الثلاثاء، 28 سبتمبر 2021

النقل الروحي

النقل الروحي

 

 

    كان للشيخ خالد بن تونس بقصر مووان سارتو، تلك البلدية الواقعة بالجنوب الفرنسي، تبادلات حثيثة مع مجموعة من المدعوين، بمناسبة الندوة السنوية التي تنظمها جمعية فن وعلم وفكر المحلية، وامتد اللقاء المنظم على مدى ثلاثة أيام، من 16 إلى 18 سبتمبر من هذا العام. وقد اختير هذا العام موضوع التبليغ للمناقشة والإثراء المعرفي.

    ألقى الشيخ خالد بن تونس مداخلة خلال المائدة المستديرة يوم الجمعة 17 سبتمبر على الساعة الثانية مساءا، جمعته بعدة ممثلي سلطات المسيحية واليهودية في فرنسا، وتناقشوا موضوع "التبليغ والروحانية". حضر اللقاء السيد بروبرت فور، فنان الفن الصيني، والسيدة آن ماري دريفيس، المؤلفة والمحاضرة، وعضوة نشطة في الصداقات اليهودية المسيحية، والقس الكنسي فليب آسو، مندوب أبرشية نيس من أجل "الحوار مع العالم".

  في حديثه أشار الشيخ خالد بن تونس إلى لقاء، كان قد حضره قبلها بأيام بمدينة بولونيا الإيطالية، وهو منتدى جرت فعالياته بين 11 و 14 سبتمبر الماضيين، ويشكل طبعة سنة 2021، للمجموعة 20 البيدينية، ويعتبر عمل تمهيدي لاجتماع رؤساء دول مجموعة العشرين المقرر عقده في روما في نهاية أكتوبر. جمع اللقاء 370 شخصية دينية وسياسية وعلمية ومتنوعة، من 70 دولة، عقدوا 32 جلسة عمل.

    "زمن للشفاء"، هو موضوع كتابي مأخوذ من سفر الجامعة (3،3)، كان الخيط المشترك لهذه المجموعة العشرين بين الأديان، المكرسة للحوار والسلام بين مختلف الثقافات. كما قلنا يعتبر الحدث لقاءا استباقيا، حضره ممثلون عن مختلف الأديان الرئيسية، وسياسيين ودبلوماسيين وأكاديميين، استعدادًا لاجتماع رؤساء دول مجموعة العشرين المقرر عقده يومي 30 و 31 أكتوبر في روما ، تحت الرئاسة الإيطالية.

 

مداخلته بقصر مووان سارتو

 

    في البداية وًجّه إلى الشيخ خالد بن تونس سؤالا، قال صاحبه، مَن نعتقد أنفسنا، أو من نحن، حتى نتجرأ ونتصدر للتبليغ، مع هذه المهمة المزدوجة، في اكتشاف تعطش روحي عند شخص ما، وايجاد القدرة على سد حاجته؟

    قال الشيخ خالد بن تونس، إنها مسؤولية كبيرة بالنسبة لكل أولئك الذين وضعوا أمام هذا الواجب. لأنه من الواجب القيام بالتبليغ. قيل سابقا، إن الحياة بدون تبليغ، هي حياة غير مكتملة. بطبيعة الحال، يوجد النقل الثقافي، وأكثر من ذلك، النقل الروحي، الذي يربطنا بالأساس الإنساني. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم "كلكم من آدم وآدم من تراب". لا يربطنا فقط بصفتنا آدميين ونُشكل إنسانية، إنه يربطنا بالخليقة. يوجد المبدأ الاساسي للتوحيد. إذا كانت توجد سوى وحدة خلاّقة، فلا يمكن أن توجد سوى إنسانية، بتنوعها، كما يقول بعض المشائخ، إنها حروف الأبجدية. كل حرف سواء كان مستقيما أو منحنيا له دوره... والتبليغ يضعنا في موضع الوحدة. كيف يمكنني مساعدة الذي يوجد على يميني والذي يوجد على شمالي، لإعطاء معنى؟ وهذا ما نحن بصدد القيام به. نحن بصدد التذكير أن في اليهودية والمسيحية والإسلام، وربما معتقدات عالمية أخرى، توجد صِلات، وهذا يعطي معنى. للإشارة إلى كلمة محبة، حسنا، ينبغي كتابة ميم وحاء وباء وتاء مربوطة، ينبغي أن تتقبل الخصوصيات حتى تعطي معنى لأنفسها، ومعنى للعالم الذي نعيش فيه. عندما تولد هذه الكلمة المشكلة من لحم وعظم، مما يعنيه أنها تكلمنا، وتقول "محبة". في هذا، نحن بحاجة لهذا التيقظ، وكل كلمة ستحرض مضادها. لا يمكننا تقبل إلا الكلمات التي نرغب فيها، أي أنني باق إلا مع الذي يعجبني. إذن، ينبغي أيضا تقبل الإختلاف. ولهذا توجد هذه اللغة النابعة، وإن لهذه التجربة بعد عميق. كيف يُحدث التنوع تغيرا، ويقودنا نحو الوحدة، رغم فرقة المظاهر والتناقضات والمعارضات؟

    أعطي وقت مستقطع، وفسح مجالا لتلقي الأسئلة.

   قال الشيخ خالد بن تونس، بعدما تلقى سؤالا، إنه السؤال بالفعل، تنوع الأمم.

    يوجد نص قرآني، قال فيه الله سبحانه وتعالى "ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم فيما أتاكم". سورة المائدة، الآية 48.

    بالنسبة لي، بصفتي مسلما، فهذا يستدعيني. وإنه جزء من الكل، لهذه الإنسانية، التي لها أوجه متعددة، وتلقت هذا الوحي، في مصاحبة، من أجل صياغة هذا الضمير الشامل لدى الإنسان. ولأجل تمكين انفتاحه نحو الألوهية، ينبغي أن يمر في سير، عبر طور بأكمله. وهذه نظرتنا. بالطبع، أبعدَنا المنظور الديني عن هذه الحقيقة. فاللون الأخضر لمعتقد، الذي هو معتقدنا، وحتى التقليد المسيحي أو الكاثوليكي أو البروتستانتي، أوالمسيحي قدم لونا، واليهودية قدمت لونا، وحتى جميع التقاليد، التي كانت قبلنا، كل واحدة منها قدمت عنصرا في بناء الضمير الشامل لدى الإنسان. قبل أن نتكلم عن النقل والتبليغ كنا نتكلم عن التربية، وهذا يعني أننا بعيدون. أولا، لنبدأ بتعليم الناس هذه النسبة بالغير، نسبتهم مع الغير ومع العالم.

    تدخل: وهذا يبدأ مبكرا.

    رد الشيخ خالد بن تونس، وهذا يبدأ مبكرا، وأضمن لك، فقد قدمت من بولونيا، أين انعقدت مجموعة العشرين، حيث نرى عالم المسيطرين، حضره رؤساء الدول ووزراء، وكان موضوع اللقاء "طريق الشفاء". ينبغي أولا تحديد نظرة، ولا يتأتى ذلك إلا بالتعليم. يمكن للروحانية أن تساعدنا بالفعل، ولكن الأمر يتعلق بالتربية ووضع أسس وإطلاق تفكير لدى الإنسان. على ماذا سأرتكز في هذا البناء الذي سيقودني نحو نظرة وحدوية للعالم والإنسانية. وهذا يزعج، ويزعج من؟ يزعج المصالح الشخصية للدول. والإنقسام نعلم من أين يأتي، يأتي من مطامع المصالح المختلفة.

    حسب رأيي، اليوم لأنه أكثر من أي وقت مضى، فالحاجة ملحة، لأننا معرضين لهذه المحنة، لوباء كوفيد، الذي جاء من مكان ما، لإيقاظنا أو تنبيهنا لأنفسنا. فمن نحن حقيقة؟ وماهية هذه الإنسانية؟ كيف لفيروس لا يرى بالعين المجردة أن يسكن نفَس الإنسان. جاء ليسكن أنفاسه. لا يمكنني تنفس نفَس الغير، لا يمكنني القيام بذلك. كيف ذلك؟ هل يوجد شخص يستطيع الإمتناع عن التنفس. نحن مجبورون على تنفس ما يتنفسه الغير وما يلفظه.

    تدخل: رغم وجود القناع.

    وقال الشيخ، ورغم وجود الكثير من الأشياء (ضحك). ينبغي أن نعي أن الغير هو جزء مني، وعلينا أولا أن نتقبل تربية الإحترام هذه، احترام الغير وقبول الغير، للإنتقال إلى مراحل أخرى، التي هي من قبيل الإيمان، أي هذه الأخوة الإنسانية. لا نستطيع أن نجبر الناس أن يكونوا أخويين بالإيمان، وأيضا إجبارهم.. فالحرية والمساواة وحرية التعبير، هي قوانين يمكن أن تساعدنا على تحقيق الأخوة. يصدر ذلك من القلب. ينبغي اكتساب قلب يهتز، قلب يحمل شيء أخوي، طاقة، وهذه الطاقة يمنحنا إياها القانون، بشكل جزئي. والإيمان يبقى غير مستدام، قد يزداد أو ينقص، أو أنه يغادر تماما.

    أنا، سأتكلم أكثر وأكثر عن التربية. فالتربية أساسية. لا أتكلم للكبار، أتكلم للآخرين، لأننا سنترك لهم إرث ثقيل. أرض ملوثة وبحار ملوثة وكائنات في طريق الإنقراض واحتباس حراري. سنمنحهم إذن هدية هائلة، هدية ملغمة، إننا نفرغ شحناتنا عليهم، وعلينا التحلي بهذا الوعي الذي نعمل له اليوم، وعلى عجل، ولهذا قلت في محضر مجموعة العشرين، علينا تقديم أي شيء، ولكن الذي أدهشني، أنه حضرت 70 دولة، وألقِيت العديد من الكلمات، فلم يكن يوجد أي شعور بوجود الخطر، والإستعداد لتربية السلام هذه، التي نحن بحاجة إليها.

    أودّ، ربما، هنا بكوت دازير، فيما بيننا ومع الجمعيات، وربما المدارس، مشاركة هذه التجربة، لأن هذه التجربة لا يمكن خوضها إلا من جهة واحدة، يجب أن تتعدد وتثرى، وإذا كان يوجد هنا أناس من سلك التعليم، سأضرب لهم موعدا، ونحاول إيجاد.. نحن مجتمعين هنا ويوجد المنظمين، الذين يعرفون عناويننا، نجتمع للعمل على ثقافة السلام (وأشار إلى مطبوع كان بيده).

   كيف يمكن أن ندمج في المنهج التربوي لأبنائنا، في أسرع وقت ممكن، في الأطوار التمهيدية والإبتدائية والثانوية، فكرة تربية السلام هذه، وتعليمهم سيرة الشخص مع نفسه ومع الغير والطبيعة. وكل هذا يتعلق بهذه الروحانية المستقبلية، إذا كنا نريد أن يحافظ الإنسان على علاقته بين أموره الدنيوية والآخروية، وإذا كنا نريد أن لا تنقطع إستقامته، ولا نتحول إلى آلات، ولا نترك سلطاتنا وذكائنا واقتصاداتنا وأسلوب حياتنا بيد مؤسسات جمع البيانات الضخمة، التي ستفرغ الإنسان من جوهره، نصبح حينئذ رجالا ونساءا يتحكم فينا عن بعد. هذا الذي نريده، الأعز (وأشار إلى المطبوع الذي يحمله بيده)، وأرغب أن تتم مشاركته.

    سؤال: تعمل بصفتك مرشد روحي ، وهذه أيضا مسؤولية ثقيلة. بأي شكل يشغلك التبليغ وأيضا كيف يقلقك؟

    رد الشيخ خالد بن تونس، أنه عندما نتكلم عن التبليغ، يجب أن نضعه على مستويات عدة، مثلما ذكر ذلك قبل ذلك. في البادئ إلى من نوجه تذكيرنا؟ وحتى يصبح التذكير فعال ويصبح حيا، يجب أن يكون متلقيه مستعدا، كصانع الفخار، الذي يصنع من الطين خزفا، وحتى يحمل الإناء ماءا وسائلا، نضعه فيه، ينبغي أن يكون مجوفا، ويوجد فراغ، ومنه هذا المفهوم للمادة التي هي نحن، ينبغي أن تترك مكانا للفراغ، للروح التي تسكننا وللتبليغ. سنتلقاه، ونكون على استعداد، بشكل ما.

    تدخل: وهذا من الشروط الأساسية.

    قال الشيخ خالد بن تونس، لأن بعض التبليغات تصبح عبئا، تصبح ثقافية ودينية، بالمعنى التطرفي، وندعي أن هذا الشيء قاله الله عز وجل، وننقله كرسالة حقيقية سرمدية، وحقيقة مطلقة. فلأن الآنية لم تحضّر، ولم تُصفّ الأمور، وانعدمت التجربة، التي تسمح بإضافة هذا النور، وتوضيح هذا التبليغ بنور التجربة، وسيبقى ذلك التبليغ تبليغا وراثيا، ويشكل في بعض الأحيان خطرا، يسبب أضرارا، لا تحمد عقباها. لهذا يجب أن نحدّث المتلقي أوالمتلقية حسب عقولهم.