السبت، 30 نوفمبر 2013

الإنسان باطنيا تحت ضياء القرآن


الإنسان باطنيا تحت ضياء القرآن



نضع بين أيديكم  مقتطفات مترجمة إلى العربية، سبق نشرها، من كتاب "الإنسان باطنيا تحت ضياء القرآن"، لصاحبه الشيخ خالد بن تونس، الصادر باللغة الفرنسية سنة 1998 بمنشورات ألبين ميشال، باريس.

 جاء في مقدمة الكتاب:

   "إن اليوم، تتفق مختلف التيارات الروحية، أكثر فأكثر، على القول أن، اذا ماتت البشرية يوما، فالقليل منهم سيكون حقيقة أحياء، أحياءا بالمعنى الروحي.

   إذا أردنا الحفاظ على الإنسانية في أنفسنا يجب أن نرفع من مستوى الشعور الكوني، بشرط لا غنى عنه، أن لا يصبح الإنسان آلة مفكرة. كل الأصوليات المتحدرة من المحافظة (1) تريد أن يكون النظام الذي وضعوه غير قابل للتغيير، ناسين أن المعنى الحرفي للدين يعلمنا حقائق سطحية، مصدر المصائب و المآسي، في حين أن الروحانية الصحيحة، هي سعي دائم، لإعادة إكتشاف الرسالة، حتى نستمتع في المشاطرة، بمسرّات الحياة و الفيض الإلهي الذي لا ينضب.

هذا البحث الذي يدعو إليه هذا الكتاب، مستوحى من القرآن، و لا يشكل أي تأويل أو عمل تبحّري، بالمعنى التقليدي للمصطلح.

   لقد تلقى محمد صلى الله عليه و سلم أول آية من القرآن الكريم في منطقة الحجاز حيث توجد مكة، خلال إحدى خلواته. و قد تتابع الوحي طيلة اثني عشرين سنة، من سنة 610 و حتى عام 632 م، تاريخ فاته صلى الله عليه و سلم.

   و كان نزول بعض الآيات مزامنا لأحداث تاريخية محددة جوابا لتساؤلات مختلفة إما إجتماعية أو فلسفية أو روحية، إلخ. و القرآن يحتوي على 6226 آية موزعة في 114 سورة، و تجدر الإشارة إلى أن ترتيب هذه السور و الآيات لا يطابق تاريخ نزولها، فلما انتهى نزول الوحي، رتب النبي صلى الله عليه و سلم القرآن في سور و آيات بإلهام و وحي من الله، و قد تم جمعه في المصحف الذي هو بين أيدينا في عهد الخليفة الثالث عثمان ابن عفان (644-656). توجد النسخة الأصلية في متحف طوب-كابي بإسطمبول.

   بأسلوبه الرائع و منهاجه البديع يشكل القرآن حقلا غنيا في ميدان العلوم و اللسانيات لاستنباط القواعد و التقنيات. بخلاف أشكال الفنون الأدبية أو العلوم المنطقية الأخرى و بكونه كتاب إلهي منزل، فإنه ليس مقيدا لا بزمان و لا بمكان، و خطابه ليس فقط صالحا للزمان الذي أنزل فيه بل هو موجه لكل الأجيال و لكل الحضارات. كما يشير إلى ذلك لويس ماسينيون، يعتبر القرآن، بالنسبة للمسلمين "الكتاب الأول و المنبع الأصلي لكل التعاليم و الدروس و هو الكتاب الذي يجب التغني به و المواظبة على تلاوته، كما يعد منبعا للشريعة و القانون و هو في الأخير كتاب الدعوات و الصلوات و هو الذي كون تدريجيا عقليتهم".
نتمنى أن يجد القارئ في هذا الكتاب، توضيحا لمعنى الإنسان من خلال التقليد الباطني للإسلام.

فهرسة الكتاب.
  
 مقدمة  
             
                              الفصل الأول: رمزية الألوهية

النور، الحضرة الإلهية، الملك، وجه الله، له الاسماء الحسنى، الخالق، الكرسي، الرحمة، سر الإيمان.
                                        
                              الفصل الثاني: الإرث النبوي

الرسالة الشاملة، آدم، نوح، إبراهيم، يوسف، موسى، داوود، سليمان، عيسى، محمد.

و خاتمة.

مما جاء في خاتمة الكتاب:

و غذا؟
     في كل مكان و زمان، ادعى رجال أنهم على صواب و تسببوا في معاناة من لم يكونوا متفقين معهم. و على الرغم من الإبادات و الجرائم و الإمبريالية المتكررة من حضارة إلى حضارة، لم يتمكنوا من حصر قدر البشرية، و لا زلنا إلى اليوم نعيش لحظات إضطراب و أزمة و الريبة و التطرف و التعصب بجميع أنواعه. 

     إني على يقين بأن البشرية سوف تخرج منها مرة أخرى منتصرة، أقول هذا و أفعل كل شيئ، على الأقل حسب مستواي على بساطته، لتعليم و نقل الأمل في عالم أفضل، من العالم الذي يفرض نفسه علينا كل صباح. إن الحديث الآن على حالة الرجل الكوني (الإنسان الكامل)، يبدو زهيدا بل و غير مألوف، عالم جديد يحضر إلينا، عالم دقيق و مقنع، عالم نظيف، و مرتب رياضيا، خال من أي صدفة أو حلم.

     إننا نتجه جميعا، على الرغم منا نحو عالم يتغير على المستويات الإقتصادي و المالي و التكنولوجي و العلمي، إنها العولمة التي تسير بالقوة و لا تأخذ بعين الإعتبار أي فارق و لا تحترم أي حميمية. 

     لقد صار مبدأ الربح المفرط، الذي نصب كمذهب جديد، يجب أن تذعن له جميع الدول و الشعوب بدون إستثناء، كأنها آلة كسر الحجارة التي تسحق المادة لتستخرج منها المعدن، كما صارت الفائدة سيدة الموقف، و أصبح الإعلام خاضعا للتصرف. كما أن الإحتكار و الرشوة اللذين يواكبان ذلك، يفقران الأغلبية لفائدة الطموحات المفرطة لأقلية متعجرفة.

     إن المجتمع جاثم و متخم بوسائل الإعلام، الممهدة لقدوم الرجل الجديد، المستهلك الوديع لشطائر هامبرجر، المستعمل للألات العاملة التي تحلل و تسبر و تنتج في خاتمة المطاف مشاريع لمفاهيم جديدة للحياة. و بفضل هذه العقول الإلكترونية، حسب قولهم، سوف يتخلص الإنسان من الترددات و من العاهات الوراثية لأجداده. يا لهذا العالم، حيث كل شيئ مخمن و مشرح و مستنسخ قبل التنفيذ.

    ... سوف تولد أصناف جديدة في الحيوانات في المختبرات مبرمجة لتلبية حاجيات الإنسان في التغذية أو كرفاق للمتعة. و سوف تمحى من الأرض الأصناف المعدنية و النباتية و الحيوانية المضرة. و من طبيعة الحال، الرجال ذوي العرق المتدني جينيا، سوف ينشأ عهد تقني و ثقافي جديد، سوف تشيد مدن ضخمة بها متاحف رائعة، حيث تعرض الفلسفات و المعارف و العادات و التقاليد و الديانات، و يمكن لكل واحد حسب رغبته، و بارتدائه لخودته أن يكون قسيس نفسه و إمام نفسه و خاخام نفسه، و يلعب دور سقراط أو موسى أو فرعون، أو يعرف الدقائق الخفية للمعرفة السحرية للطحين أو غرائب الحضارات الأزطيكية. بل و أكثر من ذلك، سوف يصل إلى مرحلة النيرفانا أو التنوير بدون إكراه و لا مجهود. أما العصاة و المرتدون و المهمشون، فضالة المجتمع، فسوف نزج بهم في الكواكب البعيدة، التي أصبحت محتلة لفسح المجال أمام الإنسان الجديد للعيش في السلام و الإنسجام، فوق هذه الأرض الجميلة التي تم تصورها علميا، عندها سوف تكون المغامرة البشرية قد حققت أوجها، و يكون الإنسان قد نجح في كسر الحواجز المنصوبة على طريقه، و سوف تصبح الجنة الأبدية في متناوله... و حتى الإله نفسه بعظمته سوف يخنع في خاتمة المطاف أمامه، الإله الجديد. و سوف يحقق ابن آدم إنتقامه. و سوف يقفل الطوق، هل هذا هو حلم البشرية؟
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). نزوع إلى إبقاء ما هو قائم و مقاومة التجديد.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق