الجمعة، 15 نوفمبر 2013

الخالق

الخالق

قال الله تعالى:
" هو الله الخالق البارئ المصور له الأسماء الحسنى. يسبح له ما في السماوات و الأرض و هو العزيز الحكيم". سورة الحشر، الآية 24.

"إنه هو يبدئ و يعيد. وهو الغفور الودود. ذو العرش المجيد. فعال لما يريد". سورة البروج، الآيات من 13 إلى 16.

    تدعونا هذه الآيات إلى التأمل في جمال و انسجام و كمال الخلق، الذي يخاطبنا باستمرار، و في كل لحظة، عن جمال الخالق "البارئ المصور". مهما بلغت عبقرية الإنسان ، لا يمكنه، أن يدعي كمال الخليقة. إضافة إلى ذلك، تعني هذه الآية، أن كل شيئ متجذر فيه (1)، و يحمل سمته.

    أن تخلق هو شيئ، أما أن تصور فهذا شيئ آخر. إنظروا إلى جمال الطبيعة. أكبر العباقرة لا يستطيع أن يضاهيه. خذوا ورقة، خنفساء، عصفور، و لاحظوا كيف ان الإرادة الإلهية لم تقم فقط بخلقها بل، أنها  صورتها. انظروا إلى جسم الإنسان و أبعاده و قياساته، يرى بعض العلميون أن الخليقة، لم توجد إلا بالإنتقاء الطبيعي. أما المؤمنون يرجعونها إلى الإمكانية الهائلة للمطلق. لم يقم بإنشاء الخلق فقط، بل خليقته دوما كاملة.

    في طموحه، يحاول الإنسان تغييرالطبيعة بالإنتقاء أو التلاعب الجيني. و لكن يبقى عمله مُرمّق، ناقص، لأن من أجل أن تخلق، يجب الأخذ بعين الإعتبار عدة معايير. علاوة على ذلك ، إنه يخترع و يكتشف وفقا لاحتياجاته العاجلة، في حين يخلق الله، نسبة للأبدية. كل ما خلقه الله، هو كامل. على سبيل المثال، تكيف الحيوانات مع بيئتها، الغزال في الصحراء، يتروى بلعق زغباته، التي تلتقط ليلا قطرات الندى. الخليقة ليست جميلة فقط، بل كاملة و منسجمة.

    تحقيقاتنا دوما زائلة، لأنها تبقى مقيدة بالزمن. علاوة على ذلك، الإنسان لا يخلق، و لكنه، لا يقوم سوى بتقليد أو إعادة إنتاج ما هو موجود قَبلا في قدر الله.

    علم الوراثة لا يخلق حقا، فهو يتلاعب و يؤلف دوما، إنطلاقا من أصل موجود. من جهة أخرى، بعض العلميون، يقولون، أنهم أحيانا يخوضون مغامرة و لا يتحكمون في المستقبل. يتلاعب الإنسان بالحيوانات و النبتات و الفيروسات و حتى بالكائن البشري. و لكن حذارِ. كونوا حصفين. مرض البقرة المجنونة هو تحذير جديد. قد تكون تلاعباتنا خطيرة، و قابلة لفتح باب على أمراض جديدة، و تحورات جديدة، و ستكون الأجيال اللاحقة، في مواجهة أكثر فأكثر، مع هذه المعضلة.

    على الرغم من ذكائه و علمه، قد يعطل الإنسان، النظام الطبيعي للأشياء. لا يمكنه أبدا أن يساوي عمل الله. لأنه لا يكفي التلاعب، من اللازم الحفاظ على التوازن مع بقية الخلق. الله وحده يقدر أن يفعلها، لأنه يعلم كل شئء و يملك تحكم، لن نحصل عليه أبدا. نستطيع أن نحسن سلالة و أنواع بالإنتقاء، و لن نستطيع أبدا أن نساوي ما قام بعمِله. الله يحدد كل شيئ. يقوم بحمايته و هو له طائع. يعلمها و يملكها كلية. الخالق الحامي، لا يترك أي مخلوق يضل، في مصير غامض.

    "له الأسماء الحسنى"، و نحن لا نعرف منها إلا القليل. كلما إنتشيتا، أمام جمال زهرة أو شجرة أو حشرة أو حيوان أو مخلوق آخر، نتقدم شكرا لله، لأن الخلق يحمل سمته. و هو(2) إنعكاس لجماله. تمّ القيام بكل شيئ، على محمل الجد. ليس هناك قبح في الخلق. لا يخلق الجميل إلا الجمال.

    "إنه هو يبدئ و بعيد". يعيد. تجديد الخلق يجري بطريقة دائمة، من خلال حبه لمخلوقاته، و محبة المخلوقات لبعضها البعض. يتكشف إسم المجيد في هذه القدرة على إعطاء بداية للخلق، من أجل أن يتأكد. فهو غير محصى و لا منتهي. يشهد تكاثر الكائنات و الأشياء على هذه الخصوبة، الملاحَظة في البعد البشري، وصولا إلى المقياس الكوني. في اللحظة التي نتكلم فيها، تولد نجوم و أخرى تختفي. أي مجد هذا. إن الله يحب خلقه. في مقابل هذا العمل اللامتناهي، ماذا يكمن أن تمثل إختراعات الإنسان؟ مثلما أعرب عنها جيدا، محمد إقبال،الشاعر الباكستاني (1876- 1938) "خلقتَ الليل، فخلقتُ المصباح. و خلقتَ الطين، فخلقتُ الآنية. خلقتَ الجبال و الرَّبي فخلقتُ الجنات و الحدائق الورد و الطرق المشجرة".
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). الضمير عائد لله.
(2). الضمير عائد للخلق.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق