الخميس، 19 مايو 2022

جنة السلام

جنة السلام

 

     جرت بحمد الله  تعالى فعاليات الإحتفال بالطبعة الخامسة لذكرى اليوم الدولي للعيش معا في سلام، بعدما تعطلت في السنتين السابقتين، نتيجة استفحال وباء كورونا (كوفيد 19)، وما نجم عنه من شلل في النشاطات الجمعوية وحجر في الحياة الإجتماعية.

      بالمناسبة نظمت الجمعية العالمية الصوفية العلاوية المنظمة الدولية غير الحكوميةAISA ONG Internationale نشاطا ثريا في مختلف بقاع العالم، حيث يوجد لها تمثيليات، وركزت هذا العام على مدينة ألمير الهولندية، التي كانت فيه عاصمة العيش معا في سلام. تحتضن مدينة ألمير في هذه الأيام معرض فلورياد 2022، الذي سيدوم لعدة أشهر، تشارك فيه عشرات الدول، وفي ثناياه، في عرض جنة السلام، أقامت الجمعية العالمية الصوفية العلاوية المنظمة الدولية غير الحكومية AISA ONG Internationale  ودار السلام الهولندية عرضا خاصا، أيام 14 و 15 و 16 مايو.

 





     
     لم يفوّت الشيخ خالد بن تونس الفرصة، وحضر العرض الإحتفالي، وتم رصد عدة تدخلات له في الموقع الفردوسي. للعلم سجلت مظاهر إحتفالية بمناسبة يوم 16 مايو في أرجاء عديدة من الكرة الأرضية، وكما ذكر الشيخ خالد بن تونس أصبحت وتيرته تزداد مع مرور الأعوام، ويتزايد الإهتمام به لدى الجماعات الإنسانية.

 



 

اليوم الأول

 

      في اليوم الاول، في 14 من مايو دشن الشيخ خالد بن تونس بمعية السلطات البلدية المحلية متمثلة في السيدة انيكي فان اوستروم وكذا الفنان والمصمم الإيطالي الشهير أرماندو ميلاني معرض الملصقات لهذا الأخير، وشهدت قاعة العرض حضور عدد من الزوار والفاعلين، الذين تمعنوا في مختلف لوحات العرض، واستمعوا إلى كلمات ألقاها الشيخ وميلاني وفان أوستروم. أخذ الشيخ خالد بن تونس الكلمة، وقال:

 

    نهاركم سعيد جميعا.

    كان من غير المعقول بالنسبة لي، أن أحضر إلى ألمير، للإحتفال باليوم الدولي للعيش معا في سلام، بمناسبة المعرض الدولي لفلورياد، من دون أن أتمكن من مشاركة هذه الصداقة الطويلة مع هذا الإنسان الحاضر معنا اليوم. قبل كل شيء، إنه صديق، وصداقتنا عريقة، وفي سنة 2014، شوهدت لوحته، حول حمامة السلام، تلك الموجودة في المقدمة، من طرف الآلاف من الناس، أثناء مؤتمر الأنوثة الدولي بالجزائر، بمدينة وهران. أريد أن أشير أن هذه الملصقة كانت بالنسبة لي اكتشاف لحكمة كبيرة، لأنها تدلنا على كيفية لتغيير الأشياء، فقط بنقل حرف. مما يشير إلى أنه في أنفسنا أو ضميرنا أو في روحنا، يكفي القيام بتغيير بسيط، فينقلنا من الحرب إلى السلام. يحدث هذا التغيير على مستوى الضمير.

     عندما ننظر إلى تلك الملصقة (الصورة 1)، مع تلك الأسماك أو الأسماك الصغيرة التي شكلت جماعة وطاردت سمكة، ويلمهمنا ذلك جميعا، إن نحن رغبنا، وتجمعنا، وإن تواجدنا جميعا في هذا العيش في سلام، سنستطيع أن نغير الأمور، وكل واحد منا يستطيع أن يتعامل بكيفيته الخاصة.

      تتوجه تشكراتي لرئيسة بلدية ألمير، التي تستقبلنا اليوم هنا، السيدة الرئيسة، وشرف كبير لي أن أكون معكم لاستقبال هذا الرجل العظيم، الذي هو بالنسبة لي حكيم كبير في عصرنا، وأن أحظى بالفرصة الرائعة التي سنعيشها اليوم وغدا وبعد غد، للإحتفال باليوم الدولي للعيش معا في سلام، الذي قُرّر من طرف الأمم المتحدة في 8 ديسمبر 2017، وتتزايد وتيرته مع مرور السنوات، وقد بلغنا 52 دولة، تنظر إلينا اليوم، و449 مؤسسة عبر العالم تتبع مسارنا، بحيث أن ألمير هي عاصمة العالم اليوم. أدعوكم جميعا، من كان متيسرا، للمجيء غدا لحضور الحفلة الكبيرة، التي ستقام في معرض فلورياد، وشكرا.

      .... الشكر موصول للجميع لتواجدهم هنا، وإن الحفل شدكم، والعيش معا في سلام نحن بأشد الحاجة إليه، في هذه الفترة الحرجة، حيث عدنا نسمع صدى رحى الحرب، ويجب علينا القيام بكل ما في وسعنا لتجنيب أطفالنا معاودة عيش كارثة الحروب والدمار.

     هيا لنزرع من اليوم بذرة السلام، نزرع بذرة السلام في ضمائرهم. شكرا لكم جميعا.

  

                                               الصورة 1

 

  اليوم الثاني   

 

     جرى في اليوم الثاني الإحتفال بقلب جنة السلام، فوقف الشيخ خالد بن تونس على منصة العرض، وساهم في توزيع مجموعة من الشهادات على مستحقيها ممن ساهم في إنجاح الإحتفالية وصدّق باليوم الدولي للعيش معا في سلام. بعد إلقاء عبارات التشييد أطلقت حمامات السلام بحضور براعم كشافة سيركل. من على منصة العرض قال الشيخ خالد بن تونس:


أثناء إلقاءه كلمته

   

          بعد بسم الله الرحمن الرحيم

     أصدقائي الأعزاء، إخواني أخواتي، مواطني مدينة ألمير، التي تستقبلنا اليوم في هذه الجنة الفردوسية، بمناسبة معرض فلورياد 2022، فإننا نتقدم بتشكراتنا لمدينة ألمير وإدارة فلورياد الذين دعونا للمشاركة في هذا المعرض الرائع، الذي يتحدث عن المدن الخضراء.

     أودّ معكم جميعا أن أقول بأننا مرتبطين بقيم عالمية، وأن هذه الجنة تمثل رمزا، كقراءة جديدة لإنتمائنا لأصل مشترك وعائلة مشتركة، وأن العيش معا الذي نحتفل اليوم بطبعته الخامسة هنا وفي العالم، تحتفل به معنا 78 مدينة وعاصمة في العالم، اليوم وغدا، تحتفل بهذا اليوم الدولي للعيش معا في سلام، و 449 مؤسسة في العالم، من مدارس وجامعات وجمعيات كبيرة، يحتفلون أيضا بهذا اليوم معنا.

      أحيّي جميع الذين يتابعوننا من خلال الأنترنيت، سواء كانوا هنا أو تواجدوا في أنحاء شتى من العالم، في أندونيسيا والجزائر والمغرب وتونس وكوت ديفوار والبنين ومصر، وبطبيعة الحال كل أوروبا، وكندا والولايات المتحدة والمكسيك.

      في هذا الظرف الذي تمر به إنسانية اليوم، حيث يرى المتفائلون والمتشائمون العالم بكيفيات مختلفة، إذ يرى المتشائم أن العالم يتجه نحو الكارثة، مع استفحال الإحتباس الحراري وصوت أبواق الحرب، والنزاع الذي برز في أوروبا، الذي يدفعنا جميعا نحو الكارثة. هذا ما يخص المتشائمين. أما المتفائلون أقول أنهم ينظرون إلى العالم نظرة تجلّد، ويسعون إلى إيجاد طرق تسمح بالنجاة من ويلات المحن، وتُمكّن أمام العقبات من إيجاد حلول وتنفيذها. ولن يحققها سوى الذين يعيشون اللحظة. لا نعلم ما الذي يخبئه لنا المستقبل، لا نعلم إن كان في الغد أو بعد شهر أو سنة، ستتاح لنا إمكانية رؤية بعضنا البعض، ونلتقي ونحتفي بلحظات مثل هذه، لحظات سلام ولحظات العيش معا. لكننا واقعيين، نحن واقعيون في اقتناص هذه اللحظة وهذ الطاقة، فنقوم بتمتين صلاتنا، وتمتين أواصر إنسانيتنا، وبإتاحة فرصة لنا، لا يعني بأن نكون متفائلين أو متشائمين، ولكننا، حسنا، سنقول أننا مثل هذه الجنة، فنغرس اليوم، ولن ندري إن كان في الغد يمكننا الجني، ولكننا سنغرس، حتى وإن قامت الساعة سنواصل الغرس والزرع، مثلما هي هذه الجنة الجميلة، وكل الهشاشة التي تميزها. إنها جميلة هذه الجنة ولكنها هشة، فينبغي سقيها والإعتناء بها.

     إذن، لنعتني ببعضنا البعض، ونعتني بأطفالنا، فلنعتني بهم، ونوضح لهم أن مستقبلهم، ينبغي عليهم أن يبنوه مع بعضهم البعض، وليس ضد بعضهم البعض، عالم يكتنفه عنف أقل من القليل، وعدوانية وكراهية وعنصرية أقل من القليل. لنُعلّم أبنائنا حتى تكون لهم نظرة حول العالم منفتحة وأخوية، ونُعلم أبنائنا حتى يخرجوا من طوق الأنانية، وأنا-نفسي نحو "نحن" الجامِع، نحو عالم نحن، حيث كل واحد يمكنه أن يستفيد من الآخر، وكل واحد يساهم في سعادة الغير. ليس لنا سوى عالم واحد، وهذا هو، ليس لنا عالم بديل وكوكب آخر، فلنعتني به وبساكنته، سواء كانت الناس أو الحيوانات أو العصافير أو الأسماك، وسواء كانت المعادن، هذه الأرض الأم، حيث دبت الحياة في الإنسانية. ينبغي الإعتناء بها. وينبغي توخي الضمان بأن الأجيال القادمة ستتمكن من العيش بكرامة، وتشملهم العدالة والمساواة والتضامن.

     إنها الرسالة التي يريد أن ينشرها اليوم الدولي للعيش معا في سلام، الذي تم ترسيمه من طرف الأمم المتحدة في 8 ديسمبر 2017. جميع الدول 193 وقّعت على هذا الإعلان، وأصبح رسميا، لأنه يُذكّر بخلفية منشأ الأمم المتحدة ذاتها، التي أنشئت سنة 1946، حتى لا تتعرض الإنسانية مجددا لحرب ومآسي الحروب، وحتى لا تعرف الإنسانية أوقات وتعيش ظروف حياة مثل التي عاشها أجدادنا وأسلافنا، وإن الحربين العالميتين الأولى والثانية قد عصفتا بأوروبا على الخصوص، وأيضا بقية العالم.

     علينا أن نحرص على أن يتمكن أطفالنا، أبناء المستقبل، المتواجدين أمامنا من تولي الأمر(1)، بهذا العيش معا في سلام، ويتشاركونه في صداقة وأخوية، بعيدا عن الأعراق ولون البشرة واختلاف الديانات، ويحترمون بعضهم البعض، ويقومون بالمساهمة معا للعمل بتآزر، لبناء عالم جديد، هو في انتظارنا.

     شكرا لكم جميعا، شكرا لجميع الذين هم حاضرون معنا اليوم.

 

اليوم الثالث

 

     شكّل عرض الشريط التربوي المعنون "نحن جميعا" لمخرجه بيار بيرار وتوزيعه بالمجان واسطة العقد، فقد شاهده جمهور واسع في العالم، وأتبع بحلقات نقاش في كثير من الأحيان، تدارس فيها متطلبات العيش معا وطرق استتابه، وكانت المناسبة أيضا فرصة للتوقيع على الإعلان العالمي للعيش معا في سلام. في اليوم 16 مايو شارك الشيخ خالد بن تونس في حلقة نقاش فكرية مماثلة تلت عرض الشريط، فمن موقعه بجنة السلام، انضم إلى جلسة نظمها كل من المجلس الفكري وكرسي السلام الإقتصادي لمدرسة غرونوبل للتسيير الإقتصادي الفرنسية. نشط اللقاء السيد دومينيك ستيلار صاحب كرسي السلام الإقتصادي، وحضر معه كل من محمود نسيمي كاتب ومهاجر أفغاني ومخرج الفيلم البلجيكي بيار بيرار. جرى الحوار بحضور مجموعة كبيرة من الطلبة والشباب، الذين تفاعلوا مع مجريات الحوار، وساهموا باستفساراتهم.

 

     متوجها إلى الشيخ خالد بن تونس، قال منشط اللقاء:

     في المجلس أمامنا يوجد بالتقريب 250 شخص، غالبيتهم طلبة ثانويين. أريد أن أمد لكم يدي بعض الشيء، بصفتكم الباعث لهذا اليوم الدولي للعيش معا في سلام، رأيتَ الفيلم بالتأكيد قبل اليوم. هل يمكن أن تضع لنا موجزا، حول كيف يتردد صدى هذا الفيلم إزاء إلتزامكم بالسلام؟

     الشيخ خالد بن تونس: إذن، أشكركم. نهاركم سعيد جميعا. أحيّي بيار أيضا، الذي هو معكم. بالنسبة لي كان هذا هدية رائعة، هدية بمأن هذا الفيلم جاء يثبت بوقائع، أن العيش معا وأن هذا العمل معا هو حقيقة واقعة في جزء كبير من العالم، إن لم يكن عند أغلبية الناس، وما نراه من خلال وسائل الإعلام من نزاعات، بحيث لا تذكر سوى الأمور التي لا تسمح برؤية الجانب الآخر من هذه الإنسانية، التي تعيش جنب إلى جنب وفي سلام، وتعمل وترجو وتبني مستقبل العالم. وجاء هذا الفيلم كإثبات ودليل داعم، حتى يقال، هذا الذي يحدث في تلك المنطقة من العالم، وكيف أن مواطنين ومواطنات بسطاء امتلكوا الشجاعة وقلبوا العملية، قلبوا عملية العنف والرفض والكراهية.

     هذا الفيلم ليزال يشاهد في هذه الساعة، في اللحظة التي نشاهده فيها نحن، تشاهده على كل حال، أكثر من 52 دولة في نفس الوقت معنا، وأكثر من 449 مؤسسة في العالم. بالنسبة لي إنه جائزة كبيرة للذي أنجزه. أحيّي مجددا بيار، وأبعث له مزيدا من التشجيع، لأني أعلم المجهود الذي بذله والصعوبات التي عمل على تذليلها، وعلى التوزيع المجاني في أنحاء العالم. مرة أخرى، أتمنى أن يلهم هؤلاء الشباب والطلبة، وإن السلام لا يعني غياب الحرب أو النزاع، إن السلام يعني أيضا السلام الإقتصادي والسلام الإجتماعي وكذا السلام الثقافي، والسلام مع الطبيعة، والسلام هو مركز اهتمام العالم، اليوم وغدا.

 

      قال المنشط معيدا الكلمة إلى الشيخ:

      أريد الرجوع إليك، لأنه في لقاءاتنا ذكرتَ لي أو أني شاهدتك في أغلبية محاضراتك تذكر هذه المسألة، التوجه إلى لقاء الغير. على سبيل المثال، في التجربة البسيطة التي تقيمونها في مدارس السلام، حيث يعرِض شباب يتقاسمون أسمائهم، ويدركون في نهاية المطاف أن حروف أسمائهم قد تشكل كل الأبجدية. هل يمكن أن تذكر لنا في هذا العمل بنهج ثقافة السلام نادرة من النوادر، تروي كيف يكمن لهذه اللقاءات أن تجرى، بعيدا عن الدين والإثنيات واختلاف الجنس، وبعيدا عن اعتبار حجم الدول العريقة.

     الشيخ خالد بن تونس: حسنا. اسمعوا قمنا للتو، في هذه الظهيرة. هل تعلمون أن اليوم هو ذكرى الطبعة الخامسة لليوم الدولي للعيش معا في سلام، فقد حضر خلق كبير، عند منتصف النهار، تواجد جمهور كبير، شهده أصحاب السياسة وسفراء وممثلين للمعرض الدولي الجميل لفلورياد 2022. رأينا خلق كبير، من مختلف اللغات، تواجدت اللغة الهولندية، نحن بطبيعة الحال في ألمير، وفي الأراضي المنخفضة تغلب اللغة الإنجليزية، وتواجد فرنكفونيين ومعربين. للعودة إلى قصة الحروف، كانت هناك انطلاقة، واستلزم حضور الترجمة، والإنتقال من لغة إلى أخرى، ولكننا عندما تكلمنا عن الأسماء، وتعلق الأمر بالكبار، ليس صغار السن، فمع الأطفال يتم الأمر بسهولة كبيرة ويسر كبير. قلتُ للبالغين قولوا لنا أسمائكم، وذكر كل واحد إسمه، أرماندو، علاء الدين، وغيرهما، ورأينا عدد الأسماء التي تحمل حرف الألف، وقلت لهم أنتم تتقاسمون بالفعل شيء ما في أسمائكم، وأريد أن يقوموا الطلبة الموجودون هناك بنفس التجربة، من خلال أسمائهم، ويرون عدد الأحرف التي يتشاركونها، ويرون حجم الصلات الموجودة بين الحروف التي تشكل أسمائهم وجموع مجموعتهم حيث يتواجدون.

     تفتح لنا هذه التجربة ذلك السبيل العظيم الذي يسمح لضميرنا بأن يتجاوز طوق أنا- نفسي وينفتح لنا على نحن، مادام أني أتقاسم مع فلان حرف الألف ومع الآخر حرف اللام، وميم مع آخر، وأرى أني أتقاسم مع عدد كبير من الناس الإسم الذي يخصني، الإسم يحدد شخصيتي. ولكن الأمر أبعد من ذلك، لأني عندما أنظر إلى إسمي، والحروف المتفرقة لا تعني لي شيئا. إذا أخذنا حرف الألف منفردا أو الواو أو الياء، كل منفردا، سنحصل فقط على صوت، ويتوقف الأمر عند ذلك. هندسيا لدينا بنية، تأخذ الحروف بنية، لا يكتب الألف مثل الباء، لكلّ شكله، ولكن ما هو ، عندما تتموضع الحروف معا، وفي هذا العمل معا، يكون للحروف معنى، وهو عندما يتقبل الميم بأن ينضاف إليه الحاء والباء والتاء المربوطة، وتصبح محبة، فإنها حروف اجتمعت وأعطت معنى، أعطت معنى لحياتنا.

     حرِّضوا الشباب على لعب هذه اللعبة، وسيرون أن الأمر رائع، ولا تجرى فقط مع الأشخاص، تجري مع الخليقة بأسرها، لأن الألف أو الميم نجده في الشمس والقمر. فذلك، لأننا جميعا من نفس الأبجدية، والكون بأسره من نفس الأبجدية.

 

     المنشط: أريد أن أرجع إليكم بسؤال الشيخ بن تونس. طرح السؤال للتو. كيف يمكن لشباب في المدرسة الثانوية، كما هو اليوم، أن يتخذوا إجراءات، تمكّنهم بشكل أفضل من إدماج في مسار حياتهم ومسارهم التعليمي مسألة ثقافة السلام هذه؟ ما هو جوابكم مع تقديم اقتراح؟

     الشيخ خالد بن تونس: بتقديم اقتراح. أقترح عليكم القيام بزيارة إلى "Garden of Peace"، إلى جنة السلام، التي أنجزها شباب وفتية صغار، قدموا من الزوايا الأربع لأوروبا وحتى من أفريقيا الشمالية، في ظرف شهرين ونصف الشهر. ستعرَض عليكم صور لهذا "Garden of Peace" (وتوجه حامل الكاميرا وتجول في أرجاء جنة السلام)، لجنة السلام هذه التي أنجزت، وهذا اقتراح. أشخاص رفعوا هذا التحدي، وأنتم ترون الحديقة، وهي حديقة نباتات، جمعت من جميع القارات، نباتات من كل قارة، جلبت من أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأوروبا وأفريقيا وآسيا وأوقيانوسيا. عند التجول في هذه الحديقة، ستقوم النباتات بالتحدث معك، بواسطة الهاتف المحمول، فقط بالضغط على كود، وتخبرك النبتة من هي وعن منافعها، وتوجد أعشاب طبية.

     ستجدون دوامة (وهي جدارية على شكل دوامة)، حيث دونت فيها قيم، قيم إنسانية، القيم المشتركة من طرف مجمل الناس؛ التي أنجزها أيضا شباب، الذين بحثوا، وضموها شخصيات، هي في نظرهم قدمت للإنسانية قيم مشتركة، منذ أقدم العصور، مبتدئين بالفيلسوف الصيني لاو تسي، وينتهون بعصرنا، يعبرون عدة قرون. إنها طريقة توحي أن المسألة تتحقق بواسطة التعليم، وعن طريق مشاريع متقاسمة ومشتركة. أؤكد لكم أن مشتل الزهور الذي ترونه اليوم أقيم على مستنقع، منذ شهرين ونصف الشهر، وانظروا ماذا أصبح.


 

 ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). كشافة الدائرة "Scouting de Cirkel"، هي إحدى الجمعيات الكشفية التي أسسها الشيخ خالد بن تونس بأوروبا، وكشافة الدائرة تحتضن أبناء هولندا المسلمين، وتؤطرهم وتوجههم نحو مبادئ الأخوة الأدمية. في الصورة، نجد الأطفال خلف المنصة، وتحدث الشيخ في تلك اللحظة مشيرا إليهم. الصورة من موقع "Scouting de Cirkel" بصفحة الفايسبوك.



  

الخميس، 5 مايو 2022

في رحاب اليوم الدولي للعيش معا 3

    في رحاب اليوم الدولي

 للعيش معا في سلام 3

 

     بمناسبة اليوم الدولي للعيش معا في سلام، الموافق لـ 16 مايو 2022، توجّه الشيخ خالد بن تونس إلى الناس، بسلسلة من التوجيهات والرسائل من خلال فيديوهات مسجلة، بثها عبر الشبكة العنكبوتية، يحث فيها على الإخاء والعيش جنبا إلى جنب وإحلال السلام ونصائح أخرى، عساها تنهض الضمائر وتستقيم أعمال البشرية.

    تقرر انعقاد تظاهرات احتفالية اليوم الدولي للعيش معا بمعرض فلورياد اكسبو 2022 في مدينة ألمير الهولندية، أيام 14 و 15 و 16 مايو 2022 في جنة السلام، و ينظمها بطبيعة الحال كل من الجمعية الدولية الصوفية العلاوية، المنظمة الدولية غير الحكومية  AISA ONG internationale ودار السلام الهولندية.

     حسب البرنامج المنشور، سيفتتح يوم 14 من مايو معرض المصمم الإيطالي الشهير أرماندو ميلاني، الذي هو شريك في التظاهرة، وسيكون يوم 15 مايو يوما احتفاليا بعقر جنة السلام وقرية العالم المحاذية، تعزف فيه الموسيقى وتقام ورش تربوية تعني الأطفال وغير ذلك، وفي يوم 16، يجرى الإفتتاح الرسمي لجنة السلام، بحضور الشيخ خالد بن تونس، ويبث فيلم "نحن جميعا" للمخرج بيار بيرار.

     ختاما لهذه الدروس، تنشر المدونة المواضيع الثلاثة المتبقية، التي توجّه بها الشيخ خالد بن تونس للأمة.

     

 

الإسلام والغرب

الدعوة للعيش معا

 


كتابه "الإسلام والغرب، الدعوة للعيش معا"، بنسختيه الأصلية وترجمته العربية.

 

     للواتي والذين يودّون معرفة المزيد عن أفكارنا، والمعنى الذي نعطيه  للعيش معا في سلام، أدعوهم إلى قراءة كتاب كتبته في هذا المجال، عنوانه "الإسلام والغرب، الدعوة للعيش معا"(1)، إذ سيتعرفون على تاريخ هذا اليوم الدولي للعيش معا في سلام، الذي هو قرار تم ترسيمه في 8 ديسمبر 2017، من طرف مجموع الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، بالإجماع.

    أتمنى أن يتمكن كل فرد مرة أخرى من أن يقدم مساهمته المتواضعة، كرسول للسلام، حتى يزرع في أكبر عدد ممكن هذه البذرة، وأرجو أن تنمو وتكبر في ضمير أهل اليوم والغد.

    شكرا جزيلا.

 

دار السلام

 

     نهاركم سعيد جميعا.

     أنا سعيد اليوم، لأقدم لكم مُجسّم لدار السلام المستقبلية. بمناسبة فلورياد 2022، هذا المعرض الدولي الذي سيفتح أبوابه يوم 14 أبريل 2022 بألمير- أمستردام، حيث ستشارك أكثر من 70 دولة، سنعرض في جنة السلام مجسم دار السلام. إن الذي ترونه أمامكم، قد يتجسد، بمساعدة ومساندة كل واحد منكم، يُقدم مساهمته، حتى يمنح كل التوفيق للسلام، وإنه بيت، مقر، يمكننا أن نلتقي فيه ونتعارف ونتبادل، ونمنح للفكر، فكرنا، كلمة مشتركة، كلمة ديمقراطية، ونوحّد جهودنا ونضعها في تآزر، حتى نجعل من هذه الصلة حاضنة للتربية بنهج العيش معا والسلام.

                                    مجسم دار السلام المستقبلية

 

     أدعوكم جميعا ابتداءا من 14 أبريل إلى غاية شهر أكتوبر، مدة ستة شهور، للمجيئ لزيارة هذا المعرض، في هذه الجنة التي ترمز إلى القارات الخمس، وستزينها مختلف النباتات المجلبة من الزوايا الأربع للعالم، وفيها ستجدون هذا المجسم. في هذه الجنة تقوم النباتات بالإثبات لنا وجود تنوع وجمال الطبيعة، وتنوّع العالم النباتي، الذي في نظرنا يمثل تنوع ثقافاتنا وتقاليدنا، ويوجه تنبيهنا لكي نحتفظ ونذكّي الوعي في أعمال جهدنا المشترك، وأن نجعل من إنسانيتنا إنسانية حوار، وإنسانية نقاش بدون صراع، والحوار بدون الصراع، حتى يتمكن أطفالنا من إيجاد رابطة تعليم، حتى يتمكن هذا المصير المشترك للإنسانية من إنشاء، حول قواعد جديدة وتفكير جديد، ينشئ سرد جديد لمصيرنا المشترك.

     هذا هو. هذا المجسم دُبر وتُفكر فيه حسب الرقم الذهبي(2)، ونوعا ما تم إنجاز مشروع، يجمع في الآن نفسه، بين الأصالة والحداثة.

 

 

الإعلان العالمي للعيش معا في سلام

 

     يرفق هذا الفيلم بالإعلان العالمي للعيش معا في سلام. لماذا هذا الإعلان؟ إن اليوم أكثر من أي وقت مضى، تُظهر لنا الأحداث، أنه يمكننا في أي لحظة أن نتأرجح نحو عالم مرعب ومواجهةٍ، واليوم ينبغي  على كل واحد أن يحدد موقفه، ويوقّع على هذا الإعلان، الذي يرفق بهذا الفيلم "نحن جميعا"، ويجلب لبنته لبناء دار السلام هذه، هذه الدار التي تشمل جميع الأرض، وليكون السلام مع الذات، ومع الغير، ومع البيئة.. الطبيعة. نحن بحاجة إلى طاقة السلام هذه، نحن بحاجة إلى العيش معا في سلام، لنصلح الأضرار التي تسببنا فيها لأنفسنا، وأيضا لجميع المخلوقات، فالمعدنية والنباتية والحيوانية، ولكل العوالم التي تديم الحي.

     كيف ننشئ بعيش معا في سلام، بإشراك أنفسنا ومحيط الأرض الجميلة، هذه الأم التي غذتنا، ننشئ مفاهيم جديدة وعلاقات جديدة ومهن جديدة، تسمح بمكافحة دمار النفايات وهلاك التسمم، التي تقوم بتشويه وتقويض الحي في الأرض، وتسخير جميع جهودنا لفتح وكتابة صفحة جديدة في تاريخ الإنسانية، وإن الإحتباس الحراري وتلوث البحار والهواء والأرض يدفعوننا إلى القيام بوثبة نحو هذا الوعي العالمي، الذي يدعونا ويطرح علينا تحديا، من خلال الحكمة العريقة الموجودة في جميع التقاليد، للعمل معا من أجل الأفضل، ومكافحة الأسوأ.

     يرجى التوقيع على الإعلان العالمي للعيش معا في سلام عبر الرابط التالي:

https://16mai.org/?fbclid=IwAR3OgtO5-XQa03KkCvhv_KLSkADOofunGJp-pBgeWG1Ewr6LhlN0GWxs0BA

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(1). عملت المدونة عند صدور الكتاب "الإسلام والغرب، الدعوة للعيش معا"، في نسخته الفرنسية إلى جعل ترجمة عربية، وهذا نهجها، وهي محاولة متواضعة، ترجمت فيها الفصول الثلاثة الأولى، تجدونها في صفحة الرابط التالي. وفي نفس الصفحة، يمكنكم إيجاد أيقونة رابط ترشدكم إلى صفحة، تمكنكم من قراءة مقتطف من الكتاب باللغة الفرنسية، وتجدون الرابط أعلى صورة الكتاب.

https://cheikh-bentounes.blogspot.com/2018/10/blog-post_2.html

 

(2). في الرياضيات عندما يكون (أ)  أكبر من (ب)،  ويحقق مجموع هذين العددين (ا+ب) مقسوم على أكبرهما (أ)، تساوي قسمة أكبر العددين (أ) على الأصغر (ب)، فعندها تحقق نسبة، عرفت بالنسبة الذهبية، ورمز لها بالحرف الأغريقي فاي (φ) أو (ϕ)، وحددت قيمته بثابت رياضي يبلغ    1.6180339887، وهذا هو الرقم الذهبي.


     لو نظرنا إلى مستطيلات مختلفة، لوجدنا أن بعضها أجمل من الآخر.  إذا أعطى قسمة نسبة طول مستطيل على نسبة عرضه قيمة الرقم الذهبي، فيسمى هذا المستطيل ذهبيا.

     إذا نظرنا إلى العدد الذهبي لوجدناه عادي جدا، ولكنه رقم مثير للجدل منذ القدم، فهذا الرقم يمثل نسبة إذا استخدمناها في كل عمل ومجال من مجالات الحياة، تعطي جمالا وإتقانا، وهذه النسبة أو هذا الرقم هو أحد أسرار الجمال في الكون.

     منذ اكتشاف النسبة الذهبية لاحظ العلماء والمختصين أن هذه النسبة متواجدة أمامنا في الطبيعة بشكل مدهش، ومتحققة في جميع المخلوقات، من نباتات وحيوانا وجميع الكائنات الحية، وفي مقدمتها الإنسان، بتناسق تباعد أعضاء الجسم وملامح الوجه، على سبيل المثال، فالمسافة بين أعلى رأس الإنسان إلى أخمص قدميه مقسومة على المسافة من السرة إلى الأرض تعطي النسبة الذهبية، ومن الخصر للأرض مقسومًا على الركبة للأرض يُحقق النسبة الذهبية.

     ونرى أيضًا تلك النسبة في جسم الحيوان، فلقد اكتشف علماء البيولوجية خاصية غريبة تتعلق بمجتمعات النحل، هي أن عدد الإناث في أي خلية يفوق عدد الذكور بنسبة ثابتة، وهذه النسبة هي 1,618، ونجد هذه النسبة المتناسقة أيضًا عند الحلزون وعند كثير من الحيوانات كالدولفين والفراشات وأيضًا في النباتات. أصبحت النسبة الذهبية معيارا لكل جذاب ومريح للعين، لاحِظوا الطبيعة، وزهرة عباد الشمس والحلزون. خضع بناء الأهرامات أيضا لهذه النسبة، ووجدت أيضا في المشيدات الرومانية، وفي الرسم ينتج سحر مثل لوحة موناليزا، لاحترام راسمها قواعد النسبة الذهبية احتراما دقيقا، وفي التصوير الفوتوغرافي إذا طبقت هذه النسبة، ستكون الصورة ذات أحاسيس معبرة.

     وفي العمارة الحديثة تضفي النسبة الذهبية التوازن والراحة البصرية للتصميم، وهذا ما يجعل العديد من المباني والتصاميم المختلفة في الشكل والحجم والطراز متشابهة في المضمون. جامع القيروان الكبير تم تقسيم مساحاته تبعًا للنسبة الذهبية، وبرج إيفل تدرج في إعلاء هياكلها حول هذه النسبة. النسبة الذهبية تشكل أعلي معايير الجمال وهي مريحة للعين وتعطي جذبا وسرورا، وبائنة أمامكم بتحديد أبعاد الشاشات.