الخميس، 26 مارس 2020

بيان صحفي

بيان صحفي


الجمعیة العالمیة الصوفیة العلاویة، عيسى، المنظمة الدولیة غیر الحكومیة


كوفید – 19: تھديد يحث على التغيير والعمل على انسجام العالم



     في مواجھة ھذه الأزمة الصحیة التي لم یسبق لھا مثیل في التاریخ الحدیث للإنسانیة، تؤكد مجددا الجمعیة الدولية الصوفیة العلاویة عيسى، المنظمة الدولیة غیر الحكومیة، وبقوة على الحاجة الملحة للعودة إلى أسس ثقافة السلام ووحدة العائلة الإنسانیة. إن الأزمة الصحیة كوفید – 19 التي تھز حالیا جمیع دول العالم، ھي حالة استثنائیة، على أكثر من مستوى. إنھا تفرض علینا وبشكل خاص، أن نجعل الإنسان وقدسیة الحیاة، والمحافظة على إنسانیتنا وبقائھا، أن نجعلها مركز اهتماماتنا وأولية أولوياتنا. إنھا تجبرنا على نبذ ثقافة الأنانیة والنزعة الفردیة، وكيف، وقد طالتنا المعاناة، التي طالت أولئك الذین ھُمشوا لزمن طویل، في المجتمع والحوكمة العالمية. معاناة، كان من غير المتوقع أن تمس بوطأة، كل واحد وواحدة منا، في منطقة راحته.

    إذا كانت ھذه الأزمة قد كشفت على الملأ، عن مدى الضعف الشدید لنماذجنا الاجتماعیة -الاقتصادیة، فإنها تصبح فرصة غیر مسبوقة، ینبغي اغتنامھا من أجل إعادة التفكیر والبناء، ومعا، الواحد مع الآخر، عالم الغد، على أسس جدیدة، أكثر أخوية وأكثر احترامية للحي. بالإضافة إلى الامتثال الدقیق للتوجیھات الصحیة، وقواعد الاحتواء التي أصدرتھا السلطات، فإنها تدعونا، وعلى المدى الطویل، إلى تطویر أشكال جدیدة من التضامن، بالانتقال من ثقافة "أنا" إلى ثقافة "نحن"، وكذا التجمع حول القیّم العالمیة المشتركة، ضمن احترام وحدة وثراء تنوع العائلة الإنسانیة.

    من ھذا المنظور، فإن الجمعیة الدولية الصوفیة العلاویة عيسى، المنظمة الدولیة غیر الحكومیة، تؤكد مجددا الیوم، وأكثر من أي وقت مضى، دعوتھا للتعبئة من أجل تعزیز العیش والعمل معا في سلام، وتعزيز التربیة بثقافة السلام. في الواقع، فمن خلال توحید جھود جمیع القوى الحیة، بالعمل والتآزر، یمكن للقیم العالمیة (المقاسمة والتضامن والمساواة ...)، أن تصبح حقائق معاشة، لصالح الإنسانية جمعاء، دون تمييز لثقافة أو دين أو وضع اجتماعي.

    لقد مرت الإنسانیة عبر تاریخھا بالعديد من التجارب والحروب والمجاعات والأمراض والنبؤات التي أنذرت بنھایة العالم، ولكنها في كل مرة، وبردة فعل من أجل البقاء، تمكنت من الصمود ومواجھة التحدیات.


المرض فیك وأنت لا تبصر       والعلاج منك وأنت لا تشعر
أنت تعتقد أنك جرم صغیر          وفیك انطوى العالم الأكبر


    من حكم الشيخ العلاوي


الشيخ خالد بن تونس لمؤسسة دينيس غيشار

الشيخ خالد بن تونس
 لمؤسسة دينيس غيشار


    حضر الشيخ خالد بن تونس الندوة التي نظمتها "مؤسسة دينيس غيشار"، يوم 09 سبتمبر 2004، وأعطت لها عنوان "أمل لصحة الغد"، وكان له مداخلة قصيرة قيمة، تصب معانيها في صلب موضوع اللقاء. قبل أخذه الكلمة نوّه رئيس المؤسسة السيد "جان ماري بيلت" بالشيخ، وقال "أطلب من صديقي الشيخ بن تونس أن يتفضل بالجلوس هنا، وأن يقدم لنا الكلمة الطيبة، والتي هي الكلمة الختامية. فهو ينتمي إلى تقليد روحي عريق، ونحن نلتقي في ندوات عديدة واجتماعات عديدة، ولبعضنا البعض كامل التقدير وبالغ الاحترام، وإذا سمح أن أقولها له علنا، فإننا نحب بعضنا البعض كثيرا. لك الكلمة صديقي العزيز".


    قال الشيخ خالد بن تونس:

    شكرا جزيلا صديقي العزيز.

    من الجيد الابتداء، وابتدأنا بكلمة صداقة ومحبة. أريد على الخصوص أن توقظنا هذه الخلاصة، وأن تقودنا إلى ذلك. إذا كنا لنزال غير قادرين على التحلي بها، على الأقل نربطها بالأخوة. لأنه يبدو لي، أنه إذا تكلمنا عن الروحانية أو عن الطب، سواء كان غربيا أو شرقيا أو تقليديا أو أفريقيا أو أمريكيا هنديا. يجب أولا القول، هل المرض الذي يسكننا، مرض الجسد، هل هو قبل كل شيء، كما يتوقع بعض الباحثين، مرض يصيب الكائن، حتى لا نقول مرض الروح، لأن الروح لا يمكنه أن يمرض، ولكنه مرض الكائن.

    يعني ربما أننا وصلنا إلى لحظة العولمة، حيث أصبح الإنسان يتساءل عن مستقبله، عن مصيره، فنحن نتواجد في مفارقة، حتى لو كان ما أقوله تفاهة، ولكننا في وضع أصبح فيه الإنسان، لا هو جالسا بالكامل ولا قائما بالتمام، فنحن بين هذا الهامش أو هذا الحد. فقد فقدنا الثقة في أنفسنا، في تلك الإمكانية الموجودة في صلب كل كائن، إمكانية تخيل بناء عالم أفضل لأبنائه وأحفاده، أي للأجيال القادمة. ببساطة، نحن في حالة من الأسى والاحباط، كالذي  يقوم بشيء خاطئ، لأنه لا يزال ينتابه هذا الجزع، أن الثقافة أو الحضارة التي يستند عليها ويتجذر منها، ستنهار فجأة، كما لو أننا نجلس على عالم وهمي خيالي، يمكنه أن ينهار في أي لحظة.

    نحن نمتلك الأسلحة الكيماوية والبكتريولوجية والنووية، لدينا التلوث، وفي كل المجالات، توجد إشارات تذكرنا، وتقوم بتحذيرنا من أنفسنا.

     لا يوجد شرقا وغربا. من الناحية الجغرافية  بالطبع يوجد، لا يوجد على مستوى الكائن، لا شرق ولا غرب، نحن جميعا شرقا بالنسبة لشخص، وغربا بالنسبة لشخص آخر، وما دمنا أننا لم نفهم، أعتقد أن من هنا يجيئ دور الروحانية، لتذكرنا أننا جميعا منحدرين من نفس الخلية، لنفس نقطة الانطلاق، مثلما نسميها الانفجار الكبير، أو نسميه الصفر المطلق، وهذا الصفر نفسه، كما يقول عنه بعض الرياضيين، أنه إذا رفع إلى أس الصفر، ولّد الواحد. إنه ليس العدم. لم نأت من العدم، وجاء التقليد أو الروحانية ليقول لنا أننا جئنا من اللاوجود، وليس العدم. توجد معلومة في الانطلاقة. وبذلك، فإننا نحمل جميعا هذه البصمة فينا، ناهيك عن الصعوبة التي نجدها في تقبل الحقيقة التي توحدنا. في المقام الأول الشخص نفسه، يكون جلوسه على نفسه، وبالتالي يسمح لي بالجلوس على عالم، على حقيقة، وبالمناسبة، فإنها تؤدي إلى السكينة، وهذه السكينة تسمح لي بالمحاولة، محاولة وليس بلوغا، ولكن على الأقل لنحاول إيجاد الطريق الوسط أو جادة الطريق، وأن لا نفعل بالغير ما لا نريد أن يفعل بنا، بكل بساطة، وهي قاعدة تطبق على الجميع. سواء كنا من الشرق أو الغرب، أو من المشرق أو المغرب. و لينظر كل واحد في أفعاله، وما يضطلع به، ويزنه بهذه الفكرة البسيطة. إذا عاملني بالمثل، وتصرف معي بالمثل، كيف سيكون تقبلي، وماذا يكون ردي؟ الكثير من الأشياء يمكن أن تتطور، إذا أردنا، وما دمنا نتكلم عن المرض والطب والشفاء. أولا ينبغي أن تتعافى النفوس من الأنانية وغرور عالمنا، وهذا هو المرض الذي ينخرنا جميعا.. أنانية امتلاك الحقيقة، وأنانية اكتساب المعرفة، وغير ذلك.  بيد أن المرض لا يسمح لنا أن نتواصل مع الذات، وإذا تواصلنا مع ذاتنا، فسنتواصل مع الجنس البشري بأسره. بالتأكيد، سنقول أن هذا مستحيل، والجنس البشري، منذ أن ظهر، وهو يعيش في نزاع، إنه بدائي، وإنه حيواني، وإنه.. حقا، إن الإنسانية في حال التطور، لم تكتمل أبدا. نحن لسنا في نهاية إنسانية، بل نحن دائما، أمام مصير إنسانية، تتوجه صوب قدر، وهو حقل مجهول، ولكنه قدر، نريده جميعا في نهاية المطاف، على الأقل بالنسبة الذين يحتفظون بالعقل، حتى لا نقول الحكمة، التي حتى أيامنا هذه، لقد قلّ أهلها، على الأقل العقل، لعالم بنزاعات ضئيلة. ونحن نرى اليوم كيف تتمزق الناس، وكيف أننا نخوض حروب، من أجل جلب حريات، وجلب المساواة وإحلال السلام.

    فنحن لا نعتبر النية، التي تعلل الفعل، بل نعللها حتى نتمكن من تعبئة الملايين وحتى الملايير من الطاقات المعتبرة  للقيام بحروب، وإننا لا نستطيع تعبئة نفس الطاقات  للذهاب إلى السلام. ما الذي استثمرناه في السلام، وما الذي استثمرناه في الحروب؟ هذه الحروب ليست فقط عسكرية، بل هي إزاء الأرض نفسها، وفي كل المجالات. لقد أصبحنا مفترسين. ونشنّ الحرب على أمنا الأرض، كما يقول الهنود وأصدقاؤنا المكسيكيون. النفط في حد ذاته ليس شؤم، ولكن استغلاله بالكيفية المعمول بها اليوم، هي التي أصبحت تشكل خطرا على الإنسانية. ربما الكائنات المعدلة وراثيا، على الأسس الموضوعية، إذا تمكنا من اعتبار الضمير، كما سمعناه للتو، يمكن أن تفيدنا في بعض المجالات، ولكن إذا تحولت إلى سلاح.. فالنية هي التي توفر الحوافز لأخذ بطون البشرية كرهائن. يكون سعيي بطرح أسئلة بسيطة، وإحداث تيقظ ضمير، وأتساءل بكل بساطة، كيف يكون تعاملي مع الآخر، وما هو دوري؟

    من هنا تبدأ الروحانية. ليست الروحانية شيء يرفعنا إلى الأعالي، إلى السماء السابعة، إلى النيرفانا(1)، ولكنها كل تصرف صدر بشكل يومي، تعلق بتلك الرحمة، استطاع المرء أن يتعاطها ويتعامل بها حيال أخيه، وحيال الطبيعة والشجر، كما يتعامل بها لصالح الحيوان والمياه، وكل ما هو حي. هل لزلنا قادرين على تعاطي هذه الروحانية الرحيمة، ونتعامل بها في أفعالنا وتفكيرنا وبحثنا؟

    حسب رأيي، هذه هي النقطة التي ينبغي أن نحاول أخذها بعين الاعتبار، وبهذا قد تستطيع الروحانية أو حكم الأجداد التي تعاطتها جميع الشعوب، لأسيا وأفريقيا وأمريكا وأوروبا، أن تساعدنا، ولكن ينبغي توفير استثمارات في مدراسنا وكلياتنا وجامعاتنا، ولتجرى استثمارات في هذا السعي، لإنسان متجدد، إنسان متيقظ، دون الوقوع، بالتأكيد، في الذي ذكرناه آنفا، تيارات العصر الجديد، حيث يترصد الدجالين، ولعدم وجود بديل أفضل، يتوجه الناس إليهم. لقد أقصينا روحانية المدينة، وبإقصائها من المدينة، أقصيناها من القلب، واليوم ثمة مشكلة، ويوجد فراغ، ومن يملأ هذا الفراغ؟ حسنا، إنهم الذين يجعلون من الروحانية تجارة.

    شكرا جزيلا.


(1). نيرفانا، مصطلح يستخدم في التقليد البوذي، وهو حال يبلغه الراهب، عندما تفنى جميع شهواته، ويتحرر من المعاناة والوهم، ويتخلص من الجهل. يبلغ درجة من التيقظ، وتفنى جميع شهواته.

الأربعاء، 25 مارس 2020

من تحكيم العقل إلى التحلي بالحكمة


  من تحكيم العقل إلى التحلي بالحكمة




  في هذا الوضع الخاص، الذي تعيشه الإنسانية، كان للشيخ خالد بن تونس هذه الكلمة المختصرة.



    إن اليوم، كل شيء يعتمد أساسا على الاقتصاد، في مجال الصحة يجب علينا أن نتناول ما هو أساسي، وفي السياحة علينا التركيز على الأمور الأساسية. لذلك، ففي حوكمة العالم، أتحدث عن الحوكمة المادية، سيتعين علينا تغيير الطريقة التي ندير بها الأرض، وتغيير هذه الحوكمة، وهذا العيش معا في سلام.

    كيف نعيش في عالم ينعم بالسلام مع الطبيعة، ينعم بالسلام مع سراس أو الفيروس، يسود فيه السلام بين الناس، ويعمه السلام مع الأرض، وفي سلام مع الحيوانات ، وفي سلام مع الاقتصاد، وغير ذلك؟

    ولكن ينبغي أيضًا أن نفكر في هذا السلام الداخلي، هذا السلام الروحي، لا يمكننا أن نفصل هذا الأمر. يجب علينا، أقول لكم، أن نخرج من التاريخ الذي تمت صياغته حتى أيامنا، بُني على وهم الظهور، وتم إخفاء كل شيء، وراء مظاهر، حيث نرى في الواقع، أننا كلما تقدمنا، كلما عمّنا الجهل أكثر. فيروس بسيط، من لا شيء، موجود منذ مليارات السنين. وماذا لو ظهرت عشرة مثله، فما الذي سنفعله؟ فيروس هو اليوم في العالم، وملياري شخص تم الحجر عليهم صحيا، ملياري شخص محجور عليهم الخروج من المنازل.

    لا أعرف إن كنتم تتبعون الأخبار. توجد وفيات كل يوم، وتسجل حالات انتقال العدوى كل يوم، وهذا يكشف خوف وعجز الإنسان الآن، مع كل كبريائه، ومع كل ما يملك من معارف، في حين يعتقد أنه سيد على كل شيء. تم الإيقاع به بواسطة فيروس صغير بسيط. كل شيء توقف، كل شيء تجمد.

    لذا ينبغي علينا أن نعيد التفكير في مسألة الإنسانية اليوم، على جميع المستويات، وعلى مستوى التاريخ الديني والروحي، الأمر سيان، سيتعين علينا إعادة التفكير فيه بطريقة أو بأخرى، شئنا أم أبينا.


    مثله كمثل الذي قيل في حقه.


    يا ناطحا جبلاَ يوماَ ليُوهنه      أشفق على الرأسِ لا تُشفق على الجبلِ


    يجب أن نعود إلى تحكيم العقل، ومن تحكيم العقل إلى التحلي بالحكمة.


الشيخ خالد بن تونس


ترجمة محمد خ

الجمعة، 20 مارس 2020

أشراط الساعة


أشراط الساعة


    

     جمعت ندوة في الدير البوذي التبتي كارما لينغ، بمقاطعة سافوا الفرنسية، ممثلين عن التقاليد الروحية، اجتمعوا للتفكير في الأزمة البيئية وعلامات آخر الزمان،  كما ينظر إليها في البوذية التبتية والإسلام الصوفي وفي التصورات الغربية. وتدخل هذه الندوة في إطار نشاطات معهد كارما لينغ، وكان موضوع هذا اللقاء "الأزمة البيئية وآخر الزمان". وقد جمع اللقاء العديد من المختصين في علم البيئة، وهذان التقليدان، التصوف الإسلامي والبوذية، من النادر اليوم رؤيتهما يرتبطان بتفكير مشترك.

    انقسمت وقائع المنتدى إلى أربعة محاور، حيث شارك الشيخ خالد بن تونس في أحداث المحور الثالث، الذي اختار بحث موضوع "هل لعلامات آخر الزمان معنى اليوم؟"، وكان له مداخلة تحت عنوان "هل لزالت حوادث آخر الزمان حاضرة في كل كائن وكل لحظة؟"، إلى جانب معلم الدير اللاما (دينيس توندروب رينبوشي)، الذي كان موضوع مداخلته "دعوة علامات آخر الزمان إلى ثورة روحية وأخلاقية عالمية".


الشيخ خالد بن تونس مع المعلم البوذي دينس توندروب على يمينه

والمعلم الفقيد  أرنود دي جردان على شماله في أحد اللقاءات البيدينية



    أما عن هذه اللقاءات، التي ينظمها المعهد البوذي، يقول الشيخ خالد بن تونس "أما عن ملتقيات (كارما لينغ) المنظمة بمبادرة من اللاما دينس توندروب في دير الشرتريين، التي استضافها وسهر على إدارتها. ففي سنة 1988، بمناسبة مجيئ الدلاي لاما إلى سافوا، ولدت فكرة لقاء وتبادل بين البوذية التيبتية و التقليد الصوفي. هذه اللقاءات التي كان يبدو الجميع ضدها في الظاهر، أظهرت بأن لها العديد من النقط المشتركة. وهكذا، ومنذ أكثر من عشر سنوات، نلتقي كل سنة للتطرق إلى مواضيع محددة نفكر فيها بشكل مشترك في أحداث آخر الزمان، والفتوة، والتوحيد؛ كلها مواضيع نكتشف من خلالها الآخر و تقليده".


مطبوع جمع وقائع اللقاء، صدر سنة 2008، عند منشورات ألبين ميشال.


    ألقى الشيخ خالد بن تونس مداخلته، وفيها سلط الضوء على الاستفسار "هل لزالت حوادث آخر الزمان حاضرة في كل كائن وكل لحظة؟". في التالي مقتطفات من تلك المداخلة، للشيخ خالد بن تونس، أعدها نصها الفرنسي المرحوم أمين باسينيون، حيث جرى اللقاء في شهر يونيو سنة 2005، في دير كارما لينغ.



المداخلة

    الأرض، مثل أي كائن حي، مآلها إلى الزوال.

    سيغدو زمن الغد أكثر روحانية، وأكثر تناسقا.

    يجب ألا نقف موقف المتفرج، إزاء مشاكل عصرنا العظيمة، بل نحاول الاستفادة منها، من أجل تحصيل تحقيقنا.

    لقد دخلنا في طور جديد من الحياة الأرضية: ارتفاع في درجة الحرارة، واضطرابات بين الناس... 

    ولكن من هذه السلبية التي تستوطن، سوف تنبعث الإيجابية.

    يوجد الآلاف من الأشخاص المنتبهين لما يحدث. يعتقدون أن هذا النظام الهرمي (الاقتصادي والسياسي والديني، وما إلى ذلك) الذي يديرهم، لم يعد مناسبًا لهم. قمة تقود وقاعدة تطيع، هذا لم يعد يعمل.

    يتوق الناس إلى التغيير، من أجل إيجاد انسجام في حياتهم، وروحانية حية. ولنستأهِل ذلك، ينبغي أن يشغل هذا الأمر أخلص تمنياتنا.

    خلال اجتماع كبير لأناس في طوكيو في مارس 2005، من جميع التخصصات، اجتمعوا لتقييم جميع الأديان: اتفقوا جميعًا على نقطة واحدة، وهي أن البشرية تطمح إلى روحانية تتجاوز التقاليد أو الدغماتية.

    كما تم ذلك في جنوب إفريقيا، إذ أدى اجتماع إلى التوصل إلى الاستنتاج التالي: سيتم إنقاذ القارة الأفريقية من خلال العودة إلى ضمير عالمي، وبإيمانها وروحانيتها(1).

    ومن المفارقات، أن نهاية الزمان مفيدة، لأنها تدعو كل واحد منا، حتى نتخلى عن يقينياتنا، ليفسح المجال لوعي عالمي جديد. والمشكلة هي أنه عندما نكون في داخل شيء، تكون نظرتنا عنه ناقصة، فلأننا قريبون جدا منه. إن علامات الساعة هي علامات التجديد.

    في معراجه العظيم، التقى سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم بجميع الأنبياء الآخرين، وسألهم عن علم الساعة، ولم يكن أحد يعرف أيان مرساها، ولكن أحدهم، وهو سيدنا عيسى عليه السلام، قال أنه لا يعرف عنها، ولكن يعرف العلامات التي تسبقها، ولا سيما فترات الجفاف الطويلة، والكوارث البيئية، وقلة المطر، وفقدان الأرض لغطائها النباتي، والزلازل، وفيضان البحار (تسونامي)، والتلقيح الاصطناعي، واضطرابات في العراق والشام (تم الاشارة إليهما بإسميهما)، والمباني الشاهقة، وازدهار الصحارى... بعد هذا الفساد سيخرج المسيح الدجّال: سيتخذ الزائف مكان الحقيقي. سيفعل العجائب (يعيد الحياة إلى شخص ميت، يزيد أتباعه ثراء، يخرج الفواكه والخضر بوفرة، ويصمم حيوانات وافرة اللحوم... عندها ينزل سيدنا عيسى. وسيهزم المسيح الدجال، ويوحّد العالم روحيا، الذي يعود إلى القيم الحقيقية.

    إن آخر الزمان شكل من أشكال الأمل. خير الأزمان أمامنا وليس من خلفنا. يجب على الإنسانية أن تستقدمه بملء ضميرها. الآلاف من الناس يريدون هذا التغيير، ولكن هناك انسداد. أظهر استطلاع رأي أمريكي أن الكثير من الناس يطمحون إلى عالم أفضل، وهم على استعداد لكسب أموال أقل، لتحقيق ذلك. للأسف، ظل هذا الاستطلاع سريًا. ربما لم ترغب وسائل الإعلام في الكشف عنه كثيرا. ولكن عاجلاً أم آجلاً، ستبرز هذه القدرات البشرية، وتدرك في نهاية المطاف، أنها تشكل قوة. في الوقت الحالي، يوجد نقص في النضج والثقة، وفي كل هذه "الاحتمالات"... ربما سيكون أطفالنا أو أحفادنا هم القادرين على القيام بذلك؟

    على أي حال، هذا الانسداد سوف يفسح المجال في النهاية. يوضح ما يلي هذا الأمر بشكل جلي: تقوم شركات التأمين الصغيرة بتأمين نفسها لدى شركات التأمين المتوسطة، والتي هي نفسها تؤمن نفسها عند شركات التأمين الكبيرة. في الأخير، لا توجد سوى مجموعة صغيرة لشركات التأمين الكبيرة التي تؤمن الجميع. بالنسبة لهذه الأخيرة، بدأت الفاتورة تشكل عبئا ثقيلا (عدد الكوارث في ازدياد)، وبالتالي، سيتعين عليهم تغيير أسلوبهم.

    في الوقت الحالي، يتألف النظام من قاعدة، لا تعرف أنها تشكل قوة للتغيير، وقوة لتحويل هذا المجتمع إلى مجتمع آخر أفضل، أكثر انسجامًا وتوازنًا وإنصافًا، وقمة بدأت في تقييم العواقب الوخيمة لأفعال إنسانيتنا، في الماضي والحاضر.

    عندما ينسب طرفان، كل منهما، صورة الخير والشر إلى نفسه، فهذا دليل جليّ على نهاية نظام. الحداثة تندثر أمام أعيننا، ولكن في نفس الوقت، تبرز حداثة مستقبلية، قد تحتاج إلى تنظيم هيكلها حول دائرة، رمز التوحيد، حيث سيكون الجميع متواجدا على المحيط، ومتوجهين نحو مركز. غير أن هذا المركز سيكون أكثر فأكثر كثافة، وأكثر إشراقا. ولن يقول أحد: أنا الذي يقود أو أنا من يملك الحقيقة.

    لم يعد الخطاب السياسي والاقتصادي مقبولا. وأصبح نظام النمو اللامتناهي وهمًا خالصًا. نتطلع اليوم إلى التوازن والاستقرار والسلام. إن إنسانية الغد سوف يصنعها الجمال والحكمة. نحن المستهلكين الحاليين، سنصبح أناس واعين: الطب سيتغير، الزراعة ستتغير، العمارة ستتغير... لا يوجد بديل آخر للعالم.

    سوف يتسع نطاق الضمائر، بنفس سرعة اتساع الكوارث. إنها مفارقة، ولكنه أيضًا توازن. لذلك لن يكون هناك المزيد من القادة، ولا مزيد من الأنظمة، ولا مزيد من الأحزاب... لذا ينبغي ألا نخشى نهاية الزمان، بل بالأحرى إثارة ذلك، لأن تغييرنا يكمن فيه.

    لا ينبغي أن نعود إلى الحالة الذهنية لنبوة نهاية العالم، ولكن علينا أن نذيع البشائر. إذا رجع الإنسان إلى الحكمة، سيفتح الله له آفاقًا هائلة. لم نستخدم كل قدراتنا، ولا حتى العشر منها. لا تزال هناك العديد من الأشياء للإيجاد فينا.

    مضى جلّ الليل. وكلما تقدمنا في الليل، كلما اقتربنا أكثر من النهار. يجب أن نسير في الليل، مستمسكين بالأمل. كل واحد منا، ينبغي عليه، أن يتحول ويصبح وريثًا للبشرية. ولنتجنّب الانتماءات الضيقة. سيكون الإنسان وريثًا للتراث الآدمي، ومَعنِّيٌ بكل ما يحدث بالقرب منه أو بعيدًا عنه. سيشعر الجميع أنه في منزله، حيثما كان، دون أن تختفي خصوصياتهم. وسيضل التنوع في تزايد، ولكن داخل المساواة والأخوة.

    للإنسانية قوة خفية تتجلى عندما تشعر بالاعتداء. حاليا نحن لسنا في العالمية بعد(2). نبدي أكثر الحالة الأنانية التي تقطعنا عن بعضنا البعض. سنبقى نتعرض لهجمات سلبية إلى أن نفهم.

    يتطلب الأمر تغيير في حال الضمير، لجعل الأشياء تتطور. ينبغي أن نتخذ القرار.


    كان هذا مقتطف من مداخلة الشيخ خالد بن تونس في اجتماع عقد في دير التبت لكارما لينغ (جنوب فرنسا) في يونيو 2005.




(1). زار الشيخ خالد بن تونس في شهر مارس 2005 اليابان، وكانت له لقاءات مثمرة، كتلك التي جرت في جامعة تسوبوكا، وكان له اجتماع بالإمبراطور الياباني أكي هيتو، وفي تلك السنة صدرت الترجمة اليابانية لكتابه "التصوف قلب الإسلام".

    وفي نفس السنة شارك الشيخ خالد بن تونس مع الزعماء الروحيين الأفارقة بجوهانسبورغ، بجنوب أفريقيا، تم تنظيمه من طرف IFAPA، رابطة الإتفاق من أجل السلام بأفريقيا. من الأمور الغريبة التي ذكرها الشيخ عن اللقاء وبقت في الذاكرة، أنه كنا قاصدين المسجد لأداء صلاة الجمعة، فأبدت النساء المشاركات رغبتهن في الصلاة معنا، فاسقلنا الحافلة، وفي إحدى المحطات، طلب من النساء النزول للوضوء ويتجهزن للصلاة، فأقلعت الحافلات وتركتهن. ظل الشيخ دائما يذكر هذه الحادثة باستغراب.




       الشيخ خالد بن تونس في اليابان


(2). في هذه الأيام تمر الإنسانية بظروف استثنائية، حيث يجتاح العالم جائحة كورونا، مرض معدي، أحدث تغيرا في سلوكيات مواطني العالم، لم تعتدها الإنسانية الحالية، حيث بادرت أغلب الحكومات إلى اتخاذ إجراءات صارمة لمنع انتشاره ومحاولة احتواءه. عملت العديد من الدول التي انتشر المرض بأراضيها، على التقليص من حركة المرور، وحتى منعها تماما، والطلب من السكان التزام بيوتهم، وعدم الخروج، إلى جانب غلق جميع الحدود، وإيقاف حركة المرور الجوية والبحرية وحتى البرية. أغلقت المدارس والجامعات، وتوقفت الصلوات في المساجد والمعابد، وغير ذلك من إجراءات، أعاقت حرية الفرد، تصديا لتفشي المرض. في سنة 2005، قال الشيخ خالد بن تونس، أننا لم نبلغ مستوى العالمية، وماذا اليوم عنها في سنة 2020، والعالم يتعرض لامتحان لم يختبره من قبل؟ في سؤال عن الدرس الرئيسي الذي يمكن استخلاصه في هذه المرحلة من جائحة الفيروس التاجي؟ قال المفكر والفيلسوف الفرنسي ادغار مورين، ردا على سؤال صحيفة nouvelobs.com، نشر بتاريخ 18 03 2020، معربا " تبين لنا هذه الأزمة أن العولمة هي اعتماد متبادل دون تضامن. لقد أنتجت حركة العولمة بالتأكيد التوحيد التقني والاقتصادي للكوكب، لكنها لم تعزز التفاهم بين الشعوب. منذ بداية العولمة في التسعينات، اندلعت حروب وأزمات مالية. خلقت المخاطر التي تواجهها الأرض - البيئة والأسلحة النووية والاقتصاد غير المنظم - مصيرًا مشتركًا للبشر، ولكن البشر لم يدركوا ذلك. يظهر الفيروس الآن، بشكل مأساوي، مجتمع المصير هذا. هل سنستيقظ نحن، في نهاية المطاف؟ في غياب التضامن الدولي والهيئات المشتركة لاتخاذ تدابير على مستوى الجائحة، فإننا نشهد الإغلاق الأناني للدول على نفسها".

الثلاثاء، 17 مارس 2020

دع الزمان للزمان


دع الزمان للزمان




  أصدقائي الأعزاء (صديقاتي العزيزات)، في أحلك اللحظات، عندما يشعر المرء بأن الأحداث السلبية قد طغت عليه أو سحقته بالكامل، فإني أُبقي دائمًا هذا الأمل، الذي يمكن أن يضعف، ولكنه لا يموت أبدًا. وهذا الذي يربطنا بإرث الماضي، ويوضح لنا المستقبل.

    هذا ما يسمح بتجاوز تقلبات الأحداث. فعندما يكون الطقس ينذر، بالعاصفة، وعندما تحتجب الشمس، يظل هناك دائمًا تيقن قائما، بأن الشمس ستعود. إنها ثابتة، بينما فقط السحب تمرّ.

    يوجد في أنفسنا، في كل لحظة، جزء مُعرض للنور، والآخر يبقى في الظل. من خلال دوران الأرض حول محورها، يتنوّر الجانب المظلم، ويلتحق الجانب المقابل للنور بالظلام.

    لذلك يحتاج البشر بعض الصبر، ولكن أكثر ما يميز الرجل، المرأة – المعاصر (ة)-، هو بالتأكيد نفاد صبره، فهو يريد كل شيء، وعلى الفور.


    دعِ الزمانَ للزمانِ، فإنها حكمةٌ، قدرٌ من النضج تتطلبُ.



    رسالة الشيخ خالد بن تونس، في صفحته بالفايسبوك، مساء يوم 16 03 2020.