الأربعاء، 18 يونيو 2014

رحلة من أجل ثقافة السلام

رحلة من أجل ثقافة السلام

    قام الشيخ خالد بن تونس بزيارة لسويسرا من 28 ماي إلى 7 جوان 2014 للتحدث عن ثقافة السلام و لتعزيز حياة أفضل.
    اعترف بالجمعية الدولية الصوفية العلاوية (عيسى) مؤخرا، كمنظمة غير حكومية بصفة "مركز إستشاري خاص" من طرف المجلس الإقتصادي و الإجتماعي للأمم المتحدة، و قد صادق على انتخابها ستون دولة، و يعتبر الشيخ خالد بن تونس الرئيس الشرفي للجمعية.
    حسب تعريف الأمم المتحدة، فإن ثقافة السلام هي مجموعة من القيم و المواقف و السلوكيات و أساليب الحياة، التي ترفض العنف و منع الصراعات من خلال معالجة أسبابها الجذرية من خلال الحوار بين الأفراد و الجماعات و الأمم.

  لقاء بجنيف مع فريق عمل "إسلام"
 في دعوته للسلام و عمله المسكوني بين مختلف شرائح و تقاليد الإنسانية، اجتمع الشيخ خالد بن تونس بجنيف مع فريق عمل "إسلام"، الصادر عن مؤتمر الأسقفية، برئاسة المطران بيير فارين، الأسقف المساعد في لوزان و جنيف و فريبورغ.
    خلال الإجتماع ركز الشيخ خالد بن تونس على ما يوحدنا، كالقيم الإنسانية الخيرية، و محبة القريب، و البحث عن الخير و الجمال المندرجين في كل الرسائل الروحية. أصر على أن الإسلام  ليس كاتالوج متطلبات، و لكن يوجد إسلام روحي حر و مسؤول. نشهد اليوم إنسانية في تغير، و من المهم أن نفهم أن الروحانية تنتمي إلى الجميع، مسيحيين و يهود و مسلمين و بوذيين و مؤمنين و غير مؤمنين، و ذكر الشيخ خالد بن تونس أن الصلاة هي "المحور الذي يصلنا بالمطلق"، و لا يوجد أي إنسان بدون النفَس الإلهي. و أشار أيضا إلى أن حرية الإعتقاد أو عدم الإعتقاد مسجلة في القرآن.

مسيرة السلام
    قامت مجموعة متكونة من 25 ماش، برحلة سيرا على الأقدام لعدة أيام، انطلاقا من منسك نيكولا دو فلي، متوجهة إلى العاصمة السويسرية برن.
    تتكون المجموعة من أشخاص ينتمون إلى تقاليد عدة، رجالا و نساءا، و خاصة مسلمين و مسيحيين، و اصلوا المسيرة من أجل السلام إلى الكنيسة الفرنسية ببرن، و كان في استقبالهم عدة شخصيات، نذكر على الخصوص، الشيخ خالد بن تونس و محمد الحراك سفير لبنان بسويسرا. كانت لحظة مليئة بالمشاعر.
    في الأخير سلم المشاة إلى رئيس الإتحاد السويسري، و مثلهم سفير، رسالة سلام، من طرف نيكولا دو فلي إلى سكان برن، ودعوة من الشيخ خالد بن تونس لتحالف الجماعات البشرية.

لقاء ببرن يوم 31 ماي 2014
    يوم 31 ماي 2014، شارك الشيخ خالد بن تونس، حول طاولة حوار، رفقة عدة شخصيات من بينهم المستشار الوطني السويسري جاك نايرينك، تناولت موضوع "دور المؤسسات السياسية في الحفاظ على السلام في مجتمع متعدد الثقافات". فيها اقترح الشيخ خالد بن تونس قائلا "ينبغي أن تستند القوانين لدينا في المقام الأول على المصلحة العامة، و أصر على أن السلام له ثمن. السلام هو إسم الله. كيف نمنحه جسدا، واقعا". و في كلمته قال المستشار الوطني السويسري، إن الديمقراطية الحقيقية هي احترام الأقلية "التنوع الثقافي في سويسرا عظيم، و أنا من أقلية، و سأحاول أن أحترم الآخرين"، واقترح ممارسة مكاسب السلام "أنا لا أتفق معك، ولكنني أضع نفسي في رأيك من أجل السلام." و أشار سمير فرنجية إلى شيئ أساسي، متعلق بلبنان "العنف هو الحلقة المفقودة، و غياب الصلات وهذا هو السبب في أننا يجب أن نبني المستقبل معا".
    في نفس اليوم زار الشيخ خالد بن تونس قصر الفيديرالية السويسرية، رفقة المستشار الوطني، و سمير فرنجية، سياسي لبناني، و رافقهم وفد سويسري و لبناني.

يومي "الإلتزام ببناء السلام" بسان موريس، يومي 2 و 3 جوان 2014.
    شارك ثلاثون شخصا، قادمين من عدة دول، منها لبنان و الجزائر و المغرب و فرنسا و بلجيكا و تركيا و سويسرا، في أيام "الإلتزام ببناء السلام على جانبي البحر الأبيض المتوسط"، الذي انعقد بسان موريس يومي 2 و 3 جوان 2014.
    نظمت عدة لقاءات و محاضرات تجمع قادة الديانات التوحيدية الثلاث الكبرى، بما في ذلك الحاخام مارك رافاييل و السيد جوزيف رودوي و الشيخ خالد بن تونس.
    يبدو أن الحوار هو شرط أساسي لخلق روابط بين الناس لبناء السلام. تمّ بناء السلام خطوة خطوة في كل واحد منا و من حولنا. هي الحاجة لتعزيز حياة جيدة معا. شارك في اللقاء، المنظمة غير الحكومية "عيسى"، و جمعيات أخرى.
         و كانت هذه الأيام مصدر إلهام لتحقيق السلام في الحياة اليومية من خلال إجراءات و اقتراح مسارات و هي، إطلاق التربية من أجل السلام للشباب، وضع الفن والثقافة في خدمة السلام، متابعة مسيرات سلمية،  إطلاق يوم من العيش معا بشكل أفضل، و اقتراح "ثقافة السلام"، علامة على المواقع الإلكترونية للجمعيات.
 
لقاءات شرق-غرب، قصر مارسي، سيير، يوم 06 جوان 2014
    في اللقاء تدخل الشيخ خالد بن تونس مع المطران جوزيف رودوي، قس سان موريس، و الحاخام غيد، و نشط النقاش البروفيسور البير دو بيري، الذي قدم الشيخ خالد بن تونس باعتباره واحدا من سادة الصوفية في عصرنا. و أضاف "التصوف في الإسلام هو الأكثر انفتاحا"، و في ختام كلمته قرأ سورة الناس بالعربية "قل أعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس".
    و قال الشيخ خالد بن تونس أن الحوار بين الأديان ليس تفاوضا. لم نتفاوض على شيئ. و شدد على أن الحوار بين الأديان هو ضرورة في الإنسانية جديرة بهذا الإسم. نحن شهود. فالذي يعني هو إيجاد المكان فينا، حتى تنبعث صلة و شعور الإنسان. رغبته هي أن يخرج الجميع برؤية واضحة.
    في كلمته، أشار الشيخ خالد بن تونس إلى أن البحر الأبيض المتوسط، ليس فقط بحر بماء. هو أم حضارة حاملة أمل لحضارات الغد. و قال إنه يشاطر رؤية الأم الحية و الحكمة و الروحانية. ربما قد حان الوقت للقيام بجرد، بهدف بناء مجتمع يعيش معا بشكل أفضل؟ نحن محكومون بالعيش معا. بالمقابل، إن أن نعيش معا بشكل أفضل هو خيار.
    و تحدث الشيخ خالد بن تونس عن الحوار بين الحضارات "إذا كنا لا نزال مجمدين و منعزلين و مشلولين بالمخاوف و الصور، لن نتقدم في أي اتجاه. و لا تحل المشاكل عن طريق العنف. يجب أن يحل محل ثقافة العنف، ثقافة السلام".

تقييم رحلة ثقافة السلام من قبل "عيسى سويسرا"
    من قلب أوروبا، سويسرا لديها دور مهم جدا تلعبه في السلام العالمي.
    حضر أكثر من 500 شخص مختلف اللقاءات بجنيف و برن و سان موريس و سيير. زرعت بذور السلام و الأمل. نبني عالم الغد بالواحد مع الآخر و ليس الواحد ضد الآخر.

الثلاثاء، 17 يونيو 2014

أفق السلام


أفق السلام

    السلام، يطمح إليه الكثير و الدول تتكلم عنه، و لكن ماهي طبيعته الحقيقية؟ هل هو غياب الحرب؟ كيف نتجند لبناءه؟ يقول الشيخ خالد بن تونس بصوت عال "يتم بناء عالم الغد مع الآخر، و ليس ضد الآخر". و مع ذلك، يبدو أن الأحداث تريد أن تثبت أن هذا المثل الأعلى لا يزال بعيدا جدا. إستجابته لا تعاني أي غموض. "لنعمل"، لأن السلام هو حالة كينونة.

    أُجري مع الشيخ خالد بن تونس يوم 01 06 2014 حوارا إذاعيا براديو و تليفزيون سويسرا RTS في برنامج "عالية الدقة" للصحفية مانويلا سالفي.

الصحفية: مسيحيون و مسلمون و يهود ملتزمون بالسلام، اجتمعوا بسان موريس بـ"فالي" (سويسرا)، بحضور الشيخ خالد بن تونس، و هو معلم صوفي، يدعو إلى الحوار البيديني، و ضيف برنامج Haute Definition. الشيخ بن تونس، صباح الخير.

الشيخ خالد بن تونس: صباح الخير.

الصحفية: أنت معلم صوفي، و التصوف حكمة الإسلام، شيخ الطريقة العلاوية، أنت وجه بارز في هذا التيار الباطني، و أنت جزائري، درست في باريس التاريخ و الحقوق. في سنة 2003 كنت أحد مؤسسي المجلس الفرنسي للديانة الإسلامية، و متحمس للحوار المسكوني. هل نسيتُ شيئا مهما في هذه الترجمة القصيرة؟

الشيخ خالد بن تونس: بالتأكيد، توجد أشياء أخرى. على سبيل المثال تواجد هذه الطريقة الصوفية منذ سنة 1932 بسويسرا.

الصحفية: و هل أصبحت مهمة في حضن الإسلام؟

الشيخ خالد بن تونس: أعتقد أنها مستقرة. لقد أصبحت مهمة بالغرب بالأحرى، اليوم، فهي متواجدة منذ بداية العشرينات بفرنسا، و في سنتي 1928 و 1930 بإنجلترا، مما يجعل اليوم أنه يوجد الجيل الثاني و الثالث و الرابع.

الصحفية: كنا هنا، بالنيابة الأسقفية بجونيف، و أنت مسلم. لقد قلناها أنت متحمس و مدافع عن الحوار المسكوني، و متواجد بسويسرا لاستحضار سبل السلام، التي يجب بناؤها بين ضفتي المتوسط. ثقافة السلام و الإلتزام بالسلام، هي إحدى قواك و التزاماتك القوية جدا. 

الشيخ خالد بن تونس: أعتقد، أن الإلتزام هو الذي يعنينا كلنا. كل إنسان لديه إعتبارات اليوم، يعلم أن السلم هو الرأسمال الكوني الذي يربطنا كلنا. ماذا نفعل كي يتجسد هذا السلم في الأفعال، و ليس فقط في نظريات و أقوال، في أفعال يكون بإمكانها نسج صلات بشكل، أن تشاطَر هذه الكرامة الملكية الإنسانية. لا أحد يملك كل شيئ، كل شخص لديه جزء، و لنضع هذه الأجزاء في تآزر لبناء مستقبل أفضل للأجيال المقبلة. 

الصحفية: إذن، الشيخ بن تونس، ندعو إلى الشمولية الموجودة في كل إنسان.

الشيخ خالد بن تونس: الروحانية شاملة (كونية).

الصحفية: فهي ليست الدين.

الشيخ خالد بن تونس: للدين دور يلعبه، له دور الهوية. نحقق هويتنا إلى ثقافة لها تقاليد و أعراف و شعائر و عقيدة. تدعو الروحانية إلى هذا السمو، الذي يسمح لنا بالذهاب إلى ما هو أساسي، الذي يحمله كل واحد منا في أعماق كينونته.

الصحفية: إذن، هو أن نبدأ بأنفسنا.

الشيخ خالد بن تونس: لا يمكن لها إلا أن تكون هكذا.

الصحفية: لنعود إلى السلام، الشيخ بن تونس. نظمت هذه اللقاءات من طرف عدة منظمات غير حكومية، و يقال أنك غدا ستكون بـ "فالي"، و الموضوع هو السلام بين ضفتي المتوسط. بين المسلمين و مَن؟ بين أوروبا بأجمعها و المسيحيين و الشعوب؟ السلام بين مَن و مَن؟

الشيخ خالد بن تونس: أعتقد أنه يجب أن نسمي القط قطا. اليوم، إن هذه الفجوة الآخذة في الإتساع بين الشرق و الغرب، أصبحت موضوع إهتمام كبير، و العنف ينتشر و يُبتذل. بالتالي ما الذي ينبغي القيام به كي يجمعنا السلام، و بشكل ما، كي نحافظ على العالم من نكبة؟

الصحفية: من كارثة؟

الشيخ خالد بن تونس: لا. لا أقول كارثة. الطبيعة دائما أقوى منا.

الصحفية: الطبيعة و ليس الإله؟

الشيخ خالد بن تونس: الطبيعة، الإله، ماذا يعنيان بدقة؟ من يستطيع القول ما هو الإله، و من الذي يستطيع القول ما هي الطبيعة. إنه الحي. الحي الذي يتجسد في الطبيعة، و الحي الذي يتجسد من خلالنا. أنا حي، أنا أتكلم. هل الشجرة التي تتكلم حية أم لا؟ و العصفور الذي يغرد، هل هو حي أم لا؟ و هل القمر حي و الأرض التي تهتز، هل هي حية أم لا؟ إلخ... يتجسد الحي عبر العديد من المخلوقات، من المعدني إلى النباتي، و في الحيواني و الإنساني، إلخ...

الصحفية: لديك طموح الشيخ بن تونس، يتجسد في ثقافة السلم. سويسرا سلام. هي قصة طويلة، سويسرا بلد المصالحة، و هذه اللقاءات الكبيرة التي تجري ببرن، بالضبط بسويسرا. ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه سويسرا في ثقافة السلام؟

الشيخ خالد بن تونس: بالنسبة لنا، رمزيا، هي قلب أوروبا و قلب أوروبا الغربية، و هو بلد قد أثبت من خلال تاريخه. نيكولا دوفلي (1) حكيم، لم يكن عالم باللاهوت و لا فيلسوفا، عرّف بحكمة و بساطة معنى هذه الإتحادية (2)، و قد نجحت. لقد اختارت الأمم المتحدة مدينة جنيف لتجعل منها مقر الأمم المتحدة، و مجلس حقوق الإنسان. إذن رمزيا بدأنا العمل بثقافة السلام و مفهوم بناء مجتمع التعايش، و إيصاله شيئا فشيئا إلى مجلس الأمم المتحدة، و اقتراح يوما، للعيش معا بشكل أفضل، سواء كان هذا اليوم عالمي أو دولي. هي رسالة أمل.

الصحفية: تقول الشيخ بن تونس، أنه سيكون يوم دولي إضافي، و ثقافة السلم تتغنى بكلمات رنانة، و مُثل عليا، و لكن الحقيقة أكثر مرارة.

الشيخ خالد بن تونس: حقا. إن الحقيقة مُرة، بالنسبة للذين يدَعون الواقع يسيطر عليهم، و يضعون السلاح، و هم يعلمون ما الذي يجب فعله.

الصحفية: إذن أنتم تتصرفون.

الشيخ خالد بن تونس: حتما. لأن العيش معا، نحن نعيشه منذ أربع سنوات بمدينة "كان" (3)، مدينة الإحتفالات، و هو موكب، منذ أربع سنوات لمئات الأشخاص من كل المجتمعات، يهودية و كاثوليكية و بروتستانية و بوذيين و مسلمين، و غيرهم. كل مجتمع يدعو كل شهر بقية المجتمعات لزيارته، أحيانا تقوم بذلك الكنيسة و أحيانا المعبد اليهودي و أحيانا المسجد، و بالمناوبة، في المرة الأخيرة كان دور المعبد اليهودي، و قد إمتلأ. تواجدَ العديد من الناس و الكل كان مندهشا، لأنه لأول مرة تدخل جماعة مسلمة إلى معبد يهودي.

الصحفية: الأمل هنا، و ظهور الحاجة إلى الحوار.

الشيخ خالد بن تونس: الأمل في داخلنا. يجب أخذ هذا المنظور بعين الإعتبار، فهو لا ينزل من السماء، لابد من أعمال، و لابد من تجسيدها. سننظم في شهر سبتمبر رحلة إلى الضفة الأخرى للبحر الأبيض المتوسط. إن الذي نقوم به في "كان"، سيتكرر على الضفة الأخرى من البحر الأبيض المتوسط. هي أمور ملموسة.

الصحفية: عدتَ هنا الشيخ بن تونس إلى الجسر و الممر، للعيش معا بشكل أفضل. ذكرتَ نيكولا دوفلي، ناسك باطني، و كان له أيضا خيار سياسي مادام أنه تدخل في شؤون العالم في القرن الخامس عشر. أنت مؤرخ، و نشير أنك، غير منعزل عن شؤون العالم. ماهي نظرتك للإنتخابات الأوروبية مع ارتفاع الكراهية لأوروبا التي يحملها البعض، و كذلك الكراهية للآخر. نحن بعيدون عن ثقافة السلم.

الشيخ خالد بن تونس:  نعم، و لكن لا أظن ذلك. و لا ينبغي مرة أخرى المبالغة، لأن في الضفة الأخرى، الرسالة السياسية لم تبلغ، و الإنطواء على النفس صار آليا. و كما أن ولوج الإستحقاقات الأوروبية يؤدي بنا إلى الخوف من بعضنا البعض. إن على أوروبا أن تمر عبر هذه المرحلة، لكي نفهم أن الذي نقوم ببناءه هو مشروع ذو أبعاد كبيرة. ربما أنها لم تجد بعد، تلك الشرارة، التي تسمح لها بإنارة ذلك في كليته.
يوجد الكثير من الظلم، و الأنظمة هرمية التسيير، هذا الذي يجري عند الأوروبيين. و هل يريده الأوروبيون؟
هو نظام ذو دائرة (4)، سيشارك فيه كل شخص و المواطنون يشاركون. عندما تملى عليهم وصايا من طرف أشخاص غير منتخبين، فهم الذين يقومون بسياسة أوروبا، و إن الذين انتخبوا متواجدين، بالأحرى، أقول تقريبا، هم على منصة تدريج. و هذا ما لا يتقبله الأوروبيين.

الصحفية: و هل ديمقراطية أكثر و مشاركة أكبر، تكفي لكي ينقص الخوف من الآخر و الحقد عليه؟

الشيخ خالد بن تونس: أعتقد أنه يجب الذهاب أبعد. ليس فقط بالديمقراطية، يمكن أن تحل الأمور. يمكن حلها بنسج صلات عميقة، و تمزيق الحجب التي تفرق  فيما بيننا. يجب أن نجرؤ اليوم و ننظر إلى الآخر، و سؤاله عن حاله، ليس بالمعنى، أن يستجوب قضائيا أو بوليسيا، و لكن بالمعنى، أنه يُستجوب، بِهَل لاختلافه أن يغنيني؟
أقول أن كل شخص، هو جزء من الحقيقة الإنسانية، و لا أحد يملك كل شيئ. و كيف تولد هذه الأجزاء معا في تآزر؟ ينبغي أن نكون أكثر تضامنا مع تسيير بإقتصاد تضامني.
السلام هو ليس فقط غياب النزاع، السلام هو شيئ أكثر عمقا، السلام هو شيئ نحمله معنا، هو مع زوجتي، السلام مع زوجي، مع أبنائي و جيراني، في الحي و البلد، و هكذا و دواليك، حتى تُحمل رسالة سلام الكون.

الصحفية: إذن هي مسؤولية الجميع.

الشيخ خالد بن تونس: إنها مسؤولية الجميع، و نحن كلنا على متن سفينة إسمها الأرض. ماذا سنفعل للأرض التي انشغلت بلهوات؟

الصحفية: إن الذي ينقصنا هو الأدوات العقلية و الأدوات النفسية، لاستئناف طريق ثقافة السلام. هو طريق، لم ينزل من السماء، كما ذكرتَ.

الشيخ خالد بن تونس: تماما. هو طريق، و قد حان وقت سلوكه، نتقبل و نحترم بعضنا البعض، و هذا الحد الأدنى الأقصى، و نسأل عن تقليد الحكمة الذي ربما نسيناه.

الصحفية: هو مشروع حضاري جديد تقترحه علينا.

الشيخ خالد بن تونس: لا أذهب إلى هذا الحد.

الصحفية: هل لأنك متواضع جدا؟

الشيخ خالد بن تونس: لا، ليست مسألة تواضع، لست دون كيشوت (5) و لا ثوري. أحاول قليلا، قراءة تاريخي من خلال تواريخ الآخرين، و أرى أن الإنسانية فوتت مواعيد أكثر من مرة، و نحن اليوم أيضا في مفترق الطرق، و لا ينبغي أن نفوته مرة أخرى. لأن كل شيئ يضايقنا، و الظاهرة الدينية صارت متعلقة بالهوية، و حتى أنها هوية قاتلة.

الصحفية: في (6) الديانات الموحدة الثلاث، على كل حال، و ليس فقط الإسلام، لأن الديانات السماوية الثلاث قد أخذها من الإرتباك.

الشيخ خالد بن تونس: لا يجب التعميم، و القول أنهم أهل التوحيد. إنهم المتطرفون. إن اليوم، في السياسة كما في الدين، إنه التطرف.
إن طريق الوسط، هو طريق الحكماء و المفكرين و الأنسيين، و يجب التذكير أنه لدينا فلاسفة عملوا في طريق الوسط، يقربون الناس و يحررونهم و قدموا حياتهم، كالذي ضحى، حتى تعطي الإنسانية لكل واحد منا معنى، و تجد المعنى لذاتها. تجسيد العبقرية.

الصحفية: تجسيد العبقرية، قلتها بقوة، الشيخ بن تونس. نظرة شاملة، و لابد من مجهودات و صبر. و إن لديك قناعة، هي أن التقاليد الروحية، و ليس الدينية، أؤكد على الروحية، مهما كان أصلها، لها شيئ تقوله. هل بإمكانها أن تسمح بتغيير؟ و كيف؟

الشيخ خالد بن تونس: إسمعوا. يوجد تقليد لدينا، عند الصوفية يقول: عندما نجمع عشرة حكماء، نحصل على رأي واحد، و عندما نجمع عشرة فقهاء، نحصل على أحد عشر رأي.

الصحفية: الروحانية ضد الدين و  الدين ضد الروحانية؟

الشيخ خالد بن تونس: ليس ضد. و لكن عند الفقهاء، قسريا، سيكون لكل واحد رأي مختلف. أما الروحانية، فهي ناتجة عن هذه الحكمة العميقة المنقولة منذ غابر القرون، لأنها مندرجة في التجربة، و غير عائدة لما تشابه، وما تحصلنا عليه من عقلانية الأمور، و لكن في التجربة. إن الروحاني يتكلم بما يشعر، و أما الفقيه و الديني يتكلم بالقياس و المعقول،  ومن استدلال إلى استدلال و لا تنتهي الأمور. إن الآخر هو كل ما يأتي من الغريزة، و يقابله الآخر المكتسب، و هذا مختلف كل الإختلاف. أعتقد أن النساء يفهمونه أكثر من الرجال، فعلى سبيل المثال لهن هبة تمرير الحياة، و الغريزة عندهن هي كحاسة سادسة، و هذا يشعر به.

الصحفية: نصل إلى نهاية الحوار. عالم الغد كيف سيكون شكله؟ ماهو الوجه الذي يمكن أن يكون له؟

الشيخ خالد بن تونس: أعتقد أنه المنعطف الأكثر بساطة. أراه في بساطة، و عالم ثقة. عالم، عندما نسير في الشارع، و عندما نسافر من بلد إلى آخر، لا نشعر بالضغط و لا بالخوف، و يُتقاسم فيه الكرم و لا يقصى الفقراء، و لا يسيطر عليه مذهب الظهور.
الصحفية: الشيخ بن تونس، شكرا جزيلا.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). نيكولا دوفلي، ناسك سويسري عاش في القرن الخامس عشر، يعود إليه الفضل في تأسيس الإتحاد السويسري، بفضل تدخله وقتها لإنهاء النزاع و توجيهاته الحكيمة التي تعمل بها الإتحادية السويسرية حتى اليوم، و خاصة تركيزه على مسألة السلم و الحيادية.

(2).أي الإتحاد السويسري.

(3). العيش معا بـ"كان"، هي جمعية أحدثت منذ عدة سنوات، ينشط بها أشخاص من جميع الملل، المسيحية و اليهودية و المسلمة و البوذية و حتى العلمانية و تنظم مهرجانات و لقاءات دورية، و مسيرات في شوارع المدينة، يشارك فيها الشيخ خالد بن تونس و الجمعية غير الحكومية "عيسى". 

(4). لمعرفة أكثر موضوع التسيير بالدائرة، أقترح قراءة محاضرة الشيخ خالد بن تونس التالية: الإنتقال من ثقافة نحن إلى ثقافة أنا

(5). هو إسم رواية إسبانية قديمة ألفت في بداية القرن السابع عشر، تروي بسخرية قصة فارس فقد عقله و جال البلاد مدافعا عن أفكار ولت و أكل عليها الزمن.

(6). كانت تشير أن الهوية القاتلة موجودة حتى في الديانات السماوية، ليس فقط في الإسلام.