تمنيات الشيخ خالد بن تونس
للعام الجديد 2017
ذكرت القناة في منشوراتها، أنها اختارت الشيخ
خالد بن تونس، للدور الخيري الذي يقوم به في العالم، بمشاريعه الرائدة و عمله
البيديني و تبنيه إسلام منفتح، و ما له من أنسية و مواجهاته بحزم و صرامة تحديات
العصر، من تطرف و التدهور الببيئي و غيرهما.
أجري اللقاء مساء يوم 31 ديسمبر 2016، على المباشر، و تم في البداية عرض مشاهد صورتها القناة، أسابيع
قبل ذلك، بمدينة مستغانم، ثم بدئ الحوار ـ تجدونه أدناه ـ.
بعد نهاية البرنامج، غادر الشيخ خالد بن تونس
سويسرا، و أدرك الذاكرين المجتمعين، في مدينة تولوز الفرنسية، و ألقى خلال الجمع
مذاكرة آخر السنة. للعلم أقيم بتولوز ملتقى، عنى الشباب، في الفترة الممتدة بين 26 و 31 ديسمبر 2016، عنوانه "من
التربية إلى العيش معا".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
-
مساء الخير الشيخ بن
تونس.
-
مساء الخير
-
شكرا جزيلا لاستقبالنا في كبريائكم بسويسرا. بشكل ما، نحن موجودين بمقر
الفرع السويسري للطريقة العلاوية. هل تزور سويسرا بانتظام؟ و ما هي نظرتك لهذا البلد؟
-
هي قصة طويلة بيني و
بين سويسرا، كنت آتيها و أنا طفل، و وجود هذه الحركة الروحية الصوفية بسويسرا،
يعود إلى سنوات الثلاثينات. جاءها أبي و شيوخ كبار، و أقاموا بها، و إن التصوف
سري و لا يُلتفت له.
-
لقد كان جدك الذي أدخل
التصوف إلى سويسرا؟
-
إنه أبي. فجدي لم يأتي
أبدا، و لكن أبي كان حاضرا سنتي 1953 و 1954 بسويسرا، و كان يأتي عمليا إليها سنويا، خلال فترة
الحرب التحريرية الجزائرية.
-
الشيخ خالد بن تونس،
قمنا باكتشافك بعض الشيئ خلال الروبورتاج. أنت رجل ملتزم، ملتزم في عملية السلام،
و العيش معا، الذي سنتكلم عنه. ماهو محرك هذا الإلتزام؟ ما الذي يدفعنا إلى التصرف؟
-
إن الذي يدفعنا إلى
التصرف، على ما أعتقد هو الثقة التي وضعها هؤلاء الحكماء، عندما قرروا أن أكون
ممثل هذه الحساسية
الروحية للإسلام. عملوا بمحبة، و من أجل إدامة و حماية و نقل هذا التعليم، الذي هو
في نظري، جد ثمين، في أيامنا هذه، و في الغد و للأجيال المقبلة.
-
هل هو مطلب يفرضه
إيمانك و دينك، من أجل الإلتزام بالسلام؟
-
نعم، إنه دَيدننا، لأن
السلام ليس فقط غياب النزاع، أو غياب الحرب. السلام هو، أولا حالة كينونة، ينبغي
عيشها و تقاسمها. تقاسمها مع الأقارب و العائلة و الأولاد و الجيران، و مع
المواطنين، و يكون ملتزما في السلام في العالم، لأن السلام بالنسبة لنا، هو إسم من
أسماء الله تعالى الحسنى، و ينقل في حد ذاته، رابطة تكسوها طمأنينة و سكينة و
إدراك. السلام هو ذلك الخيط، الذي يربط كل الخلائق فيما بينها.
-
طريقتكم ممثلة على شكل
جمعية، لدى الأمم المتحدة، و لديكم بالضبط، مشروع ملموس، تريدون خلق يوم عالمي
للعيش معا.
-
نعم. يوم للسلام و
العيش معا. هي أغلى
رغبة، و إنشاء اليوم لا يغير الوضع، و لكن يسمح بطروء تحلي بالوعي. و أرى على سبيل
المثال، في المدن التي آثرت هذا العيش معا، و أذكر مدينة "كان"، التي
منذ ست سنوات، نحن نقضي فيها، هذا اليوم معا، مع جميع المجتمعات، الكاثوليك و
البروتستان و اليهود و المسلمين و البوذيين و العلمانيين، بوجود العائلات و الأطفال،
فقد تم حياكة نسيج من الأواصر. إذن توجد صداقة متنت الصلات، و سمحت أيضا بظهور
برامج إذاعية، و إقامة لقاءات من مكان لآخر. تقام مرة بالمسجد، ثم يليها الكنس،
فالكاتدرائية، و دواليك. تسمح اللقاءات بتبادل وجهات النظر، و يتكلم المجتمع
المدني عن انشغالاته، و يحصل التعارف بين الأعضاء الذين يشكلونه.
-
و يمر أيضا بتعارف
أصحاب مختلف الديانات، و إنك تعمل من أجل الحوار البيديني.
-
إنها مصالحة العائلة
الإنسانية.
-
ماذا يمكن أن يقدم
التصوف للحوار البيديني؟
-
في اعتقادي، يقوم
بتذكير بني آدم بالأساس الذي يجمعنا. لأن الذي نراه، هو الإختلافات. إذا أخذتم
قلادة أو مسبحة، فإن اللآلئ لها ألوان مختلفة، و ربما أشكال مختلفة، و لمعان
متميز. يوجد الأحمر و الأزرق و الأخضر، و لكن الخيط، الذي يربط مجموع هذه القلادة
و مجموع المسبحة، هو اللطيف، هو هذه الإنسانية، هذا العمق الذي نجده فينا، و يربط
جميع بني آدم، و يصِل العائلة الإنسانية، يصِل المؤمن بغير المؤمن، و يصل بين
مختلف الديانات، و أعتقد أنه يجسد دائرة الوحدة الإنسانية، فالتوحيد الإلهي، الذي
يرتكز عليه التصوف، كل تعليمه يكلمنا عن الوحدة الإنسانية.
-
أنت تعيش هذه الوحدة في
حضن حياتك الزوجية، أنت و زوجتك تشكلان زوج بيديني، لقد تزوجت كاثوليكية...
-
لم نقم به.. لقد
إلتقينا.. و كانت كاثوليكية، من عائلة فرنسية نورمندية.
-
لم تعتنق زوجتك
الإسلام..
-
لم يطلب منها أحد ذلك،
و أعتقد أننا لسنا هنا لإقناع أو هداية أيّ كان. نحن هنا للشهادة على مرورنا
بالعالم، و ترك بصمة على وجودنا بالعالم، بالخدمة التي نقدمها، و الخير الذي نعمله
للعائلة الإنسانية.
-
الديانات التي تكلمت
عنها هي عوامل سلام، و كذا هي عوامل عنف، و هذا ما نعلمه جيدا...
ثم قاموا باسترحة، و تم خلالها عرض روبورتاج
آخر، أبرز بعض الأحداث الدامية التي وقعت سنة 2016، و استؤنف بعدها
الحوار.
-
إذن، الشيخ بن تونس،
سنة مرت حقا بسرعة. ما هي ردة فعلك عن انتخاب دونالد ترامب؟
-
الولايات المتحدة تتدخل
في علاقات العالم، أرادوا أن يكونوا دركي العالم، و لديهم الجيش الأول في العالم،
و إلى ماذا سيؤدي كل هذا؟ كيف ستكون المسألة مع رجل، قال الكثير من أجل انتخابه؟ و
الآن فقد انتخب، فكيف سيتعامل؟ أنا اقول يجب الإنتظار، و هنا أيضا إشارة، تدعونا
إلى تفكير عميق. يوجد الذين فضلوا الإنطواء على النفس، و هذا في حد ذاته، خطر و
شيك الحدوث. لأننا لا نملك مشروع مستقبل.
-
و أيضا المظاهرات عند غياب
مشروع مستقبل، و ربما لهذا يميل بالضبط، الجهاديين إلى إسلام راديكالي (التطرف).
ماذا تقول للشباب الذين لهم ميول للتطرف؟
-
أقول أن التطرف ليس
حلا، و لن يكون أبدا حلا، هو فقط مظهر من مظاهر شعور عميق بالضيق، تم المحافظة عليه بشكل
مصطنع من قبل سادة السياسة. يمر العالم الإسلامي بأزمة كبيرة. بأزمة، إنه يتحسس، و
يحاول أن يجد مكانه في عالم اليوم، في حقيقة اليوم. يوجد المحافظين الذين يطالبون
بأسلمة العصرنة، و التقدميين الذين يدعوننا إلى شعور مخالف، و هو الأخذ بالتطور و
العصرنة، و انسوا كل ذلك. هنا يبرز حوار عميق، و التحلي بالوعي منعدم، و إذ نحن
بحاجة إلى قراءة جديدة لهذا التقليد و لهذا الإرث.
-
أنتم تنتمون إلى حركة
تجمع 350 مليون شخص عبر العالم، ضمن مليار و سبعمائة مليون مسلم. حقا هي نسبة مهمة،
و لكن لا نسمعكم.
-
نعم. بمأنه لا يُصغى
إلينا، فيشترك في الأمر عاملين. إن الساحة الإعلامية منشغلة بالإسلاموية السياسية
الجهادية، و بالتطرف، سواء كان ذلك بتلك الدول، أو بالغرب، و الأمر الثاني، إن
الصوفية لا ينوّهون بأنفسهم، و لا يدّعون في أساس سلوكهم و نهجهم، أنهم أهل الحل و
العقد. فهم لا يشغلون الساحة السياسية المحتكرة من طرف
الإسلاموية، التي تحولت إلى إيديولوجية، و بالنسبة للصوفي، فإن الدين هو البحث عن
شيئ ما، موجود ببواطننا، و بحث عن هذا الجوهر و هذا التقارب المُسكن، من خلال
معرفة، غير مأخوذة من الكتب، معرفة تكون بتجربة تذوق الإلهي، تذوق الحكمة
الربانية، تذوق منسوب للألوهية، و هذا ما يقودنا حتما، إلى تحول في تصرفاتنا، مع
الأقران و الخليقة.
-
هذا يعني، أنه يجب
الذهاب إلى عمق الذات. هل يمكن لهذا البحث الفردي أن يكون علاجا للإسلام السياسي،
الذي تكلمت عنه، و تقوم باستنكاره؟
-
بل يتعدى إلى ما وراء
ذلك. أعتقد أنها تمس كل إنسان، ما وراء العالم الإسلامي، و ما وراء الإسلاموية.
إنها تستجيب لرغبة باطنية للإنسان. رغبة حس و رغبة صلة.
-
و لكن بشكل ملموس، هل
يمكن أن يأتي الحل للإرهاب الإسلامي من داخل الإسلام؟
-
نعم. إذا تجدد الإسلام.
نعم إذا قام الإسلام بمراجعة إرثه الروحي و الفلسفي و الأنسي، و سلط الضوء على هذا
الإرث و هذا التراث، الذي هو اليوم مهددا. و عندما أقول أنه مهدد، فإنه يتم
القضاء بصفة منهجية على المخطوطات و أماكن و معالم. أزيلت 99 % من
الأماكن التاريخية بمكة و المدينة. لقد فُقدت. و ليس فقط بالمدينة، حدث نفس الأمر
بسوريا و العراق و ليبيا و الساحل. إنها الذاكرة التي تحفظ هذا الإرث الروحي المتنوع. هل تعلمون أن بالجزائر، في القرن الـ 13، كان يُدرّس بـ 13 مذهبا فقهيا، و
اليوم لم يبقى سوى أربعة، و يريد البعض الإبقاء على واحد، ألا و هو الوهابية. إذن، إن تضييق
التفكير، و إدانة الآخر، الذي لا يفكر مثلي، أفقرَ الفكر. و عندما يفتقر الفكر،
فالإنسان و المجتمع من سيدفع الثمن، لأنه سيعيش داخل تكيف ممنهج. أصبح الإسلام
عبارة عن كتالوج وصفات،
و ليس وسيلة لإيجاد الحقيقة في ذواتنا، و اكتشاف السكينة، و إدارة صلات المجتمع.
في حديثه، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "افشوا السلام"....
-
نحن في آخر يوم،
من سنة 2016. ما الذي تريد أن تتمناه لسنة 2017؟
-
الكثير من الأمور. في
الأول، إيجاد روابط الأخوة، التي تساعدنا، على أن نكون مساهمين في السلام، و نصل
الرحم، و نُـعين المحتاجين، و نجد معنى حياتنا، في سنة 2017، التي ستكون بكل
تأكيد، سنة الكثير من التساؤلات، و الكثير من الإختيارات. و لتقودنا هذه السنة إلى
عالم جديد، و نخص بالذكر الأجيال المقبلة. (1)
-
شكرا جزيلا الشيخ بن
تونس، لاستقبالنا اليوم. أتمنى لك عيد رأس السنة سعيد، و سنة 2017 سعيدة.
-
شكرا جزيلا، و عيد رأس
السنة سعيد لكل السويسريين، و لكل العالم.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). بهذا الكلام ختم
الشيخ خالد بن تونس، مذاكرته بتولوز "لا تنقطع الحكمة و السلم و العيش معا، و
المحبة و الأخوة و الخير أبدا. السلم دائم قائم، لمن لديه على الأقل النية، نية
تصاحبه، و نية يتقاسمها. هذا ما تمنيناه.. و قمنا به في هذه الأيام بتبليغهم الأمل
– خلال الملتقى الذي أقيم بتلوز -، أو بذرة أمل، لكي يؤسسوا مشروع حياتهم، على ما
هو جميل، و ما هو إنساني و حكيم، حتى و هم في ريع الشباب، و اضطراب سن المراهقة، و
عليهم أن يعلموا أن الجهل و الضعف الذي يرافقهم اليوم، سيساعدهم غدا على بلوغ
النضج. شكرا جزيلا و سنة سعيدة لجميعكم و جميعكن. و ليجعل الله ـ إن شاء الله ـ
سنة 2017، سنة، كما سمعتم و تمنيناها للعالم أجمع، سنة تساؤلات كبيرة، و سنة
يكتنفها شك كثير، و لكن أيضا سنة إختيار. على كل واحد أن يختار الطريق الذي يسلكه.
من أعماق قلوبنا، نتمنى أن يكون الطريق الذي نختاره، هو طريق السلام و العيش معا و
التقاسم و المحبة و الأخوة. شكرا جزيلا، و السلام عليكم."