رمزية الشجرة في التراث الإسلامي

    رمزية الشجرة في التراث الإسلامي

   
   


    لدينا شجرة نسب النبي صلى الله عليه و سلم، و تليها شجرة كل المدارس التي خرجت من التراث الإسلامي، و نبعت عبر الزمان.

     ماذا تعني الشجرة؟

    فلها صلة بالتعليم الروحي. تُعبر الشجرة في القرآن الكريم عن مفهوم، يؤدي بنا إلى التفكير و التمعن في مصير الإنسان. و إنها ترمز إلى السلوك و ارتقاء الكائن. تكلم القرآن عن الشجرة في سورة النور، و ذكر الشجرة المباركة "يوقَدُ مِن شَجَرَةٍ مُّبَارَكَةٍ زَيْتُونِةٍ لَّا شَرْقِيَّةٍ وَ لَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَ لَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ نُّورٌ عَلَى نُورٍ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَن يَشَاء". سورة النور، الآية 35. ذكرت مرة أخرى في سورة الفتح، في المكان الذي جرت فيه المبايعة بين الرسول صلى الله عليه و سلم و الصحابة رضوان الله عليهم، "لقد رضي الله عن المؤمنين إذ يبايعونك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينة عليهم و أثابهم فتحا قريبا". سورة الفتح، الآية 18. تعود هنا الرمزية القرآنية للشجرة و تظهر أهميتها. أعني هنا بالشجرة، الكائن نفسه.

    تأتي الشجرة من بذرة، و منها يخرج جذعا، و لها جذور بمكان لامتناهي، و عندما تتقدم في النمو، يعطي الجذع فروعا، و منها تخرج أغصان، و من هذه الأخيرة تظهر أوراق، تعطي أزهارا، لكي تصبح في الأخير ثمارا، إذ فيها (أي الثمار) تُنتَج البذور، و العملية تستمر.

    ليست الشجرة هنا، سوى الطريقة نفسها. لو ننظر إلى الشجرة، لرأينا أنه مرسوم على جذور الشجرة التوحيد الإلهي، و مكتوب الله تعالى. لا نرى الجذور، و على العموم ما نرى إلا ما هو ظاهر على سطح الأرض، و الظهور تجلى بالوحي، و هو الجذع، و إنه جذع النبوة. يكون الظهور بالوحي، ببروز الشرائع و الفقه و نشأة المذاهب.
    عندما تنمو الشجرة و يعمل الحي، فإنها ستحاول بلوغ غايتها. إن غاية كل شجرة هو إنتاج الثمار، و من الثمار تولد البذور، و هذه الأخيرة هي التي تعيد العملية.

    سنتوقف هنا. لقد أخذنا هذا الرمز، حتى يفهم شبابنا، أن الرمزية الأولى التي يجب أن يتحصلوا عليها، هي أن يروا أنفسهم ككائنات لها بذرة، زرعت في بطن أم، و عندما تولد، تقوم بنفس عمل الشجرة. نخرج من بطون أمهاتنا كما تخرج الشجرة من سطح الأرض، هذه الأرض الأم. من ناحية ما، نحن متجذرين، مما يجعل منا إخوة و أخوات و أبناء عمومة. و من أقارب إلى أقارب تُجسد الإنسانية مبدأ التوحيد، منبع كل الكائنات مهما كانت. إنها مُتوحدة.

    إذا رسمنا الأرض التي تتجذر فيها هذه الشجرة، نرى أنها تُشكل بطن أو دائرة. كل شيئ يولد من مبدأ التوحيد، الذي يجعل من الأرض كائن حي، و تكون الحياة بها ممكنة. لكل منا جذور بهذه الأرض، و منها نتحصل، أي من التوحيد، الذي يقيم وحدانيتنا، على الوحدة الإنسانية و وحدة الكائنات التي تعيش على الأرض. و من هنا تأتي إلزامية ترجمة الروحانية في المجال المرئي و في مجال كل ما هو متكلم و كل ما هو قريب.

    نحصل على حيويتنا من مبدأ التوحيد، و إن لهذا لمعنى، إننا نخرج من الأرض للصعود نحو السماء. كل مولود، بعد خروجه من بطن أمه لا يتوقف عن طلب الإستقامة، كما استقام  أسلافه لبلوغ عنان السماء و بلوغ نضجه. النضج الحسي و الفكري و الروحي. لا تعطي الشجرة ثمارا إلا إذا اعتنينا بها، و هنا تظهر مهمة زراعة الأرض. مثلما تُزرع الأرض، فإن على الإنسان أن يثقف نفسه.

    إذا نسينا زراعة الأرض ستكون الثمار –إن وجدت- غير ناضجة أو أنها ستكون غير كاملة، و الكائن يعيش نفس العملية، فبالثقافة يصل الإنسان إلى مستوى راق من المعارف و العلوم، التي تكون في الآن نفسه بداخله و بباطنه.

    أردنا بعملنا مع هذه النصوص، تجديد فكر، من خلال خلق ثقافة تتناسب مع متطلبات العصر.

    إذا أخذنا شجرة نسب المدارس الفقهية في العالم الإسلامي (الصورة)، نرى أنها عديدة، و في فروعها، نجد المالكية و الشافعية و غيرها، و كذلك المدارس الفكرية و الفلسفية و المعتزلة. إذا لاحظنا وسط الجذع، فإنه يخرج منه فرع يحمل ثمارا، و هو الفرع الروحي.

    لهذه الوثيقة عدة قرون، و قد كانت هذه نظرة المعلمين سابقا، في التعريف بدور الروحانية، مقارنة بالفروع الأخرى، إذ نرى أن كل المدارس تحمل أزهارا، و لكن يوجد مدرسة في الوسط تحمل الثمار بامتياز.

    عندما يُثقف المرء نفسه ينتج معنى. و بدون المعنى تصبح الحياة و يصبح وجودنا لا مغزى لهما، و لا نقوم إلا بإنتاج موتنا، و كل يوم يمر، هو يوم ناقص، و كل شهر يمر، هو شهر ناقص، و كل سنة تمر، هي سنة ناقصة، من الإئتمان الذي تحصلنا عليه من طرف الحي. إذ أننا نستهلك الحي، و ننتج كل يوم، و في كل لحظة موتنا، أي أننا نتجه صوب أجل مبرمج لكل واحد منا.

    لم يتواجد هذا التعليم إلا للتخصيب، و ليسمح للنفس البشرية بأن تنمو و تنحو نحو مصيرها، الذي هو تحقيق الهدف النهائي، و هو قطف الثمرة التي تخفيها، من خلال كل مسار رحلة حياتنا.

    هل نحن قادرون على زرع البذرة التي هي نحن، و السير بها من مرحلة إلى مرحلة، نحو نضجها، و تحقيقها. تحقيق الثمرة التي هي نحن.

    نبتت و برزت الشجرة من الأرض. يقول الله سبحانه و تعالى "و الله أنبتكم من الأرض نباتا ثم يعيدكم فيها ويخرجكم إخراجا". سورة نوح، الآية 17.

    إن رمزية الشجرة موجودة عبر كل التقليد الإسلامي و القرآني، من شجرة الخلد و هي شجرة المعرفة، إلى شجرة الزقوم، و هي شجرة جهنمية، و من خلال شجرة الحكمة. هناك إستمرارية لرمزية الشجرة في القرآن التي تدفعنا إلى التساؤل عن أنفسنا. كبذرة، نحن نولد ثم نكبر، و ننتج من خلال سعينا، عملية مستمرة.

    هناك من يسأل هل كل الأشجار تعطي ثمارا؟

    لا ليس جبرا. يوجد أشجار تعطي ثمارا، و لكن هل ثمارها حلوة؟ يوجد ثمار مرة و ثمار حامضة، و حتى ثمار سامة، و لا يمنع أنها أشجار، و لا يمنع أن العملية تكون بها، حتى لو أنها كانت لا تقدم سوى الخشب، و لا نرجو منها أزهارا أو ثمارا. (1).

    إذا أردنا أن نتكلم عن رمزية الشجرة مع العِمارة (2)، فإن العمارة هي الرياح التي تحركنا و تحرك الشجرة، و تجعلها ترقص.

    لماذا الريح مفيد للشجرة؟

    من أجل التلقيح. فبدون الرياح لا يتم التلقيح، فحتى الحشرات لا تلقح إلا بين 25 و 50 في المائة. البقية تقوم به الرياح. العمارة هي الرياح التي تحرك الشجرة، و تثبت لنا أننا أحياء، بما أننا نتحرك، و يكون بمقدورنا الإبتعاد عن الضغوط الإجتماعية.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). هنا انتهت محاضرة الشيخ خالد بن تونس، و بعدها بدأ في الإجابة عن الأسئلة.
(2). العمارة و تسمى كذلك الحضرة، و هي رقصة روحية معروفة لدى الصوفية يرافق قيامها الذكر بصيغ و ألحان، و يوجد من يسعمل فيها الآلات الموسيقية غير الوترية كالطبل، و قد جاء هذا الجواب كتتمة للموضوع، نتيجة سؤال طرح على الشيخ.

       الشيخ خالد بن تونس، ملتقى "المرشد و المريد"، سنة 2011.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق