الخميس، 17 مايو 2018

المصالحة الإنسانية وسُبل السلام

المصالحة الإنسانية وسُبل السلام

    
أحتفل يوم 16 مايو 2018، في العديد من بقاع العالم، باليوم الدولي للعيش معا في سلام، الذي أقرته الأمم المتحدة يوم 08 ديسمبر 2017، في جلسة علنية، للجمعية العامة، ومن كرم الله سبحانه وتعالى، تم تبنيه بالإجماع، ولم تتخلف أي دولة من مجموع الدول الـ 193، المنخرطة في الأمم المتحدة، وهذا شيئ ناذر الحدوث. وقتها عاش العالم بلبلة، بسبب، أن الرئيس الأمريكي ترامب، أعلن عن نية بلاده في تحويل مقر سفارة الولايات المتحدة، من تل أبيب إلى القدس الشريف، فساد توتر حينها، حتى بالأمم المتحدة، وبعدها علّق ترامب قراره، ليعلن عن تأجيل تنفيذه، إلى السنة المقبلة.

    يومان فقط، قبل حلول فجر أول طبعة، لليوم الدولي للعيش معا في سلام، جاء التنفيذ الفعلي لنقل السفارة الأمريكية إلى القدس الشريف، ورافقته مناهضة كبيرة من طرف الفلسطينيين، سقط أثناءها عشرات الشهداء، ومئات الجرحى.

المدينة المقدسة، ثلاث مرات
    يوم 29 03 2018، في مدينة نيويورك، في مكتبتها الكبيرة، وكان بمناسبة إقامة معرض "المواقع المقدسة المشتركة"، ألقى الشيخ خالد بن تونس، هذه الكلمة الموجزة والجامعة، في جلسة جمعتهم، هم قادة للديانات الثلاث:

    هذا مثال الإنجاز الذي حققته حضارتنا، إذ جُعل من المدينة المقدسة، ثلاث مرات، مصدر الشقاق، بدل أن تكون مكان لجمع القلوب. هذا إسثنائي، حين نرى أن الحداثة، بدل أن تمنحنا التوجه نحو التآزر، فهي تقودنا نحو التفرقة.

    إذا كان لدينا، اليوم الأمل، فهذا هو. كيف تصبح مدينة الحكمة، المدينة المقدسة ثلاث مرات، بالنسبة للمسيحيين واليهود والمسلمين، مكان (اللقاء)، يكون فيه... لا يوجد من يملك كل شيئ، وكل شخص يملك جزء ما، فكيف نجمع الأجزاء، ونجعلها في تناغم. هنا ينبغي أن نُبين، أنه مازال يوجد فينا الوسيلة، كي نعيد ارتباطنا، بهذه روح الإنسانية، المندرجة في جميع حِكم التقاليد. هذا رهان هائل. إما نربحه، أو نستمر في تبني سياسة النعامة، ولا نريد معرفة شيئ، وتبقى المشاكل تزداد وتتضخم. فهي على صورة عالمنا، وهذا نابع من عمق تفكيري. ربما أنا أعيش على الهامش. ولكنني أستطيع أن أشهد، أن يوم 08 ديسمبر 2017، صوّتت الـ 193 دولة، لصالح اليوم الدولي للعيش معا في سلام. إذن يجب تحقيقه. صوتنا عليه، والآن ينبغي تحقيقه.

تحيات الشيخ خالد بن تونس
    قال الشيخ خالد بن تونس:  
 
    بمناسبة الإحتفال بالطبعة الأولى، لليوم الدولي للعيش معا في سلام، أتمنى لجميع الحاضرين، معنا اليوم، للإحتفال بهذا اليوم، الذي لا يُنسى، والذي هو في نظري، سيكون داعيا لنا جميعا، للمصالحة والأمل والعمل. تحصل المصالحة، مع أنفسنا وعائلاتنا وقرنائنا، ضمن إحترام التنوع الذي يميزنا. إنه يوم أمل، فلأنه يدعونا أيضا إلى التغيير، والتوجه نحو الآخر، وأن نتفهم بعضنا البعض، و نعمل معا، في التآزر، الواحد مع الآخر، وليس الواحد ضد الآخر، لبناء مستقبل مشترك، من أجل صلاح الجميع.

    إذن، إلى كل اللواتي والذين، هم في أفريقيا وأوروبا وأمريكا وآسيا وأماكن أخرى، وقاسموا هذه اللحظة معنا، أتمنى لهم عيد سعيد، وأدعوهم إلى العمل، أكثر فأكثر، حتى تصبح ثقافة السلام، بالنسبة لنا جميعا، أسس هذا العالم الجديد، الذي نتمناه لأنفسنا، وللأجيال المقبلة.
     شكرا جزيلا، وإلى لقاء قريب، إن شاء الله.

فلسفة العيش معا أو الحياة معا
    يتميز هذا اليوم، قبل كل شيء، يمكننا أن نقول، بتسميته. اختار له الشيخ خالد بن تونس جملة باللغة الفرنسية "le vivre ensemble"، فترجمت بالعيش معا، وكذا العيش المشترك، وكلمات أخرى مرادفة، واجتًب استعمال كلمة التعايش، لأنها مرادفة للكلمة الفرنسية "coexistance"، وأًبقي على مصطلح "العيش"، كترجمة للكلمة "vivre". ولكن إذا ألقينا نظرة، ويبقى هذا اعتقادي، على هذه الكلمة الأخيرة، فهي مشتقة من "الحياة"، "vie". إذن، فالمصطلح الدقيق المرادف للتسمية هو "الحياة معا"، إذا تتبعنا المقصود السامي للشعار، فإننا نجزم في هذا السياق، أن نصبو إلى "العيش معا"، مع ما تحمل هذه الكلمة، من أسباب التعايش، والتسامي، والعمل جنب إلى جنب، مع وضع بين أعيننا، رفعة السمو إلى الحياة به تعالى، بمشاركة الجميع، مع كل ما يشير إليه، إسمه "الحي". ، وإن مرادف فعل "vivre"، هو حيّ وعاش، والعادة هي التي دفعت، إلى اختيار ترجمة العيش معا، بدل الحياة معا.

    للمزيد من التوضيح، فقد أسهم الأستاذ عصام الطوالبي الثعالبي، في هذه القضية، في المقدمة التي خصها للمؤلف المشترك، الذي أشرف عليه، المعنون بـ "أركان ثقافة السلام، المساواة بين الجنسين والمواطنة العالمية"، الذي صدر بمناسبة إحياء الطبعة الأولى، لليوم الدولي للعيش معا في سلام "، حيث قال:

    يدور محور "الحياة معاً" أو ("العيش معا") حول مفهوم "الحياة"، الذي يحمل القبول المتزامن "للمعاش"، و"الحي"، و"القابل للعيش". يوحي النعت الماضي المعاش، إلى مجمع تجارب الماضي، أو بعبارة أخرى، إلى التراث المادي واللامادي للإنسانية. في الإسلام، يعتبر الحي، إسم من الأسماء الحسنى، ويشير إلى تلك الطاقة المتسامية، التي تحرك الخليقة في تنوعها، حيث تبرر طبيعتها المقدسة، الإحترام الواجب، لجميع أشكال الحياة. يدعونا مصطلح "القابل للعيش"، في نهاية المطاف، إلى تجاوز المستوى النظري، لنعيش التنوع، ونكتشف الغيرية، وفي كلمة واحدة، نقول: أن نجتمع بدون أن نتشابه.

مصالحة العائلة الإنسانية وتحديات تتحقيقها (1)
    يعيش الشيخ خالد بن تونس، حاليًا متنقلا بين فرنسا والجزائر. وهو صاحب مبادرة هذا اليوم الدولي الأول للعيش معا في سلام. قال "ماذا نريد أن نعمل بهذا اليوم، هو تحقيق مصالحة الأسرة البشرية، لإظهار أن الإنسانية تجسد، من خلال مختلف التقاليد، وتنوع الشعوب، والعديد الدول؛ نفس الحقيقة، وعلينا أكثر من أي وقت مضى، أن ندرك، أننا نُشكل عائلة، كل عضو فيها، له مكانه، ويحظى بدوره. كيف يمكننا أن نتآزر، لمواجهة التحديات التي تواجه الإنسانية؟"

    تميز الأسبوع الماضي، بتسجيل عدة هجمات في العالم، مما أثار شكوك، حول فكرة العيش معاً في سلام. مما يجعل هذا اليوم، لا يشكل سوى أمنية عقيمة. ليس الأمر سيان، بالنسبة للشيخ خالد بن تونس، الذي صرح "يمكننا أن ننظر إليه، على أنه مجرد أمنيات، ولكن إذا جلسنا مكتوفي الأيدي، فإننا لن نمضي قدما. ولكن هذا اليوم، يسمح لنا بإدراج ثقافة السلام في التعليم، في تربية أطفالنا. إن هذا ليس سوى باب، لتعبئة المجتمع الدولي، ليدرك أن السلام، ليس فقط غياب الصراع، بل هو حالة كينونة".

    على الرغم من هذا العنف الأعمى، فإن الشيخ بن تونس، يؤمن بالسلام. وقال "السلام هو إسم من أسماء الله الحسنى، لا يمكن تحقيق شيئ، بدون السلام. وإحلاله مقرون في جميع الأوقات، وفي كل الإتجاهات، وإذا غاب السلام فينا، فإن الإنسان يفقد حقيقة تواجده. علينا جميعا، إعادة النظر في التعريف الذي نعطيه للسلام".

أهمية التعليم في بيداغوجية العيش معا (1)
    في فرنسا، يبدو أن العيش معاً، يعيش حالة توتر في الآونة الأخيرة، مع تصاعد التوترات بين المجتمع اليهودي والمجتمع الإسلامي. وأكد الشيخ خالد بن تونس، أن"هذا يُوتر. لقد نددت به لسنوات. ولكن لا ننسى أن الديانتين اليهودية والإسلامية عاشتا، معا لعدة قرون. يمكننا أن نأخذ مثالي الأندلس والمغرب. كان صديق و طبيب، صلاح الدين الأيوبي يهوديا، لقد تواجد هذا العصر الذهبي، ونسيناه. اليوم، ينبغي علينا أكثر من أي وقت مضى، استعادة الذاكرة. وهذا هو السبب في أهمية التعليم. أُخفي كل هذا التراث، لإثارة هذه المخاوف".

    عندما نتحدث عن الإسلام في فرنسا، فإننا نذكر اليوم، تطرف بعض الناس. بالنسبة للشيخ بن تونس، فهم لا يمثلون سوى طائفة صغيرة. وذكّر شيخ الطريقة العلاوية "يوجد مسلمون لا يأخذون من الدين سوى ثقافته، وآخرون يمارسون الشعائر أكثر من غيرهم، ويتواجد أيضا تطرف، موجود حتى في ديانات أخرى".
ــــــــــــــــــــــــــــــ
(1)  Radio RCF، في 16 05 2018.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق