الجمعة، 24 يناير 2014

الخلوة

 الخلوة

    كان في فجر الإسلام عددا كبيرا من الباحثين عن الحقيقة، غير الراضين، أولئك الذين لم يجدوا أجوبة لا في الديانات السماوية و لا في الوثنية. و خير مثال هو زيد ابن عمرو ابن نفيل، الذي كان لا يأكل الذبائح المقدمة قربانا للأصنام، و كان يقول في سجوده "إلهي لو علمت على أي طريقة أعبدك لفعلت و لكنني أجهلها".

    و هناك من كانوا يمارسون الخلوة و يطوفون حول الكعبة عراة، أجسادهم يكسوها الرماد.

    الخلوة في الإسلام تعني القطيعة، مع نية العزلة على أن تكرس القطيعة مع الزمن الدنيوي للدخول في زمن مقدس. يلبس الرداء المتكون من قطعتين من القماش الأبيض غير المخيط يسمى "الإحرام"، باعتباره رمزا لحالة التقديس هاته.

    الخلوة هي تحضير لمقابلة المولى عز و جل. و قد نزل الوحي على الرسول صلى الله عليه و سلم و هو في غار حراء، و هو المكان الذي إعتاد القيام بخلواته فيه. و مفهوم الغار يأخذ  هنا بعدا، غير الذي يأخذه عادة. يتعلق الأمر بالمركز الذي يتم التلقين فيه،  الغار في قلب الجبل، كما الفطرة موجودة في قلب الكائن. و هو المكان الذي يقوم عادة السالك فيه بالإنفصال عن العالم و الإعتزال، ليعود إلى ذاته و يسمو فوق المكان و الزمان، لا يشغله شيئ سوى الله. و في هذا الحين يصبح الغار قبرا للأنا و رحماً لميلاد الكائن الجديد.


الإعتكاف

    ليست الخلوة سوى ممارسة قديمة، تشبه عادة الإعتكاف العتيقة، و التي كانت دائما موجودة لا سيما منذ إبراهيم عليه السلام "وعهدنا إلى إبراهيم و إسماعيل أن طهرا بيتي للطائفين و العاكفين و الركع السجود". سورة البقرة، الآية 125. كانت القبيلة تستهجن ممارسة القطيعة مع المجتمع بالفكر أو بالجسد. كما ان عبارة "إعتكافة" التي استخدمت للتعبير عن رفض تقاليد الأباء و الأجداد، كانت كلمة تحقيرية قبل الإسلام.

غاية الخلوة
    إن الهدف الوحيد من هذه الطريق هو التحقق بالله عز و جل، الذي يستلزم تلك الطاقة التي هي المحبة، و كذا العزم و الإرادة القوية من أجل التعبد. و في معنى التنسك، فإن هذا العزم يتقوى أيضا بالخلوة
.
    و الخلوة بابتعادها عن الضجيج و التوتر، و بتحررها من الضغوطات اليومية، تسمح بالإشراف على الوضع في مجمله، و بالعيش في مواجهة مع النفس، و بالغوص في أغوار الباطن، و بتنشيط الكائن.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق