الثلاثاء، 9 أكتوبر 2012

إدارة الوقت و قضايا الساعة

إدارة الوقت و قضايا الساعة


الشيخ خالد بن تونس في حوار إذاعي.
   
    نزل الشيخ خالد بن تونس ضيفا على إذاعة "باستل أف أم" بمدينة روبي، بمقاطعة " لونور"، الواقعة في الشمال الفرنسي، يوم الجمعة 28 سبتمبر 2012. حوور في برنامج يسمى "النبؤة" حول عدة مواضيع منها أحداث الساعة، مثل الفيلم الذي وصف بالمسيئ للنبي صلى الله عليه و سلم، و الرسومات الكاريكاتورية المنشورة. كانت بداية المداخلة مع الكتاب الذي يشرح إدارة الوقت عند الرسول صلى الله عليه و سلم من إنتاج باحثين أمريكيين.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

الصحفي: صباح الخير، السلام عليكم، اليوم برنامج نوعا ما خاص ، ككل أسبوع جرت العادة أن ندعو عدة متحدثين، غالبتهم من أهل المنطقة، وهنا معنا ضيف شرف، يسعدنا و يشرفنا أن يكون بيننا. الشيخ خالد بن تونس السلام عليكم و مرحبا بكم عندنا.

الشيخ خالد بن تونس: و عليكم السلام ، شكرا.

الصحفي: إنه من دواعي سروري أن نستقبلك. طوال البرنامج، سنناقش عدة مواضيع. شرف كبير لنا أن نستقبلك... قد كنتَ بإيفيان هل هذا صحيح؟

الشيخ خالد بن تونس: تماما، أقيمت هناك ورشات الأرض. كل سنة في شهر سبتمبر يلتقي أخصائييون من كل العالم، ليقدموا الحصيلة السنوية للأرض، أي الذي حدث في مجالات عديدة منها التلوث، و الزراعة، و العمران، و الفياضانات، و يتكلمون كذلك عن الجوائز، سواء كانوا باحثين أو طلبة شبان، لهم ما يقولونه لنا في مشاريع طوروها أو تقنيات في المجال الزراعي. عندما نقوم بحصيلة للأرض أو قبل ذكر ذلك، فإننا نتواجد أمام هذه المشكلة، هل يجب أن نعترف بالإخفاق؟ النظام كما هو عليه اليوم، سواء كان غربيا أو شرقيا. نحن نركب نفس السفينة، هذه الأرض، هذا المركب، هذه الجنة، هذه الأرض التي نعيش بها بلا ثمن، أين قدرت الإرادة الإلهية بالنسبة للمؤمنين، أن يكون الإنسان خليفة الله و يتصرف كما ينبغي في هذا الإرث الذي منح له. رغم ذلك، قد تحولنا شيئا فشيئا بفعل المصالح  و الربح المادي الدنيئ إلى مفترسين. نحن بصدد رهن الأرض للأجيال القادمة. 

الصحفي: شكرا، ستكون لنا الفرصة للرجوع إلى ذلك طوال البرنامج، لتسمح لنا، كي يعرفك مستمعينا، سأقدم نبذة سريعة عنك. لمن لا يعرفك، خالد بن تونس، أنت شيخ الطريقة العلاوية، و الرئيس المؤسس لعدة جمعيات، مقرها بأوروبا، نذكر منها خاصة، الجمعية الدولية الصوفية العلاوية (عيسى)، و أيضا أنت مؤسس الكشافة الإسلامية الفرنسية. بالجزائر لديك جمعية الشيخ العلاوي للتربية و الثقافة الصوفية، و جمعية الشيخ العلاوي لإحياء الثرات الروحي بالمغرب، و المؤسسة المتوسطية للتنمية المستدامة بالجزائر، و جمعية علاج النفس، معروفة بأروبا، و  كذلك جمعيتي أحباب الإسلام و أرض أوروبا.

الشيخ خالد بن تونس: أنا مندهش عندما أرى أن البعض بإمكانهم إدارة وقتهم، فأنا في مقاومة دائمة مع الوقت، و لما نعلم كيف عرف محمد صلى الله عليه و سلم إدراة الوقت. في التراث الإسلامي، لنرى الصلوات الخمس، و نطرح هذا السؤال، فبين كل صلاتين، ما الذي يجب أن أفعله، حتى أتقدم إلى الصلاة المقبلة أمام الله. إدارة الوقت سجلها الإسلام في قواعده، و في طريقة رؤية العالم. لهذا نجد أن الحضارة الإسلامية، كانت منذ البداية حضارة رياضية، كان الفضاء و الزمن بالنسبة لهم شيئ نفيس، و ضعوا رسالتهم في الزمن. أما اليوم، عندما نرى الحضارة الإسلامية و المجتمع الإسلامي، لسوء الحظ، هذه حقيقة لا نستطيع إخفائها، فالوقت أكثر إحتراما في المجتمعات الغربية مما هو عليه عند المجتمعات الإسلامية. في يومنا الحاضر، عند تحديد موعد لا نكون أبدا في الوقت المحدد، و رغم ذلك فنحن الحضارة التي أنتجت هذه الحكمة التي تقول " الوقت سيف إن لم تقطعه قطعك ". وضع الرسول صلى الله عليه و سلم إدارة للوقت في علاقاته الشعائرية، أي في كل ما يخص الصلاة، و ليس فقط هذا، كان لديه وقت لعائلته، و وقت للديبلوماسية، و وقت للتعليم، و كذلك وقت للعب مع أطفال المدينة المنورة، و المدهش أن هذا الكتاب حول إدارة الوقت عند النبي صلى الله عليه و سلم كتب من طرف أمريكيين و ليس من طرف مسلمين، إنهم باحثين و جامعيين أمريكيين قاموا بهذه الدراسة الإستثنائية جدا، تظهر كيف أدار النبي صلى الله عليه و سلم الوقت في عصره، الأمر الذي نجهله اليوم، و لاننسى أنه رغم ذلك، فإن هارون الرشيد خليفة المسلمين في العصر العباسي، أهدى أول ساعة إلى شارلمان إمبراطور أوروبا في ذلك العصر.

الصحفي: ماذا نتعلم! الأمر مفاجئ.

الصحفية: بالضبط، ما هي أسرار إدارة الوقت؟ نحن و مستمعينا نشعر أننا نسعى على الدوام إلى مضاعفة النشاط بدون توقف، ليس لدينا الوقت، مثلا، لقضاء بعض الوقت مع العائلة. نحن نعمل كثيرا، و على نحو متزايد. ماهي هذه الأسرار و هذه القواعد؟

الصحفي: و لدينا السيارات و القطارات.

الشيخ خالد بن تونس: لنرجع إلى طريقتنا في رؤية الوقت و فهمه، فهذا أسلوب للتعرض له نفسيا. ما هو الوقت؟ هل هو فقط معطى نسبي أو في نظرنا هو معطى ذو قيمة، يجب الإستمتاع به كلية. لا يمكننا الإستمتاع بالوقت إلا إذا تم تضميننا في الوقت الحاضر. أن نكون في الحاضر كلية. مثلا، لدينا اليوم السيارات و الطائرات، و غير ذلك.. يقول لنا كبار الباحثين أننا في العواصم الكبيرة، نسير ببطئ. في العواصم الكبيرة مثل ساو باولو أو نيويورك أو باريس، نسير أبطأ مما كانت عليه عربات القرن التاسع عشر، نقوم اليوم بـ 20 كم/سا ، و إن عربة القرن التاسع عشر كانت تقوم بـ 24  كم/سا، فقد تراجعنا في طريقة سفرنا باستعمال وقتنا في التنقل، فهذا غير عادي. هذا ما أعلمنا به الباحثين. اليوم سرعة السير في المدن الكبيرة و المجموعات السكنية في نقصان متزايد. المدن التي كانت تتطلب ساعتين لعبورها، فاليوم ضوعفت المدة إلى ثلاثة أضعاف، حيث يجب ست ساعات لعبور لوس أنجلس، و من قبل كانت تعبر في ساعتين. هذا هو النظام الذي وضعنا فيه أنفسنا، وضعنا أنفسنا في موقف أصبح الزمن يعني المال، في حين أن الزمن في المجتمعات التقليدية، كان مسخرا للمعرفة، معرفة النفس، و معرفة العالم، و معرفة البيئة. كانت المجتمعات التقليدية تعطي للزمن أهمية كبيرة لأنها كانت تعيشه أولا في الحاضر. قال رسول الله صلى الله عليه و سلم " صل صلاة مودع " (1). كأنك لن تصلي بعدها، أعطي لصلاتك هذه من الأهمية، ربما تكون الأخيرة. أعطي أهمية لهذا اليوم على مستوى الشعور. علي أن أرى على مستوى الشعور فيما كرست يومي، و ما الذي عملته فيه. يومنا مكرس لسباق نحو الأبدي ضد سعي وراء وهم.
   
    توجد قصة صوفية. يحكى أن يوما خرج راعي بغنمه فوجد إمرأة جميلة جالسة على صخرة، فسألها مندهشا، ماذا تفعلين هنا يا سيدتي، فأجابته إني أبحث عن زوج، فقال، أنت المرأة الجميلة، في ثياب فاخرة، و المتجملة بكل هذه الحلي و تبحثين عن زوج، كيف تريدين أن يكون هذا الزوج، قالت، لا يهم شخص يريدني، قال، و هل تقبلين براعي مثلي كزوج. قالت، طبعا. قام الرجل فرحا، بإرجاع قطيعه إلى مالكه قائلا له، لقد أعدت إليك غنمك. قال له، و لماذا أعدته، عد بالقطيع لماذا رجعت، قال، كفاني، حياتي كراعي إنتهت، قال له، لماذا، قال، إني وجدت إمرأة ذات مال و جمال، تريد الزواج مني. هنالك اندهش المالك و قال له، أنت تحلم أين توجد هذه المرأة، قال، هي تنتظرني في المكان الفلاني، عندما رأى المالك، الذي يملك الأراضي و ذو ثروة، و يعمل عنده الراعي، عندما رأى المرأة، قال له، هي ليست لك، يستأهلها رجل مثلي له موارد. فبطبيعة الحال، وقع بينهما نزاع و تخاصما و و قفا أمام القاضي. طلب القاضي رؤية المرأة، و عندما رآها قال، هي ليست لك و لا له، فهي لي، أنا القاضي، لي الحكم و السلطة. و صل الأمر بينهم إلى المثول أمام الملك، السلطة العليا، هو كذلك عندما رأى المرأة وقع في حبها، فهي مرغوب فيها، قال، إسمعوا، هذه المرأة ولدت لتكون ملكة. في هذه اللحظة تكلمت المرأة و قالت، إسمعوا، أنتم كلكم متنازعون مع بعضكم البعض، سأقترح عليكم حكم. قالوا، ما هو؟ قالت، سأسير أمامكم و الأول فيكم من يلقي القبض علي، يكون زوجي. سعى كلهم وراءها، و يبدو أنه حتى اليوم يجرون وراءها، و لا واحد منهم استطاع القبض عليها. هذه المرأة تسمى "دُنيا".

الصحفي: بعد وفاة أبيك سنة 1975، دخلت الجزائر و أخذت الوقت الكافي لتتكون، ثم عدت إلى فرنسا. عندما ذكرتُ ترجمة حياتك قلتُ أنك شيخ الطريقة العلاوية. هل يمكن أن تشرح لنا معنى ذلك؟ و ماذا يعني أن تكون صوفيا؟

الشيخ خالد بن تونس: أجهل ذلك، لا أدعي أني صوفي، كما يقال عندنا إني متصوف و أريد بلوغ مقام الصوفي. لأن مقام الصوفي هو حالة كينونة، و الصوفية عباد يعيشون في سلام، وصفهم الله تعالى " وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونا و إذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما ". القرآن الكريم. إنهم رجال السلام، الذين يفشون السلام حولهم، في كلامهم السلام، و السكينة، يتخذونهم الناس معالم، ليمكنوهم من تحقيق السكينة في حياتهم. بمأن الحياة الأرضية كارثية، هي مليئة بالإمتحانات، فنحن ممتحنون بالزمن و الأصدقاء و الأولاد و الزوج و العمل و الأمراض، نحن ممتحنون على الدوام. بطبيعة الحال، توجد أوقات للفرح و السرور، و لكنها زائلة أو عابرة. نؤمن بالثروة و الشباب و الجمال، كل هذا ينتهي بالتلاشي و الزوال، و ماذا يبقى لنا؟ يبقى لنا الوعي. يدعونا التصوف إلى هذا المستوى. ماذا ستفعل بحياتك، هذه الهبة التي منحها الله لك، لتسخرها لنفسك و لمن حولك؟ فيما ستفيدنا الحياة؟ هل نحن هنا للتعارف؟ لأن " من عرف نفسه عرف ربه ". هذا ما يفيدنا به هذا الحديث و هذه الحكمة للرسول صلى الله عليه و سلم، معرفة النفس كي تصل إلى معرفة الرب. أي أن تكون مؤهلا لتتمكن من الرؤية في الآخَر، الوجه الآخر لله "أينما تولوا فتم وجه الله ". القرآن الكريم. هل نحن قادرون على الرؤية في الخليقة سواء كانت إنسانية، أو حيوانية أو نباتية، تلك البصمة التي تدعونا إلى الجمال الإلهي و الرحمة الإلهية، و تدعونا دائما للقيام بجهد كي نتمكن من تخطي عنفنا و حقدنا و غيرتنا و ضعفنا، و التي تساعدنا دوما على القيام بخطوة إلى الأمام، و أن نكون بأحسن حال مع أنفسنا و مع الآخرين و أن  نترك أثر و شهادة على الأرض تسمح بالشهادة، أن هذا الإنسان لم يدع وراءه فتنة و أقوال تؤدي إلى صراع بين الناس، بل عمل في حياته، مهما كانت قصيرة، لنفسه، و للذين كانوا حوله. فهؤلاء حاولوا أن يعيشوا أوقات سلام و صدق، و أوقات لم يكن من الضروري فيها الظهور بل الكينونة.
   
    يتلخص التصوف في تربية و حالة شعور غير أنانية و لا شخصية، تتواجد في الكرم، كرم الهبة، كرم إعطاء إبتسامة، فالإبتسامة ليست غالية، إبتسامة في وجه الجار، و وجه كل إنسان، و في الحفاظ على خلق الله، و أن يكون المرء غير مفترس،  لا يفكر سوى في مصلحته، و حتى الذي يفكر إلا في مصالح عائلته أو قبيلته أو بلده أو دينه، فهو منحصر في الرحمة الإلهية و الحقيقة الإلهية. تحتضن الحقيقة الإلهية الكل، تحتضن الأرض و السماء و الكون. هل نحن قادرون على بلوغ هذه الحالة من الشعور، التي نحن مستدرجين فيها إلى المعرفة و التعرف و الشعور و الحياة، و التي انبعثت منا على شكل رحمة في صورة الرحمن الذي خلقنا.

الصحفي: شكرا جزيلا. لتعميق هذا الموضوع، أقترح على مستمعينا أن يقرأوا لك، لقد كتبت سنة 1996 "التصوف قلب الإسلام"، و لك كذلك "علاج النفس" و " الإنسان باطنيا على ضوء القرآن"، صدر سنة 1998. نقوم باستراحة و ندخل بعدها في الجزء الثاني من البرنامج.

الصحفي: في الجزء الأول من الحصة، تكلمنا على أهمية الوقت، و قدمنا التصوف...
    في الجزء الثاني. يعاتب على الصوفية أنهم يعيشون خارج العالم و لا يهتمون بشؤونه، و ليس لهم رأي فيما يحدث. سنطرح عليك أسئلة عن الأحداث و تعطينا رأيك و توضيحاتك فيها. سؤالي الأول حول موضوع راهن ساخن، مثل الكل، تابعتَ الأحداث و شاهدت ما حدث هذه الأيام نتيجة الفيلم الذائع، الكل متفق على وصفه مسيئ و مهين، أفرز عدة تفاعلات في الدول العربية و في الغرب كذلك، عند المسلمين. ما هي ردة فعلك حول هذا الفيلم و حول ردود المسلمين؟ و في نفس الوقت حول نشر رسومات كاريكاتورية من طرف جريدة "شارلي إيبدو". ما هو موقفك من هاتين الحادثتين؟   

الشيخ خالد بن تونس: أولا. كان سؤالك، هل يهتم التصوف أو شخص من طريقة صوفية بمشاكل العالم أو يتهمش؟
    
    هذا كذب، بالكلية. الفرق، على كل حال، أتكلم عن نفسي. فإني أهتم بالأمور الجوهرية، و هل هذا أمر جوهري؟ نتكلم عن فيلم، و هل هو موجود؟ أو إنه سوى دعاية و بعض الصور أرسلت بواسطة الأنترنيت. لا نعرف شيئ عن هذا الفيلم، و الكثير ممن خرجوا إلى الشوارع، سواء بكراتشي أو بمكان آخر، هل رأوا شيئا من هذا الفيلم، حتى يقولون أنه يوجد فيلم يسب في شيئ الإسلام، أو رسول الإسلام صلى الله عليه و سلم. ما هو سلوكنا نحو الرسول صلى الله عليه و سلم؟ أنا أعرف رسولي، و أعرف ما قام به، و الإنسانية كلها تحييه. ليس أن غبيا في مكان ما بأمريكا نشر هذا أو ذاك أنزعج في شيئ، و إني أعرف شخصيا نبيي، أولا بالمحبة التي أحملها له، و شرف الإنتماء إلى أمته، و خاصة ما قدمه للإنسانية. هو الذي قال " لا فرق بين عربي و أعجمي إلا بالتقوى "، و قال " الناس سواسية كأسنان المشط" (2). جعل المساواة بين الناس قبل أن تقرر في مبادئ حقوق الإنسان، هو شخص شرّف بفكره و رسالته و شفقته. فيه يقول القرآن " و ما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ". القرآن الكريم. لا أرى أي سبب، فجأة، يُسخر العالم العربي في كل مرة من طرف أناس لا يريدون له الخير، و يقع بالضبط في الفخ الذي نصبوه له. في كل مرة لدينا قتلى و جرحى و تحريض. من وراء هذا التلاعب ؟ و لماذا؟ هذا هو السؤال الحقيقي. من يقوم بالتلاعب بالعالم الإسلامي لوصمه بالعار، قائلا، انظروا إلى هؤلاء الناس، فهم ليسوا متحضرين، لا يقبلون الإنتقاد. أنا آسف، موقفي هو ما هو عليه.
    
    بهذه الجريدة، أرادوا أن يستهزؤا بالرسول صلى الله عليه و سلم، فاستهزأوا بأنفسهم. في ماذا نزعوا عظمة الرسول صلى الله عليه و سلم، و كُتاب مثل "لامارتين" و "فيكتورإيغو" و "هنري لي" ذكروه بموضوعية. يجب قراءة سطور لامارتين. و لماذا لا نتكلم عن لامارتين الذي كتب عن الرسول صلى الله عليه و سلم أشياء عظيمة، أو "فيكتور هيغو"، أو "غوت" و كتاباته و مسرحيته عن الرسول صلى الله عليه و سلم، لماذا لا نتكلم عن أناس يمثلون ضمير الغرب و صنعوا فلسفة الغرب، و أقوال "نابليون" في النبي صلى الله عليه و سلم.
    
    إني متواجد أمام هذا المشكل، و لا أستطيع، و هذه الحقيقة، ضمان هؤلاء المسلمين، أو يفترض أن يكونوا مسلمين، الذين يثورون و يخلقون في الأمة هيج عام مستمر، ليثبتوا لباقي العالم نوع من الإنقطاع عن باقي الإنسانية. إنها أمور دنيئة جدا، و إعطائها الأهمية هو من الدناءة بمكان.
    
    أنا أحب رسولي و أحترمه. فكل واحد يطرح السؤال على نفسه، أين توجد المحبة التي يحملها للرسول صلى الله عليه و سلم، و لا ننسى القصة، أو من يعرفها، كان عمه ضده و سبه، جزء من عائلته كان ضده، فقريش قبيلته رفضته و حاربته، و حتى أنهم قتلوا عمه حمزة رضي الله عنه. و نحن في علاقتنا مع رسول الله، و آل بيته، ألم نهدم قبر زوجته خديجة و دمرنا قبر حمزة و السبعين شهيد لأحد، و طمسنا آثارا بليبيا، بمصراتة و طرابلس، طمسنا معالم. من تكلم؟ من أثار القضية؟ نحن نحب الرسول و نكره آل بيته، نهدم المعالم التي هي ذاكرة ما نحن عليه، و ذاكرة ماجئنا منه، و نحرض الناس في الشوارع، و نخفي  الذين يدمرون الآثار، التي هي بالنسبة لنا معالم تراثنا الروحي و الثقافي و الشعائري. انتظروا، هناك شيئ ليس على ما يرام. نقوم بلعبة، يُتلاعب فيها بنا لأننا في الجهل. للأسف، تجاهلنا تراثنا و تاريخنا، و نسينا من أين جئنا، سنكون رهانات كل من يريد ضياعنا.

الصحفي: شكرا على التوضيحات و على هذا الموقف.
جريدة "شارلي إيبدو" نشرت رسومات كاريكاتورية عن الرسول صلى الله عليه و سلم. هل صدمتك؟ و ماهو موقفك من حرية التعبير؟

الشيخ خالد بن تونس: إسمعوا، لم أراها، بصراحة. حاولت مشاهدة الفيلم، إعتقدت بوجوده، فلم تكن سوى إشاعات كاذبة. جريدة "شارلي إيبدو" نعرفها، مستفزة، لا تعود إلى اليوم، ليست الأولى ، ولن تكون بلا شك الأخيرة. إذا ارادوا أن يبيعوا أوراقهم فليبيعوها، قلتها في البداية، أرادوا أن يستهزؤا بالرسول صلى الله عليه و سلم، فاستهزؤا بأنفسهم.
    
    أقول أنه العكس، فإننا نحضر إستهزاء بحرية التعبير. إنه العكس، ليست هي الحرية. هل حرية التعبير اليوم بفرنسا في خطر؟ لنكن جادين، نحن في بلد الحرية، إذا كان عندنا رسامين و جرائد قادرة على وضع رسومات كاريكاتورية حول "شارلي إيبدو"، لما لا؟

الصحفي: يوجد ذلك، "شارلو إيبدو" بالأنترنيت.

الشيخ خالد بن تونس: هكذا، شارلو، شارلي إيبدو، لما لا، هي لعبة، قد تكون غير حقيرة، الأمور الجوهرية لا تتواجد هنا، فالعالم في مكان آخر، و التحديات و الرهانات تتواجد في مكان آخر، نقوم بتسلية العرض كأننا أطفال، يقدمون لنا عرائس قرة قوز لصرف إنتباهنا عن المشاكل الحقيقية التي تهز الإنسانية.
    
    نحن أمام نهاية نظام، إفلاس نظام، و ليس لنا من مخرج إلا بتغيير جذري. يجب أن نتبدل كلية، و نبني مجتمع التعايش الواحد، هذا هو تحدي اليوم و الغد، أن نجتمع بدون أن نتشابه. كيف نبني مجتمع التعايش يسود فيه الإحترام فيما بيننا ، و نتعامل مع بعضنا البعض بكرامة، و تشملنا الشفقة و يعمنا التبادل. فهذا من مصلحة الجميع. جئت إلى (لونور) لأتبادل، رأيت جمعيات و أشخاص لهم أشياء يقدمونها و يتبادلونها معنا، تعني الجزائر و المغرب العربي، في إطار تبادل تقنيات و حلول حول الري و البناء و الطاقة، لأن هذا ما يجب أن يهتم به كل إنسان لبيب و حكيم اليوم، يحاول أن يجد حلولا، و لا يدخل في جدال عقيم غير مجدي، يشل و يرهق الحياة. منذ الصباح الباكر، أولى الأخبار التي نسمعها، أخبار سلبية تحدث التكزز، مشاهد القتل و الدم، و لكن يوجد أشخاص يعملون. رأيت طائرات تطير بدون وقود، بالطاقة الشمسية، و حضرت تجارب إعادة إزهار الصحراء بوسائل تقنية بسيطة، و رأيت أراضي سقيت بماء البحر، و رأيت عملية توليد الكهرباء بقارورات بلاستيكية و الماء و بعض المكونات، و الحصول على كهرباء بأشياء بسيطة. أناس يُفكرون في مسألية الإنسانية، و يهبون معارفهم و علومهم ليقتسموها مع آخرين، و إنقاذ ما يمكن إنقاذه، لأن كل سنة تمر، و كل يوم يمر لا يعود، سواء في حياتنا أو في حياة الأرض. قد تحولنا إلى مفترسين و قتلة جنسنا البشري، نحن بصدد رهن مستقبل أولادنا، مثلما قال "سان إكسيبيري" " نحن لا نرث الأرض من أجدادنا، نحن نستعيرها من أطفالنا".
    
    اليوم، تدمر الأنظمة الإقتصاد، سواء في الغرب أو في الشرق، و يقودوننا مباشرة إلى الجدار، و الكل يعلم ذلك. فقط إشكالية النفايات في العالم، مشكلة لا تحتمل. إذا كشف للناس كل ما يجري خلف كل السخافات التي تخفي الحقيقة، و ما هي إلا تشويش، يمنعنا من التفكير السليم لإعادة خلق أمل لأطفالنا و شبابنا و جعلهم متآزرين فيما بينهم كدائرة، كل نقطة فيها متآزرة مع الأخرى لتشكيل العجلة التي تسمح بمرور الطاقة، مرور المعرفة، و حتى النقطة الموجودة بخلافك تنتمي إلينا.
    
    الإنسانية واحدة. يقول الرسول صلى الله عليه و سلم " كلكم من آدم و آدم من تراب". هو من شجعنا  لهذه الأخوة، يقول القرآن " لقد كرمنا بني آدم "، بدون إستثناء، فمن يعمل خيرا أو يعمل شرا، فهذا ليس من شأني، و كذلك بالنسبة لمن هو مؤمن أو غير مؤمن، فهذه ليست مسألتنا، فالأمر بيد الخالق. كل واحد منا، لا يعرف كثيرا كيف برمج للمجيئ إلى هذا العالم، من الذي أراد ذلك؟ هل هم الوالدين؟ و الوالدين من أرادهما؟ من بداية الخلق إلى بداية الإنسانية، لا أحد له يد في ذلك. توجد قدرة تتجاوزنا كلنا، يسميها العلميين بداية الخلق، و الإنفجار الكبير أو المصادفة اللازمة، و عند أهل الروحانيات يسمى الإله أو الرحمة الإلهية أو الحي أو الرحم الإلهي الذي تنشأ منه الحياة، و الحياة مقتسمة بين الذبابة و الديناصور و السمك و الإنسان. نحن الصنف الوحيد في الخليقة الذي يبرمج إبادة إخوانه.

الصحفي: لتلخيص فكرتك، إن لم أخونها، إجمالا تدعونا إلى تجاوز الدمار الشامل، و الإهتمام بما هو جوهري. إني أتصور أنك ضد ما دعت إليه عدة جمعيات إسلامية بالرد، و رفع دعوة ضد "شارلي إيبدو"؟

الشيخ خالد بن تونس: إسمعوا، لا أمنع جمعيات تريد القيام بعملها، فلتقم بعملها بشرف، لهم مستشارين، و رجال القانون و محامين، إن رأوا أنه من الناجع رفع دعوى قضائية ضد أياّ كان، فليفعلوا. سبق لنا أن كنا بالمحكمة مرة، و خرجنا منها مستائين. سنؤخذ مرة أخرى في هذه الوضعية، بالإصرار على التصرف السلبي، بدل القول أنا و رأيي. إنها زوبعة في فنجان. ليكتبوا ما يشاؤون و ليفعلوا ما يريدون، أنا أعرف إتجاهي، و لا أحتاج إلى فلان أو فلتان يقول لي من أنا، أو يقول لي أنت وسيم أو قبيح، أو لي رسول وسيم أو قبيح. أهتم أولا بعلاج عللي و علل مجتمعي، و أنظر كيف نتعاون في أبنائنا، الذين لا يجدون عملا، و نتعاون كي يتلقوا تعليما يسمح لهم بمواجهة الحياة، و نكون محترمين، لنا حقوق، و نعيش في عزة، في مجتمع، شئنا أن أبينا، معولم، منفتح، لا نستطيع النضال بشكل آخر إلا إذا تحسنا، إلا في الإنفتاح و المعرفة.
    
    الإنطواء على النفس و الإنطواء الطائفي إنتحار، و الإنفتاح إلى أقصى حد يؤدي إلى إنحلالنا، و هو شكل آخر من الإنتحار. يجب الإضطلاع بهذه المسؤولية المزدوجة، هذه الهوية، التي هي في نفس الوقت إسلامية و كذلك مواطِنة في بلد مواطن في العالم. الإضطلاع بها كلية. يجب الإضطلاع بهوية ثلاثية، تكون في الآن نفسه، إسلامية و مواطِنة، و يوجد الذين قدموا من الجزائر و المغرب و سوريا و السنيغال، و غيرها... لديك أصل لا يجب أن تنكره، هو جزء من هويتك. يمثل الدين بالنسبة لك هوية، أنت يهودي أو مسيحي، تطالب بالإرث المسيحي و الإرث الإبراهيمي أو البودي و الهندوسي و بإرث الإسلام، الذي هو كذلك حضارة و ديانة. و الدليل، إن الجواب الأكثر إقناعا لكل من ينتقد الإسلام هو الذهاب إلى متحف اللوفر، و لينظروا ما افتتحه رئيس الجمهورية بنفسه منذ أيام، يذهبوا و يروا إن كانت هذه الحضارة، و هؤلاء المسلمين متوحشين و همجيين.

الصحفي: أجد أنها كلمة جميلة عن الحضارة. نعبر المتوسط، و نرى ماذا يحدث في الجانب الآخر. شاهدت مثلنا خلال العامين الماضيين، الحركات التي تسمى بالربيع العربي. البعض غير متفائل، و البعض الآخر يرى فيها تحرير الشعوب، و يوجد من يرى فيها تبديل ديكتاتوريات بشكل آخر من الديكتاتوريات الإسلامية. كيف تنظر إلى هذه الحركات و مستقبل العالم؟

الشيخ خالد بن تونس: لا، أحكام متشددة، لا. يوجد تغيير. إن كنتم تعلمون، هو موعد مع التاريخ. فالعالم العربي خاصة، في العالم العربي الإسلامي، الأتراك، متقدمين مقارنة بنا، و أكثر تطورا، و الماليزيين و الأندونسيين قاموا بخطوات كبيرة إلى الأمام، في هذا الإتجاه، هم أكثر توازنا و انفتاحا و عصرنة و أكثر تقدما من الناحية العلمية، مع الحفاظ على خصوصياتهم و تقاليدهم، إلخ... العالم العربي متأخر، غير جدير، لا يعيش في القرن الواحد و العشرين، هذا غير معقول. لا يحق لك الكلام و الكتابة، إلا كما يحلو للأمير. يجيئ زمان، لا يستطيع إخضاع شعوبا بأكملها، خاصة الشباب الذين بواسطة الفايسبوك و عبر كل وسائل الإعلام، فاليوم لهم إتصالات بالعالم كله، يريدون فقط المطالبة بالحرية و الكرامة، و أن يعتبروا كمواطنين و ليس فقط مرؤوسين، و هذا طبيعي. لعبت الثورات العربية دورا. دخلنا طورا جديدا لتشييد دولة ديمقراطية و دولة مواطنة، لا يحتكر الكلمة فيها حزب أو آخر، مهما كان دينيا أو غير ذلك. الآن، الحوار مفتوح، و الذين يحاولون قمع ذلك، فليتذكروا جيدا، كيف انتهى الجبابرة، الذين ظلموا شعوبهم، و احتكروا الكلمة، الذين حرموا شعوبهم من الإنتفاع بحرية التعبير، و الحرية الدينية، و حرية الأقليات، و حرية المعرفة، حرموهم من الحرية و الكرامة، انتهى بعضهم وراء القضبان، و آخرين للأسف، هكذا الأمر، كجردان، هذا هو الظرف لقول ذلك، و آخرين فارين. هذا يدعو للتفكير. السلطة لا تدوم، لا نعيش للأبد، نحن في العالم المتناه، كلنا مسجلين في  العالم المتناه. قال الله تعالى " كل من عليها فان و يبقى وجه ربك ذو الجلال و الإكرام ". سورة الرحمن. السرمدية لله، و حتى الحكم له.
    
    دفعت هذه الشعوب الثمن غاليا، سواء كان بمصر أو بليبيا التي بها أشخاص باسم الشريعة، يفترض أنهم أنصار الشريعة، شريعة من؟ الشريعة التي أسسوها بأنفسهم، و لكن شريعة الله لم تظلم أبدا الآخرين. كان اليهود و النصارى يعيشون بالمدينة المنورة، و كانوا بمكة المكرمة في عهد الرسول صلى الله عليه و سلم و عهد الخلفاء من بعده، لم يتعرض لهم أحد بأذى. صلى المسلمون بالجامع الأموي بدمشق، الذي كان قبلها كاتيدرائية مسيحية. لا ننسى ذلك. كان منصفا بين المسيحيين و المسلمين مدة سبعين سنة. كان ذلك المجتمع الإسلامي الأول، يعلمون أفضل منا، سمحوا بأن يصلي آخرين به، لأنه كان ملك للمسيحيين، ثم اشتروه، لم يأخذوه بالقوة، دفعوا ثمنه بتعويض المسيحيين و إعطائهم مكان آخر، عشرون موقع مقابل موقع واحد. المسجد الأموي من أقدم المساجد الإسلامية بعد مسجدي مكة و المدينة.
    
    لنعود، و لو لبعض الشيئ، إلى حكمة الإسلام. الإسلام هو دين العقل، لم يكن الغلو في شيئ من الإسلام، و الأفكار المتطرفة لم ينص عليها الإسلام. هذا ليس صحيحا، لم ينص عليها الإسلام أبدا. كان الإسلام دائما هو الطريق الوسط، و القرآن يؤكد هذا بصراحة " وَ كذلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً لِتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ وَيَكُونَ الرسُولُ عَلَيْكُمْ شَهِيداً ". القرآن يقول أننا أمة وسطا، و البعض يريدون أن يجعلوننا أمة متطرفة. تحت أي ذريعة، لا أقبل أن يستهزء بالإسلام بهذه الطريقة.
    
    الحرية ينص عليها القرآن. قال تعالى " لا إكراه في الدين ". القرآن الكريم. لا يمكنك أن تُكره من لا يصلي أو لا يصوم، فالأمر لا يعنيك، بلغ رسالتك، و قم بالتربية، فالإنسان حر. و قل جاء " الحق من ربك فمن شاء فليؤمن و شاء فليكفر ". القرآن الكريم. ألم تدرج الحرية في القرآن، ليعتقد فيما يشاء، فالقرآن يقول ذلك " لكم دينكم ولي دين "، قالها لقريش ، الذين لم يكونوا من أهل الكتاب، كانوا وثنيين، و يعبدون آلهة، عبارة عن أصنام، عددها ثلاثمائة و ستين بمكة المكرمة، و رغم ذلك جاء في حقهم " لكم دينكم و لي دين ". هي حالة من الشعور، و لماذا التدخل في شؤون الغير. كان يقول الرسول صلى الله عليه و سلم دائما " من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه ". تصرفات الآخرين ليست من شأني، فهي من شأن الذي خلقهم. نعم لدينا قوانين، فإذا جرحت كرامة إنسان أو اعتدي على شرفه و ممتلكاته و حياته، فالقانون موجود للجميع. في كل قوانيين العالم، من لا يعرف أن السرقة جريمة و القتل جريمة، و يعرف أضرار الكذب و النفاق، إلخ...الكل يعلمه. يجب أن نوازن " لا تفعل بالآخرين ما لا تريد أن يفعل بك ".
    
    لنتوقف عن التلاعب بالكالمات، و الذي أتمناه من كل قلبي أن هذه الدول الجديدة، تعيد الإنفتاح و التعاون فيما بينها، و إن زهرة العالم الإسلامي اليوم، الكثير من علمائنا يعيشون خارج بلدانهم، ممن يستطيعوا أن يقدموا عونا تكنولوجيا و تعليما، كي تخرج هذه الدول من الفقر، ثم إننا من أغنى الدول في في العالم. نحن الأكثر إهدارا للثروات التي نملكها، ليس كل الدول الإسلامية غنية، و لكن الكثير من الدول العربية لا تعرف الدَين. ماذا يفعلون بهذا المال؟ و أين هو؟ إنه مخزون في البنوك الأمريكية أو السويسرية، أو أخرى، لا أعرف، و لكنه غير مستعمل في البناء، بناء الجامعات، و بناء إقتصاد زاهر بين الدول، و غير مستعمل لإخراج هذه الدول من الفاقة، و لم يستخدم في مشاريع التكافل الصحي و لا في تعليم يستحق هذا الإسم، إلخ... عندما يقوم أشخاص بهبات، يجعلونها في مشروع بناء مسجد، لا ألومهم. توقفوا، فنحن بحاجة إلى أشياء أخرى غير بناء مسجد، من فضلكم. ليقولوا عني ما يريدون، هذه فكرة الشيخ بن تونس، أنا آسف.

الصحفي: لننهي مع الربيع العربي بالوضع السوري. نشاهد كل يوم المئات و العشرات من القتلى المدنيين، أطفالا و نساءا. بالنسبة لك، كيف يجب أن يتصرف الفرنسي المسلم؟

الشيخ خالد بن تونس: هذا رهيب. لأن سوريا بلد أحبه و أعرفه. السوريون شعب أخ لنا، شعب محرر و مثقف. تصيبني هذه المأساة في أعماق قلبي، عندما أطرح مسألة سوريا، كأني في مواجهة حائط، و  بهذا الجدار مرتطم. في كل مرة أقول، هذا كابوس، ليس صحيحا أن وصلت سوريا إلى هذا الوضع، أن أصبح القتل فيها يومي، و الدم يجري يوميا. ما هو السبب وراء ذلك؟ حدث نفس الشيئ بليبيا، و لي أصدقاء ليبيين، و حتى من الكشافة الليبية، قتل بعض الشباب الكشاف، الذين جاءوا إلى فرنسا، قاموا بشعلة الأمل معنا، اغتيل بليبيا. سوريا غير ذلك، هي مهد الحضارات، و إرث كبير، لم أتخيل أبدا، أن تصل إلى هذا الوضع.

الصحفي: هي بلد العديد من العلماء.

الشيخ خالد بن تونس: هي بلد العلماء، و بلد السلالة الحاكمة الأولى، بني أمية. أقول، إنها متحف، و تراث في طريقه للطمس. عندما تنظرون إلى حلب، فكل تاريخ الإسلام موجود هناك، و كل الحضارات مرت بها، كانت أول عاصمة للعالم، و دمشق مسجلة في كل صفحات تاريخ ديانات العالم، و حتى التي كانت موجودة قبل الديانات السماوية، و عندما نصل اليوم إلى هذا المآل، أقول، كفى، كفى، كفى.
    
    يجب إيجاد وسيلة، و هذه الوسيلة هي مساعدة السوريين على إيجادها. في الأول، الدول العربية، البعض منها يحرض، و لكن على زيادة العنف، و آخرين يحدثون التكزز، يقولونها على رؤوس الألسن، و تحولت سوريا إلى فريسة تتمزق اليوم. القوتان السابقتان تعتاش على الدم السوري. حياة السوريون و الدم السوري متنازع عليهما من طرف القوتين العظيمتين، نعني روسيا و الولايات المتحدة و حلفائها، و الكل لا يريد التدخل إلا عندما تتهاوى سوريا، كما فعلوا بالعراق، سيفعلونه بسوريا. العراق اركع من قبل، و حطم، و أشعلت نار الفتنة بين الشيعة و السنة و نجحت كل نزوعات السلطة، عادوا إلى القبلية و الطائفية. يريدون القيام بنفس الشيئ  مع سوريا. و إشعال نار تدمر سوريا إلى الأبد، و سيكون العالم الإسلامي وقتها مسرورا. أرى حشودا تخرج من أجل رسومات كاريكاتورية، و من أجل سوريا لا أرى الكثير.

الصحفي: شكرا على هذه التوضيحات. إذا فهمت على مسلمي فرنسا، التصرف بشكل ملموس، إذا كانت مظاهرات مثلا، هنا تدعوه للتظاهر....

الشيخ خالد بن تونس: ليست مظاهرات، و لكن كيفية تقديم مساعدتنا. إظهار الغضب لا يكفي، أريد القول، أن القيام بمظاهرات هو جيد، و إظهار الرأي. فضلا عن ذلك، كيف نقدم مساعدتنا؟ فكروا، نحن في بلد الحرية، في كيفية التفكير و التصرف لتقديم مساعدة للذين يعانون، يوجد جرحى، لا نستطيع فعل شيئ للموتى، نجلب معونات للجرحى و للأطفال و للذين في تركيا تحت الخيام، الشتاء قريب، و و للذين في الأردن، و نعلم أنه بلد معوز. نترك ذلك للأمم المتحدة و لجنة الصليب الأحمر، هذا لا يهمنا. أقول أنه لدينا الإمكانيات، حتى و لو لم تتحرك البلدان العربية الإسلامية. يوجد من بيننا في المجتمع الإسلامي بفرنسا و أوروبا، رجال قادرين و صادقين يمكنهم إيجاد حلولا بطريقة ما أو بأخرى. فلا يصبون الزيت على النار. لدينا ما يكفي. يجب إجبار السوريين على الجلوس إلى طاولة، و ليس تسليحهم ضد بعضهم البعض، سواءا كان من هذا أو ذاك، و تقويضهم أكثر فأكثر. يجب إحضارهم بالقوة إن لزم، و إجلاسهم حول طاولة لأن عاجلا أم آجلا سيجلسون حولها. من الأحسن القيام بذلك في الحين، و لا يتأخروا. هكذا أفكر، قد أكون مخطئا، و لكن الأمر هكذا.  

الصحفي: شكرا لتقديمك لنا هذه التوضيحات.. سنباشر الجزء الأخير، نستريح ثم نفتح الخط لمستمعينا. تلقينا مكالمات.. اطلبونا و ألقوا أسئلتكم و شاركوا، خاصة في الذي قيل. في الحلقة الأخيرة نقدم رسالة أمل في هذا العالم الذي يتجه نحو الكارثة...
    
الصحفي: في الحلقة الأخيرة نشكرك على إطالة معنا هذا البرنامج، لأن غدا ستذهب إلى الجزائر، تسافر في كل مكان في العالم، فضلا منك و من الذين يرافقونك، هم في الخلف، أرى التعب في نظراتهم، شكرا على صبرك و جعلنا نستفيد من الشيخ.
    
    استطردنا الأحداث، و استمعنا إليك في شؤون مختلفة، و نريد إنهاء الحصة حول لمسات من الأمل. ماذا نفعل بعدما سمعنا كل هذا، هل ندخل بيوتنا و نبكي و نغلق على أنفسنا و لا نرى أحدا؟

الشيخ خالد بن تونس: بالتأكيد لا. بالضبط، ما هو غير عادي أن الله يمتحننا. يمتحن المرء كي يخرج الذي فيه، ربما يكون ذلك الخارج منه هو الأحسن أو الأسوأ. إذا كنا نملك إيمانا و يقينا خالصا في الله، فالأحسن سيتغلب، و إذا شككنا بالله، و بهذا الدين الذي ننتسب إليه، سيوصلنا الشك، ربما، إلى الإعتراف بالإخفاق أو القيام بعكس ما يجب القيام به. الجهاد الأكبر، كما ذكره الرسول صلى الله عليه و سلم " رجعنا من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر، قالوا ما الجهاد الأكبر قال جهاد النفس " (3). لنبدأ بأنفسنا، لا نلقي اللوم على الآخرين، و ننسى زلاتنا و أخطائنا و جهلنا. نبدأ بتثقيف أبنائنا و تصحيح التراث و إعادته إلى أصله من أجل أطفالنا و لا نحكي لهم خرافات و قصص. اليوم لا نستطيع الغش مع الحقيقة. نعلم كلنا أن الأساطير المؤسِسة للمجتمعات تستند إلى الخيال. يجب علينا أن نتكلم عن إسلام حقيقي، يدعو الإنسان للخروج من الجهل و لا يدعو إلى إغراقه في ظلمة أكبر باسم مبادئ إلهية. يرصد الدين في العبادة، و له ثقافة و روحانية و تاريخ و فلسفة و معمار، و قد أضاء بالمعرفة التي جاء بها.
    
    لم تكن توجد طابوهات في الإسلام. كان علماء الإسلام السابقون يتصدون و يتكلمون في كل شيئ، و لا يخشون أحدا. و الذين لم يكن بوسعهم الكلام ببلدانهم، كانوا يلجأون إلى مكة، بها كان بإمكانهم النشر و التعليم لأنهم كانوا أحرار، في حضن الحرم المكي الأقدس. اليوم، ليس بوسعنا القيام بذلك. أنا آسف. عندما نذهب إلى مكة، فنحن مجبرين على خطاب واحد، و هو خطاب السلطة المفروض علينا، و إن الفتاوي الواردة من هذا المكان، فتاوي علماء سعوديين، تحرض الليبيين على تدمير تراثهم، أستطيع إعطاء أسمائهم، و احتراما لعلماء الإسلام، لا أسمي الذين صدرت منهم الفتاوي التي تدعو إلى الفتنة و الصراع و المواجهة بين المسلمين، و نعلم أن الأصوليين يقتاتون من بعضهم البعض. كلما ولجنا الأصولية، كلما غذينا الأصولية المعارِضة. و هذا بالضبط ما يريده أعداء الإسلام، يجب الحذر و تجنيب الأطفال و الأهل و الأصدقاء هذا الخطر.
    
    يجب أن نتكلم عن إسلام نوراني، ينير القلوب و يسكّن، و يبدلنا، جاعلا منا كائنات تعيش في سلام، عالمة و مثقفة، و إسلام يحثنا على تلقي العلوم المفيدة في الحياة الدنياوية و الأخروية. و الرسول صلى الله عليه و سلم حتى هو كان المربي و عالم النفس، و إني دائما متعجب من كلامه صلى الله عليه و سلم، في كل مرة يدعونا إلى نظرة و مواقف في عالمنا. جاء ليعيد إلينا توازننا عندما يقول " اعمل لدنياك كأنك تعيش أبدا و اعمل لأخراك كأنك تموت غدا ". إنظروا إلى هذا التوازن الرائع للأعمال. إذا قمت بعمل، أقوم به كأنه سيبقى للأبد، إذا بنيت منزلا سيكون جميلا، لأني سأعيش به، و ربما أولادي، و ربما ساكنين آخرين، يأتون من بعدي و يجدونه جميلا. إذا غرست أشجارا، أغرسها للأبد، أنا أفنى و هي تبقى من بعدي، و تغذي أشخاصا آخرين. إذا كنت باحثا، أقوم بأبحاث تجدي نفعا من بعدي. و إذا كنت مربيا، أُعلّم كي يصبح أولادي و تلامذي أحسن مني، و أكثر علما و نافعين لبلدهم، و لأنفسهم و للمجتمع الذي يعيشون به.
    
    أدعو مسلمي اليوم إلى الوعي و الخروج من ضيق الأفق، الذي يريدون أن يضعون فيه، و تخطي المحظورات (الطابوهات). لماذا ظهر الربيع العربي هناك و لم يظهر عندنا؟ نحن بحاجة إلى ربيع بمجتمعنا، لماذا ننظر إلى ربيع الآخرين، ألسنا بحاجة إلى ربيع و نور لأبنائنا، و بحاجة إلى نظرة أخرى للإسلام؟ أريد القول، إني أنتمي إلى الذين لديهم أمل، و زرع الأمل كان شعار الذكرى المائوية للطريقة العلاوية سنة 2009 بمستغانم،  جمعت أكثر من 6800 شخص من 42 دولة، 42 وفد. و كان حدثا كبيرا، شعاره زرع الأمل، و أملي هم أبناؤنا، بالنسبة لي هم مسؤولي الغد، و مسلمي الغد وعلماء الغد و رجال و مواطني الغد، و يصنعون عالم الغد. و أعرب عن أملي و أتمنى و أسخر ما استطعت من قدرة، و أدعو الله أن يطيل عمري و يهبني قوة، لخدمة هذه القضية، قضية أبنائنا، و هم كنز الغد، أطفال الإسلام، أطفال الدول العربية، فهم لا يقدرون بثمن في نظري، و تكريسهم للقتل، و إرسالهم كقنابل بشرية لإغتيال أناس آخرين، بالنسبة لي، هذه هي الجريمة الأكثر بشاعة.
    
    مرة أخرى، هي أقوال الشيخ بن تونس، للذين يتهمونني و يقولون عني ملحد أو كافر أو كل ما يريدونه، و لكن هذه هي قناعاتي و قد تعلمت. سأرحل غدا إلى الجزائر، ماذا سأفعل هناك؟ لدينا - بمستغانم  - كل حي تجديت، كل الشعب، نساءا و أطفالا، سنعمل بعد غد معا. نقوم بتنظيف الحي و المقبرة، و ترميم قبور أسلافنا التي نسيناها ، كل عائلة ستعود لتتصالح مع تاريخها و ذاكرتها، و نعمل على أن لا يعيش أبنائنا تحت طائل العنف و الخوف اللذين سكنا هذا الحي، و البعض باسم الدين و باسم كذا.. يسود ظلم و خوف. نعود إلى هذا الحي الذي عشنا به، و هو حي فقير منسي، الدولة و البلدية لا يعملان له شيئ، سنفعل ذلك بسواعدنا، سنعيد طلاء بيوتنا، و غرس أشجار، تنتظرنا 850 شجرة في نهاية الأسبوع القادم، سنغرس 850 شجرة. سنرمم الجدران الهشة لبيوت الفقراء، لسنا بحاجة لأي شخص، يجب أن نتكفل بذلك، لا ننتظر أحد سوى قبول و رضوان الله.

الصحفي: شكرا جزيلا. لديك عمل، قلته لنا في الحين، سندعك تكمل سبيلك. شكرا جزيلا على قبولك دعوتنا. نذكر برسالة الأمل التي سلمتها لنا و هي، الإستثمار في الأطفال، و الخروج من ضيق الأفق، و الإستثمار في التعليم و تحمل المسؤولية.  
     
 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)   . جاء رجل إلى رسول الله فقال يا رسول الله علمني و أوجز فقال " إذا قمت في صلاتك فصل صلاة مودع ". رواه بن ماجة.                                                                           
وعن ابن عمر قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم " صل صلاة مودع كأنك تراه فإن كنت لا تراه فإنه يراك وأيس مما في أيدي الناس تعش غنيا وإياك وما يعتذر منه ". رواه البيهقي في "الزهد الكبير". 

(2)   . جاء هذا الحديث في خطبة الوداع، قال صلى الله عليه و سلم " أيها الناس إن ربكم واحد و إن أباكم واحد ألا لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي ولا لأحمر على أسود ولا لأسود على أحمر إلا بالتقوى إن أكرمكم عند الله أتقاكم ".
 و في السنن عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال " لا فضل لعربي على عجمي ، ولا لعجمي على عربي ، و لا لأبيض على أسود ، و لا لأسود على أبيض إلا بالتقوى ، الناس من آدم ، وآدم من تراب".

(3)   . قدم على رسول الله صلى الله عليه و سلم قوم غزاة فقال عليه السلام " قدمتم خير مقدم، قدمتم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر قالوا و ما الجهاد الأكبر يا رسول الله قال مجاهدة العبد هواه ".
رواه البيهقي في كتاب الزهد.