الخميس، 9 يناير 2020

نهضة الشيخ خالد بن تونس بالتراث الإسلامي


نهضة الشيخ خالد بن تونس
 بالتراث الإسلامي


    نظمت الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المنظمة الدولية غير الحكومية "عيسى"، مؤتمرها السنوي، الذي يصادف نهاية السنة بمدينة الحمامات التونسية، وتم اختيار موضوع "التراث الإسلامي، معنى وجوهر"، مشروع عمل، اجتمع على القيام به أكثر من 500 مشارك، جاءوا من مناطق شتى من العالم، تحدوهم همة الشيخ خالد بن تونس، الذي جعل هذا الملتقى لبنة محورية لإطلاق مشروع، أقل ما يقال عنه، أنه أراده الشيخ أن ينهض بالتراث الإسلامي، وينقب عن ألائه، ويستخرج كنزه المدفون.  أطلق على هذا المشروع إسم أحد، وقد طرح تساءل عن سبب التسمية، فأجاب الشيخ خالد بن تونس:

    كل شيء يبدأ بالواحد، حتى ملايير الملايير، ما هي إلا واحد ينضاف إلى بعضه البعض. إن التوحيد مبدأ أساسي. هل الإنسانية واحدة؟ فالقرآن يقول نعم. "وخلقناكم من نفس واحدة". إن الإنسانية واحدة، مما يعنيه وجود جسد واحد، والجميع شعوبا وأمم، رغم إختلافاتهم وثقافاتهم وغير ذلك، ليسوا سوى أعضاء لهذا الجسد. وهذا هو السبب في  اختيار إسم أحد.



    جرى الملتقى في الفترة الممتدة بين 27 12 2019 و 01 01 2020، بمدينة الحمامات التونسية، وكان عبارة عن ملتقى ومؤتمر، خصص الملتقى للشبيبة، التي خاضت تجربة تجسيد مباني المشروع، فقد انتظمت في ورش عمل، وتدارست موضوعات مقترحة، رافقهم في دراساتهم أساتذة، وقدّموا نتائج أعمالهم في جلسات علنية، التي تدخل ضمن المؤتمر المقرر، الذي شارك فيه عموم الحاضرين.




إهتمام الشيخ خالد بن تونس بالشباب

   لازم الشيخ خالد بن تونس الشباب في عملهم، وإنه لشديد الحرص على توجيه جهودهم، وإمدادهم بنصائح عملية، وتعليمات إجرائية، يتخذونها في بحوثهم. تتبع الباحثين المبتدئين وقدم النصائح اللازمة، ورسم لهم النهج السليم لإقنفاء الأثر الصحيح والضفر بالبرهان العلمي الساطع. فالمهم، في إحدى الورشات، وهي ورشة الأماكن المقدسة، وفي عرض الشباب العلني أمام الجمهور، أين قدموا نموذج مكة المكرمة موضع بحث، كان للشيخ خالد بن تونس تدخل وجّه فيه الباحثين، وقدم إيضاحات مهمة جدا.

    قام الشيخ، وصرح، يوجد المعنى والجوهر. الجوهر إيماني. أعطيتمونا النظرة الإيمانية، التي جاء بها القرآن الكريم، وجاءت بها السنة والحديث. فهذه آثار وليست دليل.

   أريد أن أوضح بعض الشيء، بصفتي باحثا. أما عن الشباب، فإنهم يقومون بالبحث، وجمع المعلومات حسب المراتب. - وقدم اعتذارا، وقال، ليس في يوم أو يومين، وليست مدة الملتقى سيضفرون بالنتائج، فلديهم الوقت أمامهم-. إن الذي أطلبه منهم هو التمييز بين ما هو تاريخي وما هو من قبيل الأثار، وإن الذي نُقل إلينا، يبقى بدون دليل تاريخي، لأنه شيء بعيد الأمد.

    إن القيام ببحث حول تاريخ مكة المكرمة أو المدينة المنورة يتطلب أبحاث أثرية، وتحقيق على صعيد علمي. لا ينبغي الخلط بين مجال الإيمان، الذي هو إنساني، وليس للعقلانية فيه مكان. لا يثبت العلم بواسطة الإيمان. فالعلم شيء والإيمان شيء آخر. والبحث العلمي والقضية الإيمانية شيآن متميزان. يجب إيقاع التمييز، وإلا سيندرج تحت وقع الأسطورة، ونجعل من الأسطورة حقيقة تاريخية، وهنا يقع الخلط.

    في كلامه حذر الشباب من الخلط الذي يقعون فيه، ورأى فيهم عدم الإقتناع بما تحصلوا عليه، ولا يصدقونه، وأدرج الشيخ، قد تكون المعلومات المتحصلة، مأخوذة من الإسرائيليات، أو نقلت عن العرب العاربة، ليست أخبار علمية ثابتة.

    وأخبر الشيخ خالد بن تونس، بأن البحث الأثري سمح به فقط في السنوات الأخيرة في الجزيرة العربية، ويخص فقط منطقة الشمال، مثل مدائن صالح. للأسف فالكثير من التراث الإسلامي وما قبل الإسلامي في مكة المكرمة قد طمس. كيف يمكننا أن نثبت؟ يتطلب العلم وجود الدليل الأثري، وهذا الدليل دمر عن قصد منذ سنوات.

    إن مكة وضواحيها ما تزال مجهولة الأثر، لم تطأها بعثة بحث أثري، وهذا مجال لا يمكننا مسه، بدعوى أن لو سمحنا بالتنقيب، ربما تثار شكوك حول أسطورة التاريخ.

    إن البحث الذي ستخوضونه، سِيروا فيه بعقلانية واتخاذ دليل وحجة، بإثبات، وتوفر معلومات، واعلموا أن المسائل الإيمانية شيء، والمسائل العلمية شيء آخر.

    إن الخطأ الذي يقع فيه الكثير من المسلمين هو إثبات كلام الله بإنجازات العلوم الحديثة، وهذا خطأ، لأن العلم يتبدل ويتغير حسب الإكتشافات. إن اتخاذ العلم الحديث معيارا لكلام الله هو خطأ نرتكبه.

    حاليا، من حيث توصّل العلم، فإن الإنسان القديم، أول ما تواجد على سطح الأرض، ظهر بأفريقيا، وارتحل منها عبر باب المندب، وسكن اليمن وعمّر الجزيرة العربية. كانت وقتها الأرض قريبة، والبحر الأحمر به المد والجزر. هذا إثبات علمي. هذا هو العلم، وغدا، ربما نجد مسألة أخرى أو كلام آخر، يثبت أو ينفي ما قبله.

    ثم حرص الشيخ خالد بن تونس على التنبيه بوجود أناس مميزين، ذكرهم الله سبحانه وتعالى بقوله "إن في ذلك لآيات لأولي الألباب". وقال "الذين يتفكرون في خلق السماوات والأرض". عندما ذكر الكعبة المشرفة، قال ليست عندهم سوى رمز، ونخص بالذكر في المقام الأول، طواف الملائكة حول العرش والبيت المعمور. لا يتصور الإنسان أن الله عز وجل محتاج إلى بيت، فالإنسان هو الذي بحاجة إلى بيت، كرمز للتوحيد. كل ما خلق الله تعالى من الذرة إلى أعظم الكواكب، ونجد منها ما يكبر الأرض بملايين المرات، وتعد هذه الكواكب والنجوم بملايير الملايير، كلها تطوف ليلا ونهارا، وقرونا من الزمن، منذ بداية الخلق إلى يومنا هذا، والطواف لا يتوقف، ولا رمشة عين. وكل ما هو كائن في الكون أو الأكوان يطوف. لن تجدوا أبدا الحضرة الإلهية في مختبر أو تحت مجهر. إن الكعبة هي نوع من التذكير بالخلق الأول. وإن الخلق بحاجة إلى شاهد أن للوجود وجود.

    حذر الشيخ خالد بن تونس من الإيمان العاطفي الذي قد يوقع في الكارثة. وضرب مثلا، بالفقهاء الدينيين الذين يزعمون أن الأرض مسطحة، هؤلاء علماء، ولهم تقدير، واختصاص شأنهم ديني، ويتدخلون في علوم أخرى، لا دراية لهم بها. من هنا يأتي الضرر. إن الذي يعنيه هو منع الأطفال من تعلم التكنولوجيات، وصدهم عن حياة زمانهم، والإطلاع على معارف وعلوم عصرهم..

    ثم خاض الشيخ في وصف العماء الذي ذكره الصفوة الأوائل، وقال أنها المادة السوداء المكتشفة في العصر الحديث. وتساءل كيف أنه تواجد أناس علموا بوجود المواد السوداء قبل القرن الواحد والعشرين. هل هذا هو السؤال الوجيه؟ وبأي وسيلة؟ أراد أن يلفت أنه يوجد أهل البصيرة، الذين خصهم الله بعلمه وفضلهم. وأضاف، إن الإنسان مع كل تكنولوجياته ومعارفه وصل أخيرا إلى الإدراك أن الكون مكون من 98 % من المادة السوداء، وباقي المجرات والشموس والنجوم العظيمة والكواكب، تمثل النسبة الباقية. فهم صفوة الصفوة أو مجانين الله، تكلموا عن العماء منذ قرون.





في رحاب إذاعة تونس

    خص الشيخ خالد بن تونس إذاعة تونس، القناة الدولية بحديث صحفي جرى أيام المؤتمر، وبت في بداية العام الجديد، يوم 03 01 2020.

    في حديثه أوضح الشيخ خالد بن تونس، أن الحقائق لازالت مدفونة تحت التراب، مشيرا إلى تحديات ومسعى المشروع، قال أنه سيجري بحث أثري، ينزع التراب، ويكتشف تحته كنز مخفي، وهذا الكنز لابد لنا أن ننطلق إليه، لكي نستطيع أن نغذي ضمير أبنائنا وبناتنا، حتى يبنون المستقبل معا، وإن الحضارة الإسلامية من الحضارة الإنسانية، واليوم نرى كيف أن حضارة وثقافة الإسلام مشوهة تماما. لنغير شيئ ما في الصورة التي نراها عن الإسلام، وهي معروفة عند الجميع.. ويستدعي الأمر تسخير الشباب، وإيجاد له وتوفير كيفية علمية بيداغوجية. ونبدأ من بداية البداية، نقوم برحلة أو سفر، سموها كما تريدون، نسأل التاريخ، ونسمع من الرجال الذين كانوا السبب في علو شأنه.

    وأضاف، إن الروحانية غير معروفة عندنا في أيامنا، ولا ننسى أن رسالة الإسلام هي قبل كل شيء رسالة روحية، وتتوجه إلى مَن؟ تتوجه إلى الروح، وتتوجه إلى نفس الإنسانية، وتغذي الضمير. كانت رسالة رسول الله صلى الله عليه وسلم في الأول روحية، وتتمحور في الأصل حول التوحيد.

    وأردف، عندما نتكلم اليوم عن الإسلام نتكلم عن إسلام سياسي، إسلام إيديولوجي، ولا نتكلم سوى قليلا عن هذا الإسلام الروحي، وهو العمود الفقري، الذي سمح لهذه الحضارة بالتواجد، منحها صفوة رجالها، من كبار الشعراء والروحانيين، وكبار الفقهاء، ممن أسسوا لهذا الفكر.

    وفي رده عن سؤال الصحفية، هل يمكن أن يكون التصوف هو الحل؟ قال، لا أعتقد ذلك، يمكنه الإسهام في إيجاد الحل. وأضاف، لما سئل النبي صلى الله عليه وسلم "أي الأديان أحب إليك؟ قال: الحنيفية السمحة". رواه الإمام أحمد عن ابن عباس رضي الله عنهما. لماذا لم يقل الإسلام؟ لهذا نطلب من شبابنا مراجعة التاريخ، كلمات ولآلئ مثل هذه توطد وتعزز، وفي هذا الإنفتاح نتفهم الآخر، والمسلمون لا يفهمون هذه الرسالة التي يحملونها. إنها تحمل رسالة الوساطة، قال تعالى "وجعلناكم أمة وسطا". يتمثل دوره في تقريب ومصالحة بين شخصين يتواجدان في المعارضة، وخلق صلات بين الأشخاص في العائلة الإنسانية، سواء كان هذا الإنسان ينتمي إلى ديني أو من دين آخر.. وفقدنا ذلك مع مرور الوقت. لا تدوم أي حضارة. أسست الحضارة الإسلامية جزء من الحضارة الإنسانية... أصبح اليوم ينظر إلى الدين الإسلامي من طرف باقي العالم كدين عنف، وهو ليس كذلك.

    وخلص، نريد ونتمنى أن يفهم أبنائنا هذه الرسالة العالمية للسلام، ويعيشون معا، في الكنف المقاسمة والكرامة، وإنه الرجوع إلى الإنساني..

    قالت الصحفية، لإنهاء هذا الحوار الشيخ بن تونس، لا تفصلنا سوى أيام عن سنة 2020، وهذه المحاورة ستبث في أوائل سنة 2020. نود سماع تمنياتك لهذه الإنسانية، التي تعاني متاعب كثيرة للبقاء متوحدة، وعلى الخصوص الشباب الحزين جدا. ماذا يمكن أن تقول لهذه الشبيبة؟

    فأجاب، إن نضالي كما قدمتموني في البداية، أنني مؤسس الكشافة الإسلامية، الكشافة الإسلامية الفرنسية والكشافة الإسلامية الأوروبية. كانت الشبيبة دائما شغلي الشاغل. أقيم هذا الملتقى من أجل الشباب. إذن أدعو كل هؤلاء الشباب إلى هذا السفر نحو الذاكرة والإرث وتراث الماضي، وسيَرون أن فكرة الجهاد فكرة نبيلة. إن المعنى العميق للجهاد هو الجهد، واستعمال جهد، وليس الإعتداء على حياة أيّ كان. لا نجد الحل من ذلك الجانب، إنما الحل في التحلي بإدراك. ينبغي إعداد شبابنا للحياة وليس للموت. فهي مكتوبة على شبابنا، عاجلا أو آجلا، كل واحد منا سيرحل. ولكن ما الذي سيتركه بعده للإزدهار، وما الذي سيتركه بعد موته، نجده كائنا عند أهله، وعند الناس، والإنسانية. وما أعطاها من الشيء الكثير، وليس القليل، بل الكثير، في العلوم  والمعارف، في الخير والإخاء والعدالة. جهادنا هو قبل كل شيء ضد الجهل. إذا أراد شبابنا أن يبنوا مستقبلهم، فليبنوه مع الغير، وليس ضده، ولبنائه ينبغي العودة نحو المعرفة والتمكين من العلوم. وحسب رأيي أول ما ينبغي معرفته من العلوم، هو من أين جئنا؟ لمعرفة إلى أين نريد الذهاب. أي دعوتهم إلى إعادة قراءة تاريخهم وعيشه، ولكن ليس من خلال أي إيديولوجية مهما كانت، أو أي حزب مهما كان. 



أثناء إلقاء مذاكرته بالجمع الروحي

تمنياته

     بمناسبة حلول السنة الجيدة، بعث الشيخ خالد بن تونس بتمنياته قائلا "نتمنى أن تكون سنة 2020، بالنسبة لكل شبيبة العالم، سنة لبناء مستقبلهم، الواحد مع الآخر، وليس الواحد ضد الآخر. مع أطيب التمنيات للجميع". وفي مذاكرته الختامية، خص الشباب بتشكر خاص فقال "شكرا جزيلا، شكرا للمقاديم، وشكرا لشبابنا، الذين لمدة ثلاثة أيام، حققوا معجزة، جاءوا إلى تونس، ولم يروا منها شيئا. يأتي الشباب إلى هنا للتجول والخروج. فكلنا مررنا بهذا. ونحن حجزناهم هنا أمام الحواسيب من الصباح إلى المساء، وضغطنا عليهم. أتمنى أن يسامحونا. كانوا في القمة. الحمد لله. أثبتوا أن بإمكانهم أن يضطلعوا بهذه المهمة. لقد عقدوا التحدي.. أشكرهم جزيلا، وأتمنى لهم سنة سعيدة. ولتكون سنة 2020، سنة الشباب. آمين والحمد لله رب العلمين".

مشروع أحد

مشروع أحد



تقديم مشروع أحد



    إن التساؤل الذي يطرح نفسه، ما الداعي إلى هذا المشروع؟ وما مدى قدرة تحقيقه على أرض الواقع؟ إن المهم هو أن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، كما يقول المثل. رسم لمشروع أحد خارطة طريق لتنفيذه، وجعله حقيقة واقعة، ثم بدئ في ترسيم هيكل تنظيمي، يسهر على سيرورته وتنفيذ خطته.

    يتعرض الإسلام حاليا لكل أنواع التشويه، كما قال الشيخ "يكفي أن تنقر على زر الأنترنيت، وانظر ماذا يعطيك البحث عن الإسلام أو الجهاد". طمست الحقائق وزيفت الأخبار، وسعي حتى في إزالة الأثار المادية، حتى لا يبقى للأجيال القادمة أي مستند يرتكزون عليه، أضف إلى ذلك ما يتعرض له العالم الإسلامي من خراب حضارته وسلطانه، حيث دول بأكملها تعرضت للتخريب، فلا سوريا أو أفغانستان نهضت بعد تقعيد، واحتلال العراق واستنزاف أثار حضارته، و تفسخ حكم ليبيا والصومال، وانهيار إدارة التسيير فيهما، وما يتعرض له اليمن من اعتداء وحشي، والبقية تقاوم من أجل البقاء.


حقائق لازالت مدفونة تحت التراب

   قال الشيخ بن تونس مشيرا إلى تحديات ومسعى المشروع، حيث سيجرى "بحث أثري، ينزع التراب، ويكتشف تحته كنز مخفي، وهذا الكنز لابد لنا أن ننطلق إليه، لكي نستطيع أن نغذي ضمير أبنائنا وبناتنا، حتى يبنون المستقبل معا، وإن الحضارة الإسلامية من الحضارة الإنسانية، واليوم نرى كيف أن حضارة وثقافة الإسلام مشوهة تماما. لنغير شيئ ما في الصورة التي نراها عن الإسلام، وهي معروفة عند الجميع"(1). ويستدعي "تسخير الشباب، وإيجاد له وتوفير كيفية علمية بيداغوجية. ونبدأ من بداية البداية، نقوم برحلة أو سفر، سموها كما تريدون، نسأل التاريخ، ونسمع من الرجال الذين كانوا السبب في علو شأنه"(1).


أهداف المشروع

    لمشروع أحد رؤية ومهام وإجراءات، تم تحديد بنودها، بغية إنجاز المشروع ضمن تنظيم مهيكل، يعمل أفراده على تنفيذ انطلاقة المهمة، والواضح أنه ستطرأ عليها تغييرات، ما دام أنها البداية، تفرضها تداعيات توسعة المشروع. 

الرؤية: الشهادة على ثراء ووحدة التراث الإسلامي

المهام: وتتلخص في أربعة محاور رئيسة، وهي:

1- إظهار الإمكانيات المكمونة في التراث الروحي في تقديم إجابات على التساؤلات والإهتمامات المعاصرة.
 2- إعادة الإعتبار لصورة الإسلام الحر والمسؤول.
 3- تغيير مقاربتنا للمشاكل السلبية ليستنبط منها الجانب الإيجابي.
 4- تثبيت مبدأ التوحيد كوسيلة لخلق صلات بين بني الإنسان والمخلوقات الأخرى.

    ولأكثر تفصيل، نذكر ما حوته المحاور من بنود. فيما يلي تفاصيل المحاور الأربعة المذكورة أعلاه.

المحور الأول:
- تقدير المساهمة والأثر الملموس، وخاصة لمشايخ الصوفية على المجتمع في زمانهم.
- تقدير ما قدمته تعاليمهم، فيما يتعلق بالقضايا والرهانات الرئيسية، خاصة في مسألة العيش معا والتربية لثقافة السلام.
- إحياء رسالتهم، وجعلها محسوسة ملموسة، ومتاحة للجميع.

المحور الثاني:
- دعوة الجميع إلى إعادة الإعتبار، وخاصة في مسألة المعنى، فيما يتعلق بالممارسات الشعائرية والطقوسية والفنية.
- تسليط الضوء على القضايا الاجتماعية، والتي لم تحقق إجماعا في الأراء (اختلاف المدارس)، ترى هذه المسألة في تاريخنا الثقافي، من خلال إظهار تنوع المناقشات والمدارس الدينية والتيارات الفكرية.
- اكتشاف هذا التراث، لجعل نساءه ورجاله وأماكنه وأغراضه يتحدثون هم عن أنفسهم.
- دعوة للسفر للسماح للشباب على الخصوص من استجواب هؤلاء الرجال والأماكن، لإتاحة تعاليمهم للجميع، وكذا اكتشاف التقنيات والمعاني والأغراض والوثائق التاريخية، مثل المخطوطات وغيرها.

المحور الثالث:
- فيه تثمين الحقائق التاريخية المطموسة، ومثال على ذلك، إحتفال الفاطميين بعيد الميلاد المسيحي المجيد.
- إعادة الإعتبار إلى بعض المفاهيم التي تم تحوير وظائفها وتحريف معناها الأولي. وكأمثلة عن هذه المعاني، الجهاد أو الأمة أو الكفار، التي حوّرت معانيها، وأعطي لها مرادا غير مرادها الأول.

المحور الرابع:
- السماح لأي شخص مهما كان إنتماؤه الثقافي مقاربة التراث الإسلامي من زاوية أنه تراث إنساني.
- تسليط الضوء على قدسية الحياة وأوجه الترابط بين الأحياء.
- تجميع ما هو مبعثر ووضعه تحت التصرف، من معارف وبحوث ومواقع الأنترنيت ووسائل الإعلام، وغير ذلك.


الإجراءات:
    تنقسم إلى قسمين، وهما المضمون والمحتوى. في الأول نجد الأبحاث والوسائل البيداغوجية للبحث، وفي الجزء الثاني، يجري وضع المحتوى تحت تصرف الجمهور العريض.

    سنفصل إجراء بعد إجراء. يتضمن الجزء الأول العديد من النقاط، وهذه بعضها، وهي غير مكتملة لنشاطات هذا المشروع.

- إنشاء قاعدة بيانات، مؤسسة على بناء موضوعات وإثراء وتحديث.
- وضع منهجية البحث، وضع بطاقات نموذجية، أنشئت للإثراء، وللعمل على قاعدتها، لإجراء البحوث.
- إنشاء فرق بحث علمية متعددة التخصصات في الموضوع، مع الأخذ بعين الإعتبار رؤية ومهام هذا المشروع.
- وضع وإثراء كرونولوجيا الأحداث والشخصيات، وهي تتضمن كرونولوجيا الأحداث التاريخية الإسلامية وغير الإسلامية المهمة، على مدى خمسة عشر قرنا.
- إنشاء لجنة علمية تضم الكفاءات الضرورية للتصديق على نتائج البحوث المتحصل عليها.
- إنشاء لجنة لإعادة قراءة البحوث وترجمتها.
- تسيير خزانة الأرشيف، بإضافة تعليقات وتوضيحات وإثراء المعلومات حول هذه الخزانة.

    بين الشطرين الأول والثاني للمشروع، توجد رابطة بينهما سميناها بالواجهة، وهي التي تربط بين أعمال البحوث والنتائج النهائية، التي ستصدر على شكل موقع أنترنيت.

    في هذه المرحلة يتم إنشاء فريق لتصنيع المقاييس البيداغوجية، وإعداد سيناريوهات وإعداد وسائل متعددة وكذا الوسائط، ونمذجة وتوحيد السيناريوهات التعددية.

    في هذا الشطر الثاني من المشروع، والذي ينبغي تحقيقه، سيتم إنشاء موقع أنترنيت، يمكن لمستعمليه أن يستكشفوا أو تحين لهم فرصة إعادة إكتشاف التراث الإسلامي، من خلال مختلف الوسائط، من أفلام وألعاب وكرونولوجيا أحداث شخصية ما.

    ثم عرضت وثيقة تصويرية، وهي أداة مهمة في إجراء البحوث، ويقرأ من خلالها التاريخ بنمط جديد، وإخراج متميز، يمكن المطالعة على الأحداث بالنقر في الشجرة البيانية. قدمت في جلسة لاحقة تجربة تبيينية عن شخصية مهمة، وهي الشيخ العلاوي، الذي كانت ترجمته محل تجربة معلوماتية. ينبغي حضور التجربة للمطالعة أكثر، والمشروع في مهده، سيخرج إن شاء الله للوجود ويؤتي أكله.  


الهيكل التنظيمي
    بالمناسبة حددت أدوار الهيكل التنظيمي البشري، لتفعيل خارطة الطريق، ثم ضبطت كرونولوجيا زمنية لدفع المشروع في سنة 2020. أسست أربعة أقطاب عمل، وكل قطب يضطلع أفراده بالمهمة المنوطة بهم. لنرى هذه الأقطاب وما رسم لها من أهداف، تسعى إلى تحقيقها طيلة سنة 2020. في هذه السنة رسمت الأهداف التالية:

القطب الأول، القطب الإستراتيجي: وله أربعة أهداف.

- إنشاء وثيقة مرجعية أولية للمشروع في بداية السنة، وسيتم تدعيمها وتطويرها طوال السنة وتحيينها في نهاية السنة، وتقييم مردودها.
- بالطبع، خلق المجلس العلمي منتظر في بداية هذه السنة، وهو المخول له بالمصادقة على الأعمال وتحقيق الأبحاث، وطوال السنة يعد المعطيات، ثم يجري إختبارات تقنية للنظر في مدى تلبيتها للغرض المطلوب، ثم في النهاية يحقق ويصادق على النموذج الموفر.
- إيجاد قاعدة البيانات الموضوعية. لسيرورته ينظم ملتقيات ودورات تدريبية، قد برمج ملتقى في مدينة أورليون الفرنسية في هذه السنة لصالح الشباب في سن (14-25) سنة. وستوفر وسيلة تقنية تدعى "opticom" في الأنترنيت، تسمح بالتواصل لجميع المعنيين، يضعون أعمالهم فيها، ويطالعها غيرهم ممن يشكلون تلك المجموعات. وأيضا ستنشأ مجموعات عمل محلية، وتستمر طوال السنة في خلق مجموعات محلية، تدعم وتوسع هذا المشروع.
- في الهدف العملي الرابع، ينظر في المحتوى البيداغوجي المؤاتي، ودوره في صياغة سيناريوهات، وتدبير تفكير تربوي.

القطب الثاني، طريقة العمل والموارد البشرية:

    طريقة العمل والتوثيق: إن هذا المشروع في تحويل مستمر، فحتى طريقة تشغيله سيطرأ عليها تحويل مشترك. وهذا ما سترد عليه الإختبارات النظرية طوال العام. سينظر هذا القطب في طريقة التسيير فيما يخص المجموعات المشكلة، والعلاقات التي تجمعهم، وعلاقة التواصل.

- سيوضع هيكل تنظيمي يسير الموارد البشرية، يوضح الأدوار التي يحتاجها المشروع، وتوزيع الكفاءات حسب الإحتياجات الهيكلية، وأيضا سيحرص على تقييم الإحتياجات، سواء في الموارد البشرية أو أمور أخرى. وطريقة عمله هي دائما استعمال فلسفة دائرة الجود والفضائل، المعروفة باسم "ميتا".
- إن سياسة إدارة الموارد البشرية تدار إستجابة لإحتياجات المشروع.
- وهذه نقطة مهمة، حيث يتم إتخاذ سياسة دائمة لاستقطاب الشباب، وتحبيب العمل إليهم بوصفهم مساهمين، ولهم دور لا يستهان به. في الحين سنعتمد على الحاضر الموجود، الذين تم استخدامهم في الجزائر وفرنسا، وسيتم استقدام آخرين، نظرا لضخامة المشروع. لذا ينبغي تقديم نداء عام واسع، يستقدم ما أمكن من مساهمين.
القطب الثالث، قطب المالية:
    حدد له استراتيجيتين رئيسيتين. بطبيعة الحال، يحتاج المشروع إلى تمويل، سيتم إعتماد نموذج اقتصادي تضامني. سيكون فريق داخلي مختص، يعمل على الدوام. نحن نتكلم عن الاستراتيجية المتخذة لسنة 2020. ثم يؤسس إطار قانوني مالي، يعطي إستمرارية للمشروع، ويعدّ ميزانية تقديرية في سنة 2020، تعطي دافعا واستمرارية.

القطب الرابع، قطب الإعلام:

    وزعت وظيفته على ثلاثة أقسام. الإعلام الداخلي، وهو موجه للعاملين على المشروع، ثم الإعلام الخارجي، ويتواصل مع الجهات الخارجية، ويحدد كيفيات التعامل معها، وأخيرا إعلام المنتوج، ويحدد لاحقا كيفية الترويج له، كتنظيم ندوة صحفية تسوق له.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)   مقتطف من حديث خص به الشيخ إذاعة تونس، القناة الدولية، بث يوم 03 01 2020.

الأربعاء، 8 يناير 2020

سياحته إلى سيدي بوسعيد

سياحته إلى سيدي بوسعيد


     في خضم فعاليات مؤتمر التراث الإسلامي، معنى وجوهر، بمدينة الحمامات التونسية، قام الشيخ خالد بن تونس، ووفود المشاركين في ذات المؤتمر الدولي، بزيارة مدينة سيدي بوسعيد التونسية، بدعوة من رئيس وأعضاء بلديتها. فكانت لهم الفرصة لزيارة ضريح سيدي بوسعيد الباجي، وهو من متصوفة القرن السادس الهجري، وتسمى بإسمه المدينة. كان في استقبال الشيخ ومرافقيه السلطات المحلية، وأطربت الجو فرقة العيساوة المحلية، بأناشيدها المطربة، متزينة بملابسها التقليدية.

    في دار بلدية سيدي بوسعيد، كان في استقبال الشيخ خالد بن تونس، وزير السياحة التونسي، السيد روني الطرابلسي، وألقى فيها رئيس البلدية كلمة ترحيب، أبدى فيها سعادته وامتنانه بأعمال الشيخ خالد بن تونس، وأعلن أنهم سيحتفلون شراكة، بعين المكان سنة 2020، باليوم الدولي للعيش معا. ثم أعطيت للشيخ الكلمة، فقال:

  شكرا لترحيبكم. إن ترحيب هذا المكان عزيز علينا، وذكرياته تعود إلى الماضي. زار جدي الأول هذا المكان سنة 1911، منذ أكثر من قرن من الزمن، وجدّي درس بجامع الزيتونة، فما أقوم إلا باتباع خطوات أجدادي، الذين تركوا لنا هذا التراث، من أجل تعزيز الأواصر، أواصر الإنسانية، بين بني آدم، مهما كان عرقهم أو دينهم.

    إن الإنسان قبل كل شيء ضمير، لا يُعرّف بلون بشرته أو لسانه أو دينه، يعرّف أولا بضميره. ماهي القيم التي يحملها، وماهي منفعته للإنسانية ولنفسه؟ تمر الإنسانية حاليا بأوقات صعبة.. وعلينا أن نرفع هذا التحدي. لأن اليوم، أكثر من ذي قبل، أصبح العيش معا أساس مستقبل الإنسانية، فالأجيال القادمة ستصادف مشاكل جسيمة: الإحتباس الحراري، التلوث، وتغيرات وتحورات تكنولوجية. إذن فهم أمام تحديات، لا يستطيعون حلّها، إلا بتوحدهم في تآزر، بتسخير معارفهم وصلاحياتهم والوسائل التي يتخذونها معا. لا يستطيع أي بلد ولا أي دولة، مهما كانت أن تواجه لوحدها مشاكل المستقبل. لا نستطيع مواجهتها إلا إذا كنا مجتمعين، و(نسخّر) المجتمع الإنساني وما يملك من حكمة. إن المنظومة الهرمية كما هي اليوم، لم تعد تعمل. يجب الإنتقال إلى منظومة الدائرة، والدائرة هي رمز المساواة، فكل النقاط التي تشكل الدائرة، هي على مسافة متساوية من المركز، وكل نقطة على الدائرة، تعتبر في الآن نفسه الأول والآخر، الأول بالقيم والفضائل التي يمكن أن يحملها...

    تمثل هذه الزيارة إلى تونس، بالنسبة لنا، عودة على خطى أجدادنا، وتعتبر شكلا من أشكال الحج، وأيضا مع كل هؤلاء الشباب، المتواجدين منذ عدة أيام بالحمامات.. إنها بداية عمل ضخم، حيث سيتم إنشاء قاعدة بيانات، سميناها "أَحد"، وهي قاعدة بيانات تراث روحي وعلمي، تمكن شبابنا في الغد، من خلال الشبكات الإجتماعية، الأنترنيت، بالتعرف على هذه البيانات (المعلومات)، وتسمح بالتعرف على الفلسفة والحكمة، لكل هذا التراث المقتسم مع مجتمعات أخرى، هنا وفي أماكن أخرى. يمثل هذا التراث الذاكرة، وإذا فقدنا هذه الذاكرة، فإن قطعة منا ستموت للأبد. يعتقد البعض أن مجيئنا إلى سيدي بوسعيد، جاء فقط لزيارة ولي صالح؛ لا. جئنا لاستجلاء أن هذه الأماكن هي حارسة تراث وتحافظ على تراث. تحافظ على تراثنا وذاكرتنا، وبمجيئنا عندهم فإننا نقوم برحلة تاريخنا الخاص، حتى لا نقع في طي النسيان. يمحو النسيان الذاكرة، ومحو الذاكرة يوقعنا شيئا فشيئا في جهل النفس، وإن المعرفة شيء يرفع الروح وتهدينا السبيل، وعلى الخصوص في الأوقات الصعبة، في ظلمات الليل، التي نقطعها في الحياة، في فترات الإمتحانات. كلما تعارفنا بشكل أفضل، كلما عرفنا تراثنا بشكل أفضل، كلما كانت لنا القوة للنضال وتخطي العقبات.

    نريد أن يقوم شبابنا، الذين هم في نظري مستقبلنا ورأسمالنا بتخصيب هذا التراث، ويعطونه معنى وجوهر، ويتعرفون عليه ويستكشفونه، ويكون لهم قاعدة بناء مبنى حياتهم. حياتهم الفكرية والروحية والزوجية، وحياتهم بكل بساطة.

    (وختم كلمته بالرجوع إلى السلام والعيش معا، فبدونه لا مستقبل للإنسانية). (في الأخير قدم تشكراته، قائلا).

                       الشيخ خالد بن تونس يسلم كتابه للوزير التونسي

    شكرا لكم سيدي الوزير، وشكرا سيدي رئيس البلدية. الشكر الجزيل لكل أهل تونس.. نتمنى لتونس ولأهل تونس ولحكومة تونس، إن شاء الله كل الخير. بالتوفيق والأمن والأمان والسلام، ولنجدد المحبة والعلاقة فيما بيننا، وفيما بين المغرب العربي، وفيما بين ضفتي البحر الأبيض المتوسط، ما بين أوروبا والقارة الأفريقية، ما بين الشرق والغرب، على كل حال. نبدأ في تأسيس الدائرة، التي تجمع الجميع والسلام عليكم. وشكرا.

    بعده تناول الكلمة السيد الوزير، الذي أثنى على اللقاء، وقال:

    شكرا سيدي الرئيس، الشيخ خالد بن تونس، سيدي رئيس البلدية، مرحبا بكم. شكرا على الخصوص على دعوتكم. دعوتموني لزيارتكم بالحمامات، ولازدواجية عملي، إنها نهاية السنة، لديّ شغل كثير. تمنيت حقا الترحيب بك. كنت أعتقد أن مجيئي إلى سيدي بوسعيد، سيكون لتناول كأس شاي، أو جلسة في مقهى ديليس، ولكن في النهاية إنني أتواجد أمام هذه الشبيبة الرائعة، المتعددة الجنسيات. على كل حال مرحبا بكم كلكم. شكرا لتنظيم هذا المؤتمر بتونس، بالحمامات، مرحى لما تقوم به. شاهدت الكثير عن تنظيمكم، فالأمر مذهل. بالنسبة لي، كلما حضر العيش معا، فهناك شيء ما يقرصني. أنت أمام سفير العيش معا. العيش معا هو أنا.

    للعلم أن روني الطرابلسي، من يهود جزيرة جربة التونسية، وهي سابقة في البلد، لم تشاهد منذ سنة 1957، بأن تسلم حقيبة وزارية لشخصية يهودية.

   في الختام سلمه الشيخ خالد بن تونس كتابه التصوف الإرث المشترك، وقدم له توقيعا، ثم ترنمت الشبيبة الحاضرة، وهم فتيان الملتقى، بألحان شجية، وكلمات أنشدت للسلام والمحبة.


كلمة الشيخ خالد بن تونس في جلسة المائدة المستديرة التربية للسلام

المؤتمر الدولي التراث الإسلامي معنى وجوهر

كلمة الشيخ خالد بن تونس
في جلسة المائدة المستديرة
التربية للسلام


انعقدت يوم 29 12 2019، بمدينة الحمامات

... إنه العمود الفقري لهذا العمل، وتفعيل تفكير  منهجي، يوضح لنا الإشكالية التي نعيشها، إذا أعدنا قراءة التاريخ، وقمنا برحلة إلى الماضي، ووضحنا ذلك جيدا، ليس لمعرفة القصة أو التاريخ كما هو عليه، وإنما لاستخلاص من التاريخ ما ينفعنا اليوم في زماننا.. مهما كان التاريخ التشريعي. يتحدث هذا المشروع في الفروعيات والفقه والتاريخ، وربما يكون في المنطق وعدة مسائل. إن المراد منه هو أن نشرك شبابنا في علم وبحث يعطيه مجال يسمح له بخدمة وبنيان مجتمع يسوده الأمان والإنفتاح، ويتمتع برؤية. تطرقنا في البداية إلى الجانب الإسلامي، ومنه العالم الإسلامي، وما يعيشه اليوم، وإنما هي كل الإنسانية في حيرة، من أجل بنيان مستقبل مبني على العيش معا في سلام. ما هو الحل الذي ينفع الإنسانية في بنيان مستقبل مشترك؟

    إن عدد المسلمين اليوم أكثر من مليار ونصف مليار مسلم، أو المنتسبين للإسلام. والله أعلم بالقلوب، ولكنهم منتسبين للحضارة الإسلامية والثقافة الإسلامية والدين الإسلامي. إن لهم وزن في بنيان المستقبل، والدليل على هذا، هو الصراعات والحروب التي نعيشها في زماننا، فهي تنذرنا، إن لم نجد حلا لهذه القضية، وسيبقى العالم كله يخوض صراعا دمويا وإلى الأبد. هل نشعر أن المستقبل سيمثل خطرا على أبنائنا، إن لم نزوده بأفكار وروح التجديد والتفكير والإنفتاح والتدبير ليعيشوا في عالم مستقر؟

    لا تطرح القضية على العالم الإسلامي فقط، بل على الإنسانية جمعاء. أي أمل سنمنحه لأبنائنا، يسمح لهم ببناء المستقبل الواحد مع الآخر، وليس الواحد ضد الآخر؟ للعالم الإسلامي ثقل كبير، في المجال السكاني، فعددهم أكثر من مليار ونصف المليار، وبموقعه الذي تقريبا يحيط بالأرض، بين خطي الاستواء ومدار السرطان، على امتداد الأرض. يقع العالم الإسلامي بالضبط في الوسط، ويتمركز بين الشمال والجنوب. إذن فالمستقبل يتوقف عليه، ليس فقط المستقبل الإسلامي، بل مستقبل العالم والإنسانية. لقد حان الوقت لكي نستيقظ وتكون لنا القدرة كي نقدم نظرة وتربية لهذا العيش معا في سلام. أعتقد أن النتيجة المستخلصة اليوم هي أن الفقه غزى حياتنا. هل هو حقا الفقه كما هو عليه؟ أو أنها أدلجة الدين، بحيث أن التلاعب بالدين ألقى بثقله وسبّب تأثيرا مدهشا، مما جعل هذا التراث الاسلامي العظيم يختزل في مبادئ سياسية تشريعية، انغلقنا داخلها. قدمت خدمتها في وقت ما، بدعوى التحرر من الإستعمار، بررناها بهذا. دعوى دفاعية. إن فكرة الدفاع مفهومة وإنسانية، بالنظر إلى الآخر، الذي يعتدي علي، فأنغلقُ وأرفض ما يجيئني من الخارج، كل ما يأتيني من الآخر أرفضه، خوفا من أن ينتهك ديني أو كرامتي، أو ببساطة حرية إعتقادي. ونحن سالكين هذا النهج، شيئا فشيئا، انغلقنا في مخبأ، مما جعلنا نفرغ الإسلام من حتى مجموع جوهره، جوهر الرسالة الروحية.

    إن الجوهر والمعنى في الفقه وعلوم الشريعة تحدي رئيسي. وقد بيّنا لماذا هذا التحدي رئيسي، فلأنه يعني الحياة اليومية. تمّ التلاعب بالناس والتضييق عليهم، فأصبحوا يطرحون أسئلة جد سطحية، لا تنبي عن نضج.. كيف أغتسل، كيف أنظف أسناني؟ ونسينا أن التعاليم جاءت لتوقظ الكائن النائم فينا، الكائن الروحي. على سبيل المثال، عندما أتوظأ، هل أتوظأ بغية النظافة، لأنقي جسدي، أو قمت بها حتى تسمح لي بالإنتقال من الدنيوي إلى المقدس. إنه أمر آخر. سمح لي الوضوء بالصلاة، وإنه ممر ووسيلة للنظافة تسمح بالإنتقال إلى الجهة الأخرى. من المعروف إلى المجهول. وعندما أنظف أسناني أو الفم أو الأنف أو الأذنين، أو مسح الرأس أو اليدين أو الذراعين أو الأرجل، أليس هذه أيضا طريقة..؟

    نحن نعلم اليوم أن النظافة العامة هي أكثر مما كانت عليه من قبل. إذا أرجعناها إلى عصرنا، فإنها ليست مسألة نظافة فقط، بل أكبر من ذلك، إنها مسألة التنظيف الباطني. عندما أنظف فمي ثلاث مرات، لماذا ثلاث؟ ولما لا مرتين أو خمس مرات؟ إنه تذكير دائم بشيء نسميه الفقه أو الشريعة، وإنه يدعونا إلى النبع. نقول شارع، شريعة، طريق(1). كيف أن لدينا شارع أو سبيل أو هدى، ونحن نعيش في ظلالة؟ لم نتمكن من إيجاد النبع. تعطشنا للمعرفة والعلم، وافتقرنا إلى السلام والمحبة والإخاء. أمر غير مفهوم على الإطلاق، في زمن نمتلك فيه الكثير من موارد التحقيق العلمية والتكنولوجية، ونحن خُفضنا إلى هذا الوضع؟

    شكرا لك(2)، وأتمنى إن شاء الله أن تُعلِّم آخرين، وينبغي مساعدته، مَن يمكنهم تقديم مساعدتهم، وسيكونون موضع ترحيب. وصلتنا هذه المعلومة اليوم، هي خبر إنشاء هذه الورشة العلمية. يوجد كل شيء للقيام به، ونطلب المعاونة في هذا المشروع، وخاصة الذين يملكون الكفاءة العلمية في الشريعة وعلوم الشريعة أو علوم الفقه، حتى تصبح هذه الورشة، إن شاء الله من الورشات الأساسية في بنيان هذا المشروع، مشروع "أحد"، والسلام عليكم، وبارك الله فيكم.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
    من الورش المفتعلة في المؤتمر، كانت هذه الورشة، التربية للسلام، التي ألقى فيها الشيخ خالد بن تونس، الكلمة أعلاه.

(1). يشير أصل كلمة شريعة في الفقه إلى مصطلح الشارع أو الطريق.
(2). قالها متوجها إلى الدكتور عصام طوالبي من جامعة الجزائر، الذي قدم مداخلة قيمة في الموضوع، أثنى عليه الكثير ممن استمعوا إليه.