الخميس، 30 مايو 2019

إن حصر تفسير القرآن في الأوائل هو عائق حقيقي

الشيخ خالد بن تونس، شيخ الطريقة العلاوية، وباعث اليوم الدولي للعيش معا في سلام


إن حصر تفسير القرآن في الأوائل هو عائق حقيقي



  
    نحن من نفس الماء. بهذه العبارة أدخل الشيخ خالد بن تونس للبشرية، اليوم الدولي للعيش معاً، الذي يحتفل به في 16 مايو من كل عام. في هذه المقابلة، يتحدث إلينا هذا الزعيم الروحي، والشيخ الرابع والأربعون للطريقة الصوفية العلاوية الدرقاوية الشاذلية، وهي سلسلة روحية غير منقطعة، تصل إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم؛ طويلا عن علاقتنا مع الله والقرآن.

- من خلال الأفكار المروجة اليوم، فإن صورة الإسلام والله عز وجل، قد طرأ عليها تغيير. إن الله يخيف. هل هو غرض الدين والقرآن أن نعيش في خوف؟

    بالتأكيد لا. فالعلاقة التي ينبغي أن تنبني بيننا وبين الله عز وجل، عليها أن تكون قائمة على التعبد وليس على الخوف. إنه لأمر خطير، أن تنقل هذه الأفكار من خلال الاعتماد على الآيات التي تتحدث عن الجحيم. لسوء الحظ، يقاد الناس الآن، من خلال الخوف. لقد أُجبروا على الاعتقاد بأن الله، بإسمه تعالى الصبور، ينتظر أدنى خطأ للناس، حتى يرسلهم إلى الجحيم. وقائمة الأخطاء والخطايا التي يذكرونها لا حصر لها. مع ذلك، جاء في القرآن الكريم، أن الله قد زيّن لنا بحب، الأشياء التي نرغب فيها (الآية 14 من سورة آل عمران)، وسمح لنا أن نأكل الطيبات، التي رزقنا إياها (الآية 81 من سورة طه).

    إن معنى الأكل هنا، أوسع بكثير من معناه الحرْفي. الشيء المحرم هو الطغيان. وضع الله فينا كل الاحتمالات والمعارف، وجعلنا مسؤولين، حتى نعيش في توازن. كل من يحمل الآن، صورة مظلمة عن الله والإسلام، فهو يعاني من مشكلة نفسية. إنه في غاية البعد. لو كان يعيش في توازن، لكان واثقًا ومطمئنا. المحبة ليست ذنبا. والمال أيضا. لماذا نخاف الله وهو خالقنا. لقد منحنا الله كل الحريات، لاستخدامها في هذه الحياة، ولكن كل شيء يكمن في الميزان، في مفهوم الإنصاف الدائم والتوازن.

- من الشائع اليوم، أن الأجيال الحالية، لا تملك القدرة على تفسير القرآن. لذا، من الأفضل أن يواصلوا باجتهادات علماء القرون السابقة. ماذا تقول؟

    و لكن لماذا؟ إنه عائق حقيقي في حصر تفسير القرآن وفهمه، على الأجيال السابقة. كيف يمكن للمرء أن يقول، أن إنسان اليوم، غير قادر على فهم رسائل القرآن، واستعمالها في صالح حياته وروحانية، بينما كان قادرا على الصعود على القمر؟ فيما تتفوق علينا الأجيال السابقة؟ هل كانوا يملكون عقلين؟ علاوة على ذلك، لم يزعم أي من هؤلاء العلماء والأئمة أن الحقيقة محصورة عندهم.  فالنص القرآني أبدي، وليس تفسيره.

    سيقضى عليه، إن قيدناه في الإجتهادات التفسيرية لفلان أو فلتان. وإن جهود هؤلاء الأشخاص هي نفسها جهودنا. تساءلوا. ونحن أيضا تساءلنا. حاولوا إيجاد إجابات. إجاباتهم ليست من القرآن. إن استشارتها جيدة، بل وموصى بها، ولكن بعين ناقدة، تأخذ في الاعتبار، السياق الحالي للأشياء. إذا لم نستخدم نهجنا التحليلي، فما الفائدة من الذهاب إلى المدرسة ومن ثم إلى الجامعة؟ إذا وجد هؤلاء الأئمة والعلماء أجوبة غير قابلة للنقد، ولا تعوض، فليس من المجدي أن نحاول تعلم القراءة والكتابة، ونعكف على إعادة حرفيا، ما قالوه بالضبط.

- هل لدينا الحق في انتقاد هذا التراث، الذي بُجل بالتقريب، بنفس القدر الذي بُجل به الكتاب الكريم، وتقديم رؤيتنا الخاصة وتفسيرنا الخاص للقرآن؟

    تماما! نحن في القرن الحادي والعشرين، وكلما ابتعدنا في الزمن، كلما أصبح هذا التبجيل هو القاعدة. كلما اقتربنا من المنبع، كلما لاحظنا روح الإنفتاح، لدى مفسري القرآن الأوائل، التابعين.

    لقد أجرى هؤلاء تحقيقا حول القرآن، لا يمكننا اليوم، الإتيان بمثله. هناك استثناءات، لكنها تظل مهمشة. لقد فقدنا حسنا النقدي، وأصبحنا مجرد منتجين لأفكار الآخرين. الآخرين الذين قد يكونون أشخاصًا غريبين عن الدين، لكنهم يبذلون جهودًا في حدود التفاهم، أو أصوليين ضد أي تغيير، حتى الإيجابي. وإن قبول هذا التيار الأخير، أمر لا يمكن تصوره. إنه شبه إنكار لعقلنا البشري. وإلا، لماذا أعطانا الله وظيفة التفكير.

- ماهي العلاقة التي ينبغي أن تكون بيننا وبين الكتاب الكريم؟

    هناك طريقتان لرؤية القرآن. إما أنه نص يرجع تاريخه إلى القرن السابع، موجه إلى أهل تلك الفترة، وبالتالي يصبح نصًا تاريخيًا يهدف جيل ذلك العصر. وإما أنه نص إلهي أبدي، موجه إلى جميع الأجيال، في جميع العصور. الأمر متروك لنا لاختيار طريقة النظر في الكتاب الكريم. إما نبجله إلى درجة عدم الاقتراب منه، ونتيجة ذلك، نبتعد عنه. أو على العكس من ذلك، نقربه منا ونعتبره حوارًا ودعوة أبدية ومستمرة، تأتي مباشرة من عند الله سبحانه وتعالى.

    الله حي، وكلمته ورسالته أيضا. القرآن نور، وهدفه الأساسي تنويرنا، ويكون لنا دعما، في التمييز بين الخير والشر. علاوة على ذلك، نجد من بين أسماءه "الفرقان". يدفعنا القرآن دائمًا إلى التساؤل عن أنفسنا وعن الخلق. في القرآن، يكلمنا الله، ويجعل الكثير من المخلوقات تتكلم، مثل الأرض والطيور والسماء والنملة. جميع الجهات الفاعلة في الكتاب الكريم تتكلم، حتى التي لا تتفوه بالطريقة العادية.

    القرآن لا يحتاج إلينا، ولكنه بالأحرى نحن الذين يحتاجون إليه كنبع للنور. نور للروح والقريحة والعقل. القرآن ليس كتابًا مخصصًا فقط، للشعائر العقدية والدينية. من بين 6236 آية يحتويها، هناك 350 آية فقط، مكرسة لهذا الجزء من الدين. دعونا ندرك الغباء الذي نصنعه. إذا ضمنا جميع القرآن في جزء واحد، لم يبلغ العشر، ماذا نفعل بالباقي؟ القرآن ليس كتاب تاريخ. انه لا يعطي التواريخ، ونادرا ما، أسماءا. هذا يعني أنه يعطي المثال فقط.

    قصة أهل الكهف، بعيدة عن كونها قصة بسيطة. تتحدث عن القيامة نعم، ولكن أيضًا عن شيء آخر أكثر عمقًا. إنه بالضبط عندما ندرك الحقيقة، نقبل بأن نعيش حتى معزولين عن ذوينا، وحتى محبوسين، حتى اليوم الذي يتعرف فيه الجميع على هذه الحقيقة. ليس لهؤلاء الأشخاص أسماء، وهناك شك حول عددهم. لماذا؟ لأن هذه التفاصيل ليست مهمة، بل هي الرسالة التي وراء القصة، وليس القصة نفسها.

    هذا هو الحال، بالنسبة للقصص الأخرى المذكورة في القرآن، مثل قصص الأنبياء والمرسلين. في سورة يوسف، لم تذكر أسماء إخوان نبي الله يوسف عليه السلام. لم يثر مكان محدد، كانوا يعيشون فيه. القرآن لا يهتم بالمكان. هذه التفاصيل التي لدينا اليوم حول هذه القصة، تأتي من جهة أخرى، وليس من القرآن. يهتم القرآن بجوهر الأشياء. بالفعل، فإن كلمة آية تعني مثال. من خلال الكتاب الكريم، يدعونا الله سبحانه وتعالى إلى استخلاص جوهر ما نقرأه، لدمجه في حياتنا.

- في النهاية، ما هو المطلوب لفهم القرآن؟

    قبل كل شيء، نحن بحاجة إلى سبب منطقي، وليس سببًا غير معقول، الذي يأخذنا إلى طريق خاطئ. بعد ذلك، يجب على المرء أن يفهم السياق التاريخي الذي جاء فيه القرآن. بمجرد الانتهاء من ذلك، تتضح ثلاث طرق لمقاربة الكتاب الكريم.

    في الأولى، هو جعل الأمر مقدسًا، إلى درجة قراءته بأحسن طريقة ممكنة، ولكن دون محاولة فهم الرسائل. في الثانية، أنا مؤمن، مثل الذي يقرأ القرآن بدون فهم. ومع ذلك، أعتبره نبعا غير منتهيا، يغذي ضميري، ويدعمني في سعيي وتطوري، في اليومي. في هذه الطريقة، لا أقرأ القرآن في الماضي، ولكن في الوقت الحاضر، كما لو كان موجها إلي. يصبح كتابًا شخصيًا يتحدث إلى القارئ. يصبح مثل الماء والغذاء للجسم، ويمثل القرآن جوعا وعطشا آخر للروح. روح تحتاج إلى غذاء من نبع مقدس يروي الإيمان. والطريقة الثالثة، هي للأشخاص الذين نالوا معرفة زمانهم. رؤيتهم للقرآن هي شيء آخر، وتأخذ في الاعتبار المعرفة المكتسبة. عندما يقرأونه، يقومون بمراجعة تاريخ البشرية، باستخدام سيناريوهات تتبع مراحل تكوين الضمير الإنساني. موسى وفرعون وجميع الجهات الفاعلة الأخرى، تعرض تأسيس جزء من الإنسانية.

    هذا النوع من القُراء، يستخرج من القرآن شيئًا آخر، غير مواصفات القارئَين الآخَرَين. نحن نحترم المواصفات الثلاث، ولا يُسمح بأي حال من الأحوال، أن تمنع مواصفة الأول الآخرَين، من اعتبار القرآن منبعا للنور في أرواحهم. القرآن هو تنزيل إلهي. ينبغي اعتباره كذلك، بالطبع، هو هنا لأجلنا، وبشكل يومي. ليس سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، سوى رسول هذا الوحي، ولكن المتلقي هو كل واحد منا. إنه حوار مستمر بين الخالق ومخلوقاته.

- إذا كان القرآن منبعا للنور، فكيف تفسر ظلامية المتطرفين؟

    السبب الوحيد هو التفسير الحَرْفي. مثل قول، أن الله لا يحب المرحين. غير صحيح على الإطلاق. في القرآن، هناك العديد من الكلمات والآيات التي تحفز القارئ على النظر في معناه المجازي. إن البقاء في التفسير الحرفي، يعني عدم الانتقال من خطوة القراءة الأولى، التي تعتبر هذا الكتاب مبجلا، إلى الحد، أنه يتلقى كما هو، دون التكلف بفهمه.

    قال صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، علي بن أبي طالب، لو شئت لأوقرت أربعين بعيرا من تفسير فاتحة الكتاب. كان الأصوليون والمتطرفون موجودين دائما. يجب أن نأخذ هؤلاء الأشخاص كنقطة إيجابية، ونعتبرهم دافعًا يدفعنا إلى التعارض مع تفكيرهم. يجب اعتبارهم بمثابة تنبيه، لنهج لا ينبغي سلوكه.

- وصل مؤخرًا ما يسمى بـ "الدينيين"، على استوديو تلفزيوني، إلى حظر استخدام التقنيات الجديدة، بما في ذلك "يو توب"، والشبكات الاجتماعية، عن الشباب. بالنسبة له، كان النبي محمد صلى الله عليه وسلم، سيمنع ذلك لو كان بيننا. ماذا تقول؟

    هل في زمن النبي صلى الله عليه وسلم، لم تكن هناك ثغرات صغيرة يمكن للمسلمين أن يفوتونها؟ بالنسبة لي، فإن ذلك النوع من الأشخاص ينكرون أنفسهم، ويعانون من مشكلة خطيرة. إن التحدث نيابة عن النبي صلى الله عليه وسلم، مجرد حماقة. من يعلم ما إذا كان محمد صلى الله عليه وسلم، كان سيستخدم هذه التقنيات الجديدة أم لا؟ لماذا الإنحشار في قضية مثل هذه؟

    استخدم النبي صلى الله عليه وسلم، الوسائل التي كان يمتلكها في ذلك الوقت. ارتدى ثياب تلك الفترة، وأكل ما كان موجودا أيضًا. ونفس الشيئ بالنسبة للعلاج. كل شيء مرتبط مع وقته. في قانون الأفقية، نحن مقيدون بعصرنا ولحظتنا، بكل ما يوفره من إمكانيات. لكن السؤال الرئيسي، ليس هذا.

    هدفنا الرئيسي هو التوجه نحو العمودية والبقاء فيها، والحفاظ على القيم التي جلبها لنا القرآن. إن الكتاب الكريم مختلف اليوم، عما كان عليه قبل 14 قرناً. لكن الرسالة هي نفسها: إنها تقريب الإنسان من الله عز وجل، وبالتالي تقريب الإنسان من الإنسان. إن التوجه نحو التسامح، وقبول الآخر، ونشر الخير في البشرية جمعاء، هي الرسالة الأساسية للقرآن الكريم.

- ماذا عن هذه الآية التي تقول أن الله لا يحب المرحين؟

    عند قراءة القرآن، يجب ملاحظة من تكلم. إذا كان هو الله عز وجل أو أحد الممثلين المذكورين في الكتاب. وإلا فإن الله يحب أن يرانا سعداء. ومع ذلك، ينبغي أن نبقى دائما في تواصل معه في جميع أحياننا. يقودنا هذا التواصل العمودي مع خالقنا إلى التدبير في مشاعرنا، واجتناب الإفراط. إنه يعطينا استقرارا ونسبية، تسمح لنا بتجاوز جميع مراحل الحياة، الطيبة أو الضنكة.

    إنه هذا التحكم في الأحداث، التي جاء بها القرآن ليغرسه فينا. بالنسبة لي، من الخطأ بمكان، التوجه للبحث عن أدلة علمية في القرآن الكريم. بالنسبة لي، من غير المفيد البحث عن إعجاز في القرآن، لأنه هو في حد ذاته معجزة. أي محاولة للبحث عن معجزات، لإثبات أنه كتاب مبجل وإلهي، يوحي أن لدينا شكوك، نريد تبديدها.

    من ناحية أخرى، فإن الشيء المفيد، هو تقديم عرض للقصص المقتبسة في القرآن، حول عصرنا. سأذكر على سبيل المثال، قصة النملة وجيش سليمان. هذا الأخير توقف وغير اتجاه جيشه بأكمله، فقط من أجل نملة. ماهو الجوهر الذي نستخلصه؟ الحفاظ على الحقوق حتى الصغيرة منها، ولو في حالة الحرب.

    لكل شخص الحق في أن يتكلم ويستمع إليه، وأن يُحمى. يكفي أن تقرأ، حتى تكتشف رسائل مذهلة. وإن منع الناس من فهم واستخلاص استنتاجاتهم وقراءاتهم الخاصة من الكتاب الكريم، يعني قطع الروابط بين الله عز وجل وبيننا، وتقييدنا بالرسائل التي فهمتها الأجيال القديمة. هؤلاء الناس، مثل ابن كثير الشهير، مدينون لنا، لكن اجتهاداتهم لا يمكن أن تكون المرجع الوحيد. هي مرجع من الآلاف من المراجع، بما فيها مرجعي. لقد وهبنا الله هؤلاء العلماء والمفكرين حتى تتواجد علاقة تبادل، وليست علاقة التابع والمتبوع.

- من خلال تبجيل كتب أسلافنا، لدرجة الخوف من إعادة النظر فيها، ألم نقع في نوع من الشرك؟

    لسوء الحظ. يدعونا القرآن إلى الإنفتاح أمام العالم، من خلال هذه الآيات وقصص الإنسانية. لم يكن هناك أي مقصود في حبسنا في أقوال وأفكار العلماء وأئمة القرون الماضية. حتى أن هؤلاء لم يقولوا أن اجتهادهم لا رجعة فيه.

    على العكس من ذلك. كان لدى الأجيال الماضية هذا الشعور بالنقد والبحث. في هذا المعنى بالتحديد، وجدنا في مدينة تلمسان مخطوطات مكتوبة في القرن الثالث عشر، تقول أنه كان يدرس في المسجد القديم للمدينة 17 مذهبا، من بينها مذهب لإمرأة. 17 مذهبا كان يدرس، في حين ينتشر اليوم سوى أربعة، ولا يعطى حقها في التدريس. وهذا يعني أن التفكير النقدي قد اختفى في الوقت الحاضر فقط. لا أتكلم على أساس القصص التي تم سردها، بل بالأدلة. هذه مخطوطات موجودة، وتتحدث عن تيقظ الأجيال التي سبقتنا.


الثلاثاء، 21 مايو 2019

المنتدى العالمي الأول للتعايش في قرطبة

ذكرى اليوم الدولي للعيش معا في سلام

المنتدى العالمي الأول للتعايش في قرطبة


    أهلتّ علينا هذه السنة ذكرى اليوم الدولي للعيش معا، التي توافق يوم 16 ماي، والشيخ خالد بن تونس، في مدينة قرطبة الإسبانية، يحيي مآثره، وينثر مغازيه في الخلق، فقد انعقد في الفترة الممتدة من 15 إلى 17 ماي 2019، بهذه المدينة، المنتدى العالمي الأول للتعايش، وأريد له أن يتزامن مع احتفالات اليوم الدولي للعيش معا في سلام، ووفقا لمنظمي اللقاء، فإنه سيحتفل بروح الأديان والثقافات لمدينة قرطبة التاريخية، ويبحث عن طرق لتحسين عمل، أولئك الذين عقدوا العزم على خلق مجتمع عادل وشامل، من خلال بناء الجسور وتبادل النماذج الناجحة. وتجدر الإشارة، أنه سبق المنتدى، ندوة للشباب، من 13 إلى 15 ماي، شارك فيها 30 شاب، تم اختيارهم لنشاطهم في مجال التعايش الإجتماعي، حيث وفرت لهم تدريبات مكثفة على الحوار بين الأديان والثقافات، وساهموا بالفعل في المنتدى نفسه، منتدى الكبار، وهي فرصة للتحسيس بالمسؤولية، ونقل قيم ثقافة السلام.


     أطلق مبادرة منتدى قرطبة، 22 عضو مؤسس، من مؤسسات وجمعيات، من بينها المنظمة الدولية الصوفية العلاوية (عيسى)، والكشافة الإسلامية الفرنسية، وحضر المنتدى أكثر من 100 شخصية، من 40 دولة، وشملت أعماله، زيارة إلى كاتدرائية مسجد قرطبة، ومنح جائزة للعمل في المعايشة.

    شارك الشيخ خالد بن تونس، في حلقة حوار، في صبيحة اليوم الثاني، تمحورت حول الدعوة إلى التعايش، ودارت مداخلته، "حيث سأتدخل بشكل أساسي، حول مشكلة العيش مع بعضنا البعض، وليس ضد بعضنا البعض"(1)

    وجاءت كلمة الشيخ مختصرة في المنتدى، مرافعا عن تربية السلام، ومنوها بمنافع العيش معا، ومنبها على أهمية استخدام وسيلة اليوم الدولي للعيش معا في سلام، محاولة لتغيير المستقبل، وخاصة عند الشباب. قال:

    سيداتي سادتي، صباح الخير.

     عزيزي جاك، شكرا لك على كل شيئ، وأعتقد أننا ممتنون لك كثيرا، لأنك جمعتنا، والحلم تحقق، من أجل هذه المدينة، التي تحبها كثيرا.

    سيداتي سادتي

    إن العيش معا إلزامي، وبشكل ما، فإنه يظهر علينا بعض التردد، نحن ندعيه، ولكن ينبغي عيشه، وعيشه هو مقاسمته. لا يقودنا العيش معا سوى إلى العمل معا والمقاسمة. والمقاسمة هي في حد ذاتها الحياة. وبناء أسرة هو فعلا عيش معا، بين رجل وإمرأة، وإنشاء مؤسسة، هو خلق شيئ ما مع آخرين، وتحصيل علم، يتم بين معلم وتلميذ، إلخ... تم إنشاء العيش معا من طرف الجميع، منذ البكتيريا حتى الجاذبية، التي تسمح للكون بالحفاظ على توازنه. لنرجع إلى عيشنا معا، الذي يثير انشغالاتنا الآن. أي عن حالة العالم. تخضع حالة العالم اليوم، حيث أننا لا نعلم ماذا سيحدث على المدى القصير. ربما سيعلنون لنا عن نزاع جديد.

     جئت من الضفة الجنوبية للبحر الأبيض المتوسط. لنكن واقعيين. دول الساحل تصاب الواحدة تلو الأخرى، هي بالكلية في وضعية مروعة. أما الشرق الأوسط، لست بحاجة لأرسم لكم صورة، فالحرب بشكل يومي. وأما أوروبا، قمنا بخطوة عملاقة، ولكن للخلف، للخلف بالكامل، عدنا نحو ما كنا نسميه، ليس بالوقت الطويل، الحرب الباردة. نحن مدعوين للمواجهة. سيصبح هذا العيش في كل يوم ذا أهمية كبيرة، وأكثر حيوية، للأجيال المقبلة، وأضف إلى هذا الجنون. للمجتمع المدني مسؤولية أمام الأجيال المقبلة، سنخضع للمساءلة، أبنائنا سيلعنوننا، لأننا نضعهم كل يوم، في وضعيات لا رجعة فيها. نحن نغرف من بحارنا ونستغل الأرض والهواء والمخلوقات، والنظام البيئي الذي يحفظ الحياة، نحن نعمل على القضاء عليه، دون مراعاة، ونخرق الحقيقة، وأكثر من ذلك، نروج الأخبار الكاذبة، نكذب على أنفسنا، ونخدع بعضنا البعض.

     ما هم الإنسان؟ هو قبل كل شيئ ضمير، وليس جنسية ولا دين. الإنسان قبل كل شيئ ضمير، وليس لون البشرة، وليس اللسان الذي يتكلم به، ويميزه. إنه أولا ضمير، ومن هنا ينبغي العودة إلى لب المشكلة، ونقول أنه يأتي من أعماق أنفسنا. لا نقوم سوى بالفرار من الواقع، الذي نعيشه، نهرب ونخاف من الحقيقة، لأن الحقيقة تفقدنا أعصابنا. تضعنا الحقيقة أمام أمر الواقع، أمام إنتكاساتنا وجنوننا. استثمرت 14000 مليار دولار في الحروب والعنف. ليست أرقامي، إنها أرقام الأمم المتحدة. في سنة 2018، استثمرت 1800 مليار دولار في شراء الأسلحة. فيما الحاجة إليها؟ ليس محبة في الأرض، ولا للعلاج أو التعليم. ويصبح العيش معا وثقافة السلام ضرورة. إن "أنا، نفسي" الذي تكلمنا عنه رائع، يخنقنا، ينبغي أن ندرك ذلك. عندما أقول بيتي أو بيتنا. فالأمر يختلف. عندما أقول جواري أو جوارنا. الأمر يختلف. عندما أقول بلدي أو بلدنا. هذا يختلف. وعندما أقول أرضي أو أرضنا. فهذا مختلف. هذا المختلف موجود في ضميرنا وحالة وعينا. ووضع الآخرين معي. ربما في النقاش نتقاسم تساؤلاتنا. شكرا جزيلا.

صورة لبعض الشباب ممن شارك في المنتدى

رسالة الشيخ خالد بن تونس

    هذه رسالة الشيخ خالد بن تونس، قدمها من قرطبة بإسبانيا، بمناسبة اليوم الدولي للعيش معا في سلام.

    مرحبا.

    من المدينة التاريخية والأسطورية لقرطبة، حيث قمنا للتو، بفتح المنتدى الأول للعيش معا في سلام، أبعث لكم تحياتي الأخوية، وأشجعكم على زرع بذرة السلام هذه، في ضمائر جميع شبابنا، وجميع أبنائنا، حتى يبنون مستقبلهم الواحد مع الآخر، وليس الواحد ضد الآخر. نحن بحاجة إلى الجرأة، نحن بحاجة إلى تجديد الصِلات، التي توحّد العائلة؛ العائلة الإنسانية. كيف نصالحها مع نفسها؟ ما الذي نعمله حيال هذا المستقبل، الذي يبدو لنا اليوم، أنه في خطر؟

    يمكننا جميعا، ذكورا وإناثا، كلٌّ بطريقته، تقديم مساهمتنا المتواضعة، حتى تتمكن إنسانيىة الغد، من أن تعيش وتأمل، في كنف العدالة والكرامة والإحترام والتضامن. أشكركم والسلطات التي رافقتكم للإحتفال بهذا اليوم عبر العالم، وأنتم كثيرون، في فرنسا والمغرب والجزائر، وأيضا في كابول وباكستان وأندونيسيا وإيطاليا وهولندا وألمانيا، وبالطبع، هنا بالأندلس، حيث رجالا ونساءا من كل المعتقدات، في هذه المدينة وفي هذه المقاطعة، قاموا للمرة الأولى بمحاولة العيش معا في سلام، وإنها كانت في مرحلة معينة من تاريخ أوروبا، المدينة التي كانت تشعّ بالعلوم والتسامح، وبالقبول والإثراء المتبادل.

    أتمنى – أن الذين تركوا لنا هذه الشهادة-، من خلال هذا المكان، هذا المسجد الكاتدرائية، حيث أكلمكم، أن تدرك إنسانية اليوم والغد، أنها تشكل نفس الجسد، وأن كل الأمم والتقاليد في تنوعها الثقافي، هي أعضاء هذا الكائن، الذي يسمى الإنسانية.

    يعود الأمر لنا، حتى نضع علومنا ومعارفنا وخصائصنا ومهاراتنا في تآزر، ونعمل اليد في اليد، في دائرة تقوم بدورة حول العالم، حتى تظهر في الأخير أرضا للسلام، وأرضا للأخوة. شكرا.


رسالة بابا الفاتيكان

     بمنتدى قرطبة، قرأ الشيخ خالد بن تونس على الحضور، الرسالة التي وردته من الفاتيكان، وجهها إليه البابا فرنسيس، بمناسبة اليوم الدولي للعيش معاً في سلام (JIVEP)، الذي احتفل به في جميع أنحاء العالم، في طبعته الثانية.


    المجلس البابوي
    الحوار بين الأديان

    إلى السيد حميد ديمو، رئيس الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المنظمة الدولية غير الحكومية.

     بمناسبة الاحتفال الثاني باليوم الدولي للعيش معاً في سلام، يود قداسة البابا فرانسيس أن يؤكد لجميع المشاركين في هذه العملية، صلاته وتقاربه الروحي. إنه يريد أيضًا أن يشكر الله على هذه المبادرة الجميلة والسعيدة، التي قامت بها جمعيتكم.

     يسر البابا فرانسيس أن الاحتفال بهذا اليوم يمكن أن يسهم، كل عام، في تعبئة جهود المجتمع الدولي من أجل السلام والتسامح والتكامل والتفاهم والتضامن. ويشكل الأمل في أن مبادرة أعضاء الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، يمكن أن تسمح ببناء الجسور بين الناس، حيال اختلافاتهم، والانتباه إلى الصغار والفقراء، وبالتالي تعزيز ظهور الإخاء العالمي الحقيقي، وحضارة للمحبة.

    مع هذا الأمل، يستشهد الأب الأقدس بصدق بركات الله تعالى الرحمن الرحيم، عليكم وعلى أعضاء المنظمة الدولية غير الحكومية عيسى، وعلى المشاركين في هذا اليوم الدولي للعيش معاً في سلام.

من الفاتيكان، 16 مايو 2019

الكاردينال بيترو بارولين، وزير الدولة.
ــــــــــــــــــــــــ

(1). الصفحة الرسمية للشيخ خالد بن تونس في شبكة التواصل الإجتماعي، (فايسبوك)،يوم 13 05 2019.

الأحد، 19 مايو 2019

لنتوقف عن اللعب بهويات قاتلة


الشيخ خالد بن تونس، الباعث لليوم الدولي للعيش معا

 "لنتوقف عن اللعب بهويات قاتلة"


reporters.dz، في 18 02 2019.
ليلى زعيمي.

مراسلون: أنت المرشد الروحي السادس والأربعون للطريقة الصوفية العلاوية، لأكثر من 40 عامًا. أنت إذن لديك عدة آلاف من المريدين. كيف تعيش تجربة الزعيم الروحي هذه؟

الشيخ خالد بن تونس: 40 عامًا بالفعل! نعم، هي في الآن نفسه قليلة وكثيرة. كثيرة بالنسبة لرجل، شاءت الأقدار الإلهية أن يولد في هذا البلد، وفي الوقت نفسه يكون الشاهد، رغما عنه، على أحداث سعيدة وتعيسة، مرَّ بها. في الواقع، لقد قضيت طفولتي في جو من اللطف، حيث تُعلم القيم والفضائل بكل صرامة وانفتاح، مما جعلني شخصا، اليوم، لا يحكم على إخوانه، بل يحاول فهمهم. وأنا بعيون الطفل، رأيت وشعرت بألم ومعاناة أهلي أثناء حرب التحرير. رأيت على بعد أمتار قليلة مني، أناس تقتل، معظمهم أبرياء. كان من دواعي سروري أن أعيش فرحة يوم 5 يوليو 1962، وشرف أن أكون أول طفل يتم اختياره، لرفع العلم الوطني للجزائر المستقلة. مثل الكثير من الشباب، في ذلك الوقت، حلمت بالحرية، واكتشاف العالم، بدءًا بعبور الطرق الجبلية المضطربة لمنطقة القبائل، العزيزة عليّ، وعبور التيطري، والتوجه مباشرة نحو الجنوب، ذلك الأفق اللانهائي. مندهش، مفتون، بتنوع بلدي، من كرم سكانه، والعظمة والكنوز الطبيعية التي تحويها أراضيه. 40 سنة! قليلة، لمعرفة وإدراك ما هي حقيقة شيخ، ذلك السيد المتعقل، الحكيم، الإنسان المتحقق روحيا، القادر على تقديم المشورة، وتوجيه أولئك الذين يأتون إليه. أعرف حدودي جيدًا، بما يكفي لعدم الوقوع في هذه الغطرسة المتبجحة.
مراسلون: كيف ترى اليوم دور الزوايا (المراكز الروحية)؟ بمعنى آخر، هل ما زالت هذه المراكز الروحية لها تأثير على المجتمع، وخاصة "جيل الشباب"؟
الشيخ خالد بن تونس: في عالم في أوج تحوره، يعمه الشك وعدم اليقين، وأصبحت الكراهية والتعصب أمرًا عاديا، والعنف والريبة أمرا شائعًا، وإدارة العالم موبوءة بالفساد المتجلي في الإثراء الفاحش، والسلب والتبذير التي يهدد بقاء الإنسان، وجميع النظم الإيكولوجية؛ فأي طريق نختار؟ أي طريق نتبعه؟ أي أمل ينتظره إنسان القرن الحادي والعشرين؟ يخبرنا الدين أن كل طفل يولد، دون تكييف ثقافي أو ديني أو فلسفي، بل على الفطرة، الخالصة من كل التغييرات. مثل صفحة فارغة من كتاب، تدرج ذاكرته وفقًا للسانه، والأخلاق والعادات، وحقيقة البيئة التي ينمو فيها. إن تربية الوالدين والمجتمع، من سيجعله، وفقًا للمعايير التي تمنحها إياه ثقافته، الشخص البالغ الذي سيصبح. هذا هو الدور التربوي والفكري والروحي، الذي تقوم به الزوايا في المجتمع. تُعد المراهق لإدارة باستقامة وشرف حياته، وعلاقاته مع أقرانه، إنها تربية الفتوة.
    إذا اختفت هذه الأماكن، الزوايا، كما يأمل البعض، فما الذي سيحل محلها؟ تقوم بدور الوساطة. طريقة هامة للتنظيم في مجتمعنا التقليدي، لتهدئة النزاعات وإدارتها، في بيئة محايدة وخارجة عن السلطة. لتختفي إذن، إذا لم تعد إلى أصلها، لتثقيف وتغذية الضمائر، بإسلام روحي وحر ومسؤول. أما بالنسبة للأجيال الشابة، التي تركت لمصيرها، بسبب إهمالنا، فإنها تبحث الآن، عن نموذج يلبي توقعاتها، في الحرية والكرامة والعدالة، وتطمح أن تكون محبوبة، حتى تحب وطنها بشكل أفضل. فمن خلال خطاب مكون من صيغ فارغة، وفتاوى قديمة، سلوك عفا عليه الزمن، يوصم دينهم، ابتعد أطفالنا عن التراث الروحي لأسلافهم. هل حقا نطرح مسألة هوية الجزائري؟ ما هي؟ عربي، بربري، مسلم، قومي، إسلامي أم عالمي؟ لماذا لا نضطلع بتاريخنا الألفي في كليته، ونبحث عن الذي يوحدنا، ويبني مجتمع العيش معا في سلام ونعمل معا، دون طابوهات أو تحامل؟
مراسلون: الشيخ بن تونس، "أنت تعمل من أجل نقل ثقافة السلام والعيش معًا، من خلال روحانية عالمية، تنير رؤيتنا، وتصالح الأسرة البشرية"، وفقًا لما قرأناه على غلاف كتابك "الإسلام والغرب، الدعوة للعيش معا". أين أنت في هذا المشروع العالمي؟

الشيخ خالد بن تونس: الكبرياء عيب أرفضه، لكني يمكنني أن أعترف اليوم، بأني فخور جدًا بأن بلدي، بعد كفاح شاق، تمكن من توحيد يوم 8 ديسمبر 2017، جوق الأمم. نعم، اعتمدت 193 دولة، في الجمعية العامة للأمم المتحدة، في دورتها الـ 72، بالإجماع القرار A / 72/130، الذي يعلن يوم 16 مايو، اليوم الدولي للعيش معاً في سلام. حقيقة نادرة في هذه الأيام. لنكن واقعيين. دعونا ننظر حولنا إلى حالة العالم. لنبدأ بالدول المجاورة، ليبيا، تشاد، النيجر، مالي، نيجيريا، السودان... أما بالنسبة للشرق الأوسط، فإن دول بأكملها تختفي. ويستمر هذا الإعصار يجر في طريقه بلدان أخرى في المنطقة، حتى آسيا. إن أوروبا، التي اعتقدنا أنها متحدة بشكل نهائي، تكتسحها القومية الشعبية، التي تضعفها أكثر فأكثر، متناسين كارثة الحربين العالميتين اللتين فجرتاها. للخلف بالكامل! نعود إلى سنوات الحرب الباردة، واقتسام العالم من قبل الأقوياء. ونحن، في كل هذا؟ إلى أين يذهب بلدنا؟ هل سنعود إلى العقد المأساوي؟ نتقاتل فيما بيننا؟ أو نتوجه بحكمة وتعقل، نبحث عن العلاجات السلمية، للحفاظ على الأرض والناس، من كارثة معلنة؟ نعم، لقد مر بلدنا بالعديد من المصاعب، لقد كان محتلا، خاضعا، بددت ثرواته. تمكن دائما من النهوض. مرارا وتكرارا، بعدما ساور اليأس، منحته العناية الإلهية فرصة، لكي يبعث.

    نفس هذا البلد روحية ومتمردة وغير خاضعة. فبمحبة، تعطي كل شيء، دون حساب. متهورة وكريمة، تغفر لمن أساء إليها. شيء واحد يثورها: الظلم. يا إلهي، كم هو جميل هذا الشعب، رجال ونساء، الذين يتجولون بالملايين، دون أن تسكب دماء أطفالهم، مرة أخرى في هذه الأرض المقدسة، الجزائر، والتي يقول شبابها بصوت عال وواضح "من الآن فصاعدًا، لن نهاجر، سنبقى". العدالة نعم! تسوية الحسابات، لا! يخبرنا الصوت المنبعث من وراء القبور، لأولئك الذين ضحوا بحياتهم، أن هذه الأرض ستعيش أخيرًا، وتعرف السلام. أما بالنسبة لليوم الدولي للعيش معاً في سلام، فمن حدث، يصبح كل يوم انطلاقة. مثال للإقتداء، في العديد من البلدان. ما عليكم سوى زيارة الموقع http://16mai.org، لمعرفة تأثير ذلك. أكتب هذا النص، من مدينة قرطبة التاريخية، حيث يتم تمثيل أكثر من 40 دولة، بواسطة شباب من 20 جنسية، في إطار "المنتدى الأول لقرطبة، المنتدى العالمي الأول للتعايش"، في الفترة من 15 إلى 17 مايو 2019هذه الأرض الأسطورية للأندلس، الشاهدة فيما سبق، في أوروبا القرون الوسطى، أن رجالا ونساءا من جميع المعتقدات، تركوا لنا ذكرى لحظة تاريخية، تطارد حتى اليوم ذاكرتنا، بين الأسطورة و الحقيقة، حين عرف المجتمع البشري، كيفية بناء العيش معا والعمل معا، سابق لأوانه، مآله إلى الزوال، إلى الأبد. كبذرة مزروعة، تنبت من جديد، وتنبض فيها الحياة. أما بالنسبة لسعادة السيد جون أورورك، الذي أشكره كثيرًا، قال "... هذا العام، أردنا أن نقيم صلة بين احتفالنا بيوم أوروبا، والاحتفال باليوم الدولي للعيش معاً في سلام، الذي سيعقد للمرة الثانية، في ظرف أسبوع بالضبط، 16 مايو..."(1). أما بالنسبة لمرصد الأخوة في فرنسا، فهذا ما يقول "بناءا على مبادرة من مختبر الأخوة، تقترح أكثر من 100 شخصية، أن يجعل من يوم 16 مايو (اليوم الدولي للعيش معًا)، يومًا فرنسيًا للأخوة. أن يكون يومًا وطنيًا للعمل والتوعية والتثمين والإنجازات الملموسة، للعمل مع بعضنا البعض، ونتشارك، كلما كان ذلك ممكنًا، مع منسيي الأخوة، الذين لديهم الكثير ليكشفوه لنا، عن إنسانيتنا". 

مراسلون: لقد عملت أيضًا من أجل المساواة بين الرجل والمرأة، للمضي قدماً نحو السلام. خطوة ليست شائعة جدًا من جانب الدينيين، الذي يلقون خطابًا عدائيًا ضد المرأة وتحررها في مجتمعنا. ما هو تعليقك على هذا؟

الشيخ خالد بن تونس: شكرا للدينيين. هل هم سواء؟ هل دين يضطهد نصف مجتمعه، يكون صحيحا؟ عندما نعلم حب النبي صلى الله عليه وسلم للنساء، وحنوه، ووصياه عليهن في خطبة الوداع الأخيرة بعرفات، وعندما قال "حبب إلي من دنياكم ثلاث، الطيب والنساء وجعلت قرة عيني في الصلاة". وضع المرأة بين الجوهر، بين مستخلص الوردة، وتسامي العبودية.

    بالصلاة. أي براعة! كره النساء، النبي محمد صلى الله عليه وسلم؟ وهو الذي يعقد جلسات خاصة لتعليم المرأة. وهل قمع المرأة بقدر ما قال "خذوا نصف دينكم من هذه الحميراء"! يتحدث عن السيدة عائشة. من بكى وهو يحتضن مرضعته حليمة، ووضع بردته أرضا، لتجلس عليها هي. من ذهب إلى حد الزواج من نساء من أصل يهودي، لتعزيز السلام بين المجتمعات؟ آه، كم نحن بعيدون عن هذه الثقافة المحمدية الأنثوية! وكم هو جهلنا وارتباكنا كبير، حول مكانة المرأة في الإسلام! التسامح هو قبول الآخر.
مراسلون: ما هي الرسالة التي ترغب في توجيهها للاحتفال بالذكرى السنوية الثانية للعيش معاً في سلام هذا العام، حيث نشهد استمرار التيارات والخطابات الجهوية "الحزبوية" و "الدوارية"، إن أمكن قول ذلك... متى سنفهم أن ذلك التنوع ثروة؟

الشيخ خالد بن تونس: دعونا نتوقف عن اللعب مع الهويات القاتلة. لنستبدل "أنا، نفسي" بـ "نحن، معًا". دعنا ننتقل من ثقافة الأنا النرجسية الحصرية إلى ثقافة نحن الجامعة.

    يصبح بلدي بلدنا، ومنطقتي منطقتنا، وجواري جوارنا، وأرضي أرضنا، وسمائي سماؤنا، وإلهي إلهنا... العيش معًا في سلام هو حالة كينونة، جودة وفضيلة تحررنا من عوائقنا العنصرية والقبلية والمجتمعية، ليفتح أنفسنا على الاستمتاع بوجود الآخر، من خلال تآزر المعرفة والعلوم والإخاء.

    ماذا يقول رسول الإسلام؟ "افشوا السلام واطعموا الطعام وصِلوا الأرحام وصَلوا بالليل والناس نيام". إذا كنا نريد حقًا بناء مجتمعنا، لنقم بخطوة خارج أنفسنا، نحو الآخر. ونضحي بهذا "أنا"، الذي يخنقنا ويفقرنا. يقول القرآن الكريم "ألم نشرح صدرك"؟ سورة الشرح، الآية 1. أم أنها فقط من أجل النبي صلى الله عليه وسلم؟ فأما بالنسبة لنا، فنحن نتفوق في الإنغلاق، ثتائي القفل، إذا لزم الأمر. جدران أعلى بشكل متزايد، وأبواب حديد مزدوجة، وأسلاك شائكة على أسطحنا. وأما بالنسبة إلى قلوبنا، فإن الله وحده يعلم في أي حالة من الإنغلاق هي.
مراسلون: هل تعتقد أن الحركة الشعبية الحالية، سيكون لها تأثير إيجابي على القيم الإنسانية الجزائرية، مثل التسامح وقبول الآخر؟ إذا كان الجواب نعم، كيف؟

الشيخ خالد بن تونس: لا تسألني هذا السؤال. اسأل العالم الذي ينظر بالعدسة المكبرة عما يفعله هذا الشعب الجزائري، وينتظر فقط الفرصة غير المتوقعة، ليرى ما الخطأ الذي يمكن أن يدخل إصبعه الصغير، وسوف تجد إجابتك.
مراسلون: أظهر طلاب جامعة الجزائر 2، مؤخرًا، سلوكا عدم تسامح تجاه الذين لا يصومون. ما تعليقك على هذا الحادث؟

الشيخ خالد بن تونس: يعود شهر رمضان المبارك، كل عام لزيارة ضمائرنا وتجربتها. وإذا تحدث، فماذا 
يخبرنا؟ لماذا تصومون؟ هذا في رأيي، هو السؤال الذي يطرح نفسه.

    عندما ننسى أن الصيام، يأتي ليعلمنا البحث عن نقص، ليس فقط نقص الطعام الذي يختبر أبداننا، بل قلة المعنى الروحي لحياتنا. لماذا نولد؟ لماذا نعيش؟ لماذا نموت؟ إذا علمنا أطفالنا أن يتساءلوا عن أركان وقواعد الإسلام، فليس الصوم فقط، الذي سيكون موضع التساؤل، بل القواعد الخمسة التي تبنيه... "لا إكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي". سورة البقرة، الآية 256. أما بالنسبة لأولئك الذين، من خلال تصرفاتهم، يريدون الإستفزاز، ما الذي يخفونه وراء هذا الموقف؟ إذا لم يطيقوا الصيام، فلماذا لا يأكلون في منازلهم؟ وإذا كانت مشكلة الإيمان، فهم أحرار في اختيار طريقهم، يكونون صادقين، ويقولون ذلك علانية. أما بالنسبة للرقابة، لم نصل بعد، الحمد لله، في بلد توجد فيه شرطة دينية عقابية لخلاص الجميع. دعونا نعطي معنى لسلوكنا عندما يتعلق الأمر بالعلاقة، بيننا وبين المطلق. الله سبحانه وتعالى هو القاضي الوحيد لمخلوقاته. "وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما". سورة الفرقان، الآية 63.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). خطاب سفير الاتحاد الأوروبي جون أوركي، بمناسبة يوم أوروبا يوم 12 مايو 2019 في الجزائر العاصمة.