الثلاثاء، 27 يناير 2015

يجب أن نعلم أبنائنا من جديد قيمة الحياة


يجب أن نعلم أبنائنا من جديد قيمة الحياة


    بعد تعرض الجريدة  الساخرة "شارلي إيبدو" لهجوم إجرامي يوم 07 01 2015 بباريس، تسبب في مقتل عدد من موظفيها، و ما ألقاه هذا الحدث من وبال على الجالية الإسلامية بفرنسا و أوروبا، إذ نسبت الجريمة لمسلمين فرنسيين من أجل جزائري، و نهوض كل الأمة ضد العملية و توحدها، دفع بالمسلمين الغيورين على دينهم و المتمسكين بوطنيتهم إلى النهوض و التعبير عن سخطهم و التنديد بالجريمة النكراء التي ألصقت بالإسلام و المسلمين.

    في هذا السياق، كان للشيخ خالد بن تونس دورا فعالا و بارزا في الكشف عن خطته في إظهار أنسية الإسلام و الرحمة الكبيرة التي ينشرها، و مؤكدا على الدعوة للعيش معا، في ظل عالم يتميز بمخاض تكشفه الأيام و الليالي المتوالية. خرج الشيخ خالد بن تونس و التقى بالصحافة مبرءا ذمة الإسلام، و منبها المسلمين إلى التوحد و إلى أخذ الحيطة، و الوقوف في وجه من ألصق بالإسلام كل تطرف و عنف.

    في لقاء له مع تليفزيون France 24 Arab، جرى الحوار التالي:

الصحفي: سواء من نيس إلى باريس، و إلى بوردو، الصدمة عمت عدة مدن، و المجتمع الفرنسي. كيف عشتم هذا الحدث، أنتم في نيس؟

الشيخ خالد بن تونس: على كل حال، ليس العالم الفرنسي فقط، بل العالم ككل. و أتمنى أن الصدمة تكون كذلك، في العالم الإسلامي. ما وقع في فرنسا البارحة و اليوم، فهو عبارة عن أذى، أذى للإسلام، و قد أصاب خاصة الرسول صلى الله عليه و سلم، و تربيته. فإننا نرى أن هذه الجماعات المتطرفة، عكست حقيقة الرسالة المحمدية، التي قبل كل شيئ، أتت رحمة للعالمين.

الصحفي: خالد بن تونس، ما المفروض على المجتمع، أو على من يعيش على الأقل، على الأراضي الفرنسية في المرحلة القادمة، ما الذي يجب فعله كمسلمين بالتحديد؟

الشيخ خالد بن تونس: كمسلمين بالتحديد، مع ما نقوم به، مع بقية الأديان، هو التثبت في المواطنة، و أن نؤكد الآن، على جمع الشمل، و أن نعزم على بناء مجتمع سلمي أخوي، فيما بين أفراده، كالذات الواحدة، لها أعضاء، تقوم للسعي لبعضها البعض، في الخير و السلام، و التعايش. و هذا مفروض علينا، سواء رضينا أو لم نرضى. إننا نعيش في وطن آمن، فيه سلم و فيه قانون. من يتعدى على السلم و القانون، فقد تعدى على جميع الناس.

الصحفي: في نيس، ماهي ردة الفعل القادمة، و هل لديكم خوف كمسلمين في نيس، في الجنوب الفرنسي، في المرحلة القادمة بالذات؟

الشيخ خالد بن تونس: عند كل واحد اليوم، لا أقول خوف، بل قلق، و وصلت المسألة الآن في هذا العمل، إلى اللاإنسانية. و قد وُجّه هذا العمل لتشويه صورة الإسلام، و صورة المسلمين هنا بفرنسا. و هذا خطير. لأن متطرفين آخرين ينتظرون الفرصة، و قدمت لهم ذريعة، بأن يُدهم الإسلام و المسلمين، كالذي وقعنا فيه اليوم. إننا في مأزق. و الخروج من هذا المأزق، لا يكون إلاّ بتوحد المسلمين، الآن، و أن يفرضوا على أنفسهم، بأن يكونوا مع القانون، و مع الإنسانية، و ينددون بهذه الجماعة و كل هؤلاء المتطرفين، بأن ليس من حقهم أن يتكلموا باسم الإسلام، أو أن يرفعوا لوائه، أو  يكون لهم حظ في نصرته. خرجنا من دائرة الفضائل و الجود إلى دائرة التطرف و العنف. (1).

    و في تصريح خص به جريدة الخبر الجزائرية، قال مايلي "نتأسف لما يحدث اليوم بفرنسا من طرف شباب طائش مصاب بمرض السرطان، يعمل على تخريب السيرة المحمدية، لم يتكون لا في مسجد ولا داخل جامعة، و إنما داخل السجون و أماكن الانحراف و المخدرات، و ليس له تكوين روحي و ديني بل تكوين سطحي من الأنترنت، و يصل به الأمر إلى التحدث على أنه مؤمن ومسلم يسعى إلى نصرة الإسلام والدفاع عن شرف الرسول صلى الله عليه و سلم، الرسول أوصانا من خلال أحاديثه “كلكم من آدم وآدم من تراب”، ويقول “بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”. وأضاف محدثنا “الدين مبني على ثلاث: الإسلام والإيمان والإحسان، واليوم نقول إن الإسلام في خطر وهو ما قد يعود سلبا على مسلمي فرنسا". (2).

    و يقول الشيخ خالد بن تونس منبها "يشعر العالم الإسلامي بالإعتداء من كل جانب، و يشعر بالإنطواء على نفسه، و لا يجد دوره في عالم اليوم، و هذه مسألة عميقة". و يضيف "نحن بحاجة اليوم إلى بيداغوجية، تستند على أسس ثقافة السلام. ينبغي الإستثمار في ثقافة السلام، و في العيش معا. ليس كواقع معاش، و لكن كواقع تحدوه التربية، و نقل القيم الإنسانية التي تجمع. هذه القيم الموجودة في تقاليدنا، و موجودة في ثقافاتنا، و موجودة في دياناتنا".

    بالنسبة للشيخ خالد بن تونس، لا يريد الجهاديون سوى شيئ واحد، و هو أن يصبحوا مشهورين، بأي ثمن، و لو على حساب حياتهم. الحل الوحيد لمحاربة هذه الإنحرافات، هو التربية. " يجب أن نعلم أبنائنا، انه قبل أن نكون سودا أو يهودا أو مسلمينا، فنحن قبل كل شيئ، ضميرا و كائنا إنسانيا". هي رسالة حكمة و انشراح، موجهة للمجتمع بأسره، و للأمة الإسلامية، ضحية الإسلام المتطرف.

    بالنسبة لهؤلاء الشباب، أصبح الإسلام قمع لكل الإحباطات، و قمع لفشلهم. لم يتعلموا استنباط قوة الكلمة و الحرف. و لكن من دون التعليم، قد تكون المعلومة الدينية خطيرة.

    و في حوار أجرته معه مجلة Le Point، حول العملية، و تحركاته المستقبلية لمواجهة مخلفات الواقعة، كان رده كمايلي:

الصحفي: ألم يحن الوقت للمسلمين للرد بحزم ضد العنف الجهادي؟

الشيخ خالد بن تونس: المشكلة تتجاوز الإسلام. مجتمعنا هو الذي يدور في فراغ. شبابنا استُهلك من طرف النزعة الإستهلاكية. لأننا أصبحنا نسمع فقط عن العنف، و إن الذين يعيشون في خوف، ينطوون على أنفسهم، و ينتهي بهم الأمر إلى إنكار الآخر. يجني المتطرفون ثمرة هذا الخوف، و يتذرعون به للدعوة إلى الإقصاء.

الصحفي: هل تذهب إلى حد القول أن في نهاية المطاف، أن اليمين المتطرف الشعبوي المعادي للأجانب، له نفس مصالح الإسلام المتطرف؟

الشيخ خالد بن تونس: لا، و لكن لديهم شيئ مشترك: كلهم يدعون إلى إراقة الدماء، من خلال حث المجتمعات على المعارضة. علينا أن نتساءل عن ما تقوم به، من أجل العيش معا و جني القيم التي تحمينا من الخرق.

الصحفي: ما هي قيم المستقبل في رأيك؟

الشيخ خالد بن تونس: إن الشيئ الأكثر أهمية، هو الإنسانية. فمن الضروري جدا، أن نتعلم أين يتواجد الخط الأحمر، بين الإنسانية و اللاإنسانية. و أن نعلم أولادنا قدسية الحياة. كل إنسان، أيا كان، مؤمنا أم لا، مسلما أو لا، بغض النظر عن دينه، و فلسفته و شعبه، و جنسه و عرقه، يجب أن يحترم. هذا واجب أساسي على كل واحد منا. و لكن من الضروري أيضا، نبذ العنف و كل ما يعنيه ذلك. يجب أن نتحد كمواطنين للدفاع عن مبادئ المساواة و الإخاء. عندما نكون متحدين، يمكن أن نعطي معنى للحياة. هذا هو السبب، في أننا قد طلبنا من الأمم المتحدة، إنشاء يوم عالمي للعيش معا.

الصحفي: يوم للمرأة و يوم للعيش معا... أليس هذا النوع من المبادرات عبثا؟

الشيخ خالد بن تونس: لا، إنني مقتنع أنها وسيلة لطرح مشكلة الحياة في المجتمع، و رسم الحدود، بين الذين لديهم ثقة في الإنسانية، و يكافحون من أجلها، و الذين ليس لديهم سوى الرغبة في تدميرها.(3).
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  تليفزيون France 24 Arab في 09 01 2015.
(2). جريدة الخبر في 10 01 2015.
(3). مجلة Le Point، في 14 01 2015.