السبت، 29 أغسطس 2015

في خدمة الآخَر

في خدمة الآخَر


الخادِمُ
"هل تعلمون أن خدمة الآخر هو محرك حياتي، و سعادة حياتي".
                                              الشيخ خالد بن تونس

    أبرز الشيخ خالد بن تونس في لقاءاته الأخيرة مع الصحافة و الجمهور، عن أهم ما تحويه أجندته التبليغية حاليا، بحيث فصّل في القول في واحد من أهم ملفاته، و هو اليوم العالمي للعيش معا، إذ يقول عنه "هي مبادرة ولدت في بلادنا في وهران، أثناء مؤتمر الأنوثة الدولي، الذي جرى بين 28 أكتوبر و أول نوفمبر2014"، و يؤكد، حتى لا ننسى "أنها صدرت من بلد عربي و أفريقي و مسلم".

    توجه قاصدا الصحفيين بالقول "إني أطلب منكم أن تساعدونني على نشر هذه الرسالة، و إعطائها بعدا، سواءا كان فرديا أو جماعيا". و يخوض دائما في الدور المشؤوم الذي يمر به الإسلام، حيث يربط غالبا بالعنف، بسبب الذين يتبنونه خارج أي شرعية.

    يَحضر لقاءاته رجالا و نساءا من معتقدات شتى، و يشغلون وظائف مختلفة. يلقون له البال عند كلامه و يستحوذ على عقولهم منطقه، حتى و لو أنهم قلة، إلا أن للقلة ما تفعله. و عن تطلعاته، يرى أن الحل لا يزال في مرحلة الأمل، و  ينبغي "الإثبات أن ثقافة السلام هي الأكثر ربحا".

إن العالم ليس أسوأ كما يتم وصفه
    قال الشيخ خالد بن تونس"إن العالم ليس أسوأ كما يتم وصفه.. إذا نظرنا إلى إحصائيات الأمم المتحدة، نجد أن نسبة العنف كانت كبيرة خلال القرن الثامن عشر، على ما هي عليه في العصر الحالي، و قد كنا أقل من مليار نسمة، و اليوم نحن سبعة ملايير و 300 مليون نسمة على وجه الأرض، و قد تراجع العنف بـنسبة 17٪.  و هذا ما لا نتصوره".

    تساءل الشيخ عن سبب عدم أخذ الصحفيين بهذه الإحصائيات و نشرها، رغم أنها متوفرة بالأمم المتحدة و هي مصدرها، و من السهل الوصول إليها، و قال "إن الإعلام لا يدار حول السلم، بل يدار حول الحرب و العنف، لأن بالنسبة للبعض، فإن الحرب و العنف يجلبان أكثر. هي مسألة إقتصادية. نعود إلى الأصل و نجده مسألة إقتصادية. أقلية تجعل من الحرب و من العنف و من صراع الحضارات مؤسستهم التجارية".

    و ذَكّر مُنبها إلى بعض المغالطات "لدينا اليوم إنطباع أن الشرق الأوسط هو المنطقة الأكثر عنفا في العالم، و إن الأمر ليس كذلك، فالإحصائيات لا تقول ذلك، إن المنطقة الأولى للعنف في العالم هي أمريكا الجنوبية".

لو كان السلام أكثر مردودية من الحرب لتَمّ إختياره
    لا يقف الشيخ خالد بن تونس عند حد المثالية، و يعترف أن العمل طويل و شاق "و يتطلب مجهودات و خصوصا قناعات متينة ..لأن أصوات الحرب أقوى من أصوات السلام".

     قدم في لقاءاته هذه الإحصائية "يكلف العنف في العالم أكثر من9.47 تريليار دولار (1 تريليار يساوي 1000 مليار). و هو ثمن العنف في عام 2014.. و يمثل 44 مرة الناتج المحلي الإجمالي لبلد مثل الجزائر.. و لو كان السلام أكثر مردودية من الحرب لتَمّ إختياره". و لكنه يرشد إلى ما يجب القيام به، و هو "أن التحدي يتمثل في عكس هذا الإتجاه، و إثبات أن ثقافة السلام هي أكثر ربحية".

    كشف أيضا عن القوة المالية المسخرة في خدمة و تعزيز النسخة الوهابية للإسلام "تخرج من جامعة المدينة المنورة 45000 إمام لفائدة 110 دولة.. تخيلوا كم يستقطبوا من أناسي في خطبهم الوهابية و السلفية"، مع الأذى الذي يقترفونه باسم الإسلام، و "هو دين سلام و تسامح و محبة"، و إن فحوى خطبهم بعيد كل البعد عن ما يبثه الشيخ. قد أشار إلى، أن أكبر المراكز العالمية ممولة من طرف الرابطة، و هي الرابطة الإسلامية العالمية.

    يوصي الشيخ خالد بن تونس بأنه "يجب أن نستمر في تشجيع الإجتهاد، و من فائدتنا تشجيع مجتمع يكون فيه الحوار مفتوح، و لا يرتكز على مبادئ طائفية أو جهوية". و أوضح "أن الشريعة ليست القانون، بل هي الشارع أو الطريق، الذي يؤدي إلى المنبع.. و جاءت لكي تروحن جوارحنا، حتى تأخذ جوانب العبادة منا نوعية، و ليس بأن نقوم بالإعتداء على الآخر". و عندما طرح عليه السؤال عن مآل الإمامة و حال الأئمة بمساجدنا، أجاب "إن أئمتنا هُم نِتاج لِما أردناهم أن يكونوا". من باب التفسيح، يدعم الشيخ خطاباته ببعض الفكاهة، كتذكيره بآخر فتوى لداعش، التي تحرم في المناطق التي إحتلتها، إرتداء الحذاء الرياضي لماركة "نايك"، بدعوى أن إسمه له إيحاء جنسي.

إمنحوني توقيعاتكم، أنا المُتسوِل
    رافق التصوف الأمة دائما في أوقات الأزمات، و إن الرغبة في السلام اليوم تلح أكثر مما مضى في عالم تسوده الحروب و النزاعات، و يستحوذ فيه ثلث الإنسانية على 92٪ من الثروة العالمية. يقوم الشيخ خالد ن تونس بمجهودات جبارة للإدلاء بسهمه في خدمة الإنسانية، و مما أنشأه لهذا الغرض، المنظمة غير الحكومية عيسى، التي هي بيده كعصى موسى، التي تقوم بالأعمال.

    يعطي الشيخ خالد بن تونس أهمية كبيرة لمشروع اليوم العالمي للعيش معا، الذي يأخذ من وقته الكثير، و لإنجاحه، فهو يقوم بتحركات ماراطونية من أجل إيصال الرسالة، و تبليغ أكبر عدد ممكن، و لو من الزاوية الضئيلة المفتوحة له. فمازال مشروع العيش معا، المرتقب ترسيمه في شهر سبتمبر 2016 بمقر الأمم المتحدة و محاولة جمع المليون توقيع، يقود الشيخ ن بلد إلى آخر، و من قارة إلى قارة، و قال عبارته الشهيرة "إمنحوني توقيعاتكم، أنا المُتسوِل".(1). و هو الذي صرح "نملك روح السلام، و إن العيش معا هو حالة كينونة و كذا مجال من الشعور، و إنه يُجنىَ كما يقطف الورد".

    يرتكز المشروع على ثمانية محاور، و يقترح إنشاء أكاديمية للسلام، في عريضته المقدمة للأمم المتحدة، و يتساءل الشيخ قائلا "كيف يعقل أن للأمم المتحدة مجلس للأمن، يقرر مَن يُقصف، و ليس لدينا مجلسا للحكماء، على الأقل يرافق مسار الإنسانية؟"، و يضيف "لماذا تملك المؤسسة أكاديمية للحرب و لا تمتلك أخرى للسلام؟".

    ألا يستحق السلام أن يدرس من أجل أن تدار النزاعات بشكل آخر، غير القوة و البأس؟ يوصي الشيخ خالد بن تونس "يجب تأصيل السلام من خلال التعليم البيداغوجي"، و يؤكد أنه من الضروري تلقين الطفل في سن مبكرة، الإنفتاح على السلام، كما نص عليها، من قبل الشيخ العلاوي و سماها "دائرة الجود و الفضائل". في الدائرة يكون كل فرد على مسافة متساوية من المركز. المساواة في الكرامة و الحقوق. و يضيف "إذا وصلنا إلى ثقافة السلام، فإنه سيتم تغيير عاداتنا في تسيير النُظم التي تدير الأرض.. ثم مواجهة هرم سلطة القانون، التي جوهرها هو، أن للوصول إلى القمة لا بد لي بالضرورة سحق شخص ما".

    يُنبه الشيخ خالد بن تونس أن "العيش معا يبدأ بلقاء رجل و إمرأة، يكون لديهما مشروع، و هو بناء أسرة. يفرض عليهما العيش معا، أن يُحدِثا العمل معا. إذا لم يكن العمل معا، فسيفترق الزوجان". و يوجز أهميته البالغة قائلا "من خلال إعادة النظر في النصوص المقدسة، فإن هذا اليوم يسلط الضوء على عالميتها و يعزز المصالحة بين الثقافات، و تقاليد الأسرة البشرية، و عندها فإنها ستغذي روحانية حية، تُعطي معنى للحياة". 




حماية البيئة و الإسلام
    يولي الشيخ خالد بن تونس إهتماما بالغا بالبيئة، فما فتئ يوصي بحمايتها و يؤكد على المخاطر المحيطة بكوكبنا الأرض، في ظل لامبالاة الإنسان و إقدامه على تدمير محيطه، و إنه يحذر و يؤكد تأكيدا، إن المسألة بلغت مرحلة الخطر، و إن المسؤولين ليخفون ذلك عن الناس، و إلى أي مدى ستصل تبعة و عواقب التصرفات المشينة للإنسان اتجاه البيئة؟ فهذا ما ستكشفه الأيام و الليالي، "كيف لا نحترم هذه الأرض الأم التي أنجبتنا و غذتنا، و مستمرة في تقديم الغذاء لنا، و عند موتنا هي التي تستقبلنا عندما يتخلص أصدقاؤنا منا". و أضاف " إن إجراء هذا التفكير حول البيئة، ليس أنه مطابق لذوق العصر، بل إن الرسول صلى الله عليه و سلم، شجع الإنسان بأن يغرس فتيلة أو يزرع بذرة عند قيام القيامة (2). واصلوا الزرع و الغرس حتى عندما تقوم الساعة".

    يجب القيام بمجهودات و مقاومة و  إجراء محاولة حتى يبقى "هذا الأمل و هذا الرجاء إلى النهاية. كيف نحمي هذه الأرض للأجيال المقبلة، و نحن لم نجد غيرها. هذه السفينة التي نسميها الأرض هي فريدة، و لحد اليوم لم نجد، في أي مكان، واحة حياة."(3)

    البيئة هي من بين أولويات ثماني نقاط مبادرة اليوم العالمي للعيش معا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). قالها في  آخر خطبته أثناء مؤتمر الأنوثة بوهران سنة 2014.

(2). عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه و سلم "إِنْ قَامَتِ السَّاعَةُ وَفِي يَدِ أَحَدِكُمْ فَسِيلَةٌ، فَإِنِ اسْتَطَاعَ أَنْ لَا تَقُومَ حَتَّى يَغْرِسَهَا فَلْيَغْرِسْهَا". رواه البخاري، و في لفظ أحمد "إِنْ قَامَتْ عَلَى أَحَدِكُمُ الْقِيَامَةُ، وَفِي يَدِهِ فَسِيلَةٌ فَلْيَغْرِسْها".

(3). شارك الشيخ خالد بن تونس مؤخرا، يوم 21 07 2015 بباريس في "قمة الضمائر من أجل المناخ"، قمة جمعت أربعين شخصية عالمية، دينية و فلسفية و علمية و غيرها، بهدف إصدار بيان مشترك من أجل المناخ. ألقى الشيخ مداخلة، إستغرقت بضع دقائق، جاء فيها "إنه زمن قطيعة. كان يجب المرور من هنا. و إنه أيضا تجديد. إننا نغادر النظام الهرمي نحو الدائرة. و إن المركز هو الإنسان، المصلحة العامة للإنسان (و ليس العجل الذهبي الذي يقودنا). لننتقل من المنافسة إلى التآزر. الناس في خدمة الناس. ينبغي أن يطبق هذا، على أرض الواقع. هيا، الجميع إلى العمل، فلوَحْدي لن أنجح".

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق