الأحد، 26 ديسمبر 2021

نهج التصوف وتحديات زماننا ج2

نهج التصوف وتحديات زماننا

الجزء الثاني

 


 

     حصلت Zeteo على فرصة محاورة الشيخ خالد بن تونس، وتم اللقاء في بيت الشيخ، حيث رصد لنا مؤسسها السيد غيوم دوفو معاني غزيرة ومفاهيم قيمة، جاد بها الشيخ خالد بن تونس. زيتيو هي منصة بث إذاعي رقمي، تهتم بنشر وبث تسجيلات صوتية مستوحاة من المسيحية. لأول مرة يحاور صاحبها شخصية غير مسيحية، وقد كتب عبر موقع البث:

    فرحة كبيرة وسابقة عظيمة لـ "زيتيو" في لقاء مع رجل، يمثل ديانة غير مسيحية. رجل يقدم نظرة حكيمة ومسالمة للغاية حول ما يوحّد، بدل ما يفرق. إن رؤيته المتشبعة بثراء التصوف، هي رؤية تعبر بأمانة عن الإسلام الشرعي التقليدي: دين الأخوة والسلام، واحترام الغير، والليونة، وكذلك احترام الطبيعة والحي. دين يتضمن أيضًا بُعدًا شعريًا وصوفيًا وروحيًا لا جدال فيه، حيث غالبًا ما تجتمع أدياننا وتتشارك.

     ما يوحدنا أقوى مما يفرقنا. مع الشيخ بن تونس، تختفي المخاوف والجهل، الذي غالبًا ما يعارض المسيحيين والمسلمين. دائمًا معه، أصبحت الروابط الروحية التي تقربنا أكثر وضوحًا...

    تم تسجيل اللقاء في بيت الشيخ خالد بن تونس، وبث يوم 12 12 2021، بالتقريب تزامنا مع أعياد الميلاد، وإن شاء الله يكون هذا العمل منفذا إضافيا من منافذ لمّ الشمل والمصالحة الإنسانية. إليكم الجزء الثاني والأخير.

 

الصحفي: أنت دائما ملتزم جدا، ولقد تعهدتَ بالشباب في 1990، وأسستَ الكشافة الإسلامية الفرنسية، وهي جمعية معترف بها من طرف وزارة الشبيبة، وتنتمي إلى الإتحادية الفرنسية للكشافة. في 1999 أسست جمعية أراضي أوروبا لتعزيز حوار سلام ومصالحة في 1999. سأنتقل بسرعة لأن..

الشيخ: من فضلك.

الصحفي: لأن حياتك ثرية. الشيخ بن تونس، لقد تمت دعوتك من طرف دلاي لاما، للإشتراك في لقاء بيديني بسافوا. أنت رجل حوار وكرامة، إنكم تقولون أنكم تريدون إيجاد قاسم مشترك، تغذيه قيم عالمية مشتركة، وهي تلك القيم التي تكلمنا عنها، مثل الأخوة والسلام والإيثار، ولهذا السبب أنشأتم الجمعية الصوفية الدولية العلاوية.

الشيخ: لست أنا من أنشأ، ولكنها الحركة، نحن نسير بالدائرة. لست أنا، أنا لست سوى، إن شئت..

الصحفي: الأداة.

الشيخ: نعم، الأداة، والمبادرة تأتي من الدائرة، ومن كل شيء، وكل شيء، لست وحدي، نحن نسير معا، وخطواتنا تؤدي بنا بالفعل إلى هذه اللقاءات، نحو التحقيق، ولو تطرقنا إلى الشباب والحركة الكشفية، لا يجب أن نسى أن في سنتي 90 و 91، عشنا حرب العراق الأولى، وما زالت تداعياتها، نتعرض لها إلى اليوم، مع صدام حسين وايقاد الحرب مع الكويت، ومن هناك انطلقت تلك النار، ولم تنطفئ بعد، وهذا منذ 30 سنة.

الصحفي: من ذلك السياق، كانت فترة صعبة في الجزائر أيضا.

الشيخ: فترة صعبة جدا، كانت السنوات المظلمة، مع سقوط الآلاف من الضحايا، وكانت تقريبا حرب أهلية، حتى لا نسميها كذلك، ولكنها كانت حرب أهلية. يعيش هذا العالم توترا أبديا. ينبغي أيضا الإنتباه إلى وجود إيضاءات الأمل في ذلك. حيث كل ما جرى لم يجري من أجل سطوة ظهور أو جلب اعتزاز مجد، ولكنه جرى كعلاج مقدم، مقترح على المجتمع.

الصحفي: أحب كثيرا مبادرة قدمتها في أكتوبر 2014 بوهران. نظمتم المؤتمر الدولي للأنوثة من أجل ثقافة السلام –الكلمة للنساء-. أمر غير متوقع، عندما ننظر إلى المسلمين والإسلام...

الشيخ: نعم. نعم. هذه أيضا صورة نمطية. نعم، مع وجود 3600 مؤتمِر، وكان الثلثي من النساء، جاءوا من أربعين دولة، بحضور فقيهات، ونشطات من الحركات النسوية، لم تلتقين أبدا بالجانب الآخر، الجانب التقليدي، وجرت الأمور على أي حال في جو، أقول أنه خارج الزمن، عندما نستعيد الذاكرة اليوم، نتساءل هل كان ذلك ممكنا؟

الصحفي: هل تعيدون الكرّة؟

الشيخ: كل شيء يتجدد.

الصحفي: عندما نفكر في العربية السعودية، وحال حقوق المرأة، فعند الدول العربية الأمر صعب للغاية.

الشيخ: هل تعلم، أن كل شيء ممكن، طالما تلقينا مساعدات، إذ أن بمثل هذه المبادرات، لو تحصلنا على مساعدات من طرف أشخاص أو مؤسسات تسمح لنا بالقيام به، لأقمناه كل سنة أو سنتين أو ثلاث. ولكن لسوء الحظ. حسنا، نبذل الجهد الأول، الذي كان معتبرا، حتى جمعنا 3600 شخص، جاءوا من الأركان الأربعة للعالم، للحضور طوال أسبوع، وتسجيل 85 تدخلا بلغات عدة، وكان جهدا معتبرا، جرى التحضير له طيلة عامين.

الصحفي: على كل حال، يوجد لاحقة، أودّ كثيرا أن أكون مدعوا، وأحاول دعوة رجالا كذلك. والتتويج كان بالفعل، هذا اليوم الدولي للعيش معا في سلام، الذي أقرّته الأمم المتحدة، وسيكون كل سنة، في يوم 16 مايو. منذ أربعة أعوام تنشطونه، والجميل أنه يتجاوز الحوار البيديني، ويمس كل العالم.

الشيخ: (يمس) الإنسان. مرة أخرى، إنه الرجوع إلى أساسيات التقليد الذي يشجعنا، مستفسرا إيانا ماذا جعلتم للآخرين؟ وماذا قدمتم للآخرين؟ لأن التصوف يقوم بتمييز، كما قلت لك، الحياة، التي هي هبة تلقيناها، ولكن ماذا فعلنا بها؟ بمأننا لسنا أبديين، فنحن مندرجين بين ولادتنا ووفاتنا، وإنها بضع ذكريات سنتركها من هذا المسار القصير من الزمن. أي ذكريات سنترك؟ وكيف سنستفيد نحن من هذه الفترة الوجيزة من الزمن التي أتيحت لنا؟ كلما نشرنا السلام بشكل أكبر، كلما نشرنا السعادة بشكل أوسع، وكلما نشرنا المعرفة بشكل أكبر، وكلما نشرنا الأخوة بشكل أوسع، وكلما كان ذلك تطويبا لحياتنا.

الصحفي: إذن، العيش معا، الشيخ بن تونس. أودّ، مادام هذا البث الصوتي يستمع إليه أساسا مسيحيين، أن أطرح عليك هذا السؤال، ما الذي يواجهنا أكثر نحن المسيحيين والمسلمين؟

الشيخ: عندما ننظر إلى العمق، لا نجد الشيء الكثير يواجهنا. توجد العقيدة، أو ما نسميه عقيدة التثليث والتوحيد. هل هذه هي المعارضة؟

الصحفي: بالنسبة للمسيحيين، إن الإعتراف بحقيقة شخص المسيح شيء أساسي، والإعتراف به، هل تعتقد أنه يأتي يوما، ويحدث هذا الشيء في الإسلام، فلدينا ديانتين سماويتين.

الشيخ: نعم، يسوع (سيدنا عيسى) معترف به في الإسلام ومريم...

الصحفي: هل هو معترف به كما نحن المسيحيين نعترف به.

الشيخ: هنا يوجد الإختلاف. هنا يوجد ذلك الإختلاف، ففي الإسلام الشرعي، وأؤكد أنه الشرعي، ففيه معترف به أنه أحد الرسل، وكلمته ألقاها إلى مريم. بهذا المفهوم على المسيحيين أن يفكروا، كيف ينظر إلى يسوع (عيسى) في الإسلام، لأن الإسلام يفرض نظرة التوحيد، أن الله سبحانه وتعالى الأزلي والأبدي. إنه تصوير القرآن الكريم للإنسان، وإنها عند المسلمين صورة مزعجة، لا نستطيع إرجاع الألوهية إلى صورة، ولكن بالمقابل بالسمو، ويوجد مفهوم السمو في الإسلام، حيث من خلاله يمكن للإنسان أن يتلقى الألوهية، فهو ليس إله، ولكنه يستطيع تلقيها. إنها مفاهيم فقهية يحتويها الفقه، وعندما نكون فقهاء، أعتقد أنه علينا الإحتراز والمحافظة.

الصحفي: ألا نخوض هنا مسائل فقهية دقيقة، تتجاوز عقيدة الإنسان العادي، المسيحي العادي، على سبيل المثال، الذي عنده أن يسوع هو الله وإنسان، تلك الوحدة المزدوجة لطبيعتين.

الشيخ: ليس كل المسيحيين كذلك، يوجد في المسيحية من ليس لديهم هذه الفكرة.

الصحفي: أيهم؟

الشيخ: يوجد من يرى في يسوع أنه هو الله، ويوجد من يرى أنه نبي، يوجد اختلاف، ظهر عبر التاريخ المسيحي، وتواجد العديد...

الصحفي: ما تريد قوله هو أننا نحن المسيحيين، سيمكننا يوما اعتبار بشكل مختلف طبيعة المسيح؟

الشيخ: شهد التاريخ ذلك في الماضي، وظهرت اختلافات بين مختلف الميولات المسيحية...

الصحفي: إذن يوجد تطور مرغوب فيه، وسيأتي يوم، نستطيع فيه نحن المسلمون والمسيحيون أن نفهم نفس الشيء، ويكون لنا نفس الإدراك للمسيح؟ تكمن العقدة هنا.

الشيخ: أنا متأكد أنه سيكون عاجلا أم آجلا.

الصحفي: وسنصل؟

الشيخ: نعم، أنا متأكد، أنه سيحدث عاجلا أم آجلا. لأننا لا نستطيع إيقاف الزمن.

الصحفي:  بدون أن يبطل ذلك ألوهية المسيح؟

الشيخ: يتم فهمها.

الصحفي: يتم فهمها. أحب ذلك.

الشيخ: يتم فهم ما هو إلهي في يسوع، وما هو إلهي فينا نحن، قبل ذلك. إذا انطلقنا من أنفسنا سنستطيع فهم يسوع، لأن يسوع هو رسول المحبة، وإذا تخللتك المحبة فمن أنت؟ أن تصبح محبة يعني أن...

الصحفي: أن تصبح الله.

الشيخ: عليك أن تطرح السؤال على نفسك.

الصحفي: كان معي ضيف، على "زيتيو"، وهو برترون فارجولي، حتى لا أسميه، وهو أرثوذوكسي، وقال بالتقريب نفس الشيء، منذ أسابيع قليلة.

الشيخ: هاته هي المسألة التي تعنينا بصفة خاصة، سواء في المسيحية أو في الإسلام، في الجانبين، إذا تخللتنا المحبة، إلى درجة أن تصبح مكسبا فينا، ونصبح محبة. يوجد جانب فينا أناني وآخر ذو نزعة فردية، الذي شيئا فشيئا سيضأل فينا، ليترك المجال للمحبة، ومن تمكنت منه المحبة، فهو يعيش الكمال، لأن كل شيء محبة.

الصحفي: إذن سنصل، ويكون ذلك في آخر الزمان، ربما..

الشيخ: لا. لماذا في آخر الزمان، ومن يستأثر الإحتكار ويقول أنها نهاية الزمان، إنها نهاية زمن، وليس الزمان.

الصحفي: في أيامنا نعيش وقتا عصيبا وصعب جدا، هل هي محطة تاريخية جديدة، لأنه تمر علينا فترات توترات كبيرة، كشارل مارتيل الذي أوقف (المسلمين) عند مدينة بواتيي، واسبانيا التي احتُلت لمدة طويلة، والحروب الصليبية، وكذا معركة فيينا، حين أوقف الملك البولوني يوحنا الثالث سوبياسكي الأتراك الذين كانوا يريدون غزو أوروبا.

الشيخ: عند بوابة فيينا، نعم.

الصحفي: عند بوابة فيينا، وفي الناحية الأخرى، فنحن (قمنا) بالحروب الصليبية. توجد توترات اليوم، وهل تعتقد أن ذلك سيزول أو تزداد الأوضاع خطورة؟

الشيخ: أقول أن ذلك جزء من التاريخ البشري، ولكن لا يعدو كونه سوى تاريخ ديني، إذا فتشنا أكثر، سنرى أن وراء كل تلك المعارك ووراء كل ذلك، توجد الكثير من الأمور السياسية، وأنانيات النفس، ومصالح محضا مادية، كانت الناس تبحث عن السلطة والثروة، وغالبا ما كانت العقيدة سوى الذريعة...

الصحفي: من هذا الجانب أو من ذاك.

الشيخ: حتما. نحن بشر ونبقى بشر، ومن يقدر على تخطي علاقته، أقول القومية، تلك العلامة الوطنية، مما يعني أننا نصنع حدودنا، ونحجز أنفسنا في نظام، والنظام يستغلنا في غاية هي محضا مادية.

الصحفي: ما معنى النظام هنا؟ من تقصد به؟

الشيخ: النظام الذي صنعه الناس، والنظام دائما...

الصحفي: السلطة.

الشيخ: بالضبط.

الصحفي: وأحيانا الدين، عندما يستخدم لأهداف سياسية.

الشيخ: السلطة والثروة، وأحيانا يُسخّر الدين، ليصبح مطية.

الصحفي: بالفعل. عندما نتكلم عن الدين، غالبا ما نخلط هنا بالغرب بين الإسلام والإسلاموية والعرب والأتراك والفرس الذين هم إيران اليوم، نخلط بين كل هؤلاء، وبعض المفكرين وأهل الجدل يساندون فكرة أن الإسلام حتما سيئ، وأنه لا يجب التفريق بين الإسلام والإسلاموية.

الشيخ: تلك حدودهم. حصروا أنفسهم وأغلقوا باب أفقهم. لا يذهب أفقهم بعيدا، لو بذلوا جهدا أو وجدوا شخصا، لأن هذا أيضا يدخل في الحوار. الغير يوضح لي، وأحيانا أخطائي. لنتقبل الحوار. لهذا فبدل الصراع نتبع الحوار، الحوار يوضح، ولو كنا نملك إمكانية إيجاد أماكن للحوار، وخاصة الدور الذي يلعبه الإعلام، الذي له دورا مهما في عصرنا. عند العمل على مناقشة هذه الأفكار لن نصل إلى نقطة اللاعودة، التي هي الصراع، وخاصة آثار مخلفات التدمير. لأننا عندما ننظر إلى الحرب العالمية الأولى، نرى أنها حربا غير دينية، والحرب الثانية لم تكن دينية، رغم ذلك ضاع فيهما الملايين من الناس ودمرت مدن. من كان المحرك لهذه الحروب؟

الصحفي: على أحزمة الجنود الألمان رسمت عبارة "الرب معنا". على أي حال نظريا، الرب في الجهتين.

الشيخ: هنا أيضا تمت المباركة. بارك قساوسة في الجهتين، وكان في الجهتين مسيحيين. أنتم ترون أن الأهداف المادية محضا تعمي أبصارنا. عندما نرى اليوم أن في كل قرية يوجد نصب تذكاري للحرب، في كل قرية فرنسية، وربما في كل قرية ألزاسية أو ألمانية توجد مقامات لإحياء ذكرى قتلى الحرب العالمية الأولى والثانية، ماذا نقول لهم اليوم، عندما نذهب إلى الألزاس، ونرى كل تلك المقابر، أين دفن جنبا إلى جنب، الألماني والفرنسي، وكذا السنيغالي والجزائري، واليهودي والمسيحي، وكل أولئك الناس الذين دفنوا هناك؟ جمعتهم الموت. لماذا لا نبذل ذلك الجهد، ونجتمع قبل الموت، ولا نصل للكارثة؟ ولكنها مخاوفنا.

الصحفي: أيها الشيخ بن تونس أنت تتكلم عن كارثة، أود أن أجعلك تتفاعل، إن شئت، بشأن البابا فرانسوا، منذ بضعة أيام كان في جزيرة ليسبوس، وشجب الأنانية الأوروبية ودعا إلى إيقاف أفول حضارتنا.

الشيخ: هذا قوي جدا.

الصحفي: نحن هنا بالقرب من مدينة كان، والبحر الأبيض أقرب، والأمر يتكرر أيضا ببحر المانش. كيف تتفاعل، وكيف ترى الأمور(1) ؟

الشيخ: إسمع..

الصحفي: بشأن البابا أولا.

الشيخ: نعم. حسنا. بالنسبة لي، إن كلمة البابا هي كلمة الضمير، وضمير إنسانية رجعت إلى محاسن الإنسانية، وإنها دعوة للرجوع إلى إنسانيتنا. إنها كلمات قوية جدا، وسيكون لها، حسب رأيي، ويبقى سوى رأي، عواقب في المستقبل، إذا لم نتخذ الحذر.

الصحفي: لأننا في هذا التوقيت يهمين علينا الحوار السياسي والحملة الانتخابية، التي هي قوية فيما يخص ملف الهجرة(2).

الشيخ: إنها ضعيفة، ليست قوية.

الصحفي: تفرض نفسها، على كل حال.

الشيخ: تفرض نفسها، ولكنها ضعيفة، من ناحية الأفكار المناقشة، فهي ذات مستوى متدني، ليست قوية من هذا الإتجاه، من الناحية الإنسانية، بالمعنى النبيل. كنت أود أن نناقش حقا، بحيث لدينا تحديات هائلة أمامنا، فالإحتباس الحراري والتلوث، وفي البحر الأبيض المتوسط يوجد أموات ولاجئين الذين يعبرون ويموتون، وهو في حد ذاته بصدد الموت بالتلوث، نحن نقوم بقتل بحر، هو مهد الحضارات..

الصحفي: هل توجد حلول؟

الشيخ: بالتأكيد توجد حلول، يوجد علماء ومهندسون، الذين درسوا القضية، وسفينة صنعت لإزالة التلوث من المتوسط في ظرف 14 سنة، ونحن في نقاش مع المطلين عليه، من الدول الساحلية للمتوسط، لنكون معا، لأنه عمل سياسي، يكفي أن تتفق الدول، والوسائل موجودة.

الصحفي: بالفعل، إن الذي يخيف، لا يخيفك أنتَ.

الشيخ: قطعا لا. بالعكس، هذا يساعدنا على المضي قدما، وإن الإستسلام للخوف يشل، ويجمد الفكر، ويعدم التفكير. حالما يصيبك الخوف، وحالما تدخل نظم الخوف والإنطواء، يصيبك الشلل، وتنعدم لديك طرق التفكير العادي والنيّر. عدتُ من جزر الكناري، من جزيرة صغيرة تعيش استقلالية، لقد قرروا لا للسياحة، يوجد بها فندقين، وبقية الجزر بها مئات الفنادق، وهي جزيرة قرر ساكنتها أن لا يتخذوا فنادق، وهم لا يملكون سوى فندقا يحوي 15 غرفة، وكذا أصغر فندق في العالم، به ثلاث غرف، وهذا كل شيء في كل الجزيرة. فضلوا الزراعة الصحية وتربية المواشي، يربونها ويصنعون جبنهم، وهم مكتفين ذاتيا، واليوم يغذون بقية جزر الكناري، التي اختارت السياحة، وتعيش اليوم الكارثة الاقتصادية(3).

الصحفي: الشيخ بن تونس، إننا نصل إلى نهاية هذا اللقاء، أنا حقا سعيد جدا، أريد أن أشكرك من كل قلبي، وإنها لحظة كبيرة بالنسبة لبثي السمعي، المتواجد منذ سنتين، لإستقبال شخص يمثل دين آخر، نحن قريبين منه بشدة، حقا أشكرك، ولدي طلب أقصدك به، لأن هذه الحلقة ستبث أيام قلائل قبل أعياد الميلاد، أي رسالة لك الشيخ بن تونس للمستمعين المسيحيين وغير المسيحيين، نسبة إلى هذا المجيء، ميلاد يسوع هذا.

الشيخ: هذا الميلاد يذكرنا، يجب نسيان شجرة عيد الميلاد، ونسيان الهدايا، يذكر بشيء، يذكرنا بالمبدأ الأساسي للمحبة. أحبوا بعضكم بعضا. هذا هو. إن معنى أعياد الميلاد أحبوا بعضكم بعضا في العائلات وفي الحياة الزوجية ومع الجيران، فهذا المبدأ الذي ينبغي أن يسلط الضوء عليه. أحبوا بعضكم بعضا، ولتتحابوا يجب أن تغفروا لبعضكم بعضا. لتتحابوا ينبغي أن تتحاوروا، وعلينا أن نسعى لتشجيع الإقدام على البحث في أعماق أنفسنا، ونبحث عن ما هو نوعي وما هو جميل، والذي لا يجرح، وما يفيد في إصلاح الأمور. أظهرنا فسادا في الأرض في جميع الميادين، وقمنا بتسميمها، فلنرجع إلى أساسيات ما يوحّدنا ويحمي وينير. لدينا الإمكانية، قلتها للتو، التكنولوجية للقيام بمعجزات. وإن لم يكن، ولم نفهم هذه الرسالة، حسنا، هذا الكوفيد الذي نزل ضيفا في الهواء الذي نستنشقه، جاء ليعطينا هذا الدرس. لا يمكنكم أن تفعلوا خلاف ذلك، إلا أن تستنشقوا معا وتزفروا معا. أنا أستنشق ما تزفر أنت، وإذا خفتَ مني أو خفتُ منك، حيث لا يمكننا فعل خلاف ذلك، إلا الإستنشاق معا نفس الهواء. لنجهد أنفسنا للرجوع نحو تحكيم العقل، ولنجهد أنفسنا للرجوع إلى القيم الأنسية، ولدينا 16 من مايو من كل سنة، وهذه رسالة أيضا، أودّ ذلك، يوجد فيلم تم إنجازه مؤخرا من طرف مخرج بلجيكي، عنوانه "نحن جميعا"(4)، أدعو جميع الذين يريدون مشاهدته، سيبث يوم 16 مايو عن طريق فايسبوك وتويتر والشبكات الإجتماعية. إذن "نحن جميعا"، ذلك عنوانه، وبمناسبة 16 مايو من هذه السنة، ويُظهر لنا من خلال عشر دول أو أكثر، أناس اختاروا العيش معا بسلام، وكيف تمكنوا من إصلاح مجتمعهم، وكيف تخطوا النزاع القاتل، وكيف جرى لقاء الضحية والجلاد بعد سنوات، وأعادوا بناء مجتمعهم، وعادوا وانطلقوا من جديد نحو الوحدة والمنفعة المتبادلة، التي تبعث الحياة، ويعيدون العمل معا، ويتفحصون ماضيهم ويقومون بالمعالجة. نحن بحاجة اليوم إلى متطوعين وأناس يعالجون الشر الذي سببناه للأرض. أطفالنا يقولونه لنا باستمرار، ويذكّروننا، انظروا ماذا يقول الشباب عن المجال البيئي، التي أصبح اليوم دين، ليست بدين، بل ذلك واقع. اليوم، علينا أن نحضّر أبناءنا لإصلاح الأضرار، وتوجيههم نحو مهنة الإصلاح هذه، التي هي في الآن نفسه روحية ومادية.

الصحفي: هذا بالتحديد هو معنى منشور البابا فرنسوا.

الشيخ: هذا رائع. إذن فنحن نلتقي.

الصحفي: الشيخ بن تونس شكرا جزيلا على المشاركة في هذه الحلقة.

الشيخ: من فضلك. شكرا لك أنت أيضا.

الصحفي: شكرا جزيلا.

الشيخ: عيد سعيد. عيد سعيد للجميع.

الصحفي: شكرا. عيد سعيد للجميع. إلى اللقاء أيها المستمعي الأعزاء.

ـــــــــــــــــــــــــــــ

(1). شهد بحر المانش مؤخرا كارثة إنسانية، بعد غرق عبّارة مهاجرين، قضى فيها أكثر من 27 مهاجرا سريا، مما قد يجعل هذا البحر يتحول إلى مقبرة مفتوحة مثله مثل البحر الأبيض المتوسط، واختيار عبور بحر المانش طلبا للعيش الرغيد يبقى اختيارا حديثا، وسجلت أولى المحاولات سنة 2018، عكس البحر الأبيض المتوسط، الذي يمشطه المجاهرين غير الشرعيين منذ عقود.

(2). يشار إلى مشهد المبارزة في حملة الترشح للرئاسيات الفرنسية القائمة حاليا، والتي من المقرر أن يجرى التصويت الشعبي عليها في شهر أبريل 2022.

    وصف أحد المواقع "تتصاعد حدّة الخطاب ويشتد تطرّفه في السباق إلى قصر الإليزي وتلعب ملفات مثل الهجرة والأقليات والإسلام السياسي دورًا محوريًا في عدد من الحملات الانتخابية والخطب الجماهيرية، التي تتعهّد وتتوعدّ، وترسم صورة مختلفة لمستقبل فرنسا". موقع alaraby.com في 07 12 2021.

(3). يمكنكم العودة إلى نص "ميزة العمل بنظام الدائرة"، الذي نشر في هذه المدونة يوم 12 12 2021، فقد ذكر في الأسفل تقرير مبسط عن هذا الموضوع.

(4). "نحن جميعا" هو عنوان فيلم وثائقي من إخراج البلجيكي بيار بيرار، مدته 91 دقيقة. في الموقع الإعلاني للفيلم  عبر منجزه قائلا:

    ماذا لو أظهرنا بعيدًا عن التوترات الكائنة حول مسائل الهوية والخوف من "الآخر"، نظهر حقائق أخرى؟

    ماذا لو روينا قصصًا عن مواطنين جريئين، الذين ضمن منظور حياة متناغمة بين الناس من مختلف المعتقدات، يعيدون تدشين الأسرة والتعليم والعلاقات الاجتماعية والثقافة والعمل، وهذا بالرغم من التوترات الموجودة.

    ماذا لو بفضل هذه القصص المستقاة من أركان الكوكب الأربعة، بدأنا في رؤية ظهور ما يمكن أن يكون عالم الغد المتعدد الهوية وأيضا المتناغم؟

    ماذا لو شاركنا جميعًا؟

 

    العرض الإعلاني للفيلم مع العنونة العربية.

اضغط هنا

 

    وفي الرابط التالي مختلف ما تم إنجازه من الترجمات للعرض الأولي للفيلم.

اضغط هنا