السبت، 14 نوفمبر 2020

قيم الضيافة

 

قيم الضيافة

 

    شارك الشيخ خالد بن تونس عبر الانترنيت في طبعة جديدة من لقاءات "الملتقى" الذي يعقد في مدينة فالنسيا الإسبانية. في هذه السنة شارك في تنظيمه كل من فرع فالنسيا لمنظمة اليونسكو ووكالة السياحة للمدينة. جرت هذه المرة منه النسخة السادسة عشر، وكانت جلساتها افتراضية، وكان عنوانها "المؤتمر الدولي البحر الأبيض المتوسط ​​على الإنترنت، طرق الحرير والكأس المقدسة: السياحة والقيم والضيافة"(1).

    لنلقي نظرة على طبيعة اللقاء الذي شارك فيه الشيخ خالد بن تونس. "من 3 إلى 8 نوفمبر 2020، كانت فالنسيا مسرحًا للطبعة السادسة عشرة من ملتقى الثقافات، المؤتمر الدولي للبحر الأبيض المتوسط.

    الملتقى هي كلمة عربية تعني 'مكان لقاء ودي'. وبالتحديد، فإن الاجتماع الودي والتعددي هو النسخة السادسة عشرة من ملتقى الثقافات. عقد المؤتمر المتوسطي الدولي في فالنسيا، ويمكن متابعته عبر الإنترنت هذا العام"(2).

   اهتم المؤتمر بمناقشة عدة مواضيع، ففي اليوم الأول جرى الإهتمام بموضوع "طرق السياحة كمسارات للضيافة"، وفي اليوم الثاني، يوم 4 نوفمبر، نوقش موضوع "قيم الضيافة في ثقافات طريق الحرير"، وهو الموضوع الذي شارك فيه الشيخ خالد بن تونس، وألقى كلمة طيبة، نوردها كاملة.

    "إن الغرض من هذه المؤتمرات هو عكس ومناقشة أهمية القيم في هذا المجتمع العالمي في عصرنا... وُلد مشروع طريق الحرير الجديد في عام 1988، كمبادرة من طرق الحوار، التي اقترحتها اليونسكو والتي، بمرور الوقت، جعلت فالنسيا مدينة الحرير والبوابة الغربية لطريق الحرير"(2).

    أرفق الشيخ خالد بن تونس الملتقى برسالة إعلانية صوتية، تروج لمشروع، إذ سيتم إنشاء دار السلام في جناح خاص، بالمعرض الدولي للبستنة، سيقام سنة 2022 بمدينة ألميريا الهولندية، وفيها كشف عن بعض الأهداف المرجوة من هذا العرض.

 


كلمته في الملتقى

 

    صباح الخير للجميع

    أحيي كل اللواتي وكل أولئك الذين هم اليوم متواجدون في مدينة فالنسيا، لإحياء فعاليات الملتقى السادس عشر، الذي اختار موضوع "الأخلاق والقيم".

    أنتهز هذه الفرصة لأحيي على الخصوص صديقنا السيد فريديريكو مايور زراغوزا، وصديقي رفاييل بونجو، رئيس فرع يونسكو فالنسيا.

    أصدقائي الأعزاء، كنت أتمنى أن أكون معكم، وهذه الأزمة الصحية التي تمس عالم اليوم تفرض علينا اللجوء إلى وسائل أخرى لتمتين الروابط وتعزيز الصداقة، حتى نتمكن معا، من إعادة بناء عالم الوحدة، والخروج من عالم التفرقة، على أمل أن تبنيه الأجيال القادمة، متماسكة الواحد مع الآخر.

    إن موضوع الضيافة، هذه القيمة السامية، التي حرصت دول حوض البحر الأبيض المتوسط على المحافظة عليها ورعايتها، منذ فجر التاريخ، قد جعلت منا أناس مضيافين، وقضت على تقوية أواصر إنسانيتنا وتعزيز علائق صداقتنا وأداء الإحسان في العلاقات التي تصلنا ببعضنا البعض.

    جعل العيش معا في سلام الإنسانية، جعلها في حاجة ملحة إلى استعادة هذه القيمة السامية وتثقيفها وتدريسها، حتى تُحفظ العلاقات بين المجتمعات، ويندمل هذا التمزق وهذه التفرقة في الحجر الصحي، هذا الذي أتاح لنا اليوم جميعا لحظة، تسمح بالتفكير حول الصالح العالم الذي تحققه الضيافة. إن استضافة الغير أو أن ننزل ضيوفا عنده، هو أكبر خير تمنحه هذه المحنة التي نمر بها اليوم. قيمة لا تقدر بثمن. عوائل مفرقة، وأصدقاء مفرقين، ودول حدودها مغلقة، ومدن وأحياء محجور عليها، كل هذا يدفعنا إلى التفكير حول أهمية الغير. هذا الغير، هذا الغريب، هذا الرسول الذي يدعونا إلى القيام بخطوة خارج أنفسنا، ويدفعنا إلى فتح وتحطيم الإنغلاق، وإلى الحوار والنقاش، وإلى الإستخلاص والإستساغة من اللقاء وسيلة من أجل اكتشاف هذا السرور الذي تجلبه الضيافة.  

    في المجتمع التقليدي كان الأمر واجبا، وكان ذا أهمية، حتى أن الجميع كان يضع على مائدته طبقا إضافيا، على أمل أن يطرق يوما الضيف بابه.

    يُروى أنه في أحد الأيام، لما ذهب سيدنا موسى إلى لقاء ربه، طلب منه أن يتشرف به في بيته. فقال له أنه سيأتيه ويلبي طلبه. وأعد سيدنا موسى فرِحا العدة لاستقبال الضيف الإلهي في بيته. بالتأكيد جهّز بيته، وانتظر بفراغ صبر، أن يطرق الضيف باب منزله. وهاهو يسمع طارقا بالباب ويفتح، ويجده متسولا، يطلب منه أن يستضيفه لوجه الله. ارتبك سيدنا موسى، وقال له لا أستطيع استقبالك اليوم، لأنني أنتظر قادما مهما، عد بالغد، وأغلق عليه باب داره. انتظر سيدنا موسى طوال اليوم وطوال الليل، ولم يظهر أحد. انتظر في اليوم الثاني واليوم الثالث، ثم عاد إلى جبله قلقا، ليعرف لماذا لم يفي الله بوعده. فأجابه الله يا موسى جئتك ثلاث مرات، أطرق باب دارك، وفي كل مرة كنت تصدني مغلقا باب دارك، وأدرك موسى أن الضيف، ذلك المتسول، الذي كان يطرق باب داره، لم يكن سوى الله سبحانه وتعالى.

    إن الضيافة قد تفاجئنا من خلال هذه القصة، التي قد لم تحدث واقعيا، ولكنها تدعونا إلى هذا الإنفتاح نحو الغير، مهما يكن كائنه. لا نستطيع تحقيق ذلك، ونحن قابعين بين جوانح ذواتنا، ينبغي الإنفتاح على الغير، على الغريب، على الأجنبي، على ذلك الرسول الذي قد يكون من العالم الأخروي، شخص قد يأتي يزعج عوائدنا، ويستجوبنا، مستفسرا عن أحوالنا وحياتنا ونظرتنا وعن سلوكنا، وعن الإحترام الذي نكنه لبعضنا البعض.

 

 

رسالته إلى الملتقى حول مشروع

دار السلام بمعرض ألميريا

 

    إن الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المنظمة غير الحكومية الدولية، عيسى، بالشراكة مع مدينة ألميريا، التي ستنظم معرض فلورياد 2022، المكرس لمدن المستقبل، ترغب من خلال هذا المعرض، في إنشاء جناح، يسعى إلى تقديم ثقافة السلام، كرابطة اجتماعية شاملة لمدن المستقبل.

    في هذا الفضاء الملائم، يدعو جناح دار السلام الزوار، لعيش تجربة غامرة، في جو طبيعي مريح، والتنسيق بين التقليد والحداثة. في هذا المكان الفريد، الذي يبرز ثراء اختلاف الثقافات، من خلال عروض تُبين حقيقة العيش معا في سلام، في المدن عبر مراحل التاريخ. إن تقديم برنامج تربوي وإقامة ورشات تكوينية وحلق حوار ومحاضرات ستسمح باكتشاف ممارسات مبتكرة وثقافة السلام  وكذا منهجيتها.

    في هذا المعرض الذي سيجمع عدة دول، قرر المنظمون أن في 16 مايو، سيتم الإحتفال باليوم الدولي للعيش معا في سلام. ندوة دولية حول موضوع العيش معا في سلام ستعقد ابتداء من 14 مايو، بمساهمة عدة منظمين.

    نشكر جميع منظمي الملتقى. وأتمنى أن تكونوا حاضرين معنا خلال افتتاح جناح دار السلام. شكرا جزيلا وإلى اللقاء(3).

 

ــــــــــــــــــــــ

(1). تميز طريق الحرير، الذي ربط منذ آلاف السنين الشرق بالغرب بتبادل ثقافي غزير، وخلق تواصلا مميزا بين مختلف الثقافات. ظلت الصين لآلاف السنين تحتكر صناعة الحرير، مما دفع مختلف الشعوب إلى جلبه منها، وخلق بذلك مسارا بريا، عرف باسم طريق الحرير، سلكته القوافل لقرون عديدة. أما الكأس المقدسة، التي يقترن إسمها بمدينة فلنسيا. فيسود الإعتقاد عند المسيحيين أن سيدنا عيسى عليه السلام في لقائه الأخير بحوارييه، وكان عبارة عن عشاء، سمي بالعشاء الأخير وتناول فيه كأسا، شرب منها هو وناولها أصحابه. فهذه الكأس، حسب بعض الروايات المسيحية، تنقلت في عدة مناطق، وتم تهريبها في وقت ما إلى إسبانيا، وتحتفظ بها مدينة فلنسيا منذ بداية القرن الخامس عشر الميلادي، وتوجد اليوم البقايا الأثرية منها في كاتدرائيتها. الله أعلم في صدق الرواية، ولكنها، جلبت إليها ولا تزال تجلب العديد من السياح والحجيج، وبالتالي شكلت ملتقى ثقافات مهم.

(2).  من موقع  valenciacity.es

(3). https://www.youtube.com/watch?v=nozuu4gYt1c