجذابة، يجب أن تجد حلولًا إبداعية وخضراء ومستدامة، والتي سنعرضها في إكسبو 2022 في ألمير.

الثلاثاء، 15 ديسمبر 2020

تربية السلام واقتصاد الطبيعة

 

تربية السلام واقتصاد الطبيعة

 

    قدم الشيخ خالد بن تونس يوم الإثنين 14 ديسمبر 2020 مداخلة قيمة عبر الأنترنيت، في لقاء نظمته MEDAFCO(1)، وهي منظمة غير ربحية تعمل على تقوية الجهات الفاعلة في التنمية المستدامة في بلدان البحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا، واهتم اللقاء بموضوع "التعليم كعامل لتعزيز السلام والتنمية المستدامة". شارك الشيخ خالد بن تونس في الفقرة الثالثة من اللقاء، التي خصصت للتدريب حول "تعليم القيم الاجتماعية والعيش معا في سلام".


    قال الشيخ خالد بن تونس:

 


     صباح الخير الجميع

    في البداية أود أن أشكر MEDAFCO على اللقاء، وأريد أيضا أن أشكر جميع من مرّ قبلي. هذا مهم جدا. إذن فيما يتعلق بـ AISA. إن AISA هي منظمة غير حكومية دولية لدى المجلس الإقتصادي والإجتماعي للأمم المتحدة (ECOSOC). بالفعل كنا الحاملين لهذا القرار، حول العيش معا في سلام، الذي تم اعتماده من طرف الأمم المتحدة، ، يوم 8 ديسمبر 2017 بالإجماع، من طرف 193 دولة العضو فيها. إن الهدف من هذا العمل وهذه الرؤية، وهو إذا كنتم تريدون مشاهدة الإنسانية كجسد واحد، وفيها كل المجتمعات، وتنوع اللغات، واختلاف الأديان والفلسفات، وتشارك كأعضاء الجسد الواحد في رفاه الجميع، فمن هنا ولدت هذه المبادرة، وأطلقت تربية السلام وتربية ثقافة السلام، ونحن نعمل من أجلها منذ سنين عديدة، مع شركاء، هم أوروبيين ومن شمال أفريقيا، وخصوصا من الجزائر والمغرب وتركيا، ونحن بصدد إعداد دليل حول ثقافة السلام هذه. كيف يتم تدريسها؟ ماذا الذي سنفعله كي يتم إدماجها؟ تكمن المشكلة في السلام، وهي أنكم ستجدون في مختلف التخصصات أكاديميات، فمنها للرياضيات وللعلوم ولعبة البلياردو، ولا وجود لأي أكاديمية لحد اليوم، تُدرس السلام، في حين أن السلام شيء أساسي في تطور إنسانيتنا، وخاصة مع جميع التحديات التي ينبغي رفعها اليوم وغدا، ونحن نلاحظ وضعية الحجر الصحي التي نعيشها اليوم، وفي ظل هذا الجائحة، فإنه يكفي أن يظهر فيروس بسيط حتى تتعطل كل الأجهزة، وتتوقف السياحة والرحلات، وتتعطل التجارة، وحتى العوائل فرقت، وكذا الدول والقارات عزلت. إذن، ينبغي اليوم تغيير النموذج المتبع، تغيير الأسلوب  المتبع لرؤيتنا للعالم، وتصور وإحداث ضمير جديد، أريد القول على مستوى العلاقة، وهذا لن يتم إلا بالتعليم، ومن هنا جاء المشروع، الذي بعثنا إليكم حوله فيلم قصير، يقدم لحدث سيقام في سنة 2022، بحيث سيجري لقاء دولي في هولندا، وجرت العادة أن ينظم كل أربع سنوات بلدا معرضا دوليا يتصور المستقبل، ويتصور كيفية بناء مجتمع الغد ومدينة الغد. وفي المعرض الذي سيدوم ستة أشهر، وهذا ما نتمناه جميعا، لأننا لا نعلم حتى 2022، كيف سيكون الوضع، وهذا لا يمنع، من أن العديد من الأشخاص ينتظر قدومهم.

    سيكون لـ AISA جناح داخل هذا المعرض، تقدر مساحته بحوالي ألف متر مربع، لتسليط الضوء على تربية السلام هذه، والتمكن من تكوين المكونين، وإقامة معارض، والتمكن من حمل هذه الرسالة، إن شئتم، رسالة السلام، والتبيين العلاقة الموجودة بين تربية ثقافة السلام ومعنى وحقيقة مدينة الغد. إننا نتكلم بكثرة عن التكنولوجية، ونتكلم بكثرة عن العلوم المعرفية، وننسى العلوم السلوكية، وتكمن المشكلة اليوم في العلاقة بين الأفراد وبين الدول، التي تزداد سوءا، يوم بعد يوم، ونحن نرى أن دولا برمتها تنهار. لو نظرنا إلى الشرق الأوسط، سيتمثل أمامنا مثال سوريا ولبنان والعراق وأفغانستان، ويظهر أمامه القرن الأفريقي ودول الساحل الأفريقي، وإننا نرى أن الوضع لا يزداد إلا سوءا، بشعوب وهجرات، حيث تغادر الملايين بلدانها، وتعبر البحر الأبيض المتوسط، الذي أصبح مقبرة للعديد من الناس، التي ترحل من أفريقيا نحو أوروبا، ويتلقون استقبالا سيئا، ويتعرضون لمساءلة من طرف مستغيثيهم. تطرأ هذه المسألة اليوم بسبب الإفتقار إلى التربية السلوكية، الإفتقار إلى التربية لهذا المفهوم الأنَسي والقيَمي، وهذا أساسي، ويتعلق بالأخلاق والعلاقة بين الأفراد. نعلم جميعا أننا لا نشكل جزيرة منعزلة، ومنعزلين عن بعضنا البعض. كيف ندمج تربية القِيم والأخلاق هذه في البرامج المدرسية؟

    سأقدم الخطوط العريضة. في الحقيقة الإجتماعية نحن جميعا أفرادا إجتماعيين، ونعترف أن الغير موجود ويلعب دورا في حياتنا. إن هذا المنظور يثمن التنوع والإختلاف. والإشادة أن التنوع والإختلاف ثراءا للبعض حيال البعض الآخر. نعلم جميعا أننا لسنا سوى حقيقة متقاسَمة، وجزء من حقيقتنا المتقاسَمة مع الغير، ونحن في الآن نفسه مفرَدين، ننتمي إلى جماعات إجتماعية متميزة ومختلفة، تطبعها الثقافة واللغة والمناخ، ومترابطين مع بعضنا البعض. إذن كيف نجعل كل هذا في التربية شيء من منظور الأمور؟ مما يعنيه الإنتقال من ثقافة أنا الأنانية، دعوانا فيها هذا بلدي هذا وطني، إلى ثقافة نحن، التي دعوانا فيها هذه أرضي. وهذا تغير قد طرأ على مستوى السلوك وعلى مستوى أخلاقنا. كيف نُحوّل النزاعات الموجودة اليوم إلى شيء إيجابي؟ إدارة النزاع اليوم ينبغي أن تقودنا إلى الإدراك أنه لا يجب أن يفك النزاع بقرار فقط، بل بطروء تحوّل يُرى من خلاله بأنه شيء إيجابي. بجعله إيجابي، سيقودنا النزاع إلى إعادة النظر في تربيتنا وسلوكنا الإجتماعي ونظرتنا حول الغير، بحيث حينما يقع نزاع، فهذا ينبئ أننا قد نسينا شيء ما، فالنزاع حدث في مكان ما، بسبب حدوث نسيان، بوعي أو بدون وعي. كيف نصلح الأضرار، للذي لم يتم إنجازه بالأمس، حتى يصبح النزاع إيجابيا؟ وهذا ما سيؤدي بنا إلى الخضوع لتغيير جذري في طريقة رؤيتنا، وطريقة عيشنا، وطريقة تبادلنا، وطريقة ارتباطنا مع بعضنا البعض، في حضن التكامل والتآزر. ومن ثم تبني نظام، حيث يتم استبدال النظام الهرمي، الذي هو نظام أنا نفسي، ويتميز بهرم ذو قمة، تعتليها نخبة، تمتلك السلطات والاصول والوسائل، وقاعدة تعيش تحت الوطأة؛ والإنتقال إلى ثقافة نحن هذه، وهي ثقافة الدائرة، حيث كل نقطة في الدائرة، تربطها علاقة بالنقاط الأخرى، وتتواجد على مسافة متساوية من المركز. مركز الصالح العام. هذا هو تحدي الغد. كيف يمكننا جميعا ما دمنا متواصلين بالغير، أن نتواصل مع مركز الصالح العام، لإنسانية متصالحة مع بعضها البعض، ونعمل جنبا إلى جنب؟ لأن الأمر لا يتعلق فقط بتدريس العلوم المعرفية، يجب يتعدى إلى تدريس السلوكيات الإجتماعية. حاليا يرتكز نظامنا حول المنافسة. كيف ننتقل من نظام تربوي يعتمد على المنافسة إلى نظام قِيَم يُؤثِر التآزر؟ هذا هو تحد اليوم والغد.

    إن من النقاط المتبقية، توجد نقطة مهمة جدا في المشروع الذي نحن بصدد بناءه منذ سنة من أجل سنة 2022. هذا أيضا من سلوكنا، والقاعدة هي ثقافة السلام. والشيء الثاني البالغ الأهمية هو اقتصاد الطبيعة، وما هو اقتصاد الطبيعة؟ فلحد اليوم، يبقى الإقتصاد إلا شأن مالي وتجاري، وينبغي علينا التمكين من تدريس أطفالنا اقتصاد الطبيعة، وإن اقتصاد الطبيعة حافظ منذ ملايين السنين على سلسلة الحي، أنتج موارد تموينية، بدون تخليف نفايات. لا تجدون مخلفات في اقتصاد الطبيعة، كل شيء يتم تحويله، وكل شيء يعاد تدويره طبيعيا. تؤدي بنا ثقافة السلام إلى ادراك اقتصاد الطبيعة واعتبار التنوع البيئي، ليس فقط كمورد لا ينضب مخصص لهذا العمل، ولكن يؤدي إلى استعادة صلة الإنسان مع الطبيعة والبيئة، وهذا أحد المظاهر البالغة الاهمية، لأن إنسان اليوم وأكثر إنسان الغد سيكون في مواجهة هذه المعضلة، ويكون الباعث لإشكالية تمتد على مستوى عالمي وشامل، تمس الحي. توجد حيوانات انقرضت وحشرات انقرضت وعصافير انقرضت ومحيطات ملوثة. إلى أي مدى نبقى مستمرين في هذا النظام الإستهلاكي الجامح، الذي يقودنا إلى كسر سلسلة الحي، التي نستمد منها غذاءنا وحياتنا، ويفضي هذا النظام إلى نجوم تلوث وارتفاع نسبة ثاني أوكسيد الكربون والإحتباس الحراري وتلوث المحيطات. نعلم جميعا، أننا بحاجة اليوم إلى ضمير جديد، ضمير شامل، ضمير عالمي، يجعل من أبنائنا كائنات تتحلى بإدراك أنها خلية في جسد. إن الإنسانية تشكل جسدا، وهم خلايا في هذا الجسد، تصلح جسورا تسهر على رفاه الغير. وهذا الغير ليس هو الإنسان أو أقرانه فقط، ولكنه أيضا الطبيعة في كليتها، وإنه الحي في كليته. وهذا هو بصورة تقريبية على ماذا يرتكز كل من تربية السلام واقتصاد الطبيعة.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1)   MEDAFCO-Développement (Méditerranée- Afrique Co-développement)  هي منظمة غير ربحية تعمل منذ إنشائها في عام 2007 على تقوية الجهات الفاعلة في التنمية المستدامة في بلدان البحر الأبيض المتوسط ​​وأفريقيا. على مدار 12 عامًا، أقامت MEDAFCO-Développement العديد من البرامج الدولية بما في ذلك برنامج ALINOV وأكاديمية القيادة والابتكار.

 

    أما Alinov فهو مفهوم يطلق على شركة تدريب، تقدم دورات تدريبية وتحديثات معرفية، تسمح للأشخاص الذين يمرون بمرحلة انتقالية في الحياة المهنية باكتساب خبرة ملموسة وحديثة في بيئة عمل حقيقية، مع تطوير مهاراتهم والاستفادة من خدمات الدعم في البحث عن عمل.