الأحد، 9 يناير 2022

نحن جميعا من نفس الماء

نحن جميعا من نفس الماء

 

    حلّ الشيخ خالد بن تونس مجددا على المركز الجامعي المتوسطي لنيس، يوم 09 ديسمبر 2021، وقدّم محاضرة عنوانها "نحن جميعا من نفس الماء". ونفس المركز تم تغيير إسمه رسمیا إلى الدار المتوسطیة للسلام، من قبل مجلس البلدیة، بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشریف، الذي أقيم في 21 أكتوبر 2021، بذات المركز. قال الشيخ خالد بن تونس:

 

    سيداتي سادتي أصدقائي الأعزاء.

    كم أنا سعيد بمشاركة هذه اللحظة معكم، التي أجلّت كذا من مرة، بسبب الإمتحان الذي نمر به جميعا، وهو إمتحان داء كوفيد. وأشكر بلدية نيس والمركز الجامعي المتوسطي الذي استقبلنا في هذه القاعة الجميلة جدا، مع إشراقة هذه الشمس الرائعة، وإطلالة المياه الزرقاء للبحر الأبيض المتوسط، هذا البحر الذي أنجب الحضارات من كلا الجانبين، جميع كبريات الحضارات سبحت في مياهه، وعنوان هذه الجلسة "نحن جميعا من نفس الماء"، ومنه هذا البحر الذي يجمع الشمال بالجنوب، والشرق بالغرب، وكان فعلا مختبرا، حيث ظهرت جميع الأفكار، وكبريات الإيديولوجيات الفلسفية والعلمية والدينية والروحية والإنسانية، وبالتأكيد أجيال أخرى ستأتي بعدنا، وستكتشف أن هذا المكان المشترك، الذي هو البحر المتوسط، بالمعنيين(1)، بحر بمعنى الماء الذي هو أصل كل حياة، ولكن أيضا تلك الأم الحامل، التي تلد الأمل، وتلد الأفكار الجديدة، وتلد الوسائل، حتى تعيش هذه الإنسانية وتتحول، من قرن إلى قرن، ومن جيل إلى جيل، إلى إنسانية متوحّدة، قد أصبحت تُشكل جسدا واحدا، وكل إنسان يمثل خلية، وجميع المجتمعات بتنوعها، ليست سوى أطراف ذات الجسد، وتعمل جميعا من أجل خير الجميع، وتجني من ذلك ما تريد وتحتاج إليه، بكل سلام وبكل إعتزاز.


أثناء إلقاء محاضرته في المركز الجامعي لنيس

 

 

 

 

دَور السلام

    إن الكلام عن السلام في نظري يُعتبر، في أننا نقوم بتغيير نظرتنا وتفكيرنا حول الكلمة نفسها. إن السلام ليس فقط غياب الحرب والنزاع، ينبغي أن نرى السلام كطاقة وقوة نستطيع من خلالها أن نرتكز، مثل غذاء يمكنه أن يغذي ضميرنا ويسمو به. إن السلام مثل جنّة تُجنى ثمارها، جنّة على مستوى ضميرنا تُجنى، وتؤدي بنا إلى اليقظة، وتُصيّرنا حتى لا نهمل جنتنا الباطنية، لأن كل جنّة مهملة تصبح أدغالا، ومكانا تكسوه الأعشاب الضارة. كل جنة مهملة، وكل ضمير مهمل مصير صاحبه الضلال، ونصبح في ضلالة، لأننا أناسا ضعافا، وقد نقع في مواقف خطيرة في الحياة، وتنفلت منا الأمور، ويبلغ بنا الأمر إلى إيذاء الغير، وأحيانا بدون قصد، بتفوه بكلمات أو إلقاء نظرة. ننخدع بتصرفنا. إنه إدراك صلة السلام، تلك الصلة التي تربطنا، وتربط الإنسانية من جيل إلى جيل. وغالبا ما أنظرها في الجسم الإنساني، وأقول هذا رائع، لأننا نحمل جميعا نحمل الأثر، رجالا ونساءا، نحمل الأثر، للذي يربطنا منذ غابر الدهور. ولينظر كلٌّ منا إلى سرّته، ومن سرته سيرى أنه متصل بأمه، وأمه متصلة بأمها، وهكذا ودواليك، وبها من خلال جميع الإنسانية، وسنكتشف أنه توجد رابطة عبرت المكان والزمان، تصل جميع الإنسانية. هذه نظرة تحُدث اطمئنانا. ولأننا نراها. إنني أنتمي إلى عدد لا متناهي من الناس، منهم من منحني الحياة، وفيهم صالحين وطالحين، وسنتفهم أننا ملخص جميع الإنسانية التي سبقتنا. ربما كان لنا في أصولنا، حسنا، أناس صالحين وتقاة وحكماء وذوي جود وكرم، ولكن أيضا قد يكون في أجدادنا قتلة ولصوص وظالمين. إذن كلٌّ منا يلخص، عندما يرجع إلى نفسه، إنه في الواقع نتاج سلسلة من الناس، عاشوا على مستويات مختلفة وحالات مختلفة، وعلينا أن نضطلع بذلك.

    إذا قام كل واحد منا باختبار فحص (حامضه النووي)، الذي هو ممكنا اليوم، وهو استثنائي حقا، أنا لم أجربه بعد، ولكن أناس اختبروه، وكلموني عنه، حيث رأينا وجود أناس ذوي بشرة بيضاء لهم في أصولهم من هم ذوي بشرة سوداء، وظهر نفس الشيء في الأصول عند ذوي البشرة السوداء، لأنه حدث مزيج كبير منذ غابر الأزمنة، منذ أن ظهر الإنسان، ويقال أنه من أفريقيا، من وادي رفت الأثيوبي والتنزاني، وهاجر إلى الشمال، هذا ما يقوله لنا العلميين، ولذا، فنحن جميعا من نفس الماء، ومن نفس الأصل، ومن هذا الأصل، يجب اليوم أن نعي، لأن العلم والمعرفة يمنحانا إيضاحات في زماننا عن أصولنا، بأنه لا توجد أفضلية لأبيض على أسود، ولا لأوروبي على أمريكي، ولا عربي على صيني. لنعيد النظر في هذا السلام ونزنه، ونرى ما هو ثقله، مثل سفينة تبحر في الأعماق، تحافظ صابوراتها على التوازن، حتى لا تغرق عند العواصف. وعواصف الحياة، يوجد منها الكثير، تمر بنا حالات صعبة ولحظات قلق، ولحظات تَحدُث فيها متاعب ويصيبنا الفقر، ولحظات يعتري فيها الكبر. إن السلام الباطني يسمح لنا بأن (نغطس) في الكل الذي تقوم به الحياة، في هذا المحيط، في هذا البحر، الذي يبدأ بالنسبة لنا من نقطة، التي هي الولادة، ويحدِد مصير، ولدينا مصير وجودٍ، ننطلق من نقطة معينة، من نقطة ولادتنا نحو نقطة تشكل الوفاة، ولا أحد يمكنه أن يفر من هذا المصير.

    نحن تلقينا الحياة، ولم يحدث أن طلب شخص أن يُبعث فجأة في هذا العالم. ولا واحد منا اختار بطن أمه التي ستحمله، ولا اختار لغته أو ثقافته ولا حتى إسمه. إذا كانت تلك هبة تنتقل من جيل إلى جيل، ومن أب إلى أب، ومن نسب إلى نسب، إذن فما الذي فعلناه بهذه الهبة، التي هي الحياة، التي أعطيت لنا؟ وهبة الحياة هذه نتشاركها مع مخلوقات أخرى. وليس فقط مع الإنسان الذي تدب فيه الحياة، حتى الحيوانات حية، والعصافير والقطط والكلاب والأسماك في المياه كذلك، ليس إلا الحيوانات، فالنباتات تنتمي أيضا إلى الحي، وكلما تقدمنا أكثر، كلما رأينا أن هذا الحي متواجد في اللامتناهي في الصغر، مادام أن البكتيريا والجراثيم تعد من الأحياء. يذكرنا ذلك بشيء، وهو أن هذا الحي المتواجد، ما الذي فعلناه به؟ فحن نملك منه جزء، الذي هو حياتنا. إذا كنا تلقينا الحياة، فكيف سندير وجودنا؟ هنا تكمن المشكلة. إذا كانت الحياة هبة، فالتواجد نهجنا في إدراج مرورنا في إقامتنا الأرضية، والمكوث الزائل. كيف سنتصرف؟ يبقى هذا إختيار، والإختيار يتخذ في كل لحظة حاضرة. أي طريق سيسلكُ؟ وفي هذا يتدخل السلام والسلام الباطني ليساعدنا على الإختيار، في كل مرة نلقي فيها بالا لباطنيتنا، ويتحدد اختيارنا في أن نكون قائمين على خدمة الغير وخدمة الإنسان. إن الخدمة حال يقتضي المساهمة، وإبداء إبتسامة أو كلمة أو إيماءة، وكذا المساهمة وكل ما يؤدي بي  إلى بناء الصلة وعدم الوقوع في القطيعة. كيف نقوي الصِلات بين الناس؟ كيف نحرس على ألا تصبح هذه القطيعة تمزيقا يعاش في المعارضة؟ كيف نسمح بأن نعيش في عالم، المعارضة فيه قائمة؟ لأنه عالم التكاثر وعالم الإزدواجية، بوجود الليل والنهار، والسلم والحرب، والمحبة والكراهية، حيث كلٌ له نقيضه. كيف نجد القوة والطاقة التي تترجم الحركية، وتدرجها في منظور بناء الصلات، وتحرس على عدم حدوث القطيعة والتمزيق؟ وعلى ألا أكون أنا هو العلاقة السببية في حدوث الإنطواء، الذي يسبب أحيانا أعطالا، لها عواقب؟ من هنا يأتي دور السلام، الذي يبتدئ أولا منا، وهو لا يعني عدم وجود الحرب أو النزاع، فالسلام طاقة وقوة واستطاعة، من خلاله يٌثبت اعتبار لأنفسنا، ومن خلاله نستمد، إنه طاقة مغذية لقدرتنا ومهارتنا، ودافع في أعمالنا وأقوالنا.

    كيف يمكنني أن أترجم ذلك في حياتي اليومية وفي طريقة معاشي وسلوكي؟ في اللحظة التي تتحلى فيها النفس بالسلام الباطني، في تلك اللحظة ستتحول إلى سلام ازاء الغير. كيف يمكنني أن أبني سلام مستدام مع الغير؟ وهل يمكنني الذهاب أبعد وبناء السلام مع بيئتي؟ وهنا، سنرى أن السلام يعني جميع الميادين. لا يوجد ميدان إلا وهو يسود فيه ويتوسط الأمور ويلعب دورا محوريا.

 

   السلام مع الإقتصاد

     هل يوجد اقتصاد سلام؟ عندما نتكلم عن الإقتصاد إننا نذكر أرقاما، ونتكلم عن الأرباح، ولكن ماذا يعني إقتصاد السلام وماهي علاقته بالسلام؟ بطبيعة الحال للإقتصاد علاقة بالسلام. لأن الإقتصاد لو فكر فيه أهل السلام، سأصبح اقتصاد الرفاه، وهو عكس إقتصاد الكازينوهات المبني على الربح فحسب. لو ألقينا نظرة على الطبيعة لرأينا أن أول إقتصاد في العالم، على وجه الأرض هو الإقتصاد الطبيعي. عندما تنظرون إلى غابة سترون أشجارا، ولكن لا يوجد سوى الأشجار، توجد أصناف من الحيوانات تسكنها، وتكسوها نباتات، وبها دودة الأرض والفطريات. لا تعني الغابة سوى الخشب، وليس سوى هذا الأخير صالح للإستغلال. إن الذي لا يملك سوى الجانب الإقتصادي، ولا ينظر سوى بإقتصاد الربح، سينظر إليها كأخشاب، وغابات تتحول إلى خشب تصنع منه البيوت والأثاث، لا يفكر أن هذه الغابة تمثل أمورا أخرى، وتحدث توازنا، وإنه الحي. فهي تأوي كائنات، وبالأخص أنها تمتص ثاني أوكسيد الكربون، وتنتج الأوكسجين.

    يجعل السلام الأمور أكثر إيضاحا، ليس سطحيا فحسب، ولكن في العمق. عندما جرى اللقاء مع الإتحادية الدولية للرياضيات، طلبنا هل في الإمكان أن نقارن العيش معا في سلام مع الرياضيات، وكان محور الفكرة أن نقيم عرضا، نظهر فيه أنه يمكن للرياضيات والعيش معا أن يجدا صلة. وأؤكد لكم أن في البداية لا أحد تقريبا كان يعتقد. حضرته 27 جامعة، انظمت إلى هذا الرهان، جامعات من جميع العالم، من أوروبا وأمريكا الجنوبية والشمالية، ومن آسيا وأفريقيا، ومن جميع أطراف حوض البحر الأبيض المتوسط. جاءوا من البرتغال وإسبانيا وفرنسا وإيطاليا واليونان، وقبرص والأردن ولبنان، ومن الضفة الأخرى، من دول الجنوب. أطلق ذلك الرهان، وكل جامعة حاولت العمل طيلة عام، وأقيمت تجارب هائلة لا تصدق. تعتبر الرياضيات أحد علوم المستقبل، الأكثر عقلانية، ويمكنها أن تفتح لنا وتؤدي بنا إلى العيش معا في سلام هذا. من هذا العمل خرج كتاب، أدعوكم لقراءته، وخصوصا الرياضيين والمربيين، في الموقع، وهو بالمجان(2)، يمكنكم الحصول عليه، وسترون كيف رفع هذا التحدي من طرف 27 جامعة في العالم، بما فيها الجامعة الرياضية لموسكو، وكيف أنه تنسج الصلات، حتى مع العلوم الاكثر عقلانية. يوجد هنا السلام ويوجد هنا العيش معا، وإنها تؤدي بنا إلى السلام، وإلى العيش معا، وتؤدي بنا إلى الوحدة.

 

حروف الأبجدية

    من هنا، نحن نرى أنه باستطاعتنا أن نحصل على نتيحة لو استعملنا وسخرنا الوسائل اللازمة التي ينبغي أن تستثمر. ينبغي إدخال التربية بنهج ثقافة السلام في المقررات المدرسية لأبنائنا، وسنغير كلية نظرتهم حول أنفسهم والعالم الذي يسكنونه، حول أنفسهم وأقرانهم، حول أنفسهم وبيئتهم، وهي صلات قد تنسج. آخذ مثال ورشة "نحن جميعا لنا نفس الأبجدية"، وهي ورشة موجهة للأطفال، الذين هم أكثر تقبلا لهذا النوع من الألعاب. إنها لعبة تجرى في قسم به 15 طفلا أو 10 أطفال، ونطلب من كل واحد أن يكتب إسمه. هيا اكتبوا أسماءكم، ويكتبون أسمائهم، جان، بول، علي، وابراهيم، ونطلب من كل واحد أن ينظر إلى حروف اسمه التي توجد في اسم صديقه، ربما أنك تملك ألفا مشتركا أو أنه باءا أو جيما، أو حتى أنه سين أو صاد. ويبدأ الأطفال، أنت ما هو إسمك، اسمي آلان، يوجد الألف، اسمي ابراهيم، يوجد الألف، توجد رابطة بيننا، وتوجد رابطة مع آخر، بحرف آخر. نحن نرى أنه في قسم به 15 أو 20 طفلا، وننطلق من الأبجدية وبالحروف، فتُخلق صلات. نقترض حروف بعضنا بعضا. إذا ذهبنا أبعد من خلال 26 حرفا، ونقول لهم الآن بعدما وجدتم صلات بالأسماء، انظروا هل تجدونها مع كلمة بحر، نعم أنا لدي الباء، وأنا لدي حاء، كلٌ يقدم، ونكتب كلمة بحر، وماذا عن السماء؟ إذن لنبحث. هل لديك سين أو ميم أو همزة. نبحث مع سماء وقط وكلب وزهرة، من خلال 26 حرفا للأبجدية. سيتعلم الأطفال أنهم يستطيعون معرفة وكتابة واكتشاف، لأن لديهم حروف متشابهة، منطلقين ببساطة من أسمائهم. تخلق صلات مع جيرانهم، إناثا وذكورا. لدي صديق أقتسم معه نفس الحرف، ولدي صلة أيضا مع البيئة، مع البحر، مع الطبيعة والسماء والشمس والنجم، مادام أني أملك حرفا يجعلني في صلة مع الشيء. بصفتكم بالغين لا أعلم إن كنتم ستفهمون بعض الشيء اللعبة. إن الهدف من اللعبة تلقين الأطفال في سن مبكرة الإرتباط فيما بينهم، وأيضا من خلالهم مع باقي الخليقة. لأن جميع المعارف الموجودة في الكتب والمكتبات، وكل ما كتبه الإنسان منذ غابر الأزمنة حتى يومنا هذا نجده في 26 حرفا، بالطبع باللغة الفرنسية، و28 حرفا في العربية، وكذا في لغات أخرى، وكل أبجديات العالم تحويها. 26 حرف فحسب تحوي جميع المعرفة التي تمكن أن يكتبها الإنسان.

    ولكن أين يكمن الشرط؟ فلكل حرف صوت، لا يشبه الألفُ الباءَ. عندما نقول ألفا فليس ذلك باءا، ذلك مختلف، يوجد صوت وأيضا شكل. لكل حرف صوت وفردانية يجب احترامها. وتظهر المعجزة أو الإكتشاف أو البراعة عندما ترتبط الحروف مع بعضها البعض، وتعطي معنى. نحن الآدميون مثل الحروف، بالمعنى الذي تعطيه صلة الرابطة، وتنقض لو بقينا منفصلين. أنا ألف، هذا جيد، والآخر يقول أنا ميم، هذا جيد، وأنا حاء، وأنا باء، وأنا تاء مربوطة. ولكن أي معنى سيُعطى؟ لا يُرى معنى تواجدنا وينكشف إلا إذا تقبلتٌ أن أرتبط بالآخر. أنا ميم، والآخر حاء، ويتقبل الميم الإرتباط بالحاء، والحاء يتقبل الباء، والباء يتقبل التاء المربوطة، وهذا يعطي معنى، لأنها تقبلت بأن تكون معا، وفي هذا تكمن الإمكانات لدينا، فإنها توجد في العلاقة. إذا انتظمنا معا وارتبطنا مع تقبل بعضنا البعض، سنعطي معنى ونقدم حركية، ويتحقق هذا الحي من خلال المشاريع والمعرفة والثقافة، ومن خلال كل شيء، سيكون عندما نتقبل الإرتباط مع بعضنا البعض. ولكن يوجد فخ. عندما تظهر الكلمة بارتباط الحروف وتعطي محبة، حسنا، يوجد أيضا مضادها، الذي يقول ها أنا ذا، ومضاد المحبة، ما هو؟ -أجيب من داخل القاعة إنها الكراهية-. أمرا محتوما، لأن المحبة نفسها هي التي تخلقها، والمحبة هي التي تطلب مضادها، حتى تُعرف، وهنا تظهر مسألة الإختيار. ما الذي أختاره؟ أختار أن أكون في التاء المربوطة الموجودة في الكراهية، هل تفهمون؟ إنها فردية كل حرف، وعندما أقول حرف، أقصد معنييه، الحرف والكائن الذي هو نحن. إنها مسألة إختيار. هل أريد أن أكون ضمن الكلمة التي لها معنى محبة، وقبول المشاركة في ذلك وإعطاء معنى لذلك العمل أو الإحساس أو تلك الحركية، أو أنا، حسنا، بدلا من ذلك في الجهة الأخرى، أنا التاء المربوطة للجهة الأخرى؟ هنا تجدر الإشارة إلى الفكر والتربية، وأهمية التربية مبكرا وزرع هذه البذرة في ضمائر أبنائنا.

    حيث سيكبر الطفل متزينا بثقافة نحن، بدلا من تبنيه ثقافة أنا والنزعة الفردية والأنانية. هنا لدينا البحر أمامنا، وإذا ما ادعى الطفل قائلا هذا بحري، أو هذا البحر يخصني، ومن بحر نيس معلنا أنا مِن نيس، وإن الأمر سيكون مختلفا لو قال الطفل هذا بحرنا، وهذه مدينتنا، وهذا بلدنا. هذا لا يعني أن الأمر يتعلق بنفي الذاتية، بعيدا عن ذلك أو الفردانية، ولكن الفرق يكمن في أن فكر ونظرة 'نحن' تجعلني متواجد، ولكنني أتواجد في فضاء رمزي، حيث أحترم وأخدم، وإنني قائم في خدمة نحن. تصلح هذه الثقافة حتى على مستوى الوالدين، إذا كان لديّ إخوة وأخوات، وقلت أمي، وبالفعل هي أمنا، وإن تعليم طفل على مشاركة أمه مع إخوانه وأخواته، يختلف عندها الأمر، لو أن طفل ادعى امتلاك أمه لنفسه، بشكل ما، أو أنه لا يريد أباه سوى لنفسه.

    إنها عملية تقودنا إلى التفكير وتدبير منهجية للتربية، تسمح في سن مبكرة، منذ الطور التحضيري أو المدرسة الإبتدائية بإدخال هذه التربية بنهج ثقافة السلام، بواسطة تمارين وورشات وعرض فيديوهات قصيرة. وعليه تحضير الطفل في سن مبكرة، وتغذيته بثقافة نحن والمشاركة، وثقافة الإحترام، وبثقافة يرى من خلالها أصالة الغير وليس أجنبيته. عندما نقول هذا أجنبي، فإنه ذلك الغريب، الذي لا أفهمه، فهو غريب ولا أفهم لغته، ولا أفهم رغباته وطريقة تفكيره. إذن فهو أجنبي، وأجنبي بالنسبة لي، لأنه أكّد ما أفكر فيه وما أشعر به. ولكنني أفسر ذلك بشكل آخر، ويمكنني أن أقول أيضا أن الآخر الذي لا يشبهني، وغريب بالنسبة لي، هو مرآة، لأنه يعكس ما أنا عليه، يمنحني إمكانية معرفة نفسي بشكل أفضل، وبالتالي معرفة ثقافتي وحضارتي، ومعرفة مواطن القوة والضعف فيّ. إننا مرايا بعضنا البعض، ونصبح مرايا لبعضنا البعض.

 

اليوم الدولي للعيش معا في سلام

     لا أعلم إن كنت تجاوزتُ، وأرغب في أن يكون هناك حوار، ونتشارك هذه الأفكار، ربما أنا مخطئ، لا أعلم، ولكن مشاركتها معكم يسمح بإثراءها.

     قلتُ لكم سنحتفل باليوم الدولي للعيش معا في سلام في 16 مايو 2022، ومنذ يومين جرت محاضرة بواسطة تقنية الزوم، عبر 55 عاصمة من العالم، مع 55 رئيس بلدية أو نوابهم أو إداريي أكبر البلديات في العالم، كانوا حاضرين معنا، واللقاء بادر به المرصد الدولي لرؤساء بلديات العيش معا في سلام، الكائن مقره في مدينة مونتريال الكندية، التي كانت المتعهد به(3)، ومدينة إزمير التركية من كان في الإستقبال(4)، لأنه كان فيه حضور، أناس حقا حضروا اللقاء، وأيضا يوجد من لم يستطع، وشارك بواسطة الأنترنيت، ورأيت رؤساء بلديات كبريات المدن الذين وقّعوا على معاهدة دوسلدورف(5)، وقد قرأنا تاريخ 8 ديسمبر 2017، يوم تم التصويت على اليوم الدولي للعيش معا في سلام، بمناسبة الجلسة العامة للأمم المتحدة، والجهد الكبير الذي سخر، والعمل الجاري حاليا، وكيف أن اليوم 55 عاصمة في العالم اختارت بأن تكون في هذه الحركة للعيش معا في سلام، حيث أن التجارب المكتسبة في المدن، عبر العالم، يتم تبادلها بمناسبة هذه اللقاءات، ويجري التحضير للقاء القادم بتاريخ 16 مايو 2022، للتبيين أن الفكرة لا تزال فعالة، وقد بدأت تنسج علاقات بين العواصم، التي عادة، مثلا، فعاصمة بوركينافاسو ونيويورك وعاصمة أذربيجان، لا يتواصلون بالضرورة، ولا يتبادلون التجارب فيما بينهم، وإنّ هذا اليوم سمح بنسج صلات، وأعطى إمكانية تبادل التجارب حول العيش معا والمسائل الأمنية والتربية، وجمع القمامة، على سبيل المثال، إنها أمور عادية، ولكن تجربة المدن، أفادت في الفرز. نحن بهذه الطريقة نقوم بذلك. سهلت تلك الإمكانية بنهج سلوك العيش معا ونقل الأفكار، ونقصد بالأفكار أيضا القيم، القيم الأنسية وقيم السلوك والإيثار، لأنه لا تتداول في ذلك أموال ولا أرباح، يتم تبادل الأفكار مجانا، وتعتبر وسيلة بالنسبة لنا لرفع التحدي. ليس نحن المتواجدين هنا، بالتأكيد ليس نحن، إن الذين سيواجهون هذه التحديات، هم أبناءنا وأحفادنا، مع تفاقم التلوث والإحتباس الحراري، ومع كل هذه التحديات، وكذا بوجود الطاقات المتجددة.

    قدمتٌ منذ أسابيع قليلة من جزر الكناري، أين جرى لقاء، في إحدى جزر الكناري، التي اتفق سكانها على حماية حياتهم. من الجزر السبعة لأرخبيل كناري رفضت إحداهن تبني نفس نمط التطور، الذي اعتمدته بقية الجزر، أي السياحة، وبناء الفنادق، وقد شوهوا شواطئهم بالخرسانة، وراهنوا على التجارة والسياحة. قال سكان هذه الجزيرة نحن نريد أن نحافظ على جزيرتنا، وراهنوا على الفلاحة البيئية. اليوم، ومع الأزمة التي يعرفها العالم، منذ ظهور الجائحة، لم يعد يوجد في جميع جزر الكناري سياحة، فأغلقت الفنادق، والبعض منها أعلنت إفلاسها، والمتاجر والملاهي أغلقت والمطاعم، ولكن هذه الجزيرة الصغيرة لوحدها تشتغل، وتطعم بقية الجزر، وبفضلها تمكن البقية من الحصول على منتوجات طازجة وجيدة، ولأنهم فضلوا زراعة بيئية، يحصلون على كل ما يحتاجونه، من موز وأناناس وبطاطس، ومن تربية المواشي، يوفرون الماعز والبقر، ويصنعون أجبانهم، من جبن الماعز والأبقار، وذهبوا بعيدا، وقالوا لما لا تكن الطاقة، واليوم هم يتميزون باستقلالية طاقوية، وينتجون الكهرباء، ويملكون أسهم في إنتاج الكهرباء وتحلية المياه. أنتم ترون، أخذتُ مثالا دقيقا، لأن عددهم قليل وجزيرتهم معزولة، تقبع في عمق الأطلسي، ولكن الذكاء البشري وجد الحل للإدارة بشكل مختلف، والحفاظ على أولاده، فالجزيرة كانت فقيرة، وشهدت هجرة أبناءها، غادروها إلى فنزويلا والمكسيك وميامي والولايات المتحدة. أين تذهبون؟ اليوم هم باقون في بيوتهم ويجنون أرضهم، ما دام أنها بركانية، وأنتم تعلمون غنى الأراضي البركانية، كانت لهم هذه الفكرة العبقرية بأن يجعلوا من جزيرتهم محمية، وأماكن الصيد محددة،  وأسماكهم يصدرونها للقارة.. وكل ذلك بسبب اتخاذهم إدارة معقولة، وإدارة أشخاص يفكرون. ومن هنا نلاحظ كيف يؤطَر مستقبل أبناءنا، ومستقبل أبناءنا يوجه للعمل على إصلاح الأضرار التي تسببنا فيها. ماهي المهن الإصلاحية التي ينبغي التوجه إليها؟ إنها ترجى في المعرفة ومناحي الإصلاح.

    كيف نزيل التلوث من البحر الأبيض المتوسط، وأنتم تعلمون أن البحر الأبيض المتوسط بصدد الموت، كل العالم يعرف ذلك، وبعد 25 أو 30 سنة أو أكثر، لن يعود فيه أسماك، إلا الأسماك المستزرعة، والأسماك البرية لن يكون لها وجود، وهذا الأمر نعلمه. بإمكاننا اليوم إزالة التلوث، ونيس مدينة من مدن حوض البحر الأبيض المتوسط  تريد أن تكون على رأس هذه المبادرة، فتكنولوجيا لنا المقدرة على القيام به، في ضرف 14 سنة، و 14 سنة لا تعني شيئا في الزمن، وفي هذه المدة نستطيع إزالة التلوث، إذا اتفقت جماعيا الدول الساحلية. إنها مسألة تعود إلى أصحاب السياسة، وقرار تتخذه السلطة السياسية، حتى يتم العمل معا، لأنه لا يمكن لأي بلد أن يفعل ذلك بمفرده، هذا مستحيل، ينبغي أن يشاركه البقية. لا يمكننا فقط إزالة تلوث القسم الفرنسي أو ضاحية نيس، وعندما نريد أن نزيل التلوث نزيل تلوث جميع البحر الأبيض المتوسط، وإلا لم نفعل شيئا. نفس الشيء بالنسبة لكوفيد، إذا لم يلقح جميع الناس، ستظهر دائما سلالات جديدة.

    أنتم ترون أن العيش معا وهذا السلام ليس بالشيء البعيد، وليس أمرا فلسفيا أو روحيا فحسب، ولكنه شيء مرتبط بالحياة اليومية، وعند الزوجين، ومع الأطفال والجيران، وفي المدينة وبين المواطنين، وفي البلد، وفيما بين البلدان في العالم.

    إذن لنتحلى بالإدراك بطريق السلام وهذه الطاقة الحامية للحياة، هذه الطاقة التي تتيح الرفاه في جميع المجالات، ولنكون اليوم مؤهلين، على الأقل على القيام بشيء، وهو تقديم معنى للأجيال المقبلة، حتى يواصلون في هذا الطريق، وإذا كنا نحن عاجزين على تحقيقه، لنضع كل الأمل في الأجيال القادمة، لننقل إليهم هذه البذرة وهذه الطاقة وهذا المبدأ ليجنون ثمرته ويختلقون منه. نحن جميعا من نفس الأبجدية، وهذه الأبجدية تسمى الإنسانية.

 

الرد على الأسئلة

    ثم جاء دور الأسئلة، حيث رد الشيخ خالد بن تونس على التساؤلات التي طرحها بعض الحضور، الذين استفسروه عن بعض الأمور، وطلبوا في بعض الأحيان إضافات معرفية، لمزيد من التوضيح والبيان.

    أوضح للسائل الذي أراد أن يعرف إسم الجزيرة، الذي أخبر عنها الشيخ، فقال أنها جزيرة إل هيرو، التي تشكل إحدى جزر أرخبيل كناري السبعة وتعتبر أصغرهن حجما، وللوصول إليها يتطلب الإبحار لمدة ثلاث ساعات، من عاصمة الإقليم تنيريفي، وقال عن سكانها "إنهم سعداء، حقا سعداء".

    ثم تلقى سؤالا يشكي صاحبه من عدم التطرق في المحاضرة إلى السلام الباطني والسعي الخاص، وانحصار الدرس فقط في المسار المادي، فقال الشيخ خالد بن تونس "للكلام عن التصوف، والكلام عن التقليد الروحي، فإني كتبت كتبا حول ذلك، وأحد كتبي عنوانه 'التصوف قلب الإسلام''. وأضاف "إن الذي يشغلني اليوم.. أما التصوف، مهما قلنا عنه، فهو أمر يختص بالبعض وليس بالجميع". وكشف "أمامي آخر كتاب، صدر حديثا (بالفرنسية)، عنوانه 'الشيخ أحمد العلاوي، مجدد الطريق الصوفي'، لمؤلفه، وهو أستاذ جامعي(6)". واسترسل في الإيضاح "بمأنني لم أتكلم عن الروحانية، وذلك من أجل جمهور مدني، وما يشغلني اليوم، هو التحديات التي تواجهنا، وليس ذلك بالشيء المادي، بل هو أنسي".

    وأكد الشيخ "علينا بالتربية، وبالتربية بنهج ثقافة السلام، ولدينا حاليا 17 مدرسة، تعمل بهذه المنهجية، وهذه البيداغوجية تسمح للأطفال بإدراك هذا الجانب في سن مبكرة، نحن لا نعلّمهم بأن يصبحوا روحانيين، بل فكّرنا أولا في الأدمية، وفي أناس مسالمين مطمئنين مع وساطة وقائية.. كيف نُعلمهم كيفية التنفس، لأن التنفس أمر أساسي.

    انظروا إلى كوفيد أين اختبأ. اختبأ في الهواء الذي نتنفسه، وأراد أن يستفسرنا عن أنفسنا. مَن أنتم؟ هل ستشكلون إنسانية؟ لقد مسّ البلدان الفقيرة والغنية. جاء يستفسرنا عن الهواء الذي نتنفسه وننفره.. ليتحدى الإنسانية، ويستفسرنا عن ماهيتنا. هل نحن داخل مبدأ التوحيد هذا؟ هل نعي أننا نشكل إنسانية؟ وسواء أكان ذلك شرا أو خيرا، فإنه سيمس الجميع معا. يهزنا ويهزنا أكثر.

    إن الكلام عن الروحانية أريد ذلك، ولكن إنشغالاتي اليوم هي التعليم وكيف نعيش في سلام. والروحانية هي للذي يسعى إليها. ولكن العيش في سلام هو للجميع".

    ثم تلاه سؤال عن كوفيد، قال صاحبه يبدو أنك تشير أنه عقاب إلهي. فقال الشيخ خالد بن تونس "لا. إني أحاول أن أرى الجانب الإيجابي، وذلك ما يدعونا إلى فتح أعيننا حول أنفسنا وحول هذه المأساة".


      ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). بالمعنيين، نسبة للكلمة الفرنسية mer، بمعنى البحر، وmère بمعنى الأم.

(2). فيما يلي رابط الكتاب الذي ضم بين دفتيه نص تأريخ وقائع مؤتمر الرياضيات والعيش معا، الذي جرى في مدينة مستغانم في الفترة الممتدة من 15 إلى 19 جويلية 2018، وعُنوِن بـ "الرياضيات والعيش معا، لماذا ماذا وكيف؟"

http://math.unipa.it/~grim/CIEAEM%2070_Pproceedings_QRDM_Issue%202_Suppl.3?fbclid=IwAR0J39LczbhUeTV9-Y4HYTqedrydhIkwSVdEyCUdKfsXmvlDTMeaqiU2mVo


    ثم يليه رابط محاولة صاحب المدونة في أن يجعل خلاصة للدروس الملقاة، وسماه "المختصر النافع في ذكر خواص اجتماع الرياضيات والعيش معا".

https://www.docdroid.net/edQBJQb/almkhtsr-alnafaa-fy-thkr-khoas-agtmaaa-alryadyat-oalaaysh-maaa-pdf

(3). اعتمد رؤساء بلديات المدن الكبرى إعلان مونتريال، في نهاية "قمة العيش معًا" التي عقدت في مدينة مونتريال يومي 10 و 11 يونيو 2015، حيث وقع رؤساء بلديات المدن والعواصم المشاركة في ذلك اللقاء بالإجماع على إعلان مونتريال. تحدد هذه الوثيقة، وهي الأولى للهيئات الحاكمة المحلية، المبادئ والالتزامات العامة للعيش معًا في المدن. بالإضافة إلى ذلك، نص الإعلان على إنشاء المرصد الدولي لرؤساء البلديات للعيش معًا.

في وثيقة الإعلان،  تعهد رؤساء البلديات بإنشاء مرصد دولي لرؤساء البلديات على العيش معًا، حيث يمكن للمدن الانضمام على أساس طوعي. هذا المرصد، وهو الأول من نوعه بالنسبة للحكومات المحلية، سيعمل بشكل وثيق التعاون مع الجامعات ومراكز البحوث الأخرى في المدن الأعضاء في كل الأسئلة التي تهمه. على وجه الخصوص، سوف يجعل من الممكن توثيق ملفات التحديات الجديدة بالإضافة إلى الممارسات والمبادرات المبتكرة للعيش معًا في جميع أنحاء العالم. حاليا يوجد مقر الأمانة المركزية للمرصد في مونتريال، وسيتم تبادله بصفة دورية.

        

(4). نظمت مدينة إزمير التركية بالتعاون مع المرصد الدولي لرؤساء بلديات العيش معًا، القمة الدولية الثالثة لرؤساء بلديات العيش معًا، والتي عقدت يومي 7 و 8 ديسمبر (عبر الإنترنت)، وكذلك يوم 10 ديسمبر 2021 ( في عين المكان، في إزمير)، بمناسبة اليوم الدولي لحقوق الإنسان. شارك الشيخ خالد بن تونس في القمة عبر تقنية زوم، مثلما أخبر بذلك.

    حاولت هذه القمة سبر التحديات والفرص الحالية من حيث التماسك الاجتماعي وحقوق الإنسان والمدن، في سياق التعافي العالمي ما بعد كوفيد 19.

(5). إنه اجتماع جرى في مدينة دوسلدورف الألمانية، وجرت قمته في الفترة الممتدة من 30 أوت إلى 01 سبتمبر 2019، حضره عدد من رؤساء بلديات العالم، لمناقشة القضايا الرئيسية المرتبطة بالعيش معًا في المدن. ويدخل هذا اللقاء في إطار أعمال المرصد الدولي لرؤساء بلديات العيش معا، الذي تأسس سنة 2015، في مدينة مونتريال الكندية، إثر لقاء جمع حينها أكثر من عشرين رئيس بلدية حول العالم، اجتمعوا من أجل التعبير عن احتياجهم لتبادل التجارب حول التحديات المتعلقة حول التماسك الإجتماعي، وسلامة المجتمعات، في سياق العولمة. في ختام لقاء دوسلدروف خرج المجتمعون بإعلان دوسلدورف، حرر من قبل أعضاء المرصد، موقع بتاريخ، 31 أوت 2019.

(6). صدر حديثا كتابا يبحث في آثار شخصية سيدنا الشيخ أحمد ابن مصطفى العلاوي المستغانمي، صاحب الطريقة العلاوية الدرقاوية الشاذلية، حيث أخرج الأستاذ إيريك يونس جوفري آخر تآليفه، من إصدار دار البراق، وسماه "الشيخ أحمد العلاوي، مجدد الطريق الصوفي".




الأحد، 2 يناير 2022

عام حافل بالوعود

 

 

عام حافل بالوعود

 

 31  دیسمبر 2021

 

 


    إلى جمیع إخواننا وأخواتنا وأصدقائنا وجمیع المحبین. السلام علیكم.

 

    ینقضي عام 2021، وقد ساور الكثیرین حالة من الریبة والشك. ما الذي یخبئه لنا ھذا العام الجدید 2022؟

 

    فیما یخصنا نحن، فبعون الله عز وجل، لدینا الیقین أنه سیكون عاما غنیًا ومثمرا، من خلال مشاریع أخذت ما تستحق من الوقت لكي تنضج، وتعمل على تقوية وتغذية أملنا، في أن نكون في توافق مع مُثل الطریق الروحي الذي اخترناه لخدمة الإنسانیة ومصالحة الأسرة البشریة في ظل احترام تنوعھا، كما جاء في الحدیث النبوي الشريف "الخلق كلهم عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله". رواه البزار والطبراني.

 

    إن دورنا، إن كان لنا دور، ھو تقویة أواصر الأخوة، وزرع بذرة السلام في الضمائر، ومساعدة المحتاجین، حسب إمكانیاتنا، وترقیة التربیة بنهج ثقافة السلام.

 

    اعلموا أنه في عالم تسوده الریبة، أيّ واحد، وفي أیة لحظة، هو معرض للامتحان، ویرى أحلامه ومشاریعه تذھب أدراج الرياح، ویرى حیاته تضطرب جراء المرض، فإنه من الضروري بمكان أن نكون یقضین اتجاه "الأنا النرجسیة"، التي ستھوي بنا إلى قاع غطرسة أنانیة شغوفة، تلك التي تلقي باللائمة على الآخر، وتحول دون توجيه الانتباه للامتحان الذي تتعرض له ضمائرنا.

 

    إن جرد حصیلة العام الماضي سينیر لنا العام القادم. حصیلة تحدد خارطة الطریق لما ینتظرنا من الأعمال. إنھا أعمال متعددة ومتنوعة، وتلتمس من كل واحدة وكل واحد منّا أن يتحلى بالإدراك، ويعتبر في المقام الأول قیّم إلتزامنا، كالوحدة والتواضع وبعد النظر والتعاضد والتآزر والتضحیة التي سیعمل كل واحد منّا، محبة ووفاءا، على تقدیمھا هدي، لإنجاح مسعانا المشترك.

 

الأعمال المرتقبة

    بمناسبة الاحتفال بالیوم الدولي للعیش معًا في سلام، في 16 مایو 2022، ستروّج المنظمة الدولیة غیر الحكومیة AISA على نطاق واسع، قدر المستطاع، للفیلم الوثائقي "نحن جمیعا"، الذي أخرجه بییر بیرار. وبالشراكة مع المرصد الدولي لرؤساء بلدیات العیش معًا، تم عقد اجتماع مختلط (حضوري  وعبر منصة زوم) بمدينة إزمير التركية، جمع في السابع من دیسمبر الماضي أكثر من 50 مدینة، وهؤلاء شركاء محتملين للحدث. إلتزمت فعلیا عدة قنوات تلفزیونیة ببث الفیلم في 16 مایو 2022، كما توجد اتصالات متقدمة مع منظمة الیونسكو، لبث الواقعة على شبكاتها الاجتماعية.

 

    كما تم تسخير كل الوسائل، مع تسطیر حملة إعلامیة واسعة، بغیة الترویج للإعلان العالمي للعیش معا في سلام، خصوصا أثناء البث الحي للفیلم المذكور. كما تّم وضع تحت تصرف كل شركائنا الراغبين ملفا بیداغوجیا ووسائط إعلامیة.  اضغط هنا 

 

    فیما یتعلق بالتربیة بنهج ثقافة السلام، فقد عقد ملتقى في الفترة الممتدة من 27 إلى 30 دیسمبر 2021، بمناسبة نشر دلیل مدارس دار السلام. ضم ھذا الملتقى أكثر من مائة مشارك، على أن تتبعه عدة ملتقیات في السنة المقبلة 2022. تماشیا مع ھذه الخطوات، تم استحداث أرضیة رقمیة وموقع على شبكة النت، يعتنيان بالتربیة بثقافة السلام. تھدف المنصة الرقمیة إلى جمع كل ما ینتجه قطب ثقافة السلام، التابع للمنظمة الدولیة غیر الحكومیةAISA . یمكنكم الاطلاع على نشاطاتھم، والاتصال بھم بواسطة الرابط التالي: اضغط هنا  

 

    ستشھد بلدة ألمیر بأمستردام الهولندية في الفترة الممتدة من 14 أفریل إلى 9 أكتوبر 2022 معرض فلوریاد الدولي، تحت شعار "تنمیة المدن الخضراء". ستدشن المنظمة الدولیة غیر الحكومیة AISA حدیقة السلام الخاصة بھا، والتي هندستها المعمارية مستوحاة من الرقم الذھبي، وتضّم تشكیلة من الزهور، ترمز إلى القارات الخمس. ستكون المناسبة سانحة لعرض نموذج لدار السلام. خلال عام 2021، تم تنظیم دورة تكوینیة مشفوعة بشھادة في الوساطة من قبل المنظمة الدولیة غیر الحكومیة  AISA ، بالتعاون مع معھد الوساطة غييوم هوفنوغ، الذي أسسته البروفیسور میشیل غیيوم ھوفنونغ. وھناك المزید من ھذه الدورات التكوینیة. وخلال ملتقى الذي نظمه بمدینة أنتیب بفرنسا قادة الوساطة بفرنسا وأوروبا، في شھر نوفمبر الماضي، تمّ اتخاذ القرار باعتماد 16 من مايو يوما دوليا للعيش معا في سلام ویوما للوساطة.

 

     لقي "الویب جمع" رواجا كبيرا لدى الأعضاء المنخرطین ومحبي المنظمة الدولیة غیر الحكومیة، منذ أن تم اطلاقه، منذ عامين، وهو موقع رسمي للمنظمة الدولية غير الحكومية AISA، وقد سمح بالحفاظ على نسج الروابط بين الجميع، وإننا ندعو، إلى حشد وتوحید جمیع الطاقات والكفاءات، لكي یستمر ھذا الموقع في إنجاز مھامه.

 

    كان عام 2021 ھو العام الذي شھد تضاعف التزام المنظمة الدولیة غیر الحكومیة AISA في تقدیم المساعدات الإنسانیة، من خلال قطب الصّحة، والذي على الرغم من الصعوبات، أجرى عملیتین رئیسیتین، واحدة باتجاه الجزائر، معبر عنها بـ )COVID19- Algérie)، والثانیة باتجاه دولة البنین (COVID19-Bénin في استجابة مستعجلة للمرضى، بعد استفحال مشكلة نقص مادة الأكسجین.     

    الشكر موصول لجمیع المانحین الأسخیاء، خصوصا منظمة الإغاثة الإسلامیة بفرنسا، الذین وقفوا إلى جانبنا في ھذه المھمة. أملنا أن یستمر تطویر ھذه المبادرات مستقبلا.

 

    شھدت ھذه السنة أيضا بروز مبادرتين لإنشاء دور السلام، في مدینتي تولوز وكانیي بفرنسا. وفي نیس، تم تغییر اسم المركز الجامعي المتوسطي المتواجد بمنتزه الإنجلیز رسمیا إلى الدار المتوسطیة للسلام، من قبل مجلس البلدیة، بمناسبة الاحتفال بالمولد النبوي الشریف، الذي أقیم في21 أكتوبر 2021. بالإمكان الاطلاع على الفیدیو من خلال صفحة الفایسبوك (AISA ONG France Région Sud).

 

    عطر العیش معا، هو عطر تم تحضیره من قبل أكبر شمامي العطور في الجنوب الفرنسي، واستغرق إعداده سنيتن. فھو نتاج مستخلصات زكیة وطبیعیة مائة بالمائة. إنه یمنح تناغم النكهة العطرة الحقيقية، التي ترمز إلى ذلك النداء الداعي الضارب في غابر الأزمنة، الذي يدعو إلى وحدة عمیقة، وإلى أن نمنح أنفسنا لحظة من السلام المتشارك. إن الھدف من ھذه المبادرة ھو تحقیق التمویل الذاتي لمشاریع المنظمة الدولیة غیر الحكومیةAISA ، مثل الیوم الدولي للعیش معا في سلام، والتربیة بنهج ثقافة السلام، وغير ذلك.

 

    مشروع أحد، ھو إنجاز حققته مؤسسة "عدلانیة"، والذي یھدف إلى تثمين ثراء ووحدة التراث الإسلامي، وتيسير حصول وصول الجمهور العريض لمصادر التعاليم الروحية للتقليد والثقافة الإسلامية، المجهولة غالبا. إن الھدف المتوخي ھو نقل رسالة ثقافة السلام إلى الأجیال القادمة، حتى يتسنى لهم العیش وبناء مستقبلھم، لیس الواحد ضد الآخر وإنما الواحد مع الآخر. یواصل الفریق المسؤول عن ھذا المشروع بحثه على المستویات الفنیة والتصمیمیة والتاریخیة. سیرى أول نموذج الضوء، وهذا ما نتمناه، في الأشھر القادمة.

 

    نتمنى الشفاء العاجل لكل الذين يعانون، لأنه إذا مرض عضو تداعى له سائر الجسد بالحمى. لنرفع أكف الدعاء معا، كي يتم إيجاد لهذا الداء الذي تعاني منه البشریة دواء، تحت ظلال ضمير جديد، حتى تُحيى وحدتنا، وتُحيى قیم التضامن والكرامة والعدالة. لتكن كل أعمالنا مقبولة، وتساھم في المحافظة على الرفاه العام للإنسانیة، وتضمد جراحھا بخصال الإحسان.

 

    لتكون ھذه السنة لنا جمیعا، مواتية للعیش والعمل بسلام مع أنفسنا، ومع الآخرین، ومع جمیع المخلوقات. آمین.

 

 

الشیخ خالد بن تونس