الجمعة، 25 مارس 2022

نحن جميعا من نفس الأبجدية

نحن جميعا من نفس الأبجدية

  

     قدّم الشيخ خالد بن تونس محاضرة قيّمة يوم 12 مارس الماضي مساءا، عبر الأنترنيت، حيث كان مدعوا في "منتدى طب النفس"، في طبعته الرابعة، والذي نظمته "جمعية تطوير الطب الرمزي". كان موضوع اللقاء "المحبة"، ويبادر به الزوجين جيل وروز غاندي، اللذين يعرفان بابتكارهما نوع من المعالجة يسمى "الطب الرمزي"(1).

     جمع هذا اللقاء العديد من الممارسين المعالجين والفنانين، طيلة ثلاثة أيام، من 11 إلى 13 مارس 2022. ساهم الشيخ خالد بن تونس بمداخلة عنوانها "نحن جميعا من نفس الأبجدية"، ونشط معه اللقاء السيد جيل غاندي نفسه، ودأب في طرحه مع الشيخ إثارة مواضيع تهتم بهدف المؤتمر، الذي حاول منشطوه إيجاد واقتراح طريقًا لإيقاظ القوة الإبداعية الكامنة في كل واحد منا، والمخبأة في أقطابنا.

 


 جيل غاندي: طيب. مساء الخير الشيخ بن تونس. نحن بحق سعداء ومتشرفين لاستقبالك، بصفتك زعيم روحي صوفي في هذا المنتدى الرابع لطب النفس، حول موضوع المحبة، ونرغب بشدة في الإستماع إلى صوت روحي تقليدي. أعتقد أن لديك الكثير ما تقوله لنا. (ضحك)

الشيخ خالد بن تونس: اسمعوا. في البداية مساء الخير جميعا. أنا سعيد جدا وأشكركم جزيلا لدعوتكم إياي للمشاركة معكم في هذا اللقاء، لأننا بحاجة ماسة إليه، وبخصوص موضوع اللقاء، أعتقد أنه ذو أهمية ملحة، وسأحاول بعض الشيء التحدث مع الإشارة إلى الحياة والأحداث التي نعيشها اليوم. وآخد مثالا قائلا، لا يوجد سوى نبع واحد، والمحبة هي نبع وحيد، وهذا النبع غذى وأشرب العديد من الناس، منذ بدء المغامرة الإنسانية، منذ البداية، منذ أن سكن هذا الضمير جسدا، وهذا الجسد أصبح جسدا بشريا، مما يعنيه، أنه بات يفكر ويطرح أسئلة، ويشعر بالحاجة والرغبة في التذوق، لأنها هي فعلا مسألة ذوق وإلكسير، شيء ما يجعله يهتز، ويجعله يتصرف في الأوقات الحالكة في حياته.

     عندما نحب، تطرأ عينا لحظة نشعر فيها بطاقة هائلة تسكننا، وهذه المحبة اليوم تتواجد بين مفهومين، هما محبة السلطة وسلطة المحبة. وإنه حديث الساعة. لقد إخترتم موضوع المحبة، والذي سيحدد اليوم مصير العالم. ستكون إما سلطة المحبة، ومنه العودة إلى الأساسيات، والعودة إلى ما تريده الخليقة جمعاء، حيث أنها تتطور بهذه الطاقة، التي هي طاقة المحبة، وسيتحاب الناس، رجال ونساء، وحتى العالمين المعدني والنباتي. دائما بزخم المحبة هذا، للزهرة كيفيتها في المحبة، وللنحلة طريقتها كيف تحب، وللمرء طريقته في المحبة، حيث الجميع يصدر من نفس النبع، وحركية الحي هذه متجذرة في السلطة الشاملة للمحبة. وها هو الإنسان بنفسه الأنانية الفردانية يقوم بالإستحواذ على هذه الطاقة، ويحولها إلى محبة السلطة، إذ لها تأثيرات وعواقب وخيمة على البقية، على إخوانه، وحتى أبعد من إخوانه، على الخليقة نفسها. محبة السلطة هذه تعمينا، وتترك فينا انطباعا أنه أصبح بإمكاننا السيطرة على كل شيء، ومراقبة كل شيء وإدارته، حسب رغباتنا، تنتابنا بفعلها تخيلات، قد ندمر بلدانا ونخرب أوطانا وشعوبا. الإبادات يقوم بها الإنسان، ولا جنس حيواني، قد نتخيل أنه يقوم بذلك ضد جنسه. الإبادات لا يوجد سوى الإنسان يمكنه القيام بذلك، ونتساءل اليوم، هل تسمعون، وأعتقد أن جميع من يستمع اليوم ما تقوله الصحافة وإذاعات الراديو والقنوات التليفزيونية، يرون يوم بعد يوم رهبة وخوف وغضب تزيد وتيرته. إنما هذا مرض، ويوجد له علاج، وهو سلطة المحبة، والنقيض هو محبة السلطة، التي هي مرض. من سيتفوق؟ لأننا نشكل جسد، كلٌ منا يمثل خلية من هذا الجسد، وهذا الجسد يسمى الإنسانية. هذا ما تمليه علينا سلطة المحبة، لا يمكننا أن نفعل للغير ما لا نريده لأنفسنا. هذا ما تمليه علينا سلطة المحبة، والأخرى محبة السلطة، التي تستحوذ على مصيرنا، ومصير الشعوب والأمم، وتريد الإخضاع، ولكي تُخضع، يثار الخوف والغضب في الشعوب.. ونعيش هذه الحالة حاليا، ولا نعلم إلى أين سنفضي غدا أو الأسبوع المقبل أو الشهر القادم، لا أحد يعلم، لا الحاكم ولا المحكوم، فقرار مستقبلنا ليس بأيدينا، وأكثر من ذلك مستقبل الأجيال المقبلة. لنأخذ مثال وباء كوفيد، هذا الفيروس الذي أوقف العالم. عشنا سنتين استثنائيتين، جاء بشكل ما لإيفاقنا وايقاظنا، ويكشف لنا ضعف نظامنا، وضعف علاقتنا بأنفسنا والحياة بصفة عامة، فيروس بسيط ظهر وكل شيء توقف، مدن حُجر عليها ودول أغلقت حدودها، وطائرات راكنة على الأرض، وملاعب ومحال تجارية أغلقت، إلا التي تبيع المواد الغذائية، وكذا المسارح والمكتبات أغلقت أبوابها، وغير ذلك، وحُرم الأجداد من رؤية الأحفاد، وحتى الأموات تعذر دفنهم بطريقة لائقة. سنتان من هذه المحنة ولدت توتر عنيف، وبعد ذلك فنحن نتعافى شيئا فشيئا من ذلك، وأول شيء نفضي إليه، وهو أنهم يكلموننا عن حرب نووية. انظروا إلى أين يمكن أن تؤدي بنا محبة السلطة، بدل أن نكون اليوم أكثر تضامنا وأكثر توحدا. لنصِل روابط المجتمع الإنساني، ونتوجه إلى مجتمع أكثر عدالة وكرامة، يتمتع بهما الجميع. لنغادر هذا المجتمع الهرمي، حيث تتواجد فئة من الناس، تقبع في القمة، وتقرر للبقية، تقرر للقاعدة. نظام يعتمد على المعارضات، مع الذين يتواجدون في الأسفل والذين يتواجدون في الأعلى، والذين يتواجدون في الأعلى يريدون حتما البقاء في الأعلى، والمتواجدون في الأسفل يحاولون.. وهذا ما نسميه السلم الاجتماعي. أُعطِي له إسم. في هذا، نبقى دائما في طوق محبة السلطة، محبة الإمتلاك ومحبة المراقبة وغير ذلك. في كل المجالات إنه سباق إلى المتناهي، إلى تلك السلطة، التي هي نفسها مرض ينخرنا وينخر مجتمعنا.

     كنا نعتقد أن كل أفكار الحروب والنزاعات والإجتذاب.. فهي من نعت قرننا، ورغم ذلك ابتدأ القرن الواحد والعشرين أيضا بحروب ونزاعات، خلفت لاجئين يعدّون بالآلاف في العالم. إلى أين ستؤدي بنا محبة السلطة؟ والعلاج موجود، يكمن في سلطة المحبة. لنعود إليه، وكل منا يحويها في نفسه، لكل منا نصيبه، ولكل منا هذه السلطة. توجد سلطة المحبة فينا، توجد في طريقة تواصلنا وابتسامتنا وطريقة إقامة علاقات حسنة وخالصة ومريحة، وهذا هو العيش معا في سلام، وتُمليه سلطة المحبة، وتُوجِّه إلى الإعتناء بالضعفاء والأطفال والمعوزين، وإنقاذ الأمل، والعمل على إصلاح ما أفسدته محبة السلطة.

     نملك أرض، بها المحيطات ملوثة وكذا الأراضي والهواء، وبها زراعة كيمياوية، وإن كل ما أنتجه مجتمعنا اليوم يستفسرنا عن أي إتجاه نرغب اتخاده، وما الذي نريده، وما هي وجهتنا؟ هل هي مواجهة الشمال مع الجنوب، أو الجنوب ضد الشمال، أو الشرق ضد الغرب. من المخطئ ومن المصيب؟ توجد إنسانية، والإنسانية هي كل الشعوب، وأوطان العالم هي أعضاء هذه الإنسانية، وكل واحد منا خلية في هذا الجسد. ينبغي تبني هذه النظرة. كان هذا بسلطة المحبة، وبها يحدث النضج، وبها يمكننا معالجة الجروح، وبها يمكن معالجة مرض النفس الأنانية، وإن حياتنا محدودة. نحن نعلم محدودية حياتنا. ماذا سنترك لأطفالنا؟ أنا عندما يقول لي أحفادي ما العمل اليوم؟ وما الذي علينا فعله؟ ولدي أعضاء الكشافة أمامي، الذين هم في عمر 20 و25 سنة، ويسألونني عن حالة العالم، ماذا يمكنني أن أقول لهم؟ أي أمل يمكننا أن ننقله إليهم؟ هل نقول لهم خذوا الأسلحة واذهبوا وقاتلوا؟ ينبغي أن تتواجد طريق السلام هذه، سلطة المحبة هذه، يجب أن نعطيها فرصة، ونكون الداعين إليها ونكون الفاعلين.

جيل غاندي: بالفعل الشيخ بن تونس، أعلم أن في العالم الإسلامي توجد عدة تفسيرات، مثل باقي الديانات عما هو موجود في العالم الباطني والعالم الخارجي، وعندما تتكلم عن سلطة المحبة أو عن محبة السلطة، وإذا نظر كل واحد منا إلى باطنه، والمسألة في الباطن هي حرب مقدسة، وأرى أنها كذلك.

الشيخ خالد بن تونس: نسميه الجهاد.

جيل غاندي: الجهاد، الحرب المقدسة الباطنية، الذي يتمثل في تعقب هذه السلطة وذوق هذه السلطة، وتحويلها إلى محبة. أليس كذلك؟     

الشيخ خالد بن تونس: إذن، للتلخيص، أقول نعم، وإنه عمل ذاتي، لا نستطيع تخويله إلى شخص آخر، فالأمر يتعلق بنا، وبتغيّرنا الشخصي. إنها مسألة تتعلق بالضمير. كيف نغذي ضميرنا بما يسكّننا، ويسكّن النفس؟ في الإسلام إن النفْس (بإسكان الفاء) هي النفَس (بفتح الفاء)، وهي تنفسنا، ونحن نعلم أننا نتنفس ما يلفظه الغير. ينبغي أن نعي أننا نتنفس نفس الهواء، أتنفس ما يلفظه الغير، وهو يقومون بنفس الشيء.

جيل غاندي: والماء الذي شربت منه الديناصورات.

الشيخ خالد بن تونس: بالفعل، ونحن جميعا من نفس الأبجدية، ويوجد 26 حرف في أبجدية اللغة الفرنسية أو 28 حرف في أبجدية اللغة العربية، لا يوجد أكثر، وهاته الحروف 28 وأيضا 26 تُلخص جميع ما نقلته المعرفة منذ غابر العصور. إذا تم رفض حرف من هذه الحروف، لكونه غير مستقيم كاللام والياء، بصفته غير مستقيم. فالألف مستقيم، ودائرة الميم مستديرة، وأنا أحب المستقيم، لا أحب المستدير، وعندها ماذا سيكون مصيرها؟ إن الذي يصير أننا لن نستطيع الكتابة، وهذا الذي يحدث لنا، ونحن جميعا من نفس الأبجدية، وهذه الأبجدية لن تستطيع أن تتواصل وتقدم لنا معارف، إلا في حال تقبلت الإرتباط ببعضها البعض، وأن يتمكن ضميرنا من تقبل إفساح المكان للغير، وإذا نحن تقبلنا بعضنا البعض سنعطي معنى لحياتنا، مثلما هي الكلمات، سنصبح مثل الكلمات التي تعطي معنى. كلمة محبة نتجت من ارتباط الحروف الميم والحاء والباء والتاء المربوطة، تقبلت بأن تكون معا، وتعطي معنى، وأكثر من ذلك، سيدعون مضادهم، ويحذروننا. مضاد المحبة هي الكراهية. وبالحروف المرتبطة تتضح لنا الرؤية، وإذا رفضنا حرفا واحدا، سنخسر كل شيء. يتوقف كل شيء. ينبغي دعوة هذا الضمير، ضمير الرابطة الذي يجعل منا كائنات عارفة منفتحة حذرة يقظة، وعندما نفقد هذا الإدراك أو يزول سنتحول إلى حيوانات، وتستحوذ علينا الوحشية، والوحشية لدى الإنسان هي السلطة. أصبح أدعي أنني خير من الغير، وأسمى منهم، أملك أحق الحقيقة من الغير، ربي هو الأفضل، وأنتمي إلى خير دين، وبلدي أفضل البلدان.

     ينبغي التكفل بأطفال والقيام معهم فقط بورشة بسيطة. قمنا بذلك في عدة مدارس، التي نسميها مدارس السلام. هذه الورشة بسيطة، نأخذ أطفال ونقول لهم اكتبوا أسمائكم، فقط إسمكم، آلان وأندري وجان وجاك وعلي، ولا أعلم، سليمة.. اكتبوا أسماءكم، ويكتبون إسمهم، ونقول لهم لينظر كلّ منكم إلى الحروف التي يقتسمها مع الغير، وهنا نرى أن الطفل يبدأ في الإدراك، أن له ألِفا يتشارك فيه مع هذا الطفل أو ذاك، ولديه لام وسين ودال، وهذا التشارك يسمح لهم بالفهم أنه توجد صلات فيما بينهم، وبعدما يدركون ذلك بأسمائهم، يقوم كل واحد منهم بتبديل مع الغير أحرفه، حتى يتمكنون من الحصول على إسم. ونقول لهم الآن تواجدوا. حاولوا الذهاب أبعد من ذلك، وحاولوا، فهل يمكن كتابة كلمة شمس، انظروا إن كان لكم أحرف في إسمكم. نعم، أنا لدي حرف الشين، وأنا الميم، وأنا السين، وفي هذا يدركون بأن بالإنطلاق فحسب من أسمائهم مشترِكة، سيمكنهم من كتابة معرفة كل شيء، فالعوالم المعدنية والنباتية والحيوانية لها صلة بواقعهم، وأكثر من ذلك، فهذه الصلة نمتلكها. توجد في جسدنا، صلة المحبة هذه، وصلة الأبجدية موجودة. فلينظر كلٌ منا إلى سُرّته، سيرى أنه متصل بكائن آخر، بأمه، بواسطة الحبل السري، وأمه كانت مرتبطة بكائن آخر، وهكذا ودواليك، يرى أنه متصل بإنسانية كثيرة، ولدينا الأثر الجسدي البائن، يشهد على ذلك، ولكننا نسيناه. نسينا ذلك، وهو نسيان تلك العلاقة الحسية المادية وأيضا الروحية، وأيضا توجد الروح التي تحركنا. نحن ورثة جميع التقاليد وجميع الثقافات التي سبقتنا، ولهذا ينبغي أن يعلم الطفل (الخطر القائم) لو أننا بقينا منحصرين في النزعة الفردية، ودوما في قيد ثقافة أنا وأنا- نفسي، وأن الدعوة الموجهة من سلطة المحبة، هي الإنتقال إلى ثقافة نحن، الإنتقال من أنا إلى نحن، ولو أنه بدأ يتحدث في كلامه ويقول أرضنا، وليس أرضي، ومدينتنا وليس مدينتي، وهذا بيتنا وليس بيتي، عندها تتسع آفاق نظرته الروحية.  

جيل غاندي: الشيخ بن تونس، قيل للتو أن الإنسانية بصدد عيش هذا الإنتقال، الإنتقال من أنا النفس إلى ماهو أكبر، لتقع على نحن، ونكتشف الجماعي. يجب أن أطرح عليك سؤالا حول العلاقة بذوق السلطة، بمحبة السلطة، أليست تلك إشارة رمزية، حيث ينبغي علينا جميعا أن يصبو عملنا في البداية على "أنا"، ونجعله يتمتع بالقوة، وسيؤدَى به إلى الوقوع في عثرات السلطة، لنضعه فيما بعد لصالح "نحن"، ونجعله أكثر قوة بشكل عام.

الشيخ خالد بن تونس: إذن فهذا الأنا يفرض علينا نفسه بأي حال. منذ الطفولة فالوالدين والكبار سيشكلون هذا الأنا، ونحن بحاجة لذلك، لأن الطفل عندما يولد لا يكون له إسم، فهولا يعرف إسمه، فنحن من سيمنحه إسما، ونعطي له جنسية، أنت فلان من جنسية فرنسية أو أمريكية أو صينية، سنعطيه أيضا مبادئ ودين، أنت تتمتع بهذه الثقافة، وغير ذلك، وكلما نما عوده، كلما صاغ المحيط العائلي والمجتمعي والتربوي نظرته للعالم. هذا صديقك وهذا عدوك. ومنه، فهذا الكائن الذي جاء إلى العالم يكون مثل صفحة فارغة بيضاء، ونحن الكبار البالغين، آباء ومعلمين والمحيط الذي ولد فيه، سيفرض عليه بشكل ما بناء هذا الأنا..

جيل غاندي: تهيئة برمجته.

 الشيخ خالد بن تونس: لا أريد أن أصل إلى قول ذلك، ولكنها الحقيقة، إنها تهيئة برمجته. بلى. وصناعة "أنا" غير متحرر، ونوع من القبضة على الشخص، لأن المجتمع الذي ولدنا فيه، يريدنا أن نكون بهذه الصفة أو تلك.

    لكي يتم إبراز هذا النحن، ففي اللحظة التي يبلغ فيها بعض النضج في الأنا، في هذه اللحظة، كيف له أن يتحرر ويبلغ هذا الفكر الجامع الشامل؟ يكون ذلك بالعمل على الذات، وعليه أن يضع موضع التساؤل كل ما تلقاه، لا يرفضه، بل ينتقل، لا يرفض جنسيته أو ينفي أصله، لا أقوم برفضهم. لا. ولكنه الإنفتاح على العالمية الشاملة، لأني بحاجة إلى معرفة نفسي، وبحاجة إلى مرآة، وإلا سوف لن أرى صفاتي وزلاتي، فأنا بحاجة إلى مرآة، وهذه المرآة هو الغير، فالغير دوره أن يمتحنني في كل مرة، يأتي ويستفسرني في كل مرة، ويُشكل مشكلة لي. هذا الغير سواء أكان قريب أو بعيد، سواء أكان يتكلم لغتي أو لغة أخرى، ويملك نفس ثقافتي أو ثقافة أخرى، يأتي ويمتحنني في كل مرة، وأكتشف فيه أمور، وبإكتشافي فيه أمور، حينها سأكتشف بشكل أفضل أموري، ويوجد أخذ وعطاء، وهذا التبادل يسمح لي بإكتشاف نفسي، وإذا رفضتُ سأبقى في جهلي، لأنني خائف من طرح أموري للمساءلة.

جيل غاندي: نستطيع أن نسميه عمل بتركيز التكثيف، على سبيل المثال، الإنتقال من قول أنا فرنسي إلى أنا أتكلم الفرنسية.  

الشيخ خالد بن تونس: أعتقد أن للكلمات معنى. للكلمات معنى، لهذا قلتُ ينبغي مبكرا تربية الأطفال بنهج هذا الإنفتاح، وإمكانية الإنفتاح على العالم وعلى معنى الكلمات. تكلمتم آنفا عن الجهاد، الذي يترجم إلى الحرب المقدسة. هذا خطأ، وهذه ترجمة خاطئة بشكل كلي، فكلمة جهاد تعني الجهد، وكيف أن لكلمات معنى يخصها ونعطيها في أيامنا معنى آخر، وحتى في المدلول وُجد انعكاس للقيم، لا توجد حرب مقدسة، فالحرب لم تكن أبدا مقدسة.

جيل غاندي: إنها كلمات. هذا غريب.

الشيخ خالد بن تونس: غرابة كبيرة.

جيل غاندي: حرب نظيفة.

الشيخ خالد بن تونس: حرب نظيفة، وكل ما يختلق لإخفاء مآسينا وجهلنا، ولإخفاء أيضا ربما وحشيتنا، نكسوها بكلمات، ولكنها ليست الحقيقة، نحن نقوم بتضييقها، فذلك لا نعطيها مدلولها، فالجهاد جهد على النفس لمعالجة شرورها، وجهاد للنفس حتى نواجه معترك الحياة، وبطريقة ما يصبح لحياتنا معنى، وإلا تصبح سوى مرتع للطعام والشراب والتناسل، والحصول على مهن وشهرة، فكل شيء مبنى على الزوال. مآلها الزوال. لا أحد، في اللحظة التي نتكلم فيها، فبعد مائة عام، لن يبقى أحد منا. عن أي شيء نتكلم؟ بالعكس، أعمالنا ستبقى، إن نحن زرعنا شجرة ستبقى..

جيل غاندي: بالضبط الشيخ بن تونس، إنه مثير للإهتمام، نقوم بحوار يتجه بعيدا، هذا مثير للغاية، فقد تكلمنا عن كلمات بصفتها حروف متصلة برابطة، كما قلنا آنفا، ونفضي إلى ترجمة سيئة، مثل الجهاد، التي ترجمت إلى حرب مقدسة، أو مثلما قلت سابقا الإدعاء لكوني أنني أتكلم الفرنسية فأنا فرنسي، بدل القول أنا أتكلم الفرنسية، وبالفعل، نحن نرى أن الفعل قد يؤدي بنا إلى حروب.

الشيخ خالد بن تونس: بالتأكيد، فهو يعاش، فأهل أوكرانيا وروسيا قريبين، ويشكلون نفس الشعب، فما الذي حدث؟

جيل غاندي: في إسرائيل نفس الشيء.

الشيخ خالد بن تونس: توقف. فما الذي حدث؟ لماذا وصلنا إلى هذا الحد؟ لماذا هؤلاء الأشقاء؟ هذا هو مرض الإنسان، وإنه حب السلطة. أريد أن أكون أكثر من الآخر..

جيل غاندي: حول كلمات وأفكار.

الشيخ خالد بن تونس: حول أفكار وايديولوجيات وديانات. في الحرب العالمية الثانية طرح شخص سؤال على جدي(2) قائلا، لماذا الحرب، ولماذا يتقاتل الناس في الحرب؟ أجابه جدي يقومون بالحرب محبة. فزع ذلك الإنسان وقال، كيف ذلك، هذا مستحيل، فأجابه، بلى، إنه حب الوطن، ولكنهم لو كانوا يملكون الحب الحقيقي، لا يرون أمامهم أي عدو، فلأنهم لم يجدوه بالكلية، وجدوا جزءا بسيطا، فلا يملكون سوى جزء من الحب. حب الوطن والتعاطف الديني، مثل هذه الأمور ومثل هذه الأيديولوجيات، يتقاتلون من أجلها. يا ليتهم كانوا يملكون المحبة الشاملة فلن يعد يتواجد أي أعداء، وعن أي عدو (نتكلم).

جيل غاندي: كما لو أنهم يوجهون أشعة الشمس، وإشعاع المحبة نحو هدف واحد دون البقية.

الشيخ خالد بن تونس: حُرِموا إذن. لأنه عندما يُشرِّع بابه أو نافذته يتحصل على نفوذ نور شمس كثيف، وإذا ضيقه قلّ ذلك النور، ولكننا إذا أقمنا جدار من زجاج لن نُنقِص أبدا نفوذ الشمس، فالشمس تكون دائما أمامنا. ونحن هل ننفتح ونحتفظ بهذا النور حتى يدخل بكثرة، أو نُضيِّق عليها، ويضؤل النور؟ في المحبة الأمر سواء. وإذا خصصناها فقط لبعض الأمور وليس لكل شيء سنفقد المعنى، لأننا نصبح محبين لأشياء زائلة، وأشياء نضحَى نؤلهها، ونرغب في امتلاكها. حقا، يوجد نصيب من المحبة، ولكنها ليست المحبة في جلالتها وسيادتها وشموليتها، وإن هذه المحبة يعبر عنها بالكلام، ويعبر عنها بشكل أكبر بالصمت.

جيل غاندي: في التأمل؟

الشيخ خالد بن تونس:  ندرك التأمل عندما يصبح لساني لسان الإنسانية أو فكري يعود فكر الإنسانية، مما يعنيه، أنني أدمج فيّ سعادة وشقاء هذا العالم، فأنا مريض لأنه هو مريض، وأنا سعيد لأنه سعيد. أساهم. أساهم فيه، وأنا خلية في جسد. إذا سألناها، فإنها تعمل من أجل الجسد بكامله، وخلية في القدم لا تدعي أنها تعمل إلا من أجل القدم، إنها تعمل من أجل الجسد بأسره، وحتى خلايا الشعر والأظافر والعين فإنها تعمل للجميع، وتعلم أن حياتها متعلقة بهم.

جيل غاندي: هل هذا التصرف سليم في أن نكون متدينين، ونسخر أنفسنا لخدمة الجميع؟

الشيخ خالد بن تونس: أن نكون متصلين، ونحن مسخرين لها. توجد حكمة وتعليم للرسول صلى الله عليه وسلم، إذ يقول رسول الإسلام صلى الله عليه وسلم "الخلق كلهم عيال الله". الخلق وليس فقط الناس، فنحن نتكلم عن الخلق، وهم الناس والحيوانات والنباتات. "الخلق عيال الله وأحب خلقه إليه أنفعهم لعياله". وبماذا سنزيد في المساهمة؟

    عندما أحرث الأرض، عليّ أن أدرك أن الأرض من الحي، وأنا مرتبط بها، وهي تعطيني الطعام، ولا يجب علي أن أسممها وأقتلها. إنه اقتصاد الرفاه، ونحن نسير باقتصاد الربح.

جيل غاندي: عندما نتكلم في الغالب عن النفس، فقد يذكرنا ذلك بطب النفس وغور هذا الطب، واعتبار عبارات الخير والجميل والحق، وهل تقترح أن يستخدم هذا الخير والجميل والحق في خدمة الجميع؟

الشيخ خالد بن تونس: إنه برنامج طويل، وينبغي أن نبتدئ في ناحية ما، وأول شيء نتمناه هو على الأقل التحلي بالوعي. ولهذا لدى الأمم المتحدة تم تقرير اليوم الدولي للعيش معا في سلام، ونرى اليوم كيف نحن بحاجة إليه. يعود إلينا كل 16 مايو من كل عام، و193 دولة تبنته، لم يتخلف أي بلد، ولكن، ولا بلد يعمل به. وهنا تكمن المشكلة. هذه هي النقطة الأولى. والنقطة الثانية هي لماذا التربية بنهج السلام غير مدرجة في البرامج المدرسية لأطفالنا، ولماذا توجد أكاديميات لكل شيء، التي للبلياردو ولكرة القدم وما شئتم، ولا توجد أكاديمية للسلام؟ لماذا؟ لماذا نستثمر البليارات في التسليح، وكم نستثمر في السلام؟ هذه أسئلة أساسية. هل تعلمون كم تكلّف النزاعات في كل عام للإنسانية؟ 14300 بليار دولار، وهذا ما قاله الأمين العام للأمم المتحدة. وكم هو ثمن السلام؟ هذه هي الحقائق. تساوي تكلفة النزاعات 13.4 % من الإقتصاد العالمي في كل عام، وهي في ازدياد. تزداد في كل عام. عندما أتكلم عن محبة السلطة فإني أتكلم عن هذا. وهل بابتكار أسلحة أكثر تطورا.. إلى أين نذهب؟ إلى أين يتجه بنا هذا الإقتصاد؟ لماذا لا يوجد أي استثمار في السلام؟

     ليس السلام غياب للحروب أو النزاعات، فالسلام شيئ آخر، أكثر نبلا، إنه طاقة وطاقة أمل، وطاقة في تحرك، تُحوّل المجتمع الإنساني وتجعله أكثر إزدهارا.

جيل غاندي: بِناء.

الشيخ خالد بن تونس: بِناء وليس هدم. لم نر أبدا السلام يهدم، بالرغم أننا رأينا الحرب تفعل ذلك، ولكن مصيبتنا هي أننا في كل مرة نمر بالحرب، وبعدما ندمر كل شيء، نذهب في نهاية المطاف إلى السلام.

جيل غاندي: الشيخ بن تونس، على سبيل المثال، عن الزوجين يقال في علم النفس، في التنمية الشخصية، يتخاصمان ليتصالحا بعدها على الوسادة. إنه نفس الشيء.

الشيخ خالد بن تونس: نعم بالفعل. مادامت صلة المحبة حاضرة.. ينبغي الحذر، فإنه ينقدنا من الإنفصال. في الحالة التي نعيشها اليوم، نحن بحاجة إلى الوساطة، أناس يقومون بالعمل، بتلك الوساطة الوقائية والوساطة الإصلاحية.

جيل غاندي: أطرح عليك سؤالا جاء من يوتوب. إن المعلومة الرسمية الحالية تدعو إلى الإنحياز إلى جهة ضد أخرى، ألا تظن أنه ينبغي الدفع إلى الحوار من أجل السلام، وأنّ على الأمم المتحدة أن تتدخل، وقد أنشئت من أجل ذلك.

الشيخ خالد بن تونس: نعم، تتدخل الأمم المتحدة، ولكن الأمم المتحدة اليوم مقاطَعة، ولم تعد تأمر، لم تعد موجودة، لا نحلم، بالطبع يوجد محل، أعرفه جيدا، جلت فيه لمدة ثلاث سنوات ونصف من أجل اليوم الدولي للعيش معا، حتى يصوّت على القرار من طرف الجمعية العامة، إني أعرف جيدا المحل، ولكنها أفرغت، مثل الكلمات فقدنا معناها. جُعلت الأمم المتحدة من أجل الحفاظ على السلام، من أجل ذلك أنشئت. اليوم هي أداة بأيدي ست دول، بمجلس الأمن. لنسمي الأشياء بمسمياتها.

جيل غاندي: فيما يخص مجلس الأمن، على سبيل المثال أمريكا في عهد بوش، أرادت غزو العراق، ورغم الفيتو الفرنسي، تم الغزو رغم أنف الأمم المتحدة.

الشيخ خالد بن تونس: لهذا قلت لكم تم تفريغها من جوهرها، والحمد لله هي مستمرة، تقوم ببعض المهام، مثل أهداف التنمية المستدامة ال17، التي تختص بتوجيهات هامة بشأن التنمية المستدامة. توجد أعمال يتم إجراءها، وإصدار منشورات، على كل حال تبقى بعض الأشغال، ولكن من جوهرها فقد أفرغت. إذن، ينبغي علينا إيجاد إصلاح، بسلطة المحبة وليس بمحبة السلطة، وإلا سنفضي إلى نفس الشيء.

جيل غاندي: ينبغي علينا أن نقوم بشيء ما، يعني، التحلي بالسلام الباطني، ربما.

الشيخ خالد بن تونس: نعم. بالتحلي بالسلام الباطني، وبالتوقيع على الإعلان العالمي للعيش معا في سلام. لأنه كلما زاد عدد الناس الذين يوقّعون عليه، كلما كان هناك وزن على مستوى الحكومات، وسيقال أن الناس والشعوب والأمم تريد السلام، ولا تزجوا بنا في الحرب. لأنه لو طرحنا حقا السؤال على كل الفرنسيين وكل الألمانيين، وجميع الأوروبيين، هل يريدون الحرب أم السلام. بأمانة، إذا قمنا بنفس الشيء مع الروسيين، هل يريدون الحرب أم السلام، وكذا مع الصينين والأفارقة.. بطبيعة الحال يبقى دائما يوجد من يشق عصا الطاعة، ولكن الشعوب اليوم تُقاد رغم أنفها.

جيل غاندي: هذا التوقيع أين سنجده؟ لأن المستمعين لا يعلمون.

الشيخ خالد بن تونس: زوروا الموقع https://16mai.org/declaration/ ولديكم فيلم عنوانه "نحن جميعا"، وحبذا لو يذاع عبر شبكتكم، ويروج أن الفيلم أنجز من أجل 16 مايو من هذه السنة، سيكون مشهودا، ستبثه TV5 على سبيل المثال، والعشرات من الدول في العالم، بدعوات من أكثر من 55 عاصمة في العالم، وسيكون مشهودا بعدة لغات، منها الإنجليزية والفرنسية والعربية والإيطالية والبرتغالية، وغيرها، تُرجم إلى عدة لغات، سيرافق اليوم الدولي للعيش معا في سلام، هذا 16 مايو، وهذا اليوم يدعّم بالتوقيع على الإعلان العالمي للعيش معا في سلام، وهكذا عبر موقع https://16mai.org/ . سنبعثه إليكم.

    هذا اليوم تم إقراره في 8 ديسمبر 2017، واستغرق ثلاث سنوات ونصف من العمل. في البداية كان الأمر مستحيلا، وشيئا فشيئا، كان ذلك الجهاد الذي تكلمنا عنه. هذا الجهاد الذي أثمر، ولديه اليوم مكانه، ومن هنا يمكننا الخروج من هذا المأزق، وضمان الرجوع إلى ما هو أساسي. لنتوقف عن اقتياد الشعوب رغما عنها إلى الحروب. البعض يستغل الدين والأخر كذا.. والآن بكل بساطة إنها هذه السلطة الشهيرة، محبة السلطة والثراء.

     أنتم ترون أن الإقتصاد حاليا ترسمه صناعة الأسلحة. هذه هي الحقيقة. إنها صناعة الأسلحة، وإذا أردنا أن نعالج هذا المرض، فلنرجع إلى النبع.

جيل غاندي: صناعة الأسلحة هذه نجدها رمزيا في العديد من المجالات، فقد رأيناها مع كوفيد، فقد أعلنت حرب على فيروس، ووضعنا الصناعة الصيدلانية في حرب ضد فيروس، فضلا عن صناعة الأسلحة بإخراج أسلحة ثقيلة.

الشيخ خالد بن تونس: أنتم ترون، تجدونه في الإعلانات التجارية، في المتاجر لديكم حرب الأسعار، نستعمل كلمات هي بالنسبة لنا.. أضعنا المعنى والقياس. توجد المحبة، هذه القوة وطاقة المحبة والسلام هذه، والمحبة المسالمة، لأنكم إن أحببتم شخصا ستسامحونه، وإذا أحببتم شخصا، ستكونون على استعداد لتتركوا له مكانكم، وتعطونه خير ما لديكم. جميعنا مرّ في لحظة في حياته، بفترات اعترته محبة، حيث كنا فيها أكثر كرما، وأكثر حذرا، وكنا أكثر تعاونا، لأننا أحببنا شخصا أو جماعة أو طبيعة. يصنع الحب المعجزات، ونحن بحاجة إليه في أيامنا، أكثر من أي وقت مضى في عالمنا، نحن على حافة الطريق، يجب إدراك ذلك.

جيل غاندي: الشيخ بن تونس، كان الأمر في غاية الأهمية للإستماع إليك، وأيضا تهانينا لك لكل مجهوداتك التي قمت بها، من أجل هذا اليوم الدولي، وسنقدم هدية الآن، إن كنت متفرغ، لدقيقتين.

الشيخ خالد بن تونس: بكل سرور، شكرا جزيلا، ولكن ليس الشيخ بن تونس من قام بذلك، عليكم بالحذر، يجب تصحيح ذلك، ليس أنا نفسي من قام به.

جيل غاندي: إنها الجماعة.

الشيخ خالد بن تونس: هذا هو.

جيل غاندي: نحن متفقين، حسنا، ونحن ليس أنا، إنها الجماعة كذلك، التي تتواجد خلفي، والتي استمعت إليك، وأعجبت بك، وستشكرك بطريقتها.

 

     اصطف جمع ممن كان حاضرا مع جيل غاندي خلفه، ونطقوا جميعا "شكرا جزيلا، مرحى"، مع تصفيق حار، استمر برهة.

 

الشيخ خالد بن تونس: شكرا جزيلا. شكرا لكم جميعا، وحظ سعيد.

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). حتى يكون لدينا فكرة عن هذه الجمعية وطبيعة بحثها، وأكثرمن ذلك، نتعرف على البضاعة العلمية والثقافية للذين يتعامل معهم الشيخ خالد بن تونس في حواراته الفكرية، نلقي نظرة بسيطة في الموضوع.

     اكتشف روز وجيل غاندي طريقة علاجية وصوَّراها منذ عام 2006، وأطلق عليها إسم "الطب الرمزي". يعتمد هذا العلاج على تجربة الظواهر المزعجة في المنازل، باستخدام قضبان التغطيس المنحنية. نظرًا لكون المسكن في قلب الممارسة، فقد كانوا يميلون في بدايتهما إلى ربط الطريقة بالتخصصات المشابهة الموجودة قبلا، مثل طريقة "فونغ شوي" الصينية وعلم الأحياء الجيولوجي .

     بعد ذلك، أعطت تجاربهم نتائج إيجابية وذات صلة للغاية، وقاموا بتدريس هذه الطريقة، والتي تم ممارستها بعد ذلك من قبل أشخاص آخرين، بنفس النتائج. على مر السنين، تم إثراء الطريقة العلاجية باكتشافات جديدة حول أصل الأمراض التي تؤثر على البشر (نسب العائلة، الأسباب النفسية والعاطفية، الكرما، إلخ). في كل مرة، كانوا ينشرون كتابًا للكشف عن هذه المساهمة.

     مع مرور الوقت فرض مصطلح الطب الرمزي نفسه لتعريف الطريقة العلاجية، لأنه أصبح له رواد، وأن لغتها كانت رمزًا، لتلقي رسائل، وطريقة حوار مع غير المرئي.

     يتمثل عملهم في الدخول إلى منزل، ويجري أن يدركوا أن نوعا من "الذكاء" يوجه العصا التي يستخدمونها، ويرسل رسائل إلى شاغلي المكان، لإيقاظهم على آلياتهم اللاواعية. ومن هنا يبتدئان ممارستها العلاجية مع أهل الدار.

     أهم ما يميز علم الأحياء الجيولوجي هو دراسة الأمواج المرتبطة بالمجالات المغناطيسية والكهربائية، وتيارات المياه الجوفية، والظاهرة المعروفة لدى العامة. وأما فنغ شوي، الذي يعني حرفيًا "الرياح والمياه"، هو فن قديم من أصل صيني يهدف إلى تنسيق الطاقة البيئية لمكان ما بطريقة تعزز صحة ورفاهية وازدهار ساكنيه. يهدف هذا الفن إلى ترتيب المساكن وفقًا للتدفقات المرئية (المجاري المائية) وغير المرئية (الرياح)، للحصول على توازن القوى والتداول الأمثل للطاقة.

(2). هو الشيخ عدة بن تونس (1898- 1952)، ويعتبر الشيخ الثاني للطريقة العلاوية وحامل لوائها.