الأربعاء، 13 يناير 2016

الإسلام المُعولَم، و الإسلام الجاهز

الإسلام المُعولَم، و الإسلام الجاهز


   كتبه الشيخ خالد بن تونس.
نشرتهShaphirNews  يوم 12 01 2016.

    بعد سنة واحدة من الهجمات الأولى، التي هزت المجتمع الفرنسي، ما الذي يمكننا أن نتعلمه من هذه الأحداث المميتة، و ما هي عواقبها؟ أي تبليغ ينبغي أن نعززه و ننادي به، من أجل بناء مجتمع أفضل؟ التحديث على Saphirnews ، مع الشيخ خالد بن تونس، المؤسس، و الرئيس الفخري للجمعية الدولية الصوفية العلاوية (AISA) ، و المؤسس و الرئيس الفخري للكشافة الإسلامية الفرنسية (SMF)، صاحب عدة تآليف، نذكر منها على الخصوص، كتاب "علاج النفس"، الصادر سنة 2009.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
   أيهما يمكنه، أن يساعد العالم الإسلامي، على إعادة إيجاد السلام، و إيجاد وحدته من خلال تنوع التيارات الذي تميزه، و يميزه القبول والتسامح والحوار مع الديانات الأخرى، هل هي رسالة تقليدية، حية وعالمية، تُذًكر كل كائن بالمبدأ الأساسي للتوحيد، و تدعوه لبناء دائرة الأخوة الإنسانية، في ظل الاحترام المتبادل بين الاختلافات، أو هي إسلاموية منطوية على نفسها، و عصبية، وغير قادرة على التكيف مع العصر؟

    من طرف إلى آخر على سطح الكوكب، تحظى إسلاموية غامضة،  برواج إعلامي رهيب، فهي تستخدم نفس الكلمات، و نفس الأفكار، ونفس الزي، لتقدم لشباب، يشعر بالضيق، نوع من إسلام جاهز، و تغريه بزخارف النساء، كمكافأة سماوية. إننا نشهد عملية سطو حقيقية، بعد خمسة عشر قرنا من التاريخ، و يوجد أمامنا ديانة  مهيأة و معيارية، جاهزة للإستعمال.

    على الرغم من ذلك، فمنذ ظهوره، أراد الإسلام و رسالته احترام الاختلافات. كيف يمكننا أن نفهم الانقسامات الضاربة بين الفرعين، هذين النهجين لنفس الدين؟ منذ البداية، أكد النبي صلى الله عليه و سلم، المساواة المطلقة بين جميع الناس "الناس سواسية كأسنان المشط" (1). لقد استجاب بكل تأكيد، لتوقع، و لرغبة ملحة في التغيير، و لأمل جديد للبشرية.

الكشف عن جذور الشعور بالضيق للمجتمعات الإسلامية
    يعمل الإسلام على التخويف اليوم، من خلال الموقف غير المسؤول، و غير الإنساني للبعض. بالنظر إلى جرائم القتل في باريس، في يناير ونوفمبر 2015، و تفجير متحف باردو بتونس، وعمليات القتل اليومية في أفريقيا وسوريا والعراق وأماكن أخرى، و تفككٍ للدول كـ (ليبيا، و اليمن، و الصومال، الخ .)، يخلي مكانه للفوضى، تقوم الإسلاموية المتطرفة، بإثارة الضمائر و التسلط عليها، بسبب التعرض المفرط، التي هي فيه محل تجربة، و كذا باحتلالها كل الساحة الإعلامية.

    لكي نفهمها بشكل أفضل، يجب علينا أن نكشف جذورها و تاريخها، و نفهم الشعور بالضيق الذي يلاحق المجتمعات الإسلامية، و الذي من خلاله يتزايد انتشارها.

    منذ الصدمة النفطية الأولى لعام 1973، و الدعم المالي الهائل الذي أسفر عنها، استفادت الملكيات النفطية في الخليج، أمام العالم، أنها ممثلة الإسلام، تريده "سني أرثوذكسي"، يعني بالنسبة لهم، السلفي. تقدم الوهابية نفسها أنها عقيدة نقية، في مواجهة إسلام شعبي و صوفي، و بالتالي هو منحرف في نظرهم. أصبحت الرابطة الإسلامية، ومقرها مكة المكرمة، أداة للدعاية، و دعوة حارة، في جميع أنحاء العالم.

   تم القيام بمجهود كبير للتحديث، باستثمارات ضخمة، من قِبل السلطات السعودية. إنها تستخدم الحج أيضا لترسم لنفسها صورة حداثة. يصبح كل حاج، شاهد معجب بهذا النظام الذي،هو في نظرهم، أصبح قادرا على أسلمة الحداثة. في الصحيفة السعودية "اليوم" بالدمام، تحت عنوان "الحج، تجارة حالمة"، ذُكرت في البريد الدولي (رقم 1252 من 30 أكتوبر إلى 5 نوفمبر 2014)، قارنت نادية بيشن، الدور الاقتصادي للحج، مع متنزه ديزني لاند، في ولاية كاليفورنيا. وفقا لها، "ينبغي تطوير صناعة السياحة الدينية واستغلال كل الفرص". تستمد الحركات الإسلامية المحافظة، نموذج نجاحهم من نغمات شريعة، أعيد تطويرها، وفق معايير المجتمع الاستهلاكي الغربي.

وهم عظمة الماضي
    بالتلاعب بالتاريخ، يستشهد خطاب الإسلاميين، كمثال، على العصر الذهبي للإسلام، مع  وجود الخلافة، على أنها مركز القرار السياسي، الذي وحد العالم الإسلامي. وبالتالي مطالبتهم اليوم، بإنشاء دولة إسلامية، يحكمها خليفة جديد، لاستعادة عظمة الماضي.

    هذه الآراء الساذجة، وهذه الخطب المتكررة والمناقشات العقيمة، و ما ينجم عنها، يتم إدخالها تدريجيا إلى المساجد والمدارس والجامعات. 45000 إمام من جميع الجنسيات، تخرجوا بالفعل لنشر هذه العقيدة. يقوم بخدمة هذا التعليم الديني، الأدوات الحديثة مثل الإنترنت، والشبكات الاجتماعية، و الدعاية، و أما عن منهجه و محتواه، الجاف، المتكرر، فإنه يحصر نفسه، بالرجوع إلى أفكار ماض أسطوري.

بناء عالم أكثر عدلا و أخوة
    في كل مكان، و على قواعد هذا الإسلام المهيأ، لا يعدو الأمر أنه صحوة إسلامية، و إعادة أسلمة جديدة، مستوردة مباشرة من البقاع المقدسة. و عندها، فمَن يمكنه مناقشة هذه الشرعية، دون أن ينكر إيمانه أو يجازف بحياته؟ لأنه، مع مرور الوقت، يتطرف الخطاب ، ويدعو علنا، ​​إلى استخدام العنف. وصلنا إلى إسلام معياري، و نموذج فريد، لا يعترف و لا يتسامح إلا مع نفسه. إنه يقوض و يعتدي على أتباع الديانات الأخرى، في حين يقول القرآن "لا إكراه في الدين"، سورة البقرة، الآية 256.

    إن الحصيلة قاتمة. تعد بمئات الآلاف من القتلى، والدمار، والاقتصادات المتأثرة، و إرهاب دولي متعلق بالإسلام، و حطام بشري و مالي هائل. من المستفيد من الجريمة؟

    لتمنحنا هذه السنة الجديدة 2016 البصيرة و النور، لبناء عالم أكثر عدلا و أخوة، و تزدهر فيها المناقشة وليس الصراع، و نضع في تآزر، علومنا، و أصولنا، و معرفتنا، لصالح إنسانية، تعيش في معاناة.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(1). جاء برواية "الناس كأسنان المشط و يتفاضلون بالعافية...". أخرجه ابن عدي و ابن الخطيب البغدادي في تاريخه، و يعد حديثا ضعيفا.

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق