الاثنين، 9 يناير 2017

تمنيات الشيخ خالد بن تونس للعام الجديد 2017

تمنيات الشيخ خالد بن تونس
للعام الجديد 2017

   
قامت قناة إذاعة و تليفزيون سويسرا  RTS بدعوة الشيخ خالد بن تونس، لتقديم  تمنيات السنة الجديدة 2017 في برنامج تليفزيوني عنوانه "Faut pas croire". إذ دأبت القناة كل سنة، على اختيار شخصية تجري معها حوارا، و هذه السنة وقع إختيارها على الشيخ خالد بن تونس، الذي لبى الدعوة، و أجري برنامج التليفزيون، بمقر الجمعية العالمية الصوفية العلاوية بسويسرا.

    ذكرت القناة في منشوراتها، أنها اختارت الشيخ خالد بن تونس، للدور الخيري الذي يقوم به في العالم، بمشاريعه الرائدة و عمله البيديني و تبنيه إسلام منفتح، و ما له من أنسية و مواجهاته بحزم و صرامة تحديات العصر، من تطرف و التدهور الببيئي و غيرهما.

    أجري اللقاء مساء يوم 31 ديسمبر 2016، على المباشر، و تم  في البداية عرض مشاهد صورتها القناة، أسابيع قبل ذلك، بمدينة مستغانم، ثم بدئ الحوار ـ تجدونه أدناه ـ.

    بعد نهاية البرنامج، غادر الشيخ خالد بن تونس سويسرا، و أدرك الذاكرين المجتمعين، في مدينة تولوز الفرنسية، و ألقى خلال الجمع مذاكرة آخر السنة. للعلم أقيم بتولوز ملتقى، عنى الشباب، في الفترة الممتدة بين 26 و 31 ديسمبر 2016، عنوانه "من التربية إلى العيش معا".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-        مساء الخير الشيخ بن تونس.
-        مساء الخير

-        شكرا جزيلا لاستقبالنا  في كبريائكم بسويسرا. بشكل ما، نحن موجودين بمقر الفرع السويسري للطريقة العلاوية. هل تزور سويسرا بانتظام؟ و ما هي نظرتك لهذا البلد؟
-        هي قصة طويلة بيني و بين سويسرا، كنت آتيها و أنا طفل، و وجود هذه الحركة الروحية الصوفية بسويسرا، يعود إلى سنوات الثلاثينات. جاءها أبي و شيوخ كبار، و أقاموا بها، و إن التصوف سري  و لا يُلتفت له.

-        لقد كان جدك الذي أدخل التصوف إلى سويسرا؟
-        إنه أبي. فجدي لم يأتي أبدا، و لكن أبي كان حاضرا سنتي 1953 و 1954 بسويسرا، و كان يأتي عمليا إليها سنويا، خلال فترة الحرب التحريرية الجزائرية.

-        الشيخ خالد بن تونس، قمنا باكتشافك بعض الشيئ خلال الروبورتاج. أنت رجل ملتزم، ملتزم في عملية السلام، و العيش معا، الذي سنتكلم عنه. ماهو محرك هذا الإلتزام؟ ما الذي يدفعنا إلى  التصرف؟
-        إن الذي يدفعنا إلى التصرف، على ما أعتقد هو الثقة التي وضعها هؤلاء الحكماء، عندما قرروا أن أكون ممثل هذه  الحساسية الروحية للإسلام. عملوا بمحبة، و من أجل إدامة و حماية و نقل هذا التعليم، الذي هو في نظري، جد ثمين، في أيامنا هذه، و في الغد و للأجيال المقبلة.

-        هل هو مطلب يفرضه إيمانك و دينك، من أجل الإلتزام بالسلام؟
-        نعم، إنه دَيدننا، لأن السلام ليس فقط غياب النزاع، أو غياب الحرب. السلام هو، أولا حالة كينونة، ينبغي عيشها و تقاسمها. تقاسمها مع الأقارب و العائلة و الأولاد و الجيران، و مع المواطنين، و يكون ملتزما في السلام في العالم، لأن السلام بالنسبة لنا، هو إسم من أسماء الله تعالى الحسنى، و ينقل في حد ذاته، رابطة تكسوها طمأنينة و سكينة و إدراك. السلام هو ذلك الخيط، الذي يربط كل الخلائق فيما بينها.

-        طريقتكم ممثلة على شكل جمعية، لدى الأمم المتحدة، و لديكم بالضبط، مشروع ملموس، تريدون خلق يوم عالمي للعيش معا.
-        نعم. يوم للسلام و العيش معا.  هي أغلى رغبة، و إنشاء اليوم لا يغير الوضع، و لكن يسمح بطروء تحلي بالوعي. و أرى على سبيل المثال، في المدن التي آثرت هذا العيش معا، و أذكر مدينة "كان"، التي منذ ست سنوات، نحن نقضي فيها، هذا اليوم معا، مع جميع المجتمعات، الكاثوليك و البروتستان و اليهود و المسلمين و البوذيين و العلمانيين، بوجود العائلات و الأطفال، فقد تم حياكة نسيج من الأواصر. إذن توجد صداقة متنت الصلات، و سمحت أيضا بظهور برامج إذاعية، و إقامة لقاءات من مكان لآخر. تقام مرة بالمسجد، ثم يليها الكنس، فالكاتدرائية، و دواليك. تسمح اللقاءات بتبادل وجهات النظر، و يتكلم المجتمع المدني عن انشغالاته، و يحصل التعارف بين الأعضاء الذين يشكلونه.

-        و يمر أيضا بتعارف أصحاب مختلف الديانات، و إنك تعمل من أجل الحوار البيديني.
-        إنها مصالحة العائلة الإنسانية.

-        ماذا يمكن أن يقدم التصوف للحوار البيديني؟
-        في اعتقادي، يقوم بتذكير بني آدم بالأساس الذي يجمعنا. لأن الذي نراه، هو الإختلافات. إذا أخذتم قلادة أو مسبحة، فإن اللآلئ لها ألوان مختلفة، و ربما أشكال مختلفة، و لمعان متميز. يوجد الأحمر و الأزرق و الأخضر، و لكن الخيط، الذي يربط مجموع هذه القلادة و مجموع المسبحة، هو اللطيف، هو هذه الإنسانية، هذا العمق الذي نجده فينا، و يربط جميع بني آدم، و يصِل العائلة الإنسانية، يصِل المؤمن بغير المؤمن، و يصل بين مختلف الديانات، و أعتقد أنه يجسد دائرة الوحدة الإنسانية، فالتوحيد الإلهي، الذي يرتكز عليه التصوف، كل تعليمه يكلمنا عن الوحدة الإنسانية.

-        أنت تعيش هذه الوحدة في حضن حياتك الزوجية، أنت و زوجتك تشكلان زوج بيديني، لقد تزوجت كاثوليكية...
-        لم نقم به.. لقد إلتقينا.. و كانت كاثوليكية، من عائلة فرنسية نورمندية.

-        لم تعتنق زوجتك الإسلام..
-        لم يطلب منها أحد ذلك، و أعتقد أننا لسنا هنا لإقناع أو هداية أيّ كان. نحن هنا للشهادة على مرورنا بالعالم، و ترك بصمة على وجودنا بالعالم، بالخدمة التي نقدمها، و الخير الذي نعمله للعائلة الإنسانية.

-        الديانات التي تكلمت عنها هي عوامل سلام، و كذا هي عوامل عنف، و هذا ما نعلمه جيدا...

    ثم قاموا باسترحة، و تم خلالها عرض روبورتاج آخر، أبرز بعض الأحداث الدامية التي وقعت سنة 2016، و استؤنف بعدها الحوار.

-        إذن، الشيخ بن تونس، سنة مرت حقا بسرعة. ما هي ردة فعلك عن انتخاب دونالد ترامب؟
-        الولايات المتحدة تتدخل في علاقات العالم، أرادوا أن يكونوا دركي العالم، و لديهم الجيش الأول في العالم، و إلى ماذا سيؤدي كل هذا؟ كيف ستكون المسألة مع رجل، قال الكثير من أجل انتخابه؟ و الآن فقد انتخب، فكيف سيتعامل؟ أنا اقول يجب الإنتظار، و هنا أيضا إشارة، تدعونا إلى تفكير عميق. يوجد الذين فضلوا الإنطواء على النفس، و هذا في حد ذاته، خطر و شيك الحدوث. لأننا لا نملك مشروع مستقبل.

-        و أيضا المظاهرات عند غياب مشروع مستقبل، و ربما لهذا يميل بالضبط، الجهاديين إلى إسلام راديكالي (التطرف). ماذا تقول للشباب الذين لهم ميول للتطرف؟
-        أقول أن التطرف ليس حلا، و لن يكون أبدا حلا، هو فقط مظهر من مظاهر شعور عميق بالضيق، تم المحافظة عليه بشكل مصطنع من قبل سادة السياسة. يمر العالم الإسلامي بأزمة كبيرة. بأزمة، إنه يتحسس، و يحاول أن يجد مكانه في عالم اليوم، في حقيقة اليوم. يوجد المحافظين الذين يطالبون بأسلمة العصرنة، و التقدميين الذين يدعوننا إلى شعور مخالف، و هو الأخذ بالتطور و العصرنة، و انسوا كل ذلك. هنا يبرز حوار عميق، و التحلي بالوعي منعدم، و إذ نحن بحاجة إلى قراءة جديدة لهذا التقليد و لهذا الإرث.

-        أنتم تنتمون إلى حركة تجمع 350 مليون شخص عبر العالم، ضمن مليار و سبعمائة مليون مسلم. حقا هي نسبة مهمة، و لكن لا نسمعكم.
-        نعم. بمأنه لا يُصغى إلينا، فيشترك في الأمر عاملين. إن الساحة الإعلامية منشغلة بالإسلاموية السياسية الجهادية، و بالتطرف، سواء كان ذلك بتلك الدول، أو بالغرب، و الأمر الثاني، إن الصوفية لا ينوّهون بأنفسهم، و لا يدّعون في أساس سلوكهم و نهجهم، أنهم أهل الحل و العقد. فهم لا يشغلون الساحة السياسية المحتكرة من طرف الإسلاموية، التي تحولت إلى إيديولوجية، و بالنسبة للصوفي، فإن الدين هو البحث عن شيئ ما، موجود ببواطننا، و بحث عن هذا الجوهر و هذا التقارب المُسكن، من خلال معرفة، غير مأخوذة من الكتب، معرفة تكون بتجربة تذوق الإلهي، تذوق الحكمة الربانية، تذوق منسوب للألوهية، و هذا ما يقودنا حتما، إلى تحول في تصرفاتنا، مع الأقران و الخليقة.

-        هذا يعني، أنه يجب الذهاب إلى عمق الذات. هل يمكن لهذا البحث الفردي أن يكون علاجا للإسلام السياسي، الذي تكلمت عنه، و تقوم باستنكاره؟
-        بل يتعدى إلى ما وراء ذلك. أعتقد أنها تمس كل إنسان، ما وراء العالم الإسلامي، و ما وراء الإسلاموية. إنها تستجيب لرغبة باطنية للإنسان. رغبة حس و رغبة صلة.

-         و لكن بشكل ملموس، هل يمكن أن يأتي الحل للإرهاب الإسلامي من داخل الإسلام؟
-        نعم. إذا تجدد الإسلام. نعم إذا قام الإسلام بمراجعة إرثه الروحي و الفلسفي و الأنسي، و سلط الضوء على هذا الإرث و هذا التراث، الذي هو اليوم مهددا. و عندما أقول أنه مهدد، فإنه يتم القضاء بصفة منهجية على المخطوطات و أماكن و معالم. أزيلت 99 % من الأماكن التاريخية بمكة و المدينة. لقد فُقدت. و ليس فقط بالمدينة، حدث نفس الأمر بسوريا و العراق و ليبيا و الساحل. إنها الذاكرة التي تحفظ هذا الإرث الروحي  المتنوع. هل تعلمون أن بالجزائر، في القرن الـ 13، كان يُدرّس بـ 13 مذهبا فقهيا، و اليوم لم يبقى سوى أربعة، و يريد البعض الإبقاء على واحد، ألا و هو الوهابية. إذن، إن تضييق التفكير، و إدانة الآخر، الذي لا يفكر مثلي، أفقرَ الفكر. و عندما يفتقر الفكر، فالإنسان و المجتمع من سيدفع الثمن، لأنه سيعيش داخل تكيف ممنهج. أصبح الإسلام عبارة عن كتالوج وصفات، و ليس وسيلة لإيجاد الحقيقة في ذواتنا، و اكتشاف السكينة، و إدارة صلات المجتمع. في حديثه، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "افشوا السلام"....
  
-        نحن في آخر يوم، من سنة 2016. ما الذي تريد أن تتمناه لسنة 2017؟
-        الكثير من الأمور. في الأول، إيجاد روابط الأخوة، التي تساعدنا، على أن نكون مساهمين في السلام، و نصل الرحم، و نُـعين المحتاجين، و نجد معنى حياتنا، في سنة 2017، التي ستكون بكل تأكيد، سنة الكثير من التساؤلات، و الكثير من الإختيارات. و لتقودنا هذه السنة إلى عالم جديد، و نخص بالذكر الأجيال المقبلة. (1)
  
-        شكرا جزيلا الشيخ بن تونس، لاستقبالنا اليوم. أتمنى لك عيد رأس السنة سعيد، و سنة 2017 سعيدة.
-        شكرا جزيلا، و عيد رأس السنة سعيد لكل السويسريين، و لكل العالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). بهذا الكلام ختم الشيخ خالد بن تونس، مذاكرته بتولوز "لا تنقطع الحكمة و السلم و العيش معا، و المحبة و الأخوة و الخير أبدا. السلم دائم قائم، لمن لديه على الأقل النية، نية تصاحبه، و نية يتقاسمها. هذا ما تمنيناه.. و قمنا به في هذه الأيام بتبليغهم الأمل – خلال الملتقى الذي أقيم بتلوز -، أو بذرة أمل، لكي يؤسسوا مشروع حياتهم، على ما هو جميل، و ما هو إنساني و حكيم، حتى و هم في ريع الشباب، و اضطراب سن المراهقة، و عليهم أن يعلموا أن الجهل و الضعف الذي يرافقهم اليوم، سيساعدهم غدا على بلوغ النضج. شكرا جزيلا و سنة سعيدة لجميعكم و جميعكن. و ليجعل الله ـ إن شاء الله ـ سنة 2017، سنة، كما سمعتم و تمنيناها للعالم أجمع، سنة تساؤلات كبيرة، و سنة يكتنفها شك كثير، و لكن أيضا سنة إختيار. على كل واحد أن يختار الطريق الذي يسلكه. من أعماق قلوبنا، نتمنى أن يكون الطريق الذي نختاره، هو طريق السلام و العيش معا و التقاسم و المحبة و الأخوة. شكرا جزيلا، و السلام عليكم."