الأربعاء، 28 أكتوبر 2015

خطبة الشيخ خالد بن تونس في ندوة اليونسكو

الإسلام الروحي و التحديات المعاصرة
الندوة الدولية بدار اليونسكو، يومي 28 و 29 سبتمبر 2015

خطبة الشيخ خالد بن تونس
 في ندوة اليونسكو

بسم الله الرحمن الرحيم

    سيداتي سادتي، إخواني و أخواتي الأعزاء، أصدقائي الأعزاء، إنه لشرف كبير بالنسبة لي، و فرحة حقيقية، أن أراكم مجتمعين هنا، للإحتفال بهذه اللحظة المهمة، في تاريخ المنهج الصوفي العلاوي. نشكر اليونسكو و مجلسها التنفيذي، الذين منحونا هذه الفرصة، و السماح لتقليد عريق، بالتكلم أمامكم، و من خلالكم للعالم بأسره، لتقديم الوجه الآخر للإسلام. هذا الإسلام المحمدي، إسلام السلام، هذا الإسلام الذي يدعو إلى الأخوة. هذا الإسلام الذي يساعد كل بني آدم للعودة إلى الجوهر، في حضارة أصبحت فيها منهجية الإستهلاك مشكلا، يقودنا نحو إنحراف، نحو عالم غامض، و عالم بدون روح.

     إن الروحانية اليوم، روحانية الإسلام، و روحانية التقاليد الأخرى، و الحِكم التي تركها الرجال الكرماء البسطاء، منارات الإنسانية، عليها أكثر من ما مضى، أن تُجدَد اليوم، و يعاد اكتشافها، و يعاد التفكير فيها، حتى يجد عالمنا معنى و حكمة. لأن بدون هذا، فإن التحديات التي تنتظرها الإنسانية اليوم و غدا، ما هي إلا في ازدياد، و إن المجتمع الإنساني سينكسر، و ينقسم. حان الوقت بالنسبة لنا، أن ننتهز هذه الفرصة، التي تمنحها لنا حُجية التفكير و التأمل، أن نحلم بعالم آخر، لا يكون فيه الإنسان ذئبا لأخيه، و فيه لا يُشكِل معضلة للآخرين.

    الشيخ العلاوي لن أتكلم عنه، سأترك الكلمة للأخصائيين، الذين سيجعلوننا نكتشف فكر هذا الرجل، و نضاله و التجديد الذي كان يتمناه. هذا الكاتب و الصحفي، و هذا الشيخ، هو الأول من وضع قدمه في هذا البلد، في هذه المدينة، عند إفتتاح سنة 1926، مسجد باريس. هذا الشيخ كان لديه صورة لإنسانية، ففي نظره هي جسد، و كل إنسان هو خلية، و عضو كامل، و كل خلية عندما تعمل لصالح الجسم، تعمل أيضا لرفاهيتها، مهما الجزء الذي تشغله في الجسم، سواء كانت اليد أو الرجل أو الشعر أو المعدة، أو العين أو القلب. تكمن الأهمية في وحدة الجسد، و رؤية الإنسانية في وحدة. لأن إذا كان الله واحدا، فخلقه واحد و الإنسانية واحدة. زد على ذلك، لقد أعطانا الله سبحانه و تعالى في القرآن الكريم مقياس، لمعرفة بعضنا البعض، و قدم لنا كيفية التصرف مع بعضنا البعض، بالحكمة و الطيبة، و كذا عن طريق المجادلة. حتى بها قدم لنا تعليما.

    أهل الكتاب، التي تترجم عادة – في اللغات الأخرى ـ بأصحاب الكتاب أو أناس الكتاب، فحسب رأيي، هي غير صحيحة، لأننا عندما نقول أهل، فنحن نتكلم عن قريب. أهلي هم أقربائي، و عائلتي. أهل الكتاب هم أقرباء، و ليسوا غرباء، و لا بعيدون عنا.

    إن آخر توصياته عليه الصلاة و السلام، ترتكز على أربع نقاط، فعندما طلب منه أحدهم أن يعطيه نصيحة أخيرة، قال رسول الله صلى الله عليه و سلم "أفشوا السلام و صِلوا الأرحام و أطعموا الطعام و صَلوا بالليل و الناس نيام". (1)

    شكرا جزيلا لكم جميعا. و شكرا لصديقي وزير الشؤون الدينية، الذي يشارك اليوم معنا، قادما مباشرة من الحج، من مكة، لقد شرفنا بإعطائه لهذا اللقاء بعدا. حسب رأيي هي مهمة، حتى يستلفِت أن هذا الرجل جزائري (2)، و أن هذا البلد قادر على إنجاب رجال و نساء يحملون بصوت عال و واضح، الأخوة الإنسانية، و شكرا للسيد سفير البعثة الجزائرية، الذي قام بمجهود خالص و ساعدنا، حتى أنتم كلكم اليوم تكونون حاضرين هنا.
     شكرا لكم و لكُنَ جميعا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). عَنْ عبد الله بن سلام، قَالَ: لَمَّا قَدِمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَ سَلَّمَ الْمَدِينَةَ، انْجَفَلَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَكُنْتُ فِيمَنْ أَتَى، فَلَمَّا رَأَيْتُ وَجْهَهُ عَرَفْتُ أَنَّه وَجْه غَيْرُ كَذَّابٍ، سَمِعْتُهُ و هُوَ يَقُولُ  "أَيُّهَا النَّاسُ ، أَفْشُوا السَّلامَ، وَ صِلُوا الأَرْحَامَ، وَ أَطْعِمُوا الطَّعَامَ، وَ صَلُّوا بِاللَّيْلِ و النَّاسُ نِيَامٌ ، تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ بِسَلامٍ ". رواه أحمد و الترمذي.

(2). يقصد الشيخ العلاوي.


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق