السبت، 7 ديسمبر 2013

لقاء مع الشيخ خالد بن تونس

لقاء مع الشيخ خالد بن تونس


الحرية في التصوف تعبث بالنظام القائم.

    خالد بن تونس، مرشد روحي يدعو للتغلب على الإنقسامات الدينية. و يستند على الحرية و التسامح السائد في هذا الفرع من الإسلام. تعتبر القيم الروحية و التضامن ضرورة حيوية للبشرية، كي تتغلب على التحديات التي تواجهها. هو إعتقاد راسخ للشيخ خالد بن تونس، بشرط "إيقاظ الضمائر" و تجاوز الإنقسامات الدينية. مرشد روحي للطريقة العلاوية، منذ سنة 1975، يجوب العالم في محاولة لإيصال مثل إنساني أعلى ، يرتكز على قيم مشتركة، فيما وراء الإنتماءات الدينية، في الوقت الذي غالبا ما ساوى الإسلام مع العنف و انعدام الحرية، و بينما يثير التعايش بين الأديان جدلا ساخنا، مثل تلك التي تحظر بناء المآذن (1) أو النقاب، فإن خطاب الشيخ خالد بن تونس لمفعم بالحيوية، كأنه إيقاعات لحن طوباوي (2). بيد أن، مواجهة للتحديات الحالية الإقتصادية و المناخية و جملة من الأمور، تأخذ هذه المُثل أيضا، أكثر من معنى في نظر شيخ صوفي. بمناسبة زيارته لمارتيني (3)، يعبر الشيخ خالد بن تونس، عن رؤيته للطريقة الصوفية و مكانتها في المجتمع.

الصحفية: ما هي علاقة التصوف بالإسلام التقليدي؟

الشيخ خالد بن تونس: هو ينتمي إلى الإسلام التقليدي، منذ نشأته و حتى من قبل. و هو يتوافق مع حكمة سكنت دوما الإنسان. فيما يتعلق بالإسلام السياسي، فهذه قصة أخرى. الديانات و ليس فقط الإسلام، غالبا ما تكون تحت سيطرة من هم بالسلطة. يقوضون حريتكم فتقلبون النظام القائم. لهذا السبب، التصوف يزعج. في الواقع هو درب يدعو للحرية و المسؤولية. نحن لا نريد دغماتية مشلِلة (4).

الصحفية: ما هي الصلات التي تربطكم بالديانات الأخرى؟
الشيخ خالد بن تونس: أتمنى بناء جسور، و تنظيم لقاءات بيدينية، لأنني أعتقد بوجود قيم متقاسمة من قِبل جميع الناس: التضامن، الإحترام و الحرية. مع الشباب الكشاف (هو الرئيس المؤسِس لعدة جمعيات ثقافية و إجتماعية بالجزائر و فرنسا، كما للكشافة الإسلامية بفرنسا)، نحاول الإعتناء بالغيرية و اعتبارها كإثراء. نحن نشجع هؤلاء الشباب لتطوير مواطَنة متقاسَمة و مسؤولة، تندرج فيما وراء إنتمائهم الديني. نحاول أن نُعِدَّهم لعالم الغد المعولم.

الصحفية: أين يتواجد التصوف بين التقليد و الحداثة؟

الشيخ خالد بن تونس: إنه يتوافق مع الحداثة، و لكن حداثة مبشَّرة (5)، ليست مجعولة فقط من قيم بورصوية. لهذا نتمسك بالقيم الكونية. ينبغي تنمية شعور الإنسان الذي يتوجه نحو تحديات كبرى، سواء كانت إقتصادية أو بيئية. نود الحفاظ على المستقبل، و لكن ليس لمجرد مظهر مكسبي. نتمنى رؤيته يدمج (6) القيم الفلسفية و الإنسانية و عدد وافر من القيم و المعتقدات. ينبغي علينا أن نقدر هذه التعددية و اعتبارها كإثراء.

الصحفية: لقد ذكرت تحديا إيكولوجيا. ما هو المنظور الخاص بك حول هذا التحدي؟

الشيخ خالد بن تونس: وفقا لتعاليم الصوفية، تمتلك الطبيعة، طابعا مقدسا، و نحن نحترمها في صلة حي بحي. كان لي، على سبيل المثال، في طفولتي حُظرت من المشي على حبوب القمح بالأحذية. يجب إحترام البذرة و حتى هي مفعمة بالله. بيد أن، ما يسود اليوم هو علاقة الهيمنة التي تشكل خطرا على المستقبل. يجب أن نسأل أنفسنا عن تأثير أفعالنا في بيئتنا. فمن هذا المنطلق، أقول ينبغي تنمية شعور الإنسان. على سبيل المثال بكوبنهاغن ( خلال القمة العالمية حول المناخ )، خرج كبار هذا العالم بملاحظة، هي أن الوضع خطير، و لكنهم إتخذوا قرارا، هو أن لا يفعلوا شيئا. نحن نعارض هذا التيار الإنهزامي.

الصحفية: هل يمكن أن ينظر إلى خطابك أنه طوباوي؟

الشيخ خالد بن تونس: أنا لا أطمح لعالم مثالي. على الرغم من أن طوباوية متقاسَمة من قِبل الملايين من الأشخاص قد تصبح حقيقة. بالمقابل، أقدِّر أنه يمكننا و يجب علينا العمل كلٌ على مستواه.

الصحفية: كيف تنظرون إلى النقاش في سويسرا حول حظر النقاب؟

الشيخ خالد بن تونس: ما أراه هو أن مرة أخرى، المرأة هي التي تتعرض للدفع. دعونا نوقظ ضمائرنا و نتجاوز هذه المشاكل العبهرية (7). هذا النقاش يثير السخرية، نظرا للتحديات الهائلة التي تنتظر عالمنا. بعض الأشخاص لا يملكون حتى الحد الأدنى للقوت الحيوي. بالتالي، فإن النقاش حول البرقع ( النقاب) هو ذو مستوى متدني.


                                                                                 مجلة Le courrier
                                                                                حاورته مليسا لورانس، 02 07 2010

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). بدأت منذ شهر سبتمبر 2013 إجراءات حظر النقاب بالأماكن العامة بسويسرا، و ترجع العملية إلى البرلمانات السويسرسة، كل مقاطعة على حدى، يصوت نوابها على القرار. و عمليات المنع تتلاحق اتباعا في كل سويسرا. أما عن جوازية بناء المآذن فقد أجرت الحكومة السويسرية إستفتاءا عاما، شارك فيه مجموع السكان السويسريين سنة 2009، و أفضى إلى رفض الأكثرية بناء المآذن بالمساجد.
(2). طوباوي. ما لا يوجد في أي مكان، و توسعا: مكان خيالي مثالي.
(3). حضور الشيخ خالد بن تونس بمارتيني بسويسرا، خلال المهرجان الثقافي لـ"أيام القارات الخمس".
(4). دغماتية. و تسمى كذلك عقَدية أو وثوقية أو يقينية، و هو مذهب فلسفي قائل بأن قوى الإنسان العقلية قادرة على بلوغ الحقيقة إذا إعتمد على هذه القوى بطريقة منهجية.
(5). مبشَرة. أي مجعولة في مستوى بشري.
(6). أي المستقبل.
(7). عبهرية: نرجسية أي الولع بالذات و عشق الذات.



السبت، 30 نوفمبر 2013

الإنسان باطنيا تحت ضياء القرآن


الإنسان باطنيا تحت ضياء القرآن



نضع بين أيديكم  مقتطفات مترجمة إلى العربية، سبق نشرها، من كتاب "الإنسان باطنيا تحت ضياء القرآن"، لصاحبه الشيخ خالد بن تونس، الصادر باللغة الفرنسية سنة 1998 بمنشورات ألبين ميشال، باريس.

 جاء في مقدمة الكتاب:

   "إن اليوم، تتفق مختلف التيارات الروحية، أكثر فأكثر، على القول أن، اذا ماتت البشرية يوما، فالقليل منهم سيكون حقيقة أحياء، أحياءا بالمعنى الروحي.

   إذا أردنا الحفاظ على الإنسانية في أنفسنا يجب أن نرفع من مستوى الشعور الكوني، بشرط لا غنى عنه، أن لا يصبح الإنسان آلة مفكرة. كل الأصوليات المتحدرة من المحافظة (1) تريد أن يكون النظام الذي وضعوه غير قابل للتغيير، ناسين أن المعنى الحرفي للدين يعلمنا حقائق سطحية، مصدر المصائب و المآسي، في حين أن الروحانية الصحيحة، هي سعي دائم، لإعادة إكتشاف الرسالة، حتى نستمتع في المشاطرة، بمسرّات الحياة و الفيض الإلهي الذي لا ينضب.

هذا البحث الذي يدعو إليه هذا الكتاب، مستوحى من القرآن، و لا يشكل أي تأويل أو عمل تبحّري، بالمعنى التقليدي للمصطلح.

   لقد تلقى محمد صلى الله عليه و سلم أول آية من القرآن الكريم في منطقة الحجاز حيث توجد مكة، خلال إحدى خلواته. و قد تتابع الوحي طيلة اثني عشرين سنة، من سنة 610 و حتى عام 632 م، تاريخ فاته صلى الله عليه و سلم.

   و كان نزول بعض الآيات مزامنا لأحداث تاريخية محددة جوابا لتساؤلات مختلفة إما إجتماعية أو فلسفية أو روحية، إلخ. و القرآن يحتوي على 6226 آية موزعة في 114 سورة، و تجدر الإشارة إلى أن ترتيب هذه السور و الآيات لا يطابق تاريخ نزولها، فلما انتهى نزول الوحي، رتب النبي صلى الله عليه و سلم القرآن في سور و آيات بإلهام و وحي من الله، و قد تم جمعه في المصحف الذي هو بين أيدينا في عهد الخليفة الثالث عثمان ابن عفان (644-656). توجد النسخة الأصلية في متحف طوب-كابي بإسطمبول.

   بأسلوبه الرائع و منهاجه البديع يشكل القرآن حقلا غنيا في ميدان العلوم و اللسانيات لاستنباط القواعد و التقنيات. بخلاف أشكال الفنون الأدبية أو العلوم المنطقية الأخرى و بكونه كتاب إلهي منزل، فإنه ليس مقيدا لا بزمان و لا بمكان، و خطابه ليس فقط صالحا للزمان الذي أنزل فيه بل هو موجه لكل الأجيال و لكل الحضارات. كما يشير إلى ذلك لويس ماسينيون، يعتبر القرآن، بالنسبة للمسلمين "الكتاب الأول و المنبع الأصلي لكل التعاليم و الدروس و هو الكتاب الذي يجب التغني به و المواظبة على تلاوته، كما يعد منبعا للشريعة و القانون و هو في الأخير كتاب الدعوات و الصلوات و هو الذي كون تدريجيا عقليتهم".
نتمنى أن يجد القارئ في هذا الكتاب، توضيحا لمعنى الإنسان من خلال التقليد الباطني للإسلام.

فهرسة الكتاب.
  
 مقدمة  
             
                              الفصل الأول: رمزية الألوهية

النور، الحضرة الإلهية، الملك، وجه الله، له الاسماء الحسنى، الخالق، الكرسي، الرحمة، سر الإيمان.
                                        
                              الفصل الثاني: الإرث النبوي

الرسالة الشاملة، آدم، نوح، إبراهيم، يوسف، موسى، داوود، سليمان، عيسى، محمد.

و خاتمة.

مما جاء في خاتمة الكتاب:

و غذا؟
     في كل مكان و زمان، ادعى رجال أنهم على صواب و تسببوا في معاناة من لم يكونوا متفقين معهم. و على الرغم من الإبادات و الجرائم و الإمبريالية المتكررة من حضارة إلى حضارة، لم يتمكنوا من حصر قدر البشرية، و لا زلنا إلى اليوم نعيش لحظات إضطراب و أزمة و الريبة و التطرف و التعصب بجميع أنواعه. 

     إني على يقين بأن البشرية سوف تخرج منها مرة أخرى منتصرة، أقول هذا و أفعل كل شيئ، على الأقل حسب مستواي على بساطته، لتعليم و نقل الأمل في عالم أفضل، من العالم الذي يفرض نفسه علينا كل صباح. إن الحديث الآن على حالة الرجل الكوني (الإنسان الكامل)، يبدو زهيدا بل و غير مألوف، عالم جديد يحضر إلينا، عالم دقيق و مقنع، عالم نظيف، و مرتب رياضيا، خال من أي صدفة أو حلم.

     إننا نتجه جميعا، على الرغم منا نحو عالم يتغير على المستويات الإقتصادي و المالي و التكنولوجي و العلمي، إنها العولمة التي تسير بالقوة و لا تأخذ بعين الإعتبار أي فارق و لا تحترم أي حميمية. 

     لقد صار مبدأ الربح المفرط، الذي نصب كمذهب جديد، يجب أن تذعن له جميع الدول و الشعوب بدون إستثناء، كأنها آلة كسر الحجارة التي تسحق المادة لتستخرج منها المعدن، كما صارت الفائدة سيدة الموقف، و أصبح الإعلام خاضعا للتصرف. كما أن الإحتكار و الرشوة اللذين يواكبان ذلك، يفقران الأغلبية لفائدة الطموحات المفرطة لأقلية متعجرفة.

     إن المجتمع جاثم و متخم بوسائل الإعلام، الممهدة لقدوم الرجل الجديد، المستهلك الوديع لشطائر هامبرجر، المستعمل للألات العاملة التي تحلل و تسبر و تنتج في خاتمة المطاف مشاريع لمفاهيم جديدة للحياة. و بفضل هذه العقول الإلكترونية، حسب قولهم، سوف يتخلص الإنسان من الترددات و من العاهات الوراثية لأجداده. يا لهذا العالم، حيث كل شيئ مخمن و مشرح و مستنسخ قبل التنفيذ.

    ... سوف تولد أصناف جديدة في الحيوانات في المختبرات مبرمجة لتلبية حاجيات الإنسان في التغذية أو كرفاق للمتعة. و سوف تمحى من الأرض الأصناف المعدنية و النباتية و الحيوانية المضرة. و من طبيعة الحال، الرجال ذوي العرق المتدني جينيا، سوف ينشأ عهد تقني و ثقافي جديد، سوف تشيد مدن ضخمة بها متاحف رائعة، حيث تعرض الفلسفات و المعارف و العادات و التقاليد و الديانات، و يمكن لكل واحد حسب رغبته، و بارتدائه لخودته أن يكون قسيس نفسه و إمام نفسه و خاخام نفسه، و يلعب دور سقراط أو موسى أو فرعون، أو يعرف الدقائق الخفية للمعرفة السحرية للطحين أو غرائب الحضارات الأزطيكية. بل و أكثر من ذلك، سوف يصل إلى مرحلة النيرفانا أو التنوير بدون إكراه و لا مجهود. أما العصاة و المرتدون و المهمشون، فضالة المجتمع، فسوف نزج بهم في الكواكب البعيدة، التي أصبحت محتلة لفسح المجال أمام الإنسان الجديد للعيش في السلام و الإنسجام، فوق هذه الأرض الجميلة التي تم تصورها علميا، عندها سوف تكون المغامرة البشرية قد حققت أوجها، و يكون الإنسان قد نجح في كسر الحواجز المنصوبة على طريقه، و سوف تصبح الجنة الأبدية في متناوله... و حتى الإله نفسه بعظمته سوف يخنع في خاتمة المطاف أمامه، الإله الجديد. و سوف يحقق ابن آدم إنتقامه. و سوف يقفل الطوق، هل هذا هو حلم البشرية؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). نزوع إلى إبقاء ما هو قائم و مقاومة التجديد.