الجمعة، 20 نوفمبر 2015

علينا أكثر مما مضى أن نكون مصممين على المُضي قدما

علينا أكثر مما مضى
 أن نكون مصممين على المُضي قدما

    اهتزت مساء يوم الجمعة 13 نوفمبر باريس بأحداث دامية خلفت ضحايا، و كانت الحصيلة ثقيلة، و التي تبناها مرة أخرى تنظيما ينسب نفسه إلى الإسلام. نزل الخبر كالصاعقة على كل أولئك الذين يعملون من أجل خير الإنسانية، و يأملون رؤيتها متوحدة، و تعيش في تآزر، تسوده الأخوة و المحبة.

    يومها كان الشيخ خالد بن تونس بمدينة ليون، أين شارك في انطلاقة قناة تليفزيونية جديدة، سميت "Les deux rives tv"، أملا أن تساهم كما يدل إسمها "الضفتان"، في جمع شعوب ضفتي البحر الأبيض المتوسط. نحن بحاجة ملحة إلى مثل هذه المبادرات. يعمل الشيخ سيدي خالد بن تونس منذ سنوات على جمع القلوب، و التأكيد على أن التركيبة الإسلامية جزءا من المجتمع الأرووبي، و لهذا الغرض أسس الكشافة الإسلامية الأوروبية، ليدمج الشباب المسلم في الحركات الوطنية، و يساهم في المحافل الإجتماعية و الثقافية و غير ذلك. من الملاحظ جليا، إن بعض التوجهات المنتشرة هناك، تعمل على إقصاء المسلم، و تريد أن تجعل منه عنصر جانبي، و الأمرُّ من ذلك، أن يُتهم بالعداء، و أنه يمثل خطرا على الأمن العام، و جنس ينبغي نفيه من المجتمع. في كل هذه الأجواء، يعمل الشيخ خالد بن تونس بصبر و حزم، على إحلال السلام، و نشر ثقافة السلام، و ثقافة العيش معا.

    لما بلغه نبأ الحادثة قال "كل ما نقول عنه، أنه عمل شيطاني، لأنه لا يقوم بأي تفريق، و ليس له هدف، إلا ما ينجر معه، من موت و جريمة، و نشر الشر على أوسع نطاق، و إصابة الأبرياء"، و أضاف "الحادث الذي أصاب بالأمس باريس، شوّشنا، و كأنه كابوس"، و صرح متحسرا "تدفعنا هذه الأحداث إلى التساؤل عن مصداقية أعمالنا، و طريقة رؤيتنا للعالم، و طريقة بناءه، و إننا سنترك شهادة لأنفسنا، و للأجيال المقبلة، بأننا قمنا بما في وسعنا لجمع أفراد هذه الإنسانية، هذه الكتلة المتشتتة، التي تجهل بعضها البعض، و تتقاتل فيما بينها، و إننا نعمل من أجل أن يتواجد العقل و الحس، و لا يوجد أي بديل، و جاءت هذه الحادثة لتؤكد مرة أخرى، أن بدون العيش معا، و بدون العمل معا، و بدون التوحد و التعارف، سنتوجه كلنا نحو الفوضى".

    غادر الشيخ خالد بن تونس فرنسا بعدها، متوجها إلى الجزائر للإشراف و المشاركة في المهرجان الأول لليوم العالمي للعيش معا، إذ سيحتفل يومي 24 و 25 نوفمبر بحول الله، باليوم العالمي للعيش معا بمدينة مستغانم في محاضرات و لقاءات تجرى بجامعة خروبة، و يوم 26 سيعلن عن جائزة الأمير عبد القادر من ولاية معسكر، جائزة من أجل العيش معا بالبحر الأبيض المتوسط، و يختم المهرجان بندوة صحفية يوم 29 نوفمبر بمدينة الجزائر.

    من بإقامته بالجزائر، خص الشيخ خالد بن تونس الإذاعة المسيحية الفرنكفونية RCF بالحوار التالي، بعد الهزة التي أحدثها الإعتداء الغاشم، بمشروع العيش معا، بفرنسا، و ببقية العالم:   

الصحفي: كيف تفاعلت مع الإعتداءات الفظيعة التي حدثت الجمعة مساءا بباريس؟

الشيخ خالد بن تونس: هذا النبأ أصابنا في أعماق كياننا. كان الأمس يوما جميلا بالنسبة لنا، قمنا بافتتاح قناة تليفزيونية جديدة تسمى "les deux rives tv"، ساد جو من المرح، و أمل و إمكانية ربط ضفتي البحر الأبيض المتوسط، و العمل في هذا السياق، من أجل التلاقي و التعارف و التبادل.  ها هو، في نهاية اليوم، بلغنا هذا الخبر الكارثي، بالنسبة لكل أولئك الذين يعيشون، و يعملون من أجل بناء جسور بين الحضارات و الثقافات و الديانات. و لكن أعتقد أنه، علينا أكثر مما مضى، أن نكون مصممين على المضي قدما. أول شيئ نفكر فيه، بكل تأكيد، هو تلك الأُسر، و نعرب عن تعاطفنا مع كل الذين أصيبوا بالأمس بباريس. أريد أن يفكر الناس بعمق و يقومون، بكل ما في وسعهم، و بكل ما يختلج ضميرهم، للعمل معا، حتى لا تكتسحنا دوامة العنف و الكراهية.

الصحفي: كيف تعيش أنت شخصيا، المسلم، و كيف، بأن باسم الله، ربك الرحمن الرحيم، يقتل رجال بكل برودة أبرياء؟ 

الشيخ خالد بن تونس: أولا، إن الله لا ينتمي إلى أي أحد. الله أكبر من أن ينتمي إلى جماعة أو إلى شخص، مَن هؤلاء الناس، حتى يدّعون العمل باسم الله، و مَن أذن لهم بإسناد أمرهم إلى خالق الكون؟ من نحن جميعا، مهما كنا، حتى ندعي التفرد بالألوهية، هذا من غير الممكن. بصفتي مسلما، و ببساطة كوني إنسانا، أرفض هذا. لا أستطيع قبوله. يوجد من يعتمد على تفسير لآيات قرآنية، و يصبون حقدهم و عنفهم، و نفهم بأن لا علاقة لهم بالإسلام. هؤلاء يقومون بإذاية المسلمين أكثر مما، يقومون بإذاية بقية الناس. يهدمون معالم أثارية، و هي تراث الإنسانية، و يتلفون مخطوطات، و يزيلون كل ما يشيد إلى السمو الإنساني، و يفتّح عقولنا، و هم يقومون بتأويل دينهم الخاطئ، من خلال نفوسهم النرجسية و الأنانية و الجاهلة.

الصحفي: الشيخ خالد بن تونس، منذ سنوات، و أنت صانع للسلام، و باعث للحوار البيديني. هل مازلت تؤمن بأن إحلال السلام ممكن؟

الشيخ خالد بن تونس: نعم، فإن إحلال السلام ممكن. نعم إن إحلال السلام ممكن. لا يجب الشك في ذلك، و لا يجب ترك الشك يساورنا. نعم، إن الله هو السلام، و كل من يؤمن بالله، عليه أن يؤمن بسلامه، و إلا سنفقد حِسّ ما نحن عليه، و سنرهن مستقبل أبناءنا و أحفادنا، و إننا سنُعِد لهم عالما أسوأ من الذي نعيشه اليوم.

الصحفي: ما الذي يجب أن يقوم به كل شخص للمساهمة في هذا السلام؟

الشيخ خالد بن تونس: ينبغي أولا الدعاء للمؤمن، و التفكر مليا، و التفكر معطى لكل شخص، مهما يكن، سواء كان لديه إيمان أو لا. ليتدبر السلام في نفسه. إننا سننجر رغم أنفسنا نحو طريق مسدود. يوجد 500000 لاجئ، أناس فقدوا كل شيئ، و اليوم يأتون إلى أوروبا. لماذا يأتون إلى أوروبا؟ لأنهم يأملون و متيقنون بأن في أوروبا توجد حقوق الإنسان و إنسانية و يتوفر حسن الضيافة، و احترام الشخص، مهما كان رجل أو إمرأة. إذن على أوروبا اليوم أن تكون هذا المكان، لتحمل حقيقة، المعنى الإنساني.

الصحفي: شكرا جزيلا الشيخ خالد بن تونس، لقبولك هذا الحوار.. مباشرة من الجزائر. شكرا جزيلا أيها الشيخ. 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق