الأحد، 2 فبراير 2014

الفتوة



الفتوة

    ظهر مفهوم الفتوة قبل الإسلام بكثير و قد كان يتعلق الأمر بنقل قيم نبيلة و عالمية، و هي الدفاع عن المستضعف و الكرم و السهر على السلام في المجتمع. فقد كانت تحضر الفتى، بحيث يسير حياته كما العلاقات التي تربطه بأقرانه، بشرف و استقامة. و قد أتى الإسلام ليكمل هذه التربية، إذ أضاف إليها السلوك و التحقيق ضمن طريق باطني، ليجعل منه إنسانا كاملا.

    يعود هذا التلقين تاريخيا إلى الرسول صلى الله عليه و سلم، فقد لُقن الفتوة و هو لا يزال شابا، من قِبل عمه، من خلال عهد سمي بـ "عهد الفضول"، و بعد نزول الوحي عليه، قام بدوره بتلقين الفتوة لابن عمه و زوج إبنته علي كرم الله وجهه، الذي انتقلت الفتوة من خلاله عبر الأجيال. 

    تتضمن الفتوة ثلاث درجات، تتمثل الدرجة الأولى في تحضير الفتى لتأكيد شخصيته و خصاله و شمائله مثل الشجاعة و الصبر و الفطنة. و كان يتوجب عليه ألا يخون هذه القيم مهما كانت الأحوال و إلا أقصي... و اعتبر قاصرا و سفيها. و في يوم التلقين و هو الذي يطبع بداية التعلم، كان يتم ربط حزام قطني حول خصر الفتى، و هو رمز للهشاشة و الصفاء الذي يشار إليه. بينما ترمز العقدة المربوطة حول الخصر إلى العهد الذي يجب ألا ينقضه أبدا. المرحلة الثانية هي مرحلة الفتوة الروحية، فكان المرور من فتوة المحاربة ذات الوجه العسكري إلى فتوة أخلاقية و روحية. و كان من خلالها يتم ربط حزام من الجلد حول خصر الفتى، رمزا للمتانة و الليونة. و ابتداء من هذا الحين كان يبدأ مسار التلقين الروحي الفعلي، نحو ما يسمى في الإسلام بـ "الجهاد الأكبر". ذلك الجهاد المتمثل  في أمر النفس بالمعروف و نهيها عن المنكر، سواء تعلق الأمر بالجسد أو بالفكر، في السلوك كما في الأفكار و في العلاقات مع الغير كما في العلاقة مع الله. و هناك أخيرا المرحلة الثالثة، و هي مرحلة النضج و الحكمة، المرموز إليها بحزام من الصوف و هي كلمة يقال أنها أصل كلمة التصوف.(1).

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). جاء في كتاب أخبار مكة، الذي يحكي تاريخها قبل مجيئ الإسلام، عن محمد ابن إسحاق بن بشار المتوفي سنة 115 للهجرة، و غيره قال: خلت مكة في وقت من الأوقات حتى كان لا يطوف بالبيت أحد، و كان يجيئ من بلد بعيد رجل صوفي يطوف بالبيت ثم ينصرف. اهـ. هذا مما يشهد أن كلمة صوفي، كلمة قديمة تطلق على الزاهد المتعبد، من ذوي الفضل و الصلاح. 

                                                                                   من "التصوف الإرث المشترك".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق