السبت، 26 سبتمبر 2020

اليوم الدولي للسلام

 اليوم الدولي للسلام



    يعتبر يوم 21 سبتمبر تاريخ اليوم الدولي للسلام، الذي أقرته الأمم المتحدة سنة 2001، وكرسته لتعزيز مثل السلام(1). بحلول هذه المناسبة بادرت رابطة الأديان للسلام والتنمية (AIPD (في أوروبا والشرق الأوسط، وهي مشروع تابع لاتحاد السلام العالمي(2)، مع شركاء رئيسيين، لتنظيم مؤتمر لمدة يومين حول موضوع "تنشيط الشباب من أجل السلام من خلال التعاون بين الأديان والتعليم والعمل الإنساني". وشمل ورشة عمل تعليمية بين الأديان يوم 21 سبتمبر، واحتفالاً بذكرى اليوم الدولي للسلام، بالتعاون مع 7 مجتمعات دينية في جنيف، تلتها ندوة عبر الإنترنت، من جلستين منفصلتين في 22 سبتمبر 2020.

    "سيرسخ عام 2020 لفترة طويلة في الأذهان، نتيجة العواقب المدمرة التي يخلفها وباء كوفيد 19، على 7.8 مليار إنسان يعمر الأرض. لا يزال الظلم والصراعات والتطرف بجميع أنواعه يدمر وجه الأرض، ولم نشهد أبدا تضامنا كبيرا بهذا الحجم، في حل المشكلات الحالية التي تهدد البشرية. لم يكن للأحداث الأخيرة عواقب سلبية على صحة كبار السن فحسب، ولكن أيضًا على الصحة العقلية والروحية للشباب. وثمة حاجة ملحة، أكثر من أي وقت مضى، لتشجيع مشاركة الشباب من أجل التغيير الإيجابي، وإيجاد مستقبل أفضل"(3).

 

    كان الشيخ خالد بن تونس من المدعوين للقاء، كونه مؤسس ورئيس شرفي لمنظمة غير حكومية، وكذلك يعتبر من القادة الدينيين، وقد شارك عدد من هؤلاء القادة في تنشيط الجلسة المقامة في مدينة جنيف، يمثلون ست مجتمعات دينية في جنيف، وتناولوا موضوع تعليم السلام للشباب من منظور تقاليدهم الدينية. انضم الشيخ خالد بن تونس إلى المجموعة عبر تقنية زوم، مشاركا من بيته، كما أعقب عروضهم نقاش موسع، وتفاعل مع ممثلين شباب من خلفيات مختلفة، انضم إليهم أيضا من خلال تقنية زوم الشبكية، من جميع أنحاء العالم. للعلم تم اقتراح هذا المؤتمر كجزء من مجال عمل أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة "ODD"، وهو مشروع للجمعية العامة للأمم المتحدة في نيويورك.

 


    أسندت للشيخ خالد بن تونس الكلمة فقال:

 

     في البداية أحيي جميع الأشخاص الحاضرين في هذا اللقاء، وأشكر المنظمين الذين قاموا بدعوتي للمساهمة في هذا اللقاء من أجل الشبيبة ومساعدتها، بشكل ما، حيث تقومون بمساعدة بعضكم البعض، لتحصيل وإيصال هذه العلاقة لتربية السلام، لأنها بالنسبة لي، على كل حال، أساس الرسائل التي بثتها التقاليد الدينية، وأريد أن يتمكن شبابنا من اكتشاف، أن السلام ليس هو فقط غياب للنزاع أو الحرب، ولكن السلام طاقة بناّءة فردية وجماعية. إنه السلام، الذي هو نبع جميع الخيرات. الخيرات المادية، ناهيك عن الخيرات الروحية.

 

    إن إنسانا يعيش في سلام في نفسه ومع جيرانه، ومع العالم والأرض والمخلوقات، هو امرؤ يثير حركية وازدهار، له وللبيئة التي يعيش فيها. ينبغي أن يدرك شبابنا اليوم التحدي التي ينتظر الإنسانية، فالتحديات بيئية، ونحن نعيش أزمة عميقة، وربما حتى أنه تحوّر طور الحدوث، وربما سننتقل من عالم إلى آخر، والحقيقة أن عالم التفريق يفرض نفسه، شئنا أم أبينا، يفرّق العائلات ويفصل أمم، وطال إقتصاد برمته وأوقفه، فينبغي علينا أن ننظر إليه، ربما، أنه فرصة أتيحت للشباب، ليفكروا ويعتبروا ويضطلعوا بحركية جديدة في هذا العالم، في ظل السلام والطاقة الأساسية. السلام مع الذات والسلام مع الغير والسلام مع الأرض. هذه الأرض التي تطعمنا وتحملنا، فهي اليوم مهددة، لأن الكثير من المخلوقات تنقرض بشكل يومي، وقد يكون هذا ناتجا بسبب نسياننا العلاقة التي تربطنا بالحي، سواء كان نباتيا أو حيوانيا أو معدنيا، وحتى إنسانيا. يجب أن يصبح اليوم حركية وطاقة بناءة لمستقبل مجموع الجنس البشري، ويتم المحافظة على اقتصاد الطبيعة هذا، الذي يطعم منذ آلاف السنين، ولا يترك مخلفات ويغذي الجميع. يغذي ويعيد تدوير، وهذا إدراك ينبغي أن يُضطلع به، ويرشد إليه الشباب، ولهذا نحن نعمل مع الكشافة، والكشافة الدولية، وأقول أنها جمعية الشباب الأولى في العالم، التي تجمع مئات الآلاف من الشباب من مختلف التقاليد، ونعمل أيضا في إطار تربية السلام، من خلال مختلف مدارس السلام، وإننا نعمل اليوم على بناء نموذج لدار السلام في معرض دولي سيجري في هولندا سنة 2022، حيث ستشارك دول عديدة في هذا المعرض، وفي قلب ووسط هذا المعرض الدولي سيتواجد عرض دار السلام، حيث يقصدها الناس ليتفقهوا في ثقافة السلام لتربية السلام، ويطلعوا على البرامج والمنهجية الموضوعة. وأريد من جنيف ومجموع جمعياتها التي ترغب في حمل هذا المشروع للنداء الروحي لجنيف(4) أن تجعل من جنيف مكانا يقصد للتزود والتثقف، وتعلم كيفية ترجمة هذا العيش معا، وجعله ممكنا؛ هذا العيش معا وهذا العمل معا بالسلام.

 

    هذا ما وددت جلبه كعنصر إيجابي وكمشروع نعمل فيه اليوم، وأتمنى أن تصبح جنيف بشكل ما، مقر تبادل الأفكار، لأن غالبا ما تتهم الديانات أنها تحمل العنف، في حين أن الديانات عندما نرى في عمقها و نختبر أساس ما تحمل، نجد أنها تحمل السلام، وفي الإسلام نجد أن السلام هو إسم من أسماء الله الحسنى، وأعتقد أن هذا ما قاله السيد الأسقف حول الكاثوليكية، فالسلام ينبعث أيضا من الله.

 

    إذن، أريد أن تكون حياتنا وحياة أطفالنا موسومة بهذا السلوك الثابت والمستدام في كيفية إدارة العلاقة مع الغير، وكيفية جعل النزاعات وسيلة للتعميق أكثر فينا السلام. لأنه لا يطرأ أي نزاع إلا بما كسبت أيدينا، وارتكابنا خطأ في المسار، وشيء ما نسيانه، ولهذا نحن نتواجد أمام النزاع. يكون النزاع مشحونا دائما في مكان ما، نتيجة غياب العدالة وفقدان الإدراك، وأيضا بسبب جشع الإنسان الذي يريد أن يمتلك كل شيء لنفسه. ومنه ذلك العبور من ثقافة أنا الأناني إلى ثقافة نحن. إن تعليم طفل بعمر أربع أو خمس أو ست سنوات أن يقول إنها أرضنا بدل أرضي، وهذا بحرنا مكان بحري، فهذا مهم جدا، وحتى قول مدينتي أو مدينتنا، وبهذا سيتسع ذهن أطفالنا لهذا النحن، الذي يجمعنا، ويسمح لنا أن نقدم أفضل ما لدينا للغير والإقتسام معهم، وسيحصل على نصيبه المثرى.

 

    أشكركم على هذه المبادرة، وأنتظر بفراغ صبر لقاء شهر نوفمبر.. لكي نتقدم أكثر، ونقوم بالذي ينبغي القيام به، لأجيالنا وأبنائنا وشبابنا والأجيال القادمة، ونقدم كيفية تحفيزهم ليتمكنوا من العيش في عالم، يكون فيه الواحد مع الآخر وليس الواحد ضد الآخر.

 

    كما قلتُ شارك في اللقاء وعبر الشبكة العنكبوتية شباب من مختلف بقاع العالم، قدّموا وجهات نظرتهم، وأيضا توجهوا بأسئلة إلى القادة الدينيين المشاركين. توجهت لبنى إيمل، وهي رئيسة عدة جمعيات ومؤلفة كتب، إلى الشيخ خالد بن تونس بسؤالين، فطالبت منه في الأول التعاون، لعلمها بعمله مع الكشافة الفرنسية والكشافة المسيحية الفرنسية، وقدمت حوصلة عن عملها، واستشهدت في سردها بأقوال القس فرنسيس الأسيزي (11821226)، والشيء الثاني، إنها تعمل حول موضوع الوئام، وكانت تود جمع عدة متدخلين دينيين، كما هو الحال في هذا اللقاء.

 

رد الشيخ خالد بن تونس:

 

    مرحبا بهذا التعاون، ولا تنسوا بأن الكشافة الإسلامية الفرنسية منذ نشأتها في يناير 1991، وأتذكر جيدا هذا التاريخ، لأنه تاريخ انطلاق حرب الخليج، والشباب الذين انخرطوا في الكشافة حينها، وكانت أعمارهم ستة أو سبعة أو ثمانية أعوام هم اليوم أرباب عوائل، ومنذ ذلك التاريخ وحتى أيامنا هذه والكشافة، وعلى كل حال، فمع الكشافة الإسلامية الفرنسية، كانت لدينا دائما تبادلات مع الكشافة الكاثوليكية وأيضا البروتستانية وكذا اليهودية وأيضا اللائكيين. نحن نشكل مع المجموع الإتحادية الكشفية الفرنسية، وانضافت إلينا منذ سنوات قليلة الكشافة البوذية، فنحن ست جمعيات تنتمي إلى الإتحادية الوطنية للكشافة الفرنسية، والكشافة الإسلامية الفرنسية تحصلت عدة مرات على رئاسة الكشفية الفرنسية، التي هي دورية. 

 

    هذا التعاون مرحب به، فنحن نقوم بتخييمات ولقاءات رفقة مختلف الكشفيات لمختلف التقاليد. يجب أن تعلموا أن حتى الكشفية ينظر إليها الشباب اليوم كشيء ولى عليه الزمان. إذن ينبغي إيجاد وسائل لجذب الشباب نحو هذه المنظمة الشبابية، وتبقى رغم ذلك المنظمة الأولى في العالم. أخبركم أن الكشفية الإسلامية تشغل تقريبا ثلث عدد الكشفية في العالم، إنهم أحد عشر مليون شاب مسلم كشاف. بالنظر إلى العالم الإسلامي، فهذا شيء مهم جدا. والشيء الأول الذي نجده عند الكشاف، في مجال التربية، هو اختياره النقاش بدل الصراع، والشيء الثاني هو أننا نمتلك مبادئ وتنظيمات ونقيم تكوينات ترتكز حول مبدأ الدائرة. ليس النظام الهرمي وإنما هو نظام الدائرة. لماذا نظام الدائرة؟ لأن شبابنا يتعلمون مبكرا أنهم جميعا مترابطين، الواحد مع الآخر، على مسافة متساوية من المركز. مما يعنيه على مسافة متساوية من الإحترام والكرامة، والمركز هو الصالح العام، وهو الذي يميل إليه الجميع، لنقدم مساهمتنا، حتى أقدم ما آخذ، وما أنا بحاجة إليه. إذ يوجد تبادل دائم بين جميع النقاط أو الأشعة التي تشكل الدائرة. ومنه تلك النظرة التي تكون قبلا عند الشباب، التي يستطيعون أن يروا من خلالها أنهم عناصر أو نقاط من الدائرة، وليكون في علمنا أن كل نقطة من الدائرة هي الأول والآخر. إذا قمنا بدورة حول الدائرة، فإننا سننطلق من نقطة وسنعود إلى نفس النقطة، ولذا سيتعلم الشباب أنه بداخل أنفسنا يوجد الجانب الإيجابي وأيضا يوجد الجانب السلبي. يجب إدارة هذه الحقيقة المزدوجة والتمكن من المساهمة في الحركية الثابتة لاكتشاف دائرة الزمن هذه. عجلة الحياة. إنها مساهمة، وإنها تآزر مع الغير. لا أستطيع أبدا أن أفهم أو أعرف أو أعمل فقط من خلال شاكلة نفسي، فأنا بحاجة إلى الغير كمرآة يعكس لي في نفس الوقت خصالي وكذا عيوبي. إن الغير يستعلمني بإطراد حول ماهية نفسي. حول هذا السلوك، نحاول تعليم أسس بداية هذا التحلي بالوعي، وننعت أهمية العيش المشترك بتناغم وتآزر مع هذه الطاقة، التي نسميها السلام. 

 

    في نهاية اللقاء أعطي للقادة الدينيين المشاركين سانحة إعطاء كلمة ختامية، فقال الشيخ خالد بن تونس:

 

    قد أضيف فقط أمنية، وهي أن يتمكن شبابنا من بناء مستقبلهم، الواحد مع الآخر وليس الواحد ضد الآخر. لا وجود لمستقبل إذا لم نجتمع سويا لبناء عالم الغد، وأنا متأكد، ولي ثقة كبيرة وأمل كبير في شبابنا، سواء كان في الجنوب أو في الشمال، سواء كان دينيا أو غير ديني، لدي ثقة كبيرة، وغالبا ما خالطتهم، ولدي أمل كبير وثقة كبيرة في شبيبة الغد.

 

    شكرا جزيلا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). أعلنت الجمعية العامة للأمم المتحدة اليوم الدولي للسلام في عام 1981 من أجل "الاحتفال بمُثل السلام وتعزيزها بين جميع الأمم والشعوب". وبعد عشرين عام، حددت الجمعية العامة 21 سبتمبر تاريخا للاحتفال بالمناسبة سنويا.

    وقررت الأمم المتحدة أن يكون موضوع وشعار عام 2020 لليوم الدولي للسلام هو "تشكيل السلام معا". فطلبت الإحتفال بهذا اليوم من خلال نشر التعاطف والرحمة والأمل في مواجهة الوباء. ورجت الوقوف مع الأمم المتحدة في مواجهة محاولات استخدام الفيروس للترويج للتمييز أو الكراهية. وطلبت الإنضمام إليها لنتمكن من تشكيل السلام معًا.

(2). اتحاد السلام العالمي، الذي أسسه القس والسيدة مون في عام 2005، هو شبكة دولية ومتعددة الأديان من الأفراد والمنظمات، تضم ممثلين عن الدين والحكومة والمجتمع المدني وقطاع خاص. وهي منظمة غير حكومية، ذات مركز استشاري خاص لدى المجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة. يدعم الإتحاد عمل الأمم المتحدة، لا سيما في مجالات إرساء السلام بين الأديان، وتربية السلام، وتعزيز الزواج والأسرة.

    لدى الاتحاد العالمي للسلام خمسة مبادئ إرشادية وهي: أننا أسرة بشرية واحدة خلقها الله؛ وأن أسمى صفات الإنسان هي روحية وأخلاقية؛ وأن الأسرة هي مدرسة الحب والسلام. وأننا خلقنا لنعيش لتوفير رفاه الغير؛ وأن السلام ينطوي على تعاون يتعدى حدود العرق والدين والجنسية.

    وأما "رابطة الأديان للسلام والتنمية" تم إطلاقها كجمعية عالمية للقادة الدينيين، الذين يوفرون منتدى لاستخدام خبراتهم وحكمتهم في البحث عن حلول لمشاكل عالمنا.

(3). من نشرة إعلان رابطة الأديان للسلام والتنمية التي روجت للمبادرة.

(4). في 24 أكتوبر 1999، بمناسبة يوم الأمم المتحدة، تم الإعلان عن نداء جنيف الروحي في كاتدرائية جنيف، ووقّع عليه العديد من الشخصيات الدولية والمحلية في جنيف وحول العالم. يتم دعم هذا النداء الآن، من قبل ممثلي جميع الطوائف الدينية الموجودة في جنيف، وعدد متزايد من الناس من المجتمع المدني. إنه يستهدف قادة العالم، بغض النظر عن منطقة نفوذهم، و يحبذ الالتزام التام بالمبادئ الثلاثة التالية:

    تشترك دياناتنا أو معتقداتنا الشخصية في الاحترام المشترك لكرامة الإنسان

    تشترك دياناتنا أو معتقداتنا الشخصية في رفض الكراهية والعنف

    تشترك دياناتنا أو معتقداتنا الشخصية في الأمل في عالم أفضل وعادل.