الأربعاء، 13 نوفمبر 2013

مناهل 2

مناهل 2


الفطرة

    في التقليد يكلموننا عن الحالة الأصلية، التي تسمى الفطرة. تسمى في التقليد الإسلامي الفطرة، و هي التي جئنا بها إلى العالم، و كل واحد منا، هو طاهر تماما، كصفحة بيضاء. و من خلال الفطرة، سيبدأ في تكوين نفسه، عن طريق التربية و التعليم و المعرفة و الثقافة، التي يتلقاها، و المحيط الذي يولد و ينشأ فيه. هذا الذي سيجعل منه كائن أو رجل أو إمرأة الغد، و سيحفز تصرفاته. أحيانا تكون الثقافة فخا، لأنها عوض أن تحررنا، تصبح حملا، يقيّدنا داخل أحكام، مبنية على أحكام قَبْلية، و يسد علينا أفق المعرفة. بدل أن تدفعنا نحو المعرفة إلى ما لا نهاية، و نحو الحاذق  و الجميل و المذهل، نجد أنفسنا منغلقين داخل الأحكام المسبقة، و نتقيد ضمن نطاق ضيق، و تصبح الحياة سجنا. بدل أن تنمو و تزدهر تعود عائق، و عندها يصبح الإنسان عنيفا و مُدّع و متجبر، متخفيا وراء أحكام عنصرية أو دينية أو فلسفية أو حضارية. يدعي قائلا، حضارتي خير من حضارتكم، ديني خير من دينكم، نسبي أشرف من نسبكم، و غير ذلك. و هذا دليل على انغلاق. عندما نُعلم أو ننقُل، يجب تبليغ الأشياء التي من خلالها يزدهر و ينفتح الكائن، و ليست التي تؤدي به إلى الإنغلاق داخل مخطط و هياكل محدودة. يجب أن نذكر له دائما، أن هذا الذي أنقله إليك، و لكن أنت من عليك، أن يجعله مثمرا، و لا آمره، بأن الذي عليك القيام به، هوما تراني فاعله. هذه هي الحقيقة، و لا يعنيك شيئ آخر، إلا الذي تحصلت عليه من والديك أو من معلميك أو من ثقافتك. و مصيبة العالم ناجمة عن هذا الفعل. لأننا إذا عدنا، و غيرنا الإتجاه، و رجعنا إلى فطرتنا الطبيعية، سنتواجد كلنا معا. لأن مع الفطرة، لم نكن ننتمي إلى أي ثقافة، أو سلالة. كنا كائنات، بكل بساطة.


الدين

    الدين. سأحدثكم عن حالة، في لقاء باريس – مؤتمر الأئمة و الخاخامات الذي يجرى دوريا – كنت مكلف بورشة، تهتم بكيفية التوصل إلى السلام بواسطة العبادة، وعظ السلام بالعبادة. كانت تتواجد ورشات أخرى، و الورش الوحيد الذي لم يحضره أحد، كان هذا، لا إمام و لا خاخام – ضحك الشيخ كثيرا -. عندما تفكر، أن الأئمة و الحاخامات موجودون لتعليم و نقل العبادة. تعليم العبادة و كيفية عيشها، و لم يحضر أحد إلى هذا الورش. من جهة أخرى، قلتها للأئمة و الخاخامات، و الورشات الأخرى التي اهتمت بالسياسة و مجالات أخرى، ليست من إختصاص الأئمة و الخاخامات، حضرها الكثير من الناس، و الورش الذي درست فيه، كيفية الوصول بواسطة العبادة، و تعليم العبادة و تمكين العبادة من قلوب الناس، ليتوصلوا للسلام، لم يحضره أحد. هذا أعراضي جدا. هذا يعني أن رجل الدين نفسه ما يرتدي إلا زي رجل دين، فقد وظيفته الدينية، هذه الوظيفة الباطنية، الروحانية التي كان يملكها، للتأكد من أن الرسالة التي يدرسها حية، لنقل الكلمة. هو أيضا تحول إلى موظف، وقع في مخالب النظام السياسي و الإقتصادي، و جرّد من روحانيته، و أصبح مندوبا للديني، و يُتلاعب به من قِبل أولئك الذين يتولون السلطة، لم يعد متجذر في كلمة التقليد الذي يمثله، و الذي يتطلب منه أن يكون منصفا، غير متحيز، و خيِّر و أخوي، لأن هذا مرسوم. الوصايا العشر في الكتاب المقدس. العنف عمل غير ديني، و من غير المعقول، الإدعاء محبة الله، من ناحية، و جرح قريبك، هذا غير معقول. يجري هذا، ضد كل رسالات الديانات السماوية الثلاثة، سواء كانت اليهودية أو المسيحية أو الإسلام. المحبة حيوية (جوهرية) و الأخوة حيوية (جوهرية).


عالم اليوم

    على عالم اليوم، أن يتجه نحو عالم تناغم و استقرار. أقول، إنه يعامل نفس الشيئ، معاملة مختلفة، بما تناسبه. لا يمكننا إقصاء قارة مثل الهند، و قارة مثل الصين، و لا يمكننا إقصاء قارة كأفريقيا أو كأمريكا اللاتينية، لهم واقعهم، و حاضرون اليوم في العالم. لم يعتبرَ واقعهم سابقا، و لم يؤخذ في الحسبان.
    اليوم، يطالبون بحقهم، و يطالبون بحضورهم في عالم اليوم. يجب على الغرب النظر في العلاقة مع الآخر، و العلاقة مع التقاليد و الثقافات الأخرى، أن ينظر إليها، كعلاقة تثري إنسانية اليوم، و كإثراء إضافي، و كشيئ يخصب، سوف يسمح بأفكار جديدة، و ربما يسمح بظهور إقتصادات و معارف جديدة.
    إذن، فعالم الغد، علينا أن نعطيه معنى، ناظرين إليه، كأنه عالم من الأمل، و عالم تجديد، و ليس كعالم منافسة و عنف. لأن عالم الغد يبنى اليوم. بالذي أعددنا و نزرعه اليوم. سيتم جني غدا، نسبة إلى الأفكار التي زرعت اليوم. إذا ما زرعنا أفكار أمل و عدل، و أفكار مساواة و تضامن، و أفكار تعود على الآخر في التوازن و القبول.
    إذا استمرينا في إثارة المخاوف في أنفسنا، إزاء بعضنا البعض، سيقودنا ذلك، إلى الإنطواء على النفس، و إلى ما يسمى صراع الحضارات، و هو ما أعتقد أنه بالأحرى، صراع الجهل.



مع الشباب

    حتى أنا شخصيا، منذ عشرين سنة، مع أصدقاء، أسسنا فرع الكشفية الإسلامية بفرنسا. اليوم هم آلاف الشباب، و سننظم في موعد قريب، شهر نوفمبر، مع كشفيات أخرى،مع العائلة الكشفية، لأننا ننتمي إلى الإتحادية الكشفية، المكونة من عدة جمعيات، الجمعية الكشفية المسيحية الكاثوليكية، و البروتستانية و اليهودية و اللائكية و المسلمة، و منذ سنة 2009، لدينا رئاسة الكشفية الفرنسية، و هم يعدون بآلاف الشباب.
    يطالب اليوم، هؤلاء الشباب، بمثل أعلى، على سبيل المثال، العمل أكثر لكسب المزيد، لا يهمهم حقيقة، فالذي يرونه و يسمعونه، أن العالم يسير نحو الأسوأ، مع بروز أزمات و تفاقمها، أزمة إقتصادية، و أزمة مالية، و أزمة طاقوية، و أزمة بيئوية، و الإحتباس الحراري، هذا يعني، أنهم لا يرون و لا يسمعون سوى أن العالم في ورطة، و هكذا، فإن الإرث الذي سنتركه لهم ثقيل.
    في القرن الواحد و العشرين، هؤلاء الشباب، الذين يعيشون في أوروبا تنعم بالسلام، يرون أيضا الحرب، مشكلة فلسطين، و مشكلة العراق، و مشكلة أفغانستان، و ربما حروب أخرى، ستظهر بين عشية و ضحاها، يرون عدم المساواة عبر التليفزيون، و من خلال ما يسمعون، و ما يقرأون. أدى كل هذا إلى ظهور ثورات، و يتساءلون لماذا أباءنا، و هؤلاء الكبار الذين يحكمون العالم، يسيّرونه بهذا السوء. و نحن نشعر بهم، و نشعر ببعض التمرد لدى هؤلاء الشباب، الذين يريدون تغيير العالم، و يرغبون في العيش، في عالم أكثر أخوة و تماسكا و مثالية، و ربما أيضا، يودون إيجاد معنى، في هذا العالم، الذي أصبح أكثر مادية.


الأرض المقدسة

    و أقول، كل رجل، و كل إمرأة، و كل كائن، يحمل في قلبه الإنسانية، هو منشغل بهذه المسألة، لأن هذه المسألة تدوم، كما قلتَ، منذ ستين سنة، و ليس لها مخرج. لدينا انطباع، أن ليس لها أي مخرج، هو نوع من السرطان، يسيطر على الوعي الإنساني من الداخل. كل الدول الكبيرة، و كل رؤساء الدول الذين انكبوا حول هذه المسألة، لم يجدوا، لحد اليوم، أي حل.
    كمؤمنِ، لأننا نحن كذلك هذه القدس، هذه المدينة المقدسة على ثلاث مرات. مع ذلك، هي المدينة المقدسة لليهودية، و المدينة المقدسة للمسيحية، و لكن المدينة المقدسة للإسلام، في هذا المكان ينبغي أن تلتقي الإنسانية. من هنا، فالذي ينبغي علينا، هو تصدير الأخوة. إنها المدينة المثالية. ينبغي أن تكون المدينة المثالية. على كل حال، تكون الدولة الفلسطينية و الإسرائيلية، مثالا على ذلك، نتيجة الروابط التاريخية و الروابط الدينية، و يجب أن نفقه و نشعر ونعيش الأخوة. رغم ذلك، فهنا، لدينا انطباع، أن العكس هو الذي يحدث، تسود الكراهية، عوض الأخوة و المحبة و الرأفة. الكراهية و التفرقة. و كلُّ واحد، يقدم سببا للأمر، كأنه يملك الحقيقة لوحده. و إننا نعلم، أننا لا نملك إلا جزءا من الحقيقة، كل واحدا منا، لا يملك إلا جزءا منها، لا أحد يملك كل الحقيقة، و إنها لا تتواجد إلا باجتماعنا كلنا.
     عندما نجمع على حد سواء ضمائرنا، لأن، ما هو الإنسان؟ قبل أن يكون يهوديا أو مسيحيا أو مسلما، و قبل أن يكون مؤمنا أو غير مؤمن. هو قبل كل شيئ وعي (ضمير)، كيف يتم التأكيد على الوعي على حساب الكل، و الرجوع إليه، كي يتم الإلتقاء بواسطته، بواسطة هذا الوعي، الذي هو نحن و نحمله فينا.
     ينبغي أن يكون الوعي، قوة إتحاد من قِبل السلام. السلام ليس ما نوقعه في إتفاقيات، بل هو سلام القلوب. كيف نربي و نوقظ أطفالنا و الأجيال المقبلة لإيجاد في أنفسهم السلام، و كيفية نقله إزاء الآخر؟ علينا أن نكون في سلام مع أنفسنا و مع الآخر.
    نعم، بهذا الساحل الأزوردي الجميل، الذي نسكنه، ما الذي يمكن أن نجلبه اليوم، للإسرائيلين و الفلسطينيين؟ ماذا يمكننا أن نجلب لهم؟ إعطاء الحق لأحد، على حساب الآخر، يفاقم الوضع، و يضيف الزيت للنار، أو مساعدتهم على إيجاد المسار الذي يؤدي بهما معا نحو السلام. إنها المسألة الكبرى لبداية القرن الواحد و العشرين، لأن فلسطين برميل بارود. هي اليوم، وسط الشرق الأوسط، كبرميل بارود، يمكن في أي وقت أن ينفجر، و يولد موجات صدمية لامتناهية، تنشئ في الإنسانية مشاكل عويصة.
    نستطيع القول، أن أوروبا مسؤولة على الذي يحدث هناك، و خاصة إنجلترا و فرنسا، هذا البلدان الأوروبيان، كانا سببا في هذه المشكلة. ربما علينا القيام بجهد إضافي، على أوروبا القيام بجهد إضافي، مقارنة بالآخرين، من أجل إحلال السلام، و معالجة هذا السرطان الذي يسيطر على الإنسانية من الداخل.


مسلمو أوروبا

السائل: يوجد حوار آخر، أريد أن أحاورك فيه، إذا سمحت. إنه الحوار الذي قدمته في موضوع لقاء جنيف. بمؤتمر جنيف، شرحتَ، و كنتُ قد إحتفظتُ من هذا الشرح، أنك تمنيتَ أن يكون من طرف المسلمين بأوروبا مشاركة حقيقة، ثقافية و فعالة في سياسة أوروبا، و بالتأكيد، توافق نوعا ما، الإنشغالات التي تنشط هذا الروبورتاج. من الواضح، على ما أعتقد، إذا أخذت تعبيرات المسلمين الأوروبيين منحى قوي، في هذه القضية، سيكون لها إنعكاسات قطعا إيجابية، في نزاع الشرق الأوسط. للعودة إلى محاضرة جنيف، هل يمكن أن تقول لنا كلمة، الشيخ بن تونس.
الشيخ خالد بن تونس: نعم، لقاء جنيف الذي جرى يومي 09 و 10 أكتوبر 2010، سمح لنا، أن نجمع معا، رجال الدين و أيضا السياسيين و جامعيين، و كذلك ممثلي جمعيات شبانية. من ناحية كان الموضوع " من أجل إسلام حر و مسؤول ". مفهوم الحرية و المسئولية. توجهت للمشاركين وللصحافة للقول ... أولا، نحن محظوظون لأننا نعيش في أرض الحرية. و هل نعرف كيف نستفيد منها، و نجعلها وسيلة لتوحيد الناس و الكائنات؟ و إذا لم ترافق الحرية بمسؤولية كل فرد، قد تصبح ضارة. أن نكون أحرارا بعمل ما نشاء، بدون أن يكون لدينا مفهوم المسؤولية، قد يؤدي بنا أحيانا إلى الكوارث.
    توجهتُ إلى المسلمين قائلا لهم: عليكم اليوم، أن تخرجوا من الطائفية، لتصبحوا مواطنين كاملي الحقوق، يعني تركيبة للوطن الذي تعيشون فيه، تركيبة لأوروبا، و عليكم أن تُكَوِّنوا وزنا لكم و للآخرين، و بالعكس، محرك و عملية تشاركية، و ينبغي أن تتواجدوا في قلب المجتمع و أن تعملوا. حان الوقت، الذي لاتشعرون فيه بالغربة في البلدان التي تعيشون بها، و يعيش أبناءكم و أحفادكم. اليوم، عليكم القول، أنكم مواطنون. طالبوا بالمواطنة، و عيشوها بلا تحفظ، بالأسوة التي تقدمونها، و بالإضافات و الإثراءات التي تجلبونها إلى كل الأوساط، و توقفوا عن الإشفاق على أنفسكم أو الإنزواء نحو الإنطواء الطائفي، و هذا شكل من أشكال الإنتحار، حتى و لو لم يكن إنتحار جسدي، فهو شكل من الإنتحار على مستوى العقل. الإنقطاع عن كل الإضافات و كل إثراء، وعندها ستُصوِّبون الذين يرفضونكم، الذين يقولون لكم، أن الإسلام متعارض مع العصرنة، و متناقض مع أوروبا، و لكن الإسلام موجود هنا، منذ قرون. الإسلام كان قبلا في الأندلس، عاش فيها المسلمون و المسيحيون و اليهود لقرون، هي حقيقة تاريخية، و لا يمنع اليوم وجود أكثر من سبعة ملايين مسلم بفرنسا، و أكثر من خمسة و عشرين مليون بأوروبا الغربية، و ليس بالإمكان القيام بسياسة النعامة، و لا ننظر إلى هذه المشكلة. هم اليوم مسلمون أوروبيون، على كل حال، أبناءهم و أحفادهم أوروبيون، و ليس لهم أرض أخرى، و ليس لهم بلد آخر، لا يتكلمون حتى، لغة البلدان الأصلية لأسلافهم، و لا يكتبونها، يشعرون أنهم فرنسيون، أو أنهم أوروبيون. إذن ينبغي أن نجد الكيفية التي ندرجهم بها كلية في هذا النسيج، وبها نجعل منهم أحرارا و مسؤولين. و هذه الحرية هي حرية الكائن. كيف نربيهم؟ يمكن أن يكون هؤلاء الناس غدا سفراء أوروبا.
    هذا عجيب. المؤسسة الوحيدة التي أدمجت كلية المسلمين، هو الجيش، و هذا لا نعلمه. أمر يثير الدهشة إلى حد ما. لديكم ضباط سامون في الجيش، هم مسلمون، لديكم مرشدو الجيش...
السائل: تتكلم عن الجيش الفرنسي؟
الشيخ خالد بن تونس: أتكلم عن الجيش الفرنسي. هي المؤسسة الوحيدة للدولة، التي لا تعرف هذه المشاكل. هذا مدهش، لماذا؟ لأن الجيش يُكَوّن و تسوده المساواة، و بالإستحقاق، و به تحكم جيد. و لا نتحدث عن ذلك.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق